:بسم الله زرقاء
حركة الكشوف الجغرافية
تعتبر حركة الكشوف الجغرافية من العوامل الحاسمة التي ترتب عليها انتقال أوروبا من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة . و قد سارت حركة الاستكشاف الجغرافية في خط مواز لحركة إحياء التراث القديم و حركة الإصلاح الديني , في أثناء العصور الوسطى كانت معرفة الأوروبيين بالعالم الخارجي ضئيلة ولا تتجاوز معرفة السواحل الشمالية من قارة إفريقيا و جزاً صغيراً من ساحلها الشمالي الغربي . و قد كان الاعتقاد السائد أن حدود العالم لا تتجاوز الصحراء الكبرى , و أن المحيط الأطلسي يمتد إلى ما لا نهاية وأنه مأوى للوحوش و الشياطين , و ليس باستطاعة الإنسان أن يحاول استكشاف ما فيه أو ما بعده .
كما ساد الاعتقاد بوجود صخور في البحر تجذب إليها السفن إذا ما اقتربت منها ، وأن في تلك الصخور قوة خارقة تمكنها من اقتلاع مسامير تلك السفن و إغراقها . وما من شك أن هذه التصورات كانت خاطئة وهي عبارة عن خرافات اشتملت على عنصر التخويف . إلا أنها في الوقت عينه كانت تحتوي على عنصر التشويق . الذي شجع المغامرين على القيام بمغامرات في تلك البحار من أجل الوصول إلى المجهول , خاصة هذه الخرافات التي كانت سائدة في العصور الوسطى كانت تمد هؤلاء المغامرين بالجبال التي تشع منها أنوار الأحجار الكريمة و بالنهار التي تجري على ارض من ذهب .
ولا يعني هذا أن حركة الكشوف الجغرافية لم تعرف في السابق إلا في بداية التاريخ الحديث . فقد قام العرب في العصور الوسطى برحلات برية و بحرية إلى مناطق أفريقيا الشمالية و الهند و صلوا حتى إلى الصين . و الواقع أن العرب قد ساهموا أكثر من غيرهم في حركة الكشف الجغرافي و في مجال المعرفة الجغرافية . و يعتبر الشريف الإدريسي من أهم الجغرافيين العرب و يعد كتابه : "نزهة المشتاق في إختراق الآفاق " من أفضل الكتب التي تناقش جغرافية العالم .
لقد كانت أوروبا في حاجة شديدة إلى البهارات و التوابل التي كانت تستورد من الشرق و التي كانت تصل أوروبا من طريق الخليج العربي و البحر المتوسط و البحر الأحمر ثم دمشق و القاهرة و إلى أوروبا من طريق المدن الإيطالية . و قد فكر الأوروبيين في إيجاد طريق آخر يصلون من خلاله إلى الشرق و بالتالي إنهاء عملية احتكار هذه التجارة من قبل المماليك في مصر و البندقية من المؤكد إذا إن العوامل الاقتصادية قد لعبت دوراً مهماً في دفع حركة الكشوف الجغرافية إلى الأمام من الأسباب التي شجعت البرتغاليين و الأسبان رحلة ماركوبولو Marco Bolo من 1271 إلى 1291 وما كتبه في وصف الصين وما تتمتع به من ثروات واسعة وقد شجع هذا العمل العديد من المغامرين من أجل القيام برحلات استكشافية و قد ساعد الشعور القومي في اسبانية و البرتغال على التوسع الخارجي و تنفيذ هذه السياسة في ظل الكشوف الجغرافية فالبرتغال مثلاً جعلت شعارها ضرب المسلمين في غرب إفريقيا و العوامل الدينية كانت بارزة جداً في حركة الكشوف الجغرافية .
