أنت وفلسطين
د. راغب السرجاني
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله..
أما بعد..
فما أسهل الكلام وأصعب العمل!.. يقول ربنا سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم: "قَالَتِ الأَعْرَابُ: آمَنَّا.. قُلْ: لَمْ تُؤْمِنُوا!.. وَلَكِنْ قُولُوا: أَسْلَمْنَا.. وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ..". إن كلمة الإيمان سهلة، يقولها الكثير.. لكن القليل هو من يُصدِّق هذا القول بالفعل.. القليل هو من يعمِّق جذور الإيمان في قلبه عن طريق العمل والجهد والتضحيات..
عندما مر المسلمون في الأشهر الأخيرة من عام 2005م بأزمة الإساءة للرسول على صفحات بعض الجرائد الدنماركية وغيرها.. لمس الجميع عمق حب المسلمين لنبيهم .. ذلك الحب الذي ترجمته تلك الغضبة العارمة، التي شملت مشارق الارض ومغاربها.. حيث نُظِّمت المؤتمرات والندوات والمظاهرات، وظهرت لوائح المقاطعة هنا وهناك...
ومع كل التقدير لهذه العاطفة وتلك الغضبة.. إلا أن هذا النوع من النُصرة العاطفية أمر سهل لا يمكن أن يظهر عمقه في القلب إلا إذا صدَّقه العمل؛ لأن ميدان العمل أصعب دائمًا.. فلا تقف حدود نصرة الرسول عند حدود التصريح بحبه وإعلان الغضب له ؛ لأن الله في الأصل قد تكفَّل بنصر نبيِّه.. بل نصره بالفعل: "إلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ".
وإنما تتجلى نصرة المسلمين الصادقين لرسولهم في حُسن اتباع سنَّته، والسير على منهجه، والاهتداء بهديه القويم.
لا بد أن يسأل الأتباع الصادقون أنفسهم: ماذا لو كان النبي حيًّا بين أظهرنا الآن؟! كيف يكون تعامله مع قضايا المسلمين المختلفة وجراحهم النازفة هنا وهناك؟؟
وليست الإجابة عسيرة المنال على من فقه سيرة الحبيب ؛ فسيرته ملأى بكل ما يُصلح المسلمين في حياتهم، وما يمكن أن يمر بهم من مواقف..
ونريد في السطور القادمة أن نقف أمام أعمق جراح الأمة "جرح فلسطين"، وخاصَّةً بعد تطوراته الكبيرة الأخيرة، وما صاحب تشكيل "حماس" للحكومة الفلسطينية (بعد فوز ساحق في انتخابات 2006 والتي شهد الجميع بنزاهتها) من انكشاف فاضح لأوراق التآمر الدولي على الأمة عامة، وعلى فلسطين خاصة.. عبر قرارات تجميد الأموال، والحصار الخانق للشعب الفلسطيني عقابًا له على اختيار منهج الإسلام والمقاومة (المعروف دوليًّا باسم: الإرهاب!!).
ولا نريد في هذه السطور أن نكتفي بتكرار كلام يعرفه ويسمعه الجميع كل يوم.. ولا أن نقتصر على استعراض معلومات وحشد أفكار نظرية؛ فلا واقعية الإسلام، ولا إلحاح الظرف الفلسطيني العصيب.. يسمحان بأي قدر من الترف الفكري الذي لا يُتَرجَم على أرض الواقع.
ونسأل الله عزَّ وجَلَّ أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.
ماذا لو كان حيًّا بين أظهرنا ؟!
إذا كانت أزمة الرسوم المسيئة لرسولنا قد أظهرت عمق حب المسلمين لنبيهم العظيم.. فلا بد أن تظل الأمة حريصة على إبقاء جذوة الحب تلك مشتعلة في القلوب، ولا بد أن تستضيء بها الأمة – من بعد – في رسم طريقها في الحياة على نهج النبي وهديه في كل موقف وحال.
والخطوة الأولى دائما في هذا الطريق أن نسأل أنفسنا هذا السؤال: ماذا لو كان حيًّا بين أظهرنا ؟ ونقارن بين ما نمرُّ به من أحداث ومواقف، وما مرَّ به من أحداث ومواقف؛ ذلك أنه قد ترك لنا من التشريعات والأحكام ما نستطيع به أن نتبين منهجه فيما يستجد من أمور حتى بعد أن غاب عن حياتنا بشخصه .
