zinab abd elrahman Admin المدير العام للمنتدى
الابراج : عدد المساهمات : 339 تاريخ التسجيل : 25/06/2009 العمر : 74
| موضوع: معاني الامراض وعلاجها الخميس 15 أبريل 2010, 2:31 pm | |
| ما الجسم؟ ما المرض؟ ما أعراض المرض؟ ما الشفاء؟
الجسم الحي يدين بوظيفته لجهتين غير ماديتين، غالبًا ما نسميهما بـ"الوعي" (النفس) و"الحياة" (الروح)، حيث يمثل الوعيُ المعلومات التي تتجلَّى في الجسم وتنتقل فيه إلى حيِّز الظهور. وبما أن الوعي يمثل كيفية مستقلة غير مادية، فهو بالطبع ليس نتاج الجسم ولا هو متعلق بوجوده أو متوقف عليه.
ويمتلك الإنسان مركزين: القلب والدماغ، الشعور والتفكير. ويُعَد الرأسُ أكثر الأعضاء ارتكاسًا للألم؛ ويبيِّن الألمُ الذي ينتابه أن تفكيرنا خاطئ، أننا نوظف تفكيرنا توظيفًا خاطئًا، وأنه عندما تتعاون الوظائف الجسمانية المتنوعة لتقوم بأدائها الجمعي أداءً محددًا ينشأ نموذجٌ نشعر أنه متناغم، ولذلك ندعوه بـ"الصحة". أما إذا انحرفت إحدى الوظائف، فإنها تُخِل بمجمل هذا التناغم، كثيرًا أو قليلاً، ويدور الحديث عندئذٍ عن "المرض".
والمرض، شأنه شأن الموت، متأصل في عمق الوجود البشري (البوذية)، ولا يمكن القضاء عليه ببضع حيل وظيفية لا حول لها ولا قوة. فالمرض إحدى حالات الإنسان التي تنبِّهه إلى أنه في وعيه لم يعد على ما يرام أو أنه فقد التناغم: العَرَض المرضي symptom ينبِّهني إلى أنني كإنسان، ككائن نفسي، مريض؛ أي أنني خرجت عن توازن القوى النفسية الداخلية. وبذلك ليس للمرض من هدف سوى جعلنا أصحاء!
المرض أكثر من مجرد خلل وظيفي في الطبيعة: فهو جزء من نظام شامل يخدم التطور. ولا يمكن تخليص الإنسان من حالة المرض بإطلاق لأن الصحة تحتاج إليها كقطب مضاد. يمرض الإنسان لأنه يفتقر إلى الوحدة. فلا وجود للإنسان السليم الذي لا ينقصه شيء – اللهم إلا في كتب التشريح!
المرض دومًا أزمة؛ وكل أزمة في تطور، وكل محاولة للعودة ثانيةً إلى حالة ما قبل المرض محاولة ساذجة. فالمرض يريد أن يمضي بنا إلى ضفاف جديدة، مجهولة، غير معاشة. وفقط عندما نلبي نداءه تلبيةً واعية وطوعية فإننا نضفي على الأزمة مغزى.
المرض يجعل الإنسان صادقًا. ففي أعراض المرض نعيش في وضوح وفي شكل مرئي ما نريد أن نكبته ونخفيه. ونحن نتحمل بأنفسنا دائمًا مسؤولية كل ما يصيبنا في حياتنا. ولا استثناء في هذا: عندما يعاني أحدنا فهو لا يعاني دائمًا إلا من نفسه. كل منا هو الفاعل والضحية في شخص واحد. ومادام الإنسان لم يكتشف كلا الأمرين في نفسه يتعذر شفاؤه. من هنا يجب علينا أن نتذكر أن من الصعوبة بمكان شفاء شخص فقد الرغبة في الحياة (أي صار يعتبر نفسه ضحية)، وأن من السهولة بمكان معالجة مَن يكافح من أجل الحياة، لأن نضال العقل يتغلب على المادة دائمًا.
