الصداع النصفي
الشقيقة
يصيب الصداع النصفي 20% من النساء، و10% من الرجال، وعلى النقيض من الصداع المعتاد، فإن الصداع النصفي يعتبر، مرضاً معوِّقاً، قد يُلْزم المريضَ الفراش، وقد يضطره إلى الغياب عن العمل!·
ما الصداع النصفي؟! ما وجه الاختلاف بينه وبين الصداع المعتاد؟ ما أسبابه؟ وما العوامل التي تؤدي إلى حدوث نوبات الصداع النصفي؟ وكيف يمكن علاج هذا المرض الشائع؟!·
تعريف المرض:
الصداع النفسي مرض يتميز بحدوث نوبات من الصداع الشديد في أحد جانبي الرأس، مصحوبة بآلام في نصف الوجه، وقد يكون الألم في جانب الصداع نفسه أو في الجانب الآخر من الوجه· ويؤدي الصداع الشديد وما يصاحبه من ألم، إلى شعور بالغثيان ورغبة في القيء أو إلى قيء فعلي·
وفي معظم الأحيان تكون نوبة الصداع مسبوقة بما يسمى <النذير> كأن يرى المريض وَمَضات أو بقعاً ضوئية أمام عينيه، أو يسمع ضوضاء وطنيناً في أذنيه، أو يشعر بالخدر في عضلات الوجه، وخصوصاً حول الفم·
ويتراوح زمن نوبة الصداع النصفي ما بين ساعات عدة إلى أيام عدة، وقد يكون الألم المصاحب لإحدى النوبات من القسوة بحيث يتلوى المريض يائساً بحثاً عن وضع يريحه من الألم! وعندما تنقشع نوبة الصداع، يكون المريض في حال من التعب والإعياء الشديد·
يختلف معدل حدوث نوبات الصداع النصفي وكذلك حدة الألم المصاحب لكل نوبة من مريض إلى آخر، وعند المريض نفسه من فترة إلى أخرى، ويتراوح ذلك بين مرتين كل أسبوع إلى مرة واحدة كل أشهر عدة، وبين نوبات الصداع يكون المريض طبيعياً تماماً من كل وجه·
وعلى الرغم من أن الصداع النصفي يعتبر من أمراض الكبار، إلا أن ثلث المصابين بالصداع النصفي يشكون من نوبات الصداع السالف وصفها، قبل سنِّ العاشرة! وفي ثلث آخر من المصابين بالمرض تبدأ نوبات الصداع في سن البلوغ، ويحدث هذا بصفة خاصة عند الفتيات، أما بقية المرضى، وخصوصاً من الرجال، فقد تظهر عليهم علامات المرض بعد سن الثلاثين، وعادة تقل حدة أعراض الصداع النصفي، كما يقل عدد النوبات، بعد سن الخمسين·
أما وجه الاختلاف بين الصداع المعتاد، والصداع النصفي، فهو واضح من الوصف السابق، فالصداع المعتاد لا يسبقه نذير، ولا يصاحبه ألم في الوجه ولا رغبة في القيء، فضلاً عن أنه لا يستمر متواصلاً أياماً عدة، ولا يرحل ويترك وراءه مشاعر الإعياء الشديد التي يخلفها الصداع النصفي·
أسباب الصداع النصفي
الصداع النصفي مثله مثل كثير من الأمراض، لا يزال سببه غير معروف على وجه اليقين! على أن الافتراض النظري الذي تؤيده بعض الأبحاث الحديثة، يذهب إلى أن تضيقاً في شرايين المخ يحدث بصورة مفاجئة وعارضة، ويؤدي ضيق الشرايين المخية وما يترتب عليه من نقص غاز الأكسجين الواصل إلى المخ، إلى توليد ظاهرة <النذير> التي سلف الكلام عنها·
وبعد زمن وجيز، يحدث توسع في الشرايين خارج المخ، وبخاصة شرايين الوجه و<فروة الرأس>، وتوسع هذه الشرايين هو المسؤول عن حدوث نوبة الصداع·
أما الألم المصاحب للصداع، فمصدره انطلاق بعض المركبات <الأمينية> (أي المحتوية على مجموعة <أمين> الكيمياوية، ورمزها <ن يد2>)، إما من الشعيرات الدموية في الأم الحانية، وإما من جدران شرايين الوجه وفروة الرأس، وهذه المركبات الأمينية أهمها الـ<هيستامين> و<المداة ب> والـ<براديكينين>· (<الأم الحانية> Piamather، غشاء رقيق يكوّن الطبقة الداخلية من أغشية ثلاثة تغلف المخ والحبل الشوكي)·