من أجل ذلك نريد أن نعقد مقارنة بين تعامل الأمة الإسلامية (المتَّبعة للرسول والمحبة له) مع الملف الفلسطيني بتداعياته.. وبين تعامل الرسول مع قضايا مشابهة واجهتها الأمة في حياته .. وسنأخذ مثلاً (غزوة تبوك) التي وقعت في العام التاسع الهجري، وكانت آخر غزوة خرج فيها .
الدارس لغزوة تبوك وما سبقها من استعداد وتحفيز عالٍ للأمة بكل طاقاتها.. يدرك دون عناء خطورة الموقف الذي كان يواجهه المسلمون حينذاك.. حينما مُسَّت كرامة الأمة من قِبَل أقوى دول الأرض (الروم)، والتي كانت تقتسم النفوذ في العالم مع دولة الفرس، فجهَّز رسول الله ثلاثين ألف مقاتل (في جيش هو الأضخم على مستوى غزوات وسرايا العهد النبوي)، وحفَّز المؤمنين للجهاد بأموالهم قبل الخروج بأنفسهم؛ نظرًا لحالة العسرة الشديدة التي كانت تمر بها الأمة آنذاك.. وظهرت نماذج البذل الرفيعة في أمة الإسلام بصور غير مسبوقة...
لقد جيَّش الأمة بكامل طاقاتها للخروج إلى تبوك؛ لأن الدولة الرومانية العظمى (فى ذلك الوقت) قتلت رجلين فقط من المسلمين، وجمعت جيوشًا على أطراف الدولة الإسلامية.. أي أنها لم تدخل الدولة الإسلامية بعد..
ترى.. لو كان حيًّا بين أظهرنا، وحدثت مشكلة تبوك في وقت متزامن مع ما تمرُّ به فلسطين اليوم من محن.. ولم تكن له طاقة إلا أن يتوجه لمكان واحد.. أتراه يختار تبوكًا أم يختار فلسطين؟؟ لأننا نريد أن نخلُص من ذلك إلى نتيجة مهمة.. هي أنه إذا جيَّش الرسول كل تلك الإمكانيات لحل مشكلة تبوك، وكانت مشكلة فلسطين أكثر إلحاحًا وخطورة.. فإن التحرُّك لحلِّها ونصرة شعبها سيكون أوجب، وبطاقةٍ مضاعفة..
وللموازنة بين إلحاح مشكلة تبوك وإلحاح مشكلة فلسطين لا بد أن نعقد المقارنة التالية بين المشكلتين:
1. غزوة تبوك كانت لمقتل رسولين من المسلمين في أرض الشام، كانا في طريقهما إلى قيصر، (رجلين فقط!).. أما فلسطين فقد استشهد من أهلها أكثر من أربعة آلاف! 20% منهم أطفالٌ تحت (16 سنة) وذلك منذ بدء انتفاضة الأقصى عام 2000 فقط!!..
2. في تبوك.. كان الجيش الروماني يتجهز لحرب رسول الله ، ولم يدخل الجزيرة العربية بعد.. بل كان في أرض الشام، ولم تكن الشام ولا تبوك أرضًا إسلامية آنذاك.. أما فلسطين الإسلامية فيعيث فيها الجيش اليهودي القذر فسادًا.. أي أن الجيش اليهودي بالفعل في أرض إسلامية، وهو لا يحتل فقط.. بل يستبدل بأهل فلسطين أهله وأبناءه من بني إسرائيل!..
3. في تبوك.. لم يُخرَج مسلم من داره، أما في فلسطين فقد أُخرِجَ ملايين الفلسطينيين من ديارهم منذ أكثر من خمسين عامًا!! وربنا يأمرنا (وعلينا الطاعة) فيقول: "وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ".
4. تبوك كانت تهديدًا، ولم يحدث بعدُ قتال.. أما فلسطين فتعاني من حرب ضارية قائمة بالفعل.. وربنا يأمرنا.. وعلينا الطاعة، فيقول: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ".