كل مَن يعاني آلامًا ينبغي عليه دائمًا أن يراجع نفسه ويفكر فيمَن المقصود بها في الواقع. ومَن يتعلم فهمَ المرض بوصفه طريقًا إلى الوعي ينفتح له عالمٌ جديد من الاستشراف والبصيرة.
فالمرض فرصة الإنسان الكبرى – خيره الأثمن : هو المعلم والدليل الشخصي على طريق العافية والسلامة. ولا بدَّ للإنسان من أن يكف عن "محاربة" المرض، وأن يتعلم، بدلاً من ذلك، كيف يصغي ويرى ما يريد المرضُ أن يقوله له. يجب على المريض أن ينصت إلى دخيلة نفسه وأن يتواصل مع أعراضه إن هو أراد سماع رسالتها. فالشفاء يقترن دومًا بتوسيع في الوعي.
الهم والرجاء يجب أن ينصبَّا على طريقة محددة للرؤية والتفكير تمكِّننا من رؤية المرض رؤيةً مختلفة عما ألفناه حتى الآن. والحال هنا شبيهة بِمَن يريد تفسير أحلامه: ينبغي عليه أن يستعمل كتابًا لتفسير الأحلام ليتعلم كيفية التفسير، لا ليبحث عن أحلامه فيه!
لدى أعراضنا المَرَضية الكثير لتقوله لنا؛ إنها أكثر وأهم من النظرة التي نوليها للمرض نفسه. العَرَض صديق حميم، ينتمي إلينا انتماءً كاملاً؛ وهو الوحيد الذي يعرفنا حق المعرفة، حيث إننا، إذا أصغينا إليه وتَواصلنا معه، صار معلمًا مرشدًا نزيهًا على طريق الشفاء الحقيقي بإخباره إيانا عما ينقصنا في الواقع.
الأعراض المَرَضية لا تحل المشكلة على المستوى الجسماني، بل توفر للجسم شرطَ التعلم كخطوة أولى. فكل حدث جسماني يُكسِب خبرة؛ ولكن ليس بالإمكان التكهن، في الحالة المفردة، بمدى بلوغ هذه الخبرة إلى الوعي.
أعراض المرض تشفي الإنسان وتجعله سليمًا، وذلك بتحقيقها على مستوى الجسم ما هو ناقص على صعيد الوعي. لذا يجب أن نتعلم كيف نقف إلى جانب "ظلِّنا" (يونغ) ونصادِق لاوعينا: من هنا ضرورة الوقوف في صف الظلِّ دومًا، ومساعدته على التكشف والظهور، وعدم محاربة المرض وأعراضه، بل استخدامها والاستفادة منها كمحور للشفاء. ولا يزول العَرَض المرضي قبل أن يغدو وجودُه وعدمه سيان عند المريض.
كلما ازداد تعمق المرء في الصور المَرَضية ومشكلات الإنسان اتضح له أكثر أن الحياة البشرية تتأرجح بين قطبي الجذب والنبذ، الإثبات والنفي. وكثيرًا ما ندعو الأول بالحب والثاني، في صورته النهائية، بالموت. أما الحياة فتعني ممارسة كلٍّ من الجذب والنبذ ممارسةً إيقاعية.
الشفاء يعني دائمًا اقترابًا من السلامة، اقترابًا من الوعي الكلِّي. إن طريق الإنسان هو طريق من الويلات إلى السلامة – من المرض إلى الشفاء والقدسية – لأن الشفاء يحدث عن طريق ضمِّ ما هو ناقص؛ وبالتالي، فهو غير ممكن دون توسيع في الوعي.
ما الأنا؟ ما الذات؟ ما الظل؟ ما اللاوعي؟
معرفة النفس، بحسب كارل يونغ، تعني اكتشاف الذات Self، وليس الأنا ego. إذ إن الذات تشمل كلَّ شيء، بينما تحُول الأنا باستمرار، من جراء وضعها للحدود، دون التعرف إلى الكل، إلى الذات الكلِّية. المغالاة في تقدير قوى الأنا وسيادة الإرادة تفصلاننا عن مجرى الحياة العفوي. ولكن مَن يسعى إلى الصدق مع نفسه يمكن أن يتحول المرضُ عنده إلى وسيلة رائعة تُعينه في طريقه.
