sall _yassen88 New Member عضو جديد
الابراج : عدد المساهمات : 25 تاريخ التسجيل : 15/09/2009 العمر : 40
| موضوع: بواعث حركة الفتوح الإسلامية الإثنين 21 سبتمبر 2009, 1:24 pm | |
| بواعث حركة الفتوح الإسلامية [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
بدأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخطوة الأولي في حركة الفتوح الإسلامية في جبهتين ، الجبهة الأولي ضد الفرس عندما أمر خالد بن الوليد بعد أن فرغ من حروب الردة بالتوجه إلي بلاد العراق ، فيمن رغب في الخروج معه من جنده ، ومن انضم إليه من القبائل العربية من بني تميم وغيرهم ، وذلك لمساندة المثنى بن حارثة الشيباني الذي أخذ يصطدم بالقبائل والبطون العربية التي لم تعتنق الإسلام بعد . أما الجبهة الثانية فكانت ضد الروم ، عندما أرسل عدداً من القادة إلي بلاد الشام في وقت واحد ليكتمل ما بدأه رسول الله صلي الله عليه وسلم في مؤتة وتبوك ، ويعمل علي نشر الإسلام بين القبائل العربية في بلاد الشام ، ويحررهم ويحرر أهل الشام كلهم من ربقة الاحتلال الرومي لبلادهم ، ومن التبعية الذليلة لملوك الروم بعد أن وجهت لهم الدعوة للدخول في الإسلام في عهد رسول الله بعد صلح الحديبية ، لكنهم أبوا الدخول فيه . ولم تكن هناك صلة مباشرة بين ما بدأ به أبو بكر في حركة الفتوح في البلاد الخاضعة للفرس وللروم وبين حركة الردة كما يزعم " فلهاوزن " حيث يقول : إن أبا بكر بدأ حركة الفتوح الإسلامية ليشغل العرب عن الفرقة والخلاف ، وأنه وجد أن خير وسيلة لرأب الصدع وتوحيد صفوف العرب التوسع نحو الخارج (1) . ويكفي للرد على هذا الرأي أن نذكر أن الجنود الذين خرجوا في الحركة الأولي للفتح على عهد أبي بكر لم يكن فيهم أحد ممن ارتد عن الإسلام ، وأن أمر الخليفة لخالد عندما وجهه إلى بلاد العراق كان صريحاً قاطعاً ألا يستعين بمرتد ، فقد كتب إليه : أن يستنفر من العرب من قاتل أهل الردة ومن ثبت علي الإسلام بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وألا يغزون معه أحد ارتد (2) . وقد قدّم جماعة من المستشرقين (3) تفسيراً لحركة الفتوح الإسلامية ، فجعلوا العامل الاقتصادي هو الباعث وراء هذه الحركة التاريخية ، وادعى بعضهم أن الأحوال الاقتصادية في الجزيرة في هذا الوقت كانت متدهورة ؛ بسبب الظروف الاقتصادية التي مرت بها الجزيرة العربية (4). ويستند أصحاب هذا التفسير السابق في تأييد قولهم إلى بعض العبارات التي وردت في مصادر التاريخ الإسلامي ، متجاهلين سياقها وهدفها ، مثلما ورد في كتاب فتوح البلدان أن أبا بكر كتب إلى أهل مكة والطائف واليمن وجميع العرب في نجد والحجاز يستفزهم للجهاد ، ويرغبهم فيه وفي غنائم الروم ، فسارع الناس إليه بين محتسب وطامع ، وأتوا المدينة من كل أوب (5 ) . وأيضا ما ورد في تاريخ الطبري من كلمات نسبت إلى خالد بن الوليد ، يستحث بها جنده للخروج إلى قتال الفرس في معركة " الولجة " وكان الوقت موسم حصاد القمح ، فقال لهم : أما ترون إلى الطعام كرفغ التراب .. ! والله لو لم يلزمنا الجهاد في سبيل الله والدعاء إلى الله عز وجل ، ولو لم يكن إلا المعاش لكان الرأي أن نقارع على هذا الريف حتى نكون أولى به ، ونولي الجوع والإقلال من تولاه ممن اثاقل عما أنتم عليه (6 ). وليس في العبارتين السابقتين ما يؤيد هذا التفسير ؛ لأن أولاهما