1- حركة الكشوف البرتغالية :-
البرتغال هي أول دولة أوروبيا بدأت الكشوف الجغرافية و قد حظيت بالتأييد من الأمير البرتغالي هنري الملاح 1394 – 1460 وهو أمير شجاع و ملم بالجغرافيا و الرياضيات كما كان مسيحياً متحمسا لنشر المسيحية بين سكان القارة الإفريقية و بدأ بتأسيس أكاديمية بحرية و مرصد كان لديه مجموعة من علماء الجغرافيا و الخرائط المتوفرة في عصره وكانت معلومات الأوروبيين حول ساحل إفريقيا الغربي عند رأس نان Nan و كان من الطبيعي أن تبدأ الكشوف الجغرافيا انطلاقاً من هنا و أستطاع البرتغاليين أن ينطلقوا نحو جنوب الساحل الإفريقي حتى وصلوا رأس بوجادور C.Bojado حيث أصبحوا يرتادون المناطق الصحراوية بشيء من القلق و اليأس فظهرت في البرتغال حركة تهدف لمقاومة حركة الكشوف الجغرافية لكونها مجهوداً لا فائدة منه لكن الأمير هنري أصر على الاستمرار في حركة الكشوف حتى وصلوا الرأس الأبيض C.Blanco ثم عبره إلى مصب نهر السنغال ثم تبع ذلك إكتشاف الرأس الأخضر C.de Verd ثم أخذ البرتغاليون في التريث عند هذه النقطة لتوطيد مركزهم التجاري و البحث عن أسواق و مراكز تجارية و ظهرت شخصية كادا موستو Ca – Da – Mosto الإيطالي الأصل تطورت حركة الكشوف الجغرافية و أسندت إليه مواصلة حركة الكشوف و تنظيم التجارة بين البرتغال و المناطق التي أكتشفت و قد واصل كادا موستو حركة الكشف حتى وصل إلى رأس ركسو C.Roxo و من هذه المنطقة إلى سيراليون التي تعتبر أقصى ما وصلت إليه الكشوف البرتغالية تحت إشراف الأمير هنري الملاح و بعد فترة قصيرة تمكن البرتغاليون من الوصول إلى ساحل الذهب و مصب نهر الكونغو و في سنة 1488 أستطاع بارتلوميو دياز Bartholomeu Diaz أن يصل إلى رأس الرجاء الصالح the cape of good hope ثم استطاع مكتشف اخر وهو فاسكو دى جاما vasco de gama ان يطوف حول راس الرجاء الصالح فى سنة 1497 وان يعبر المحيط الهندى ويصل الى سواحل الهند الغربية فى سنة 1498 ثم عاد الى لشبونة فى سنة 1499 وهكذا نجح البرتغاليون فى التخلص من احتكار تجار البندقية والعرب بطريق التوابل واخذ البرتغاليون منذ ذلك الوقت يتاجرون مع الشرق من خلال ذلك الطريق.
2- حركة الكشوف الاسبانية :-
هناك اختلاف بين حركة الكشوف الاسبانية و حركة الكشوف البرتغالية فحركة الكشوف البرتغالية قامت بها البرتغال حكومة و شعباً أما حركة الكشوف الاسبانية فقامة في البداية على يد مجموعة من المغامرين في حين أن الهيئات الرسمية الأسبانية قد أتخذت موقفاُ معارضاً إن حركة الكشوف الجغرافية البرتغالية قد اتجهت نحو الشرق من أجل الوصول إلى الهند و إن حركة الكشوف الاسبانية قد اتجهت نحو الغرب للوصول إلى الشرق تحقيقاً لنظرية كروية الأرض و يعتبر كريستوفر كولومبس Christopher Colombus 1446 – 1506 رائد حركة الكشوف الجغرافية الأسبانية ولم يكن اسبانياً بل إيطالياً من جنوه درس الجغرافيا و الرياضيات و الفلك وكان على علاقة مستمرة بحركات الكشوف الجغرافية الأخرى و كان يؤمن بنظرية كروية الأرض و بإمكانية الوصول إلى الشرق عن طريق الغرب وبدأ كولومبس رحلته من ميناء بالوس في 3 أغسطس سنة 1492 و بعد أسابيع وصل إلى جزيرة غوانا هاني وهي إحدى جزر باهاما و منها أبحر إلى كوريا و هاييتي و قد أعتقد كولومبس أنه وصل إلى جزر الهند الشرقية على الرغم من أنه لم يجد أثر للتوابل رجع كولومبس من رحلته الأولى في مارس 1493 ثم قام كولومبس بثلاث رحلات أخرى في سنة 1494 -- 1502 أكتشف خلالها الساحل الرئيسى من هندوراس الى فنزويلا ومع ذلك فقد مات سنة 1506 دون ان يعلم انه اكتشف عالما جديدا ولكن سرعان مااتضح ان مااكتشف من ارض عبر المحيط الاطلسى لم تكن اسيا وانما عالم جديد اذ قام مغامر ايطالى اخر وهو امريكو فيسبوتشى amerigo vespucci