الفصل الأول
في حكم الحج
الحج من أعظم الواجبات الدينية وإحدى الدعائم الخمس التي بني عليها الإسلام.
وقد فرضه الله تعالى تشييداً للدين وتثبيتاً لقواعده وتعظيماً لشعائره، وأمر خليله إبراهيم (عليه السلام) أن يؤذّن به في الناس في غابر الزمان ليفدوا على ربهم مستجيبين لدعوته متعرضين لرحمته متذللين له خاضعين خاشعين باذلين أموالهم متخلين عن زهرة دنياهم متحملين في سبيله النصب والتعب ليؤدوا حقه وليشهدوا منافع لهم وليتعرفوا على آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويجددوا عهداً به وبآله (عليهم السلام)، فيفوزوا برحمة الله تعالى وغفرانه، وعفوه، ورضوانه، ويؤتيهم في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، ويقيهم عذاب النار.
وتركه عند اجتماع شرائط وجوبه تسويفاً من الكبائر العظام، حتى ورد أن من تركه من دون عذر فليمت يهودياً أو نصرانياً، وبه فسر في أحاديث كثيرة قوله تعالى: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً) وقد قرنه الله تعالى بالكفر إذ يقول: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)، وفي وصية أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا تتركوا حج بيت ربكم فتهلكوا»، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «أما إن الناس لو تركوا حج هذا البيت لنزل بهم العذاب وما نوظروا».
(مسألة 1): يجب الحج ـ بالشرائط الآتية ـ في العمر مرة واحدة على نحو الفور. وهو حج الإسلام.
كما يجب بالعرض بنذر أو إجارة عن الغير أو نحوهما، ويجب أيضاً بإفساد الحج على ما يأتي في محله إن شاء الله تعالى.
(مسألة 2): يجب الحج وجوباً كفائياً على المكلفين عامة ـ ممن وجد الشرائط الآتية وغيره ـ بالمقدار الذي يرتفع به تعطيل الكعبة المعظمة والمشاعر المقدسة في الموسم.
وإذا تركه الناس أجبرهم الإمام عليه، وإن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال.
(مسألة 3): يستحب الحج استحباباً عينياً على جميع الناس من وجد منهم الشرائط الآتية وغيره. ويتأكد استحبابه للموسر في كل خمس سنين مرة، بل في كل أربع.
الفصل الثاني
في شروط وجوب حج الإسلام
وهي اُمور.
الأول: البلوغ، فلا يجب على الصبي والصبية وإن كانا مراهقين.
(مسألة 4): إذا كان الصبي مميزاً استحب له الحج بإذن وليه، واستحب لوليه الإذن له فيه إذا لم يكن فيه مفسدة له، وإن لم يكن مميزاً استحب لوليه الشرعي أن يحج به، ولو بأن يرسله مع غيره، فيلبسه ثوبي الإحرام ويلقنه الدعاء بالمأثور والتلبية إن أحسن ذلك، وإن لم يحسنه لبى عنه، ويجنبه محرمات الإحرام، ويأمره بكل فعل يمكنه مباشرته، ويستنيب عنه في ما لا يمكنه مباشرته، ويطوف به ويسعى، ويقف به المواقف كلها إلى أن يتم أعمال الحج وجميع الواجبات.
(مسألة 5): يجب على الولي أن يهدي عن الصبي من ماله، لا من مال الصبي. ولو ابتلي الصبي بالصيد تحمل عنه الكفارة، أما لو ابتلي بغيرها من محرمات الإحرام فلا تجب الكفارة، وإن كان الأحوط استحباباً تحمل الولي لها في ماله أيضاً.
(مسألة 6): حج الصبي أو الحج به لا يجزي عن حجة الإسلام، بل يجب عليه الحج إذا بلغ. وفي إجزاء حجه إذا بلغ فأدرك الموقفين أو أحدهما إشكال.
الثاني: العقل، فلا يجب على المجنون وإن كان إدوارياً، إلا إذا صادف دور إفاقته أيام الموسم بنحو يستطيع الذهاب إلى المشاعر والقيام بتمام الأعمال. وفي استحباب الحج به إشكال، كالإشكال في إجزائه عن حج الإسلام لو أفاق فأدرك الموقفين أو أحدهما.