من عند ناقل الرواية وليس مصدرها الحقيقة التاريخية ، وإنما هي صادرة عن خيال الراوي وتصوره ، وهو غير صحيح لأنه لا يملك دليلا عليه ، أما عبارة خالد فقد وردت في سياق كلام يحث به الجند علي مواجهة الموت بشجاعة ، ولم يذكر الغنيمة والطعام إلا بعد أن ذكر الجهاد في سبيل الله والدعاء إليه ، وبين لهم ما ينتظرهم من العيش الكريم ، وهجر حياة الشظف والعوز . وهؤلاء الذين أبرزوا العامل الاقتصادي ، وجعلوه محور هذه الحركة التاريخية العظيمة إنما أرادوا أن يشوهوا روعة هذه الحركة ووجهها الروحي والإنساني ، وقد سبقهم إلى ذلك رستم قائد الفرس ، حين جاءه المغيرة بن شعبة ورفاقه الذين بعث بهم سعد بن أبي وقاص إليه قبل نشوب القتال لدعوته إلى الإسلام ، فقال لهم رستم : قد علمت أنه لم يحملكم على ما أنتم عليه إلا ضيق المعاش ، وشدة الجهد ، ونحن نعطيكم ما تتشبعون به (7 ) . ومن الباحثين المحدثين من يرى أن العامل الرئيسي وراء حركة الفتوح الإسلامية إنما هو عامل قومي ، أساسه وضوح قومية العرب وارتفاع روحهم المعنوية بعد استرجاع وحدتهم التي هددتها حركة الردة (8) . وبعض أصحاب هذا التفسير يربطون بينه وبين تحرك المثنى بن حارثه وسويد بن قطبة عندما بدءا الغارة علي بعض المناطق المتاخمة للفرس فيقول : إن وراء هذه الغارات هدفان ، الأول الانتقام من الفرس الذين أذلوا ملوك الحيرة ، والثاني الرغبة في تحرير الحيرة من النفوذ الفارسي (9). هكذا يصور لنا صاحب هذا الرأي المثنى وصاحبه سويدا على أنهما بطلان قوميان ، دفعهما الشعور القومي ضد الفرس ، ويبدو أن هذا التفسير أثر لفكرة القومية العربية كما عرفناها في مصر بعد ثورة يوليو 1952 م ، ذلك لأن هذا التفسير القومي لا يستند إلى أدلة تاريخية يمكن استخلاصها من أخبار العمل الذي قام به المثنى وصاحبه ، بل إن ما ورد عن هذا العمل يدل على أنه كان موجها ضد العرب الذين لم يعتنقوا الإسلام من بني قومه . وهناك أدلة تاريخية كثيرة تنفي هذا التفسير القومي لحركة الفتوح الإسلامية ، وتستبعد وجوده في المراحل الأولى من حركة الفتح الإسلامي ، ومن تلك الأدلة . أولا : مشاركة العرب للروم في قتال المسلمين ابتداء من معركة مؤتة التي شارك فيها حشود من لخم وجذام وبلقين وبهراء وبلي (10) وحتى هذه المعركة التي خاضها خالد ضد الروم وحلفائهم من العرب في " قنسرين " شمالي بلاد الشام ، فقد شارك في هذه المعركة مع الروم جماعة من العرب ، وجاءوا إلى خالد بعد الهزيمة يعتذرون إليه بأنهم أكرهوا على القتال مع الروم ، فقبل خالد عذرهم ، فلما بلغ ذلك عمر أعجبه ما صنع ، وأثنى عليه قائلا : أمر خالد نفسه (11). ثانيا : في بعض المعارك التي خاضها خالد بن الوليد ضد الفرس ، مثل معركة " الولجة " و " أليس " كان العنصر العربي يمثل قوة كبيرة داخل الجيش الفارسي ، وقد قاتل هؤلاء مع الفرس ضد بني قومهم من العرب المسلمين (12) . والحق أن النزعة القومية أو الشعور القومي لم يستطع أن ينافس العقيدة الإسلامية في نفوس العرب المسلمين من الصحابة وأبنائهم ، فالشعور القومي لم يمنع المثنى بن حارثه وسويد بن قطبة ومن معهما من المسلمين من الغارة على من أبى الإسلام من بني قومهم ، ولم يمنعهم من القتال مع خالد بن الوليد ضد النصارى من قومهم الذين تحالفوا مع الفرس ، وقاتلوا معهم ، وكان مسلمو بني عجل أشد الناس على النصارى من بني قومهم (13) . وهناك مواقف أخرى للعرب المسلمين تؤكد تسامي العقيدة عندهم على النزعة القبلية ، من ذلك موقف امرئ القيس الكلبي وأصحابه من مسلمي قبيلة " كلب " الذين ثبتوا علي إسلامهم ، حين ارتد غيرهم ، فقد تعاون هؤلاء مع خالد بن الوليد وبعثوا إليه بما لديهم من أخبار عن المعادين له من أبناء قبيلتهم (14) مما ساعد المسلمين علي تحقيق الانتصار عليهم في " دومة الجندل " في الشمال الشرقي للجزيرة العربية . مع ذلك لم يتجاهل المسلمون الرابطة القبلية ، ولم يتذكروا لها ، وبخاصة أن الإسلام يحث علي رعاية ذوي القربى ، ويأمر بصلة ذوي الأرحام ، لكنهم وضعوا هذه الرابطة في موضعها المناسب ، بل تنازلوا أحياناً وضحوا من أجل بقاء هذه الرابطة واستمرارها ، وهذا ما حدث من مسلمي بكر بن وائل الذين شاركوا خالد بن الوليد في قتال نصارى تغلب عندما رفضوا الصلح مع خالد بن الوليد ، فهُزم بنو تغلب ، ووقع سبيهم في أيدي المسلمين ، فقامت بكر بن وائل بشراء هذا السبي بحظهم من الغنيمة ، واعتقوهم حفاظاً علي كرامة القبيلة الأم التي ينتسبون إليها ، وهي قبيلة ربيعة ، حيث لم يكن يسبى منها أحد في الجاهلية ، بينما كان العرب يسبي بعضهم بعضا (15) . على أننا نجد فيما ورد من أخبار الفتوح الأولى شاهدا على ظهور هذا الشعور القومي ويقظته في نفوس نفر من العرب ، ولكن هذا لم يحدث إلا بعد أن حقق العرب المسلمون انتصارات تاريخية على الروم والفرس ، وظهر أمام العرب جميعا أن النصر في ركابهم ، وأن المستقبل لهم ، وأن ما حققوه من انتصارات قد رفع من شأن العرب حتى في نظر خصومهم وساداتهم من رجال الفرس والروم ، وكان من أثر هذا الوضع الجديد أن رجع بعض هؤلاء العرب الذين لم يكونوا اعتنقوا الإسلام إلى صوابهم ، وتنبهوا إلى الرابطة القديمة التي تضمهم ، فقاتلوا في صفوف المسلمين ضد الفرس بدافع النزعة القومية ، وهذا ما حدث من جماعة من العرب النصارى ينتمون إلي قبيلة تغلب والنمر ، حيث قاتل هؤلاء في صفوف المسلمين تحت لواء المثنى بن حارثة في معركة " البويب " ، وقد رءوا جيش المثنى يستعد لقتالهم فقال بعضهم لبعض : نقاتل مع بني قومنا (16 ). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش : * أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية دار العلوم . (1) تاريخ الدولة العربية ترجمة د . محمد عبد الهادي أبو ريدة ) . (2) تاريخ الطبري 3 / 347 . (3) ومنهم كيتاني ، وبيكر ، وتوماس أرنولد ، وبرنارد لويس . (4) يشير الأستاذ الدكتور محمد جمال الدين سرور إلي الحروب التي وقعت زمن النبوة وحركة الردة ، كما يشير إلي منع الإسلام للغزو وسيلة من وسائل الكسب عند عرب الجاهلية . انظر كتابه "الحياة السياسية في الدولة العربية الإسلامية ص 33 " . (5) البلاذري : فتوح البلدان 1 / 128. (6) تاريخ الطبري 3 / 354 . (7) البلاذري : فتوح البلدان 2 / 315 . ( 8) هذه عبارة الأستاذ الدكتور السيد عبد العزيز سالم : انظر كتابه " تاريخ الدولة العربية ص 180 " . (9) المرجع السابق : 182 . (10) ابن الأثير : الكامل في التاريخ 2 / 156 وتذكر روايته أنه كان مع الروم من المستعربة مائة ألف . ( 11) تاريخ الطبري 3 / 601 . (12) المصدر السابق 3 / 353 . (13) المصدر السابق 3 / 355 . (14) تاريخ الطبري 3 / 380 . (15 ) المصدر السابق 3 / 476 . (16) المصدر السابق 3 / 464 .
| |
|