ويذهب الاعتقاد بين أوساط الباحثين إلى أن اضطراب كيمياء المخ الذي أدى بصورة أساسية إلى سلسلة الأحداث المكوّنة لنوبة الصداع النصفي، يحدث على فترات زمنية تتقارب أو تتباعد من مريض إلى آخر، وهذا هو السبب في حدوث نوبات الصداع النصفي في وقت ما، وعدم حدوثها في وقت آخر، بعتبير مختلف، فإن دورية اضطراب كيمياء المخ يؤدي إلى دورية أعراض المرض·
عوامل حاثة
الثابت من الملاحظة الطبية، ومن تقارير المرضى في وصف المرض، ومن بعض الأبحاث، أن هناك عوامل معينة تؤدي إلى حدوث نوبة من الصداع النصفي عند الشخص المصاب بالمرض·
من تلك العوامل، الإجهاد الشديد، سواء أكان بدنياً أم ذهنياً أم نفسياً· ويزداد احتمال حدوث النوبات إذا كان الإجهاد ناتجاً من ضغوط ملزمة بحيث لا تكون هناك فرصة للراحة، مثال ذلك الإجهاد الذهني الذي يتعرض له طالب يتعين عليه أداء امتحان في موعد محدد، والإجهاد الذهني والبدني الذي يتعرض له صحفي يتعين عليه أن يوافي صحيفته بتقرير عن حادث معين قبل وقت دفع الصحيفة إلى المطبعة، وغير ذلك من صور الإجهاد الملزم·
أما الإجهاد النفساني، فنتائجه تختلف عمَّا سبق لأنه يعرض الإنسان للانهيار العصبي، وغير ذلك من الأمراض، فالثابت أنه عامل قوي وراء حدوث نوبات الصداع النصفي، كما يرتبط الاكتئاب برباط وثيق مع الصداع النصفي ـ حسبما ظهر من دراسة حديثة أجريت على بعض المرضى بالصداع النصفي، إذْ اتضح أن الاكتئاب كان عاملاً في حدوث النوبات! ومن العجيب حقاً أن يكون الاسترخاء، وهونقيض الإجهاد، سبباً في حدوث نوبات الصداع النصفي! فقد لوحظ أن المصابين بالمرض يتعرضون لدرجة أكبر من نوبات الصداع في أثناء الإجازات والعطلات بحيث يصابون بها بصورة أكبر من أيام العمل الاعتيادية! هل يؤدي تغيير نمط الحياة اليومية إلى حدوث نوبات الصداع؟! سؤال لا جواب له!·
من العوامل الأخرى وراء الإصابة بنوبات الصداع النصفي، تعاطي المشروبات الكحولية، وقد يكون من السهل في هذه الحال فهم العلاقة بين الأمرين، ذلك أن الكحول له تأثير مباشر على المخ، فضلاً عن أنه يؤدي إلى توسع الأوعية الدموية·
لكن من غير المفهوم كيف يؤدي الجوع ـ وهو من عوامل الإصابة بنوبة ـ إلى حدوث الصداع النصفي!·
وليس الجوع وحده المثير للألغاز في هذا المرض· فحتى الطعام له دوره! ذلك أن الشيكولاته وبعض أنواع الجبن وغير ذلك من الأطعمة المحتوية على مادة الـ<تيرامين>، يمكن أن تولد نوبة من الصداع النصفي·
وبالنسبة للإناث من المرضى، تؤدي الدورة الشهرية إلى نوبات الصداع، وغالباً ما يحدث ذلك قبل الحيض، حين تكون الفتاة أو السيدة متوترة مشدودة الأعصاب، وكذلك فإن انقطاع الطمث، أي بلوغ سن التغيير، يمكن أن يؤدي إلى وقوع نوبات الصداع، ويبدو أن السبب في هذه الحالات راجع إلى اضطراب توازن الهورمونات في جسم الأنثى، وفضلاً عن ذلك، فإن تعاطي أقراص منع الحمل، وهي تحتوي على هورمونات، قد يؤدي إلى حدوث نوبات الصداع·
ومن العوامل المهمة التي لا يجب إغفالها، التعرض للضوء الباهر والأضواء الوامضة بصورة خاطفة وبعض أنواع الإشعاع، مثل ذلك الصادر عن جهاز الإذاعة المرئية <التلفاز>·
من حسن الطالع أن هذه العوامل لا تؤدي كلها إلى حدوث نوبات الصداع النصفي عند شخص واحد، وإلا كان معنى ذلك ألاَّ يسلم المريض من الصداع لحظة واحدة، وإنما يتأثر مريض بهذا العامل أو بذاك، بينما يتأثر مريض ثانٍ بعامل مختلف، وهكذا·
في المشاركة الأخير كيفية الوقاية والعلاج من هذا المرض.