5. تبوك لم تكن بها مقدسات إسلامية.. بل كان بها ديار الظالمين.. ديار ثمود!! أما فلسطين ففيها الأقصى.. ثالث الحرمين.. وأولى القبلتين.. ومسرى رسول الله شتان - في اعتقادي - بين الموقفين.. لا شك أنه لو كان حيًا بين أظهرنا لاختار فلسطين على تبوك. إن كان لابد من الاختيار؛ فقضية فلسطين أشد خطورة.. وكلتا القضيتين خطيرة..
وعلى هذا القدر يجب أن تنظر الأمة كلها إلى قضية فلسطين وواجباتنا نحوها..
وقبل أن نفصِّل في الواجبات التي تجب على كل مسلم تجاه فلسطين.. سنتوقف في الصفحات القادمة أمام بعض المفاهيم التي تضبط رؤيتنا لقضية فلسطين، خاصَّةً في أعقاب التداعيات التي تلت تشكيل (حماس) للحكومة الفلسطينية.. ذلك أن حُسن الفهم يقود إلى حُسن العمل، وعلى الجانب الآخر.. فسوء الفهم قد يُقعد صاحبه عن العمل في منتصف الطريق، بل في أوله!! إلى جانب ما ينتج دائمًا عن التحرُّكات غير المنضبطة بفهم صحيح من فساد وإفساد.
نصرة فلسطين واجب حتمي!
هناك عدَّة أسباب ترفع درجة دعم إخواننا في فلسطين بكل الوسائل المتاحة من مستوى التفضُّل أو النافلة الاختيارية إلى مستوى الوجوب الحتمي الذي لا يمكن أن ينفَكَّ عنه المسلم إذا أراد صلاح آخرته ودنياه..
أولاً: فريضة شرعية..
يتعين على أهل الأرض المسلمة المحتلة الجهادُ من أجل تحريرها.. أي يُفرض عليهم الجهاد كالصلاة المفروضة وكصيام رمضان..
ولا خلاف بين العلماء في أن من لم يجاهد من أهلها لتحريرها بكاملها أثم.. وبالتالي فإن على أهل فلسطين أن يجاهدوا حتى يحرروها بكاملها، فإن لم يكف أهل فلسطين لتلك المهمة – كما هو واقع أمامنا اليوم - تعيَّن الجهاد على الأقطار الإسلامية المجاورة أو ما تسمى دول الجوار: "مصر والأردن وسوريا ولبنان... وهكذا، حتى يشمل ذلك كل مسلمي الأرض.. فرض على المسلمين في كل الأرض أن ينصروا إخوانهم في فلسطين، وهم يرون ما يصيبهم يوميًّا وعلى مدار أكثر من خمسين سنة!!
روى أبو داود عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَي طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّ رضي الله عنهما أن رَسُولُ اللَّهِ قال: "مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ".
فالرسول أمرنا بنصرة المسلمين المظلومين (بل إننا مأمورون فوق ذلك بنصرة أي مظلوم ولو كان من غير المسلمين).
ولا ظلم أوضح مما أصاب إخواننا في فلسطين؛ ففي خمس سنوات فقط (من عام 2000م إلى 2005م) دُمِّر قرابة 40 ألف منزل!! وأكثر من أربعين ألف جريح.. إلى جانب أعداد الشهداء التي ذكرناها منذ قليل.
ثانيًا: واجب النخوة!!
إذا لم يجد المسلمون في الوجوب الشرعي دافعًا كافيًا (وهذا غير مقبول!).. أفلا تتحرك النخوة الإنسانية في الصدور أمام حجم الظلم والعدوان الرهيب الواقع على أهل فلسطين (أيًّا كانت صلتنا بهم)؟!!
إن النخوة الإنسانية قد تحمل بعض الكافرين على التحرك لنصرة المسلمين المظلومين!! ونرى ذلك في الواقع كثيرًا.. وفي التاريخ أكثر.. ولا بد أن نتذكَّر أن بعض المشركين من بني هاشم قد حوصروا مع رسول الله وأصحابه في شعب أبي طالب ثلاث سنوات ذاقوا فيها مرارة الجوع والحرمان.. وما تحملوا ذلك إلا نُصرةً لمحمد لمجرد أنه من قبيلتهم!! تحركت نخوتهم القبلية له مع عدم إيمانهم برسالته.. وحملتهم تلك النخوة على ذلك الصبر العجيب الذي قد يُفهم من المسلم صاحب العقيدة لا من المشرك!