الثالث: الحرية فلا يجب على المملوك وإن كان مبعضاً، ويستحب حجه بإذن مولاه، ولا يجزيه عن حج الإسلام، إلا أن ينعتق بحيث يدرك أحد الموقفين حراً، فإنه يجزي حينئذٍ من دون فرق بين حج التمتع وغيره مما هو وظيفة له.
الرابع: الاستطاعة، وهي تحصل باُمور ثلاثة..
أولها: الصحة في البدن، بحيث يستطيع السفر ذهاباً وإياباً وحضور المشاهد وأداء المناسك.
نعم، لا يشترط القدرة على ما تشرع فيه النيابة مطلقاً ـ كالذبح ـ أو في حال العجز كالطواف والرمي.
ثانيها: المال، بأن يكون واجداً لمال يفي بحجه في جميع ما يحتاج إليه من زاد، اسطة نقل، وثياب، ومتاع، ودواء، وفراش، وخادم، وغيرها مما يحتاج إليه.
(مسألة 7): المعيار في جميع ذلك على ما يناسب شأنه، ويفي بحاجته، بحيث لا يكون الحج به موهناً أو مجهداً له بنحو يبلغ الضرر أو الحرج.
(مسألة 8): لا يشترط ملكيته لأعيان الاُمور المحتاج إليها، بل يكفي ملكيته لما يمكن صرفه في سبيلها من النقود.
بل يكفي ملكيته لأعيان اُخرى أو منافع يمكن المعاوضة عليها بمال يصرف في سبيل ما يحتاجه، كما لو كان عنده بضائع أو عقار أو متاع أو منافع.
نعم، لابد من إمكان الاستغناء عن تلك الأعيان أو المنافع من دون أن يلزم الحرج. بل إذا كان عنده عين يحتاج إليها في حياته ـ كدار سكناه وسيارته الخاصة ـ وأمكنه تبديلها بما دونها والحج بالفارق، وجب التبديل إذا لم يكن حرجياً، وكذا إذا أمكن تبديلها بوقف أو نحوه من دون حرج عليه.
(مسألة 9): لا يكفي في الاستطاعة ملكيته لنفقة الذهاب، بل لابد من كفايته أيضاً لنفقة الإياب إذا كان محتاجاً للإياب، بأن لم يكن بانياً على السكنى في مكة مثلاً. بل إذا كان محتاجاً للهجرة من بلده إلى بلد أبعد منه ـ بحيث يكون في رجوعه لبلده ضرر أو حرج عليه ـ فلابد من كفاية ماله في الهجرة المذكورة.
(مسألة 10): إذا كان عنده مال يكفيه للحج لكنه كان عند غيره ديناً حالاً عليه أو وديعة أو غصباً وأمكنه تحصيله بمطالبته به ولو بمعونة الحاكم الشرعي أو الجائر كان مستطيعاً جب عليه الحج، إلا أن تصعب عليه المطالبة أو الترافع، بحيث يلزم الحرج عليه.
(مسألة 11): إذا كان المال الذي يستطيع به ديناً مؤجلاً على الغير فإن أذن في قبضه حالاً بحيث لا يتوقف قبضه على أكثر من إرادة الدائن وجب الحج كما لو أذن له في قبضه من مال خاص، وإلا فإن كان باذلاً له أو كان بحال لو طالبه به لبذله، ففي وجوب الحج إشكال وإن كان أحوط وجوباً، أما لو كان ممتنعاً من تسليمه قبل وقته فلا إشكال في عدم وجوب الحج وإن كان قادراً على أن يستدين ما يفي بالحج.
نعم، إذا أمكن بيعه بثمن معجل يفي بالحج وجب الحج، وهكذا الحال في كل مال مستحق للغير، كالعين المرهونة وغيرها، مع تنازل صاحب الحق عن حقه، وعدمه، مع إمكان إقناعه بالتنازل وعدمه، ولو أمكن فك الحق من دون تنازل من صاحبه عن شيء كان كبيع الدين المؤجل.
(