باكتشاف معظم ساحل امريكا الجنوبية فى الفترة من 1499 الى1501 وكتب مقالا فى سنة 1503 ادعى فيه اكتشاف العالم الجديد وقد اطلق اسمه على امريكا الجنوبية وامريكا الشمالية وفى سنة 1519 ابحر فرديناند ماجلان Magellan من اسبانيا فعبر المحيط الاطلسى وسار جنوبا بمحاذاة الساحل الشرقى لامريكا الجنوبية حتى وصل الى نهايتها الجنوبية ووجد مضيقا عرف فيما بعد بمضيق ماجلان فعبره الى المحيط الهادى وفى مارس 1520 وصل الى جزر الفلبين وفى احدى هذه الجزر قتل ماجلان فى اثناء الاشتباك مع الاهالى ثم واصل اصحابه الرحلة الى اسبانيا عبر المحيط الهادى وطريق راس الرجاء الصالح ووصلوا اشبيلية فى سبتمبر 1522وقد برهنت رحلة ماجلان واصحابه على ان الارض كروية بصورة عملية
3- حركة الكشوف الانجليزية والفرنسية:- اول محاولة استكشافية انجليزية حدثت فى سنة 1497 عندما ابحر جون كابوت j.cabot من ميناء بريستول عبر المحيط الاطلسى للوصول الى الهند من خلال طريق اخر الاانه وصل الى شواطئ امريكا الشمالية عند جزيرة نيوفوندلاند غير ان امله فى الوصول الى الشرق لم يتحقق وفى السنة التاليه قام كابوت برحلة ثانية اكتشف فيها الشاطئ الشرقى لامريكا الشمالية وقد نتج عن ذلك تمهيد الطريق لاستعملر انجلترا لجزء كبير من العالم الجديد اما الكشوف الفرنسية فقد بدات حينما شرع الملاح الفرنسى جاك كارتييه cartier ووصل الى شواطئ كندا وقد اهتم الفرنسيون بعد كارتيه باكتشاف العالم الجديد وانتهى الامر بالسيطرة الفرنسية على كندا وحوض المسيسيبى مما ادى الى الاصطدام مع الانجليز فى سنة 1754 عموما ان حركة الكشوف الفرنسية فى العالم الجديد قد ادت الى احتكار الفرنسيين لتجارة الصيد والفراء فى نواحى كندا كما ادت الى تنافس استعمارى فى امريكا الشمالية مع الانجليز من اجل السيطرة والسيادة فى العالم الجديد
4- نتائج الكشوف الجغرافية:- لقد اثرت الكشوف الجغرافية فى التاريخ الاوروبى الحديث تاثيرا حاسما فمن الناحية الاقتصادية قد ادى استغلال اسبانيا لمناجم الذهب فى امريكا الى التاثير على الاوضاع الاقتصادية فى اوروبا كما ترتب عن حركة الكشوف ان تحولت الثروة من طبقة ملاك الارض الى طبقة جديدة وهم طبقة التجاروسيكون لانتعاش الطبقة البرجوازية التجارية دور مهم فى تطور نظم الحكم فى العصر الحديث وسياسيا قد نتج عن حركة الكشوف نشاة الاستعمار وازدياد الدول الاوربية على السيطرة فى العالم الجديد واسيا وافريقيا وقد ادت الكشوف الجغرافية الى انتقال مراكز التجارة الى البحار الغربية والجنوبية وبالتالى نهاية عهد البحر المتوسط وانتقال القيادة الى دول اوروبا الغربية وكان من نتائج الكشوف الجغرافية تقدم العلوم الجغرافية واكتشاف مناطق جديدة كانت فى السابق مجهولة كما تاكدت الان نظرية كروية الارض ومن الناحية الدينية بذل البرتغاليون والاسبان جهدا كبيرا فى نشر المسيحية بين السكان الاصليين وسرعان ما انتشرت الكاثوليكية فى امريكا الجنوبية والبروتستانتية فى المستعمرات الانجليزية فى امريكا الشمالية كما ادت حركة الكشوف الجغرافية الى زيادة مفاجئة فى معرفة الانسان عن العالم الممكن استيطانه وكانت النتيجة المباشرة لهذه المعرفة الجديدة هى الاستغلال غير الانسانى للموارد الجديدة وبالرغم من ان السبب الرئيسى للكشوف الجغرافية الاولى كان البحث عن طريق بحرى الى جزر التوابل فى شرق اسيا فقد كان لاكتشاف الموارد الضخمة للذهب والفضة فى العالم الجديد اثار اكبر على التجارة الدولية
المصدر:- تاريخ اوروبا الحديث والمعاصر من عصر النهضة الى الحرب العالمية الثانية
المؤلف:- الدكتورميلاد القرحى استاذ التاريخ الحديث والمعاصر
جامعة قار يونس – بنغازى- ليبيا
المصدر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]