ثم إن الذي تحرَّك لنقض الصحيفة ورفع ذلك الظلم كان خمسة من مشركي قريش (ليس فيهم مسلم واحد!!) وكان منهم "المطعم بن عدي" وآخرون.. لم تحتمل نفوسهم الحية رؤية المظلومين دون أن ينصروهم..
• تُرى.. أيأتي زمان على أمة الإسلام.. نتمنَّى فيه أن ترتفع أخلاق المسلمين إلى أخلاق الكافرين.. من أمثال "المطعم بن عدي" ومن معه ممن تحرَّكت نخوتهم للمسلمين؟؟!
• وإذا كان من المشركين قديمًا من تحرَّك لرفع الحصار عن المسلمين، وتمزيق الصحيفة الظالمة.. فمن يمزِّق اليوم صحيفة المقاطعة الظالمة.. التي تلتف اليوم حول رقاب أبناء فلسطين؟؟!
ثالثًا: العُرف !..
أيُنْكِرُ العرف العالمي المعاصر على شعب أن يُحَرِّر أرضه؟!
• أجُرِّمَ الفرنسيون لأنهم حاولوا ونجحوا فى تحرير بلادهم من الألمان عندما احتلوها؟!
• أجُرِّمَ الجزائريون لأنهم حرروا بلادهم من فرنسا؟!
• أجُرِّمَ الليبيون لأنهم حرروا بلادهم من إيطاليا؟!
لماذا لا تُجَرَّمُ دول العالم التى احتُلَّتْ عندما تكافح لتحرير نفسها (بل يُكَرَّم أبناؤها ويُعَدُّون أبطالاً)؟؟.. بينما يُجَرَّمُ الفلسطينيون الآن.. ويوصَم أبطالهم بالإرهاب؟!! ويتحالف على ذلك القريب والبعيد.. والمسلم وغير المسلم؟؟!
لا ينكر العُرف أبدًا مشروع المقاومة التي تبنَّته حماس وتبنَّاه – من وراء حماس - الشعب الفلسطيني بأغلبية ساحقة!..
رابعًا: خصوصية فلسطين..
وإذا كان الشرع يفترض على المسلمين تحرير أي أرض إسلامية يحتلها العدو.. فإن لأرض فلسطين خصوصية إسلامية تُضاعف الهمم لتحريرها، وتُلهِب الأشواق للاستشهاد على ترابها.. أرض فلسطين أرض خاصة، ليست ككل أراضى المسلمين..
• فيها المسجد الأقصى.. أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله .
• وهي الأرض التي بارك الله عز وجل فيها للعالمين.
• وفي أكنافها يرابط المجاهدون الصادقون إلى يوم القيامة.. فقد روى أحمد في مسنده عن أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ (أي: مشقة) حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ".
• وهي أرض المحشر والمنشر.. كما روى ابن ماجة عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ.. قَالَ: "أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ..."
ولعل الله عز وجل قد وضع كل هذه الصفات العظيمة فى هذه الأرض لأنه يعلم سبحانه بسابق علمه أنها ستظل بؤرة صراع إلى يوم القيامة.. طمع فيها قبل ذلك الفرس، ثم الرومان.. ومرت الأيام فغزاها الصليبيون.. ثم تعاقبت القرون فطمع فيها الإنجليز فاليهود... وستظل بؤرة صراع إلى يوم القيامة؛ فمن رحمة رب العالمين بالمسلمين أن جعل فيها كل هذه الصفات لتهفو إليها نفوس المسلمين؛ فلا تُحتل فلسطين إلا وتحركت نفوس المسلمين إليها.
ولذلك فإن فلسطين تُعَدُّ مقياسًا لإيمان الأمة؛ فلو تحركت الأمة بحميَّة فى قضية فلسطين فهذه دلالة على قوة الإيمان، وإذا تخلَّفت الأمة عن نصرة قضية فلسطين فهذه علامة على ضعف إيمان الأمة.. ولا يأتي نصرٌ مع ضعف الايمان.
خامسًا: الأمن القومي..
وجود قوة إسلامية كبيرة تقف في مواجهة المشروع الصهيونى فى فلسطين هو من ضرورات الحفاظ على الأمن القومي.. ليس لفلسطين فقط، ولا لدول الجوار وحدها، ولكن للعالم العربي والإسلامي بكامله.. وفى مقدمته "مصر".