التشخيص والعلاج
[size=21]ذكرنا من قبل أوجه الاختلاف بين الصداع المعتاد والصداع النصفي من ناحية، كما أوردنا صفة وطبيعة الصداع النصفي من ناحية أخرى، وهذان الأمران يجعلان من السهل تشخيص النصفي·
على أن المشكلة مع الصداع النصفي لا تكمن في تشخيصه بقدر ما تكمن في قلق المصاب بالصداع على صحته، واعتقاده بوجود مرض عضوي في المخ!، وهذا القلق كاف في حد ذاته لتوليد مزيد من نوبات الصداع النصفي، مما يجعل المريض يدور في حلقة مفرغة! لذا فإن من واجب الطبيب، ولمجرد تشخيص الصداع النصفي، أن يشرح للمريض طبيعة المرض، ويطمئنه إلى عدم ارتباط الصداع النصفي بأمراض المخ العضوية، أما اللجوء مباشرة إلى الفحوصات الكثيرةالمعقدة، مثل أشعة الجمجمة، والمسح بالكمبيوتر وغير ذلك، فإنه سيعمِّقُ شكوك المريض بوجود إصابة عضوية في الرأس! وليس معنى ذلك أن يستبعد الطبيب تماماً فكرة إجراء فحوصات في كل حالات الصداع النصفي، لكن ذلك معناه أنه يجب إجراء فحوصات حيثماكان لها مبرر كاف، مثال ذلك شكوى مريض من فقدان السمع إضافة إلى إصابته بالصداع النصفي·
أما العلاج فيتوقف على عوامل كثيرة، منها عمر المريض وظروفه الاجتماعية وأحواله النفسية، فضلاً عن مدى تعدد النوبات وطبيعة الألم المصاحب لكل نوبة، وطبيعي والحال كذلك أنْ يختلف العلاج في تفاصيله من شخص إلى آخر·
ينبني علاج الصداع النصفي على شقين: شق وقائي، وشق لعلاج النوبة وقت حدوثها، أما <العلاج الوقائي>، فيهدف إلى الحيلولة دون حدوث نوبات الصداع، ويكون وقت تعاطيه عند حدوث ظاهرة <النذير>، أو في ظروف معينة يعلم صاحبها أنها مؤدية في الغالب إلى نوبة صداع نصفي، ويتطلب هذا النوع من العلاج مراجعة طبيب، لاختيار أنسب الأدوية لشخص معين، وكذلك لإرشاد المريض إلى وقت وكيفية تعاطي الدواء·
أما علاج نوبة الصداع النصفي عند وقوعها، فيتلخص في أن يسترخي المصاب في غرفة معتمة <إذا أمكن> وأن يتعاطى الدواء الموصوف له لتسكين الصداع النصفي، في بعض الأحيان يشعر المريض براحة بعد القيء، لكنَّ ذلك لا يعني أن يحاول المريض إحداث القيء، بل يجب أن يترك الأحداث تأخذ سيرها الطبيعي، وفي أحيان أخرى يذهب الصداع لمجرد أن ينام المصاب ساعة أو ساعتين·
على أي حال، فإن مريض الصداع النصفي سرعان ما يتعلم التجربة ما الأشياء التي تؤدي إلى حدوث نوبة، وما أفضل طريقة لتقصير عمر النوب في حال حدوثها؟، وما أفضل مسكن لها؟، وتكون هذه الخبرة مفيدة ومثمرة إذا صاحبها توجيه طبي·
أخيراً، من الطريف أن نذكر أن ضحايا الصداع النصفي أناس يتصفون بالذكاء ولهم ميول فنية، وهم من الشخصيات المثابرة التي لا تضعف ولا تنهار بسهولة، فضلاً عن أنهم يهتمون بالنظافة وبالنظام إلى حد يكاد يكون مفرطاً!، فهل يكون الصداع النصفي ثمناً يدفعه الإنسان نتيجة تميّزه بهذه الصفات الجميلة؟!·[/size]