وحركة حماس الآن تمثل رأس الحربة الموجه إلى قلب العدو الصهيوني.. وإن لم يُقَوَّ ذلك الرأس، وإن أُنهك وأُضعف المشروع الإسلامي فى فلسطين.. وإن سقطت المقاومة التفت اليهود إلى ما وراء فلسطين من سائر بلاد العالم العربي والإسلامي.
ولم يعد سرًّا أن اليهود قد بنوا مخططهم الاستعماري على أساس التوسع وعدم الاكتفاء بفلسطين.. ولا يحاول اليهود إخفاء ذلك، وإلا لما بقيت خريطة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات مرسومة على جدار الكنيست، ومشفوعة بالنصوص الدينية المزعومة، التي تؤكد هذا الحق لهم.. وما احتلال سيناء مِنَّا ببعيد، ولا غزو لبنان مِنَّا ببعيد.. وما يزال احتلال الجولان واقعًا مريرًا يراه المسلمون بأعينهم. وإذا تُرك للقوة اليهودية أن تنمو دون مقاومة فما نشك مطلقًا فى أنهم سيفكرون فى دولتهم الكبرى من النيل إلى الفرات.. وإن أقاموها فسيفكرون فيما بعدها... وأحلام اليهود لا تتوقف عن التوسع.
ومما يؤكد رغبة اليهود في بسط الهيمنة وإحكام الحصار على العالم الإسلامي كله.. ما قاموا بالتخطيط له فور قيام دولتهم في منتصف القرن الماضي، ففي أعقاب عام 1948م أعلن (بن جوريون) على الملأ المخطط الإسرائيلي الذي عُرف باستراتيجية (شد الأطراف)، ويهدف هذا المخطط إلى حصار العالم العربي عن طريق:
• إقامة تحالفات إسرائيلية مع أهم الدول ذات الأصول العرقية غير العربية، والتي تحيط بالعالم العربي.. وكانت أولى الدول التي توجهت إليها أنظار اليهود في ذلك الوقت: تركيا وإيران (قبل قيام الثورة الإسلامية) وأثيوبيا.
• إلى جانب استثارة المشكلات العرقية لدى الأقليات التي تعيش في الأقطار العربية، عن طريق توثيق الاتصالات مع زعماء تلك الأقليات (الأكراد في العراق – سكان جنوب السودان – الموارنة في لبنان – الدروز والأكراد في سوريا - ......).
ولم يأت عام 1960م حتى وقفت (جولدا مائير) وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك لتعلن بفخر: "لقد نجحنا في إقناع الدول المحيطة بالدول العربية لإقامة (حلف الدائرة)؛ ليشكِّل سورًا حول تلك الدول!...
وظلت هذه الاستراتيجية حاكمة للعقل الإسرائيلي إلى وقتنا هذا.. ولنا أن نلاحظ الحرص اليهودي المستمر على التحالف مع أطراف العالم الإسلامي لشدِّها إليه، ومن ثَمَّ حصار الأمة كلها (لا فلسطين وحدها). وتأملْ – في ذلك الصدد - متانة العلاقات الإسرائيلية مع دول مثل الهند بل موريتانيا!! ولاحظ مدى إلحاح استراتيجية الحصار على تحركات السياسة الخارجية الإسرائيلية عندما تعلم أن إسرائيل كانت أول دولة تقيم جسورًا من العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع الجمهوريات الإسلامية التي تحررت من السيطرة السوفييتية أوائل التسعينيات.
ولا يفوتنا أن ندرك أن اليهود لا ينجحون في التحالف مع دول إسلامية، أو استثارة النعرات العرقية في بعض هذه الدول إلا عندما يغيب المنهج الإسلامي عن توجيه النظرة السياسية لتلك الدول داخليًّا وخارجيًّا، وتسود النظرة الدنيوية والمناهج العلمانية.
نحن – إذًا – لا نتفضَّل على إخواننا في فلسطين عندما ننصرهم أو نقدم لهم الدعم.. وإنما ننصر أنفسنا في المقام الأول، ونسعى للنجاة من سياسة الحصار التي تلتف حول رقابنا دون أن نشعر.. تلك السياسة التي تركناها تنجح (بكل أسف) في تركيع العراق حتى سقط، وفي قهر ليبيا على قبول شروط الغرب… وها هي تتم الآن لإرغام الشعب الفلسطيني على نبذ المقاومة، والتخلي عمَّن يرفعون لواءها؛ ليُهدم حائط الدفاع الأول الذي يواجه الطغيان الصهيوني.
وكما رأينا.. فلن تقتصر النجاة على الدنيا فقط، بل إن دعم إخواننا حتميٌّ لنجاتنا في الآخرة من عقوبة التخلي عن تحرير أرض إسلامية محتلة (وخاصَّة فلسطين).. إلى جانب النجاة الأخلاقية من فقدان النخوة الإنسانية عندما نرى المظلوم يُذبح دون أن نمدَّ له يد العون.
لماذا يخافون من حماس.. ؟!
لا بد هنا من وقفة نتأمل فيها سرِّ الهياج الإقليمي والدولي الذي أعقب وصول (حماس) للسلطة في فلسطين، عبر انتخابات شهد لها الجميع بالنزاهة.. فمن حق أي عقل أن يتساءل: لماذا يتكتَّل المجتمع الغربي (بجناحيه الأمريكي والأوروبي) لإجهاض تجربة حماس، مع أنها لا تخلو من عوائق النمو الطبيعية، والتي يأتي على رأسها الاحتلال الإسرائيلي بكل آثاره المعروفة.. إلى جانب أن فلسطين أصلاً (حتى دون احتلال) دولة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 26 ألف كم مربع.. فما الأثر الذي سينعكس سلبًا على مصالح الغرب من جرَّاء وصول التيار الإسلامي (الذي تمثله حماس) إلى سلطة محفوفة بالمشكلات والمصاعب؟!!
لا يمكن – في هذا السياق – أن يُرَدَّ الأمر إلى قوة حماس عسكريًا؛ تلك القوة التي مهما بلغت فلن تتجاوز بكثير قوة فتح (التي كانت تمثل السلطة السابقة) فضلاً عن أن تُقارَن بالآلة العسكرية الإسرائيلية وما تتمتع به من إمكانيات نووية وغير نووية.
ولا يتبقَّى من أسباب الهياج العالمي إلا أن الفائز هذه المرة هي (حماس) التي ترفع شعار الإسلام كعلاج وحلٍّ لما على الساحة الفلسطينية من مشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها... وهذا في حد ذاته غير مقبول عند أرباب السياسة الدولية المعاصرة للأسباب التالية:
أولاً: أسلمة القضية.. ونتائجها:
نجاح حماس يعني – ببساطة – "أسلمة القضية الفلسطينية"، وهذه الأسلمة فى عرف الساسة الدوليين خطيرة جدًا جدًا.. لأنها تغير موازين اللعبة تمامًا بصورة تعصف بتاريخ طويل من التخطيط الدائب والتهيئة الحثيثة لمسرح الأحداث ليكون صالحًا لنمو الكيان الصهيوني واستقراره.
1. أسلمة القضية.. بداية الحل!
أسلمة القضية الفلسطينية تعني بداية الطريق الصحيح نحو حل هذه القضية حلاً جذريًّا يُعيد الحق لأصحابه، ويقضي على الاحتلال الذي طال فوق ثمانية وخمسين عامًا.
والمتأمل لتاريخ فلسطين يُدرك دون عناء أنها ما عادت أبدًا للمسلمين إلا على يد جيش مؤمن صادق، يرفع راية الإسلام بحقٍّ، ويستكمل شروط النصر الإلهي بصدق.. وأعداؤنا يقرءون تاريخنا، ويعلمون (أكثر منا للأسف!) كيف يمكن أن ننتصر، ومن المؤكد أنهم يعرفون قول عمر بن الخطاب لجنوده: "..إنما يُنصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم.. فإن استوينا في المعصية، كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا نُنصرْ عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا.." ومن الواضح أن هذه الأمة لا تُنصر إلا إذا أعادت حسن صلتها بربها، وأحكمت روابط الأخوَّة بين أبنائها، واجتهدت في استكمال قوَّتهم قدر الطاقة..
وبالتالي فإن اليهود ومَن وراءهم لا يشغلهم كثيرًا النظر إلى مفردات القوة العسكرية التي تمتلكها حماس.. وإنما ينظرون إلى إخلاصهم وصدقهم وحميَّتهم، وإلى حبِّهم للموت فى سبيل الله، وطلبهم للجنة، وخوفهم من النار، وتمسكهم في كل كبيرة وصغيرة بشرع الله عز وجل... وعندما يرى العدو ذلك يدرك إدراكا يقينيًّا أن المجال لو تُرك لهؤلاء فلن يحكموا فلسطين فقط.. بل سيحكمون العالم أجمع!! وقد تكرر هذا مرارًا فى تاريخ المسلمين.
وإذا ضاق أعداؤنا اليوم بصعود حكومة حماس فقد ضاقوا من قبل بمثل هذا المشهد في الجزائر عام 1992م عقب نجاح الإسلاميون بنسبة 90% ، وقامت الدنيا حينها، ولم تقعد حتى أجهضوا (بقيادة فرنسا بلد الحريات!!) قيام حكومة إسلامية فى الجزائر (مع أن الجزائر أيضًا ليست دولة شديدة التأثير على مسار الأحداث الدولية).. ومازال الشعب الجزائري يدفع الثمن الغالي لاختياره الديمقراطي! وما يزال المجتمع الدولي خائفًا من صعود من يرفعون راية الإسلام إلى الحكم في أي مكان لنفس الأسباب.
2. توسيع جبهة المقاومة:
من نتائج أسلمة القضية الفلسطينية أيضًا إدخال أطراف كثيرة لا يريد العدو لها أن تدخل في حسابات المعركة المصيرية بيننا وبينه..
ولمزيد من التوضيح لا بد أن نتذكر أن تعداد المسلمين في العالم 1300 مليون تقريبًا (مليار وربع المليار!)، بينما لا يتجاوز العرب بكثير حدود 300 مليون فقط!! وإحياء البعد العقائدي الإسلامي في قضية فلسطين يعني استنفار عواطف (فضلاً عن طاقات) الملايين من الشعوب والدول الإسلامية، والتي لم تكن لتدخل في المعادلة لو أن القضية بقيت محصورة داخل الإطار القومي العربي الضيق.
هذا التوسيع لجبهة المقاومة توسيع واقعي واجب؛ لأن الشأن الفلسطيني كما تبين لنا في الصفحات السابقة يدخل في عقيدة المسلمين.. أيًّا كانت انتماءاتهم اللغوية أو العرقية، ولنا أن نتخيل أن تدخل في حسابات العدو (وهو ينظر إلى القضية الفلسطينية) دولٌ مثل باكستان أو تركيا أو إيران أو إندونيسيا... أو غيرها من الدول الإسلامية ذات الثقل الاقتصادي أو العسكري أو البشري.. في ذلك الحين سيجد العدو نفسه في مواجهة طاقات وإمكانيات متنوعة، ومساحات جغرافية هائلة (من مثل ما يتمتع به العالم الإسلامي).
وقد شاهد أعداؤنا من أشهر قليلة ما يمكن أن يؤدي إليه المساس بالعواطف الدينية للشعوب الإسلامية (عربية كانت أو غير عربية) عندما أسيء لشخص الرسول العظيم على صفحات جرائد الدنمارك وغيرها.. وهم يعلمون أن نصرة المسلمين وغضبهم لفلسطين لن يكون أقل، وخاصة إذا صحَّ فهم القضية وفقه أبعادها الشرعية.
3. جنود يرجون الله!
من النتائج الخطيرة (في تقديرات العدو) لأسلمة قضية فلسطين – وغيرها من قضايا الأمة المصيرية – أن أعين الجنود الذين سيحملون هذه القضية ستكون موجَّهة نحو الجنة (سلعة الله الغالية!!) لا نحو أي مغنم دنيوي رخيص، وهذا ما يتربَّى عليه (من اللحظة الأولى) كلُّ من جعل الله غايته، والآخرة وجهته.. إنه قد أبرم هذه الصفقة منذ أعلن أنه مؤمن: "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".
وإذا اتَّخَذَت قضيةُ فلسطين البُعدَ العقائدي الإسلامي فسيكون جنودها ممن أبرموا هذه الصفقة مع رب العالمين.. وبالتالي فلن يكون بوسع الواحد منهم إبرام صفقات دنيوية حقيرة يتنازل فيها عن حق الله في أرض فلسطين مقابل حفنة دولارات!!
وهذه النوعية من الجنود تُعجِز العدو (وخاصة اليهود)؛ فلن يستطيع شراء ضمائرهم، أو تحويل نظرهم عن الآخرة.. إذ كيف يمكن لمن يرى الجنة ويشم ريحها أن يرجو أجرًا من أمريكا أو بريطانيا أو .....؟!!
وما نُكِبت قضية فلسطين إلا يوم نجح المال ومتاع الدنيا في شراء ذمم بعض أبناء القضية (ممن بدءوا حياتهم في خنادق المقاومة والجهاد!!).. فتغيرت النفوس، وانحرفت التوجُّهات، واستُخْدِم المجاهدون السابقون كأدوات لبيع القضية وخسرانها.
وصدق رسول الله حين حذَّر أمته من فتنة الدنيا في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه: "...فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ".
ثانيًا: خوفًا من تكرار التجربة..
إذا نجحت تجربة حماس في الحكم (برغم صعوبات الاحتلال القائمة، وبرغم ضعف الإمكانيات) فسيشجع هذا النجاح على إمكانية تكرار التجربة في بلدان إسلامية أخرى كثيرة.. ونحن نلمس جميعًا مدَّ الصحوة الإسلامية في كل بلاد العالم الإسلامي، التي ستكون فرص نجاح تجربة الحكم الإسلامي فيها أكبر إذا قورنت بما يواجه حماس من الصعوبات التي أشرنا إليها آنفًا.
ولا يخفى بالطبع ما يمثله صعود التيار الإسلامي إلى الحكم في مختلف بلدان العالم الإسلامي من خطورة بالغة تهدد مصالح الغرب في بلاد المسلمين.
ثالثًا: كشف أوراق الفاسدين!!
وإلى جانب كل ما سبق فإن نجاح حماس بمرجعيتها الإسلامية سيفتح ملفات سوداء للفساد الذي لطَّخ سيرة السلطة السابقة؛ لأن نظافة يد حماس، وتعففها عن المال العام سيفضحان قبح ممارسات أركان السلطة السابقة.
والحق أن ملف الفساد في السلطة السابقة لم يعد من قبيل الأسرار؛ ففضائحه يعرفها القاصي والداني، ويتداولها القضاء الفلسطيني.. كما أنه ملف قديم أصيل في سلوك تلك السلطة (إلا من رحم الله) منذ استلمت مقاليد الأمور في عام 1996م.. ويكفينا أن نعرف أنه في عام 1997م (أي بعد عام واحد فقط من استلام السلطة!!) أُعلِن عن اختفاء (326 مليون دولار!!).. ولا ندري ما معنى اختفاء مبلغ بهذا الحجم؟!!
وهذا الخبر – وغيره كثير يثير الفزع! – يؤكد خطورة فتنة المال التي كان رسولنا يخشاها على أمَّته.. فقد روى الإمام أحمد عَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَإِنَّ فِتْنَةَ أُمَّتِي الْمَالُ".
وإذا تنزَّلت بركات السماء والأرض (التي وعد الله بها أهل القرى لو آمنوا واتَّقوا) على الاقتصاد الفلسطيني عندما يُدار بأيدٍ تراقب الله وتتعفف عن الحرام.. إذا حدث ذلك فلن يتكشَّف الوجه القبيح لفساد السلطة السابقة وحده، بل ستلتفت شعوب الدول الإسلامية المجاورة إلى أثقال الفساد والنهب التي تكبِّل نموَّها، وسيعرف الجميع أن هذا العالم الإسلامي (وعلى عكس ما يُصَوِّر الكثير أو يتصوَّرون) غنيٌّ بموارده.. غزيرة بركاته.. لا تحتاج أرضه لعصًا سحرية لتنشقَّ عن خيراتها التي أودعها الله إيَّاها، إنما تحتاج لأيدٍ متوضئة معتصمة بهدي السماء.
من أجل ذلك لا يُطيق المفسدون علوَّ المصلحين وظهورهم؛ لأن مجرَّد هذا العُلوّ والظهور سيكشف الفساد الذي يُراد له أن يظلَّ مستترًا تحت الأرض.
يتبع الموضوع