يتمتع الإنسان بوجود مستقل عن الزمن، ولكن يجب عليه أن يحقِّقه ويعيه في سياق الزمن. ويُدعى نموذجه الداخلي هذا بـ"الذات". وطريق حياة الإنسان هو الطريق إلى هذه الذات التي هي رمز إلى الكلِّية. فالإنسان في حاجة إلى الزمن لتحقيق ما هو موجود دائمًا.
يود البشر دائمًا تغيير الأشياء، لذا يصعب عليهم إدراكُ أن الشيء الوحيد المطلوب من الإنسان هو القدرة على النظر. فالغاية الأسمى للإنسان تنحصر في القدرة على النظر إلى شيء ومعرفة أنه صالح وخيِّر كما هو. ومادام الإنسان يرى أن شيئًا ما في حاجة إلى التغيير، فهو لم يبلغ معرفة النفس بعد. وعندما يهتدي الإنسان في داخله إلى قانونه الخاص، يعفيه هذا من القوانين الأخرى كلِّها. والقانون الداخلي لكلِّ إنسان هو الالتزام بإيجاد مركزه الحقيقي – ذاته – ومن ثم تحقيقه، أي التوحد مع كلِّ ما هو كائن. وتدعى أداة توحيد الأضداد هذه بالمحبة. ومبدأ المحبة هو الانفتاح والسماح بدخول ما كان حتى ذلك الحين في الخارج.
كلما زادت الأنا من تحديد نفسها تقوقعتْ وتفاقم فقدانُها للشعور بالكلِّ الذي تمثل هي نفسها دائمًا مجرد جزء منه. فبمقدار ما تتقوقع الأنا يفقد الإنسانُ الصلةَ والارتباطَ الراجع بالعلَّة الأولى للوجود. ولا تخشى الأنا إلا التوحد مع الكل؛ إذ إن هذا التوحد يشترط موتَها. فالوحدة لا يمكن بلوغُها إلا إذا ضحَّى المرء بالأنا.
الإنسان لا يكره أحدًا كما يكره نفسه. محبة النفس/الذات واحدة من أصعب مهمات الحياة؛ وكل مَن يظن أنه يستمرئ نفسه ويحبها تلتبس عليه ذاتُه بأناه الصغرى. ولأننا لا نحب أنفسنا ككل، بما فيها ظلنا، نحاول باستمرار تغيير صورتنا الخارجية وتشكيلها من جديد.
الظل Shadow هو مجموع مجالات الحقيقة المرفوضة التي لا يراها الإنسان في ذاته، أو لا يريد رؤيتها – لذا تكون غير موعية في نظره. وهو الخطر الأكبر على الإنسان لأنه كامن فيه دون أن يعرفه. فإذا رفض الإنسان مبدأ معينًا في داخله وكَبَتَه، فإن هذا المبدأ يثير فيه القلق والرفض مرارًا وتكرارًا عندما يواجهه ثانية فيما يسمَّى بـ"العالم الخارجي". لذلك ينشغل الإنسان في الغالب بما لا يريد، وبذلك يقترب من المبدأ المرفوض إلى درجة أنه يعيشه شخصيًّا في نهاية المطاف. فرفض مبدأ ما كفيل بجعل الإنسان المعني يعيش هذا المبدأ شخصيًّا، بحيث لا يمكن أن تضايق إنسانًا ما وتقلقه في الخارج سوى المبادئ التي لم يستدمجها في نفسه. فمَن يعيش في هذا العالم، جاهلاً أن كلَّ ما يدركه ويعيشه هو جزء من ذاته، فإنه يغرق في الخداع والوهم. فلا بدَّ لنا من الاستيقاظ أولاً كي نستطيع التعرف على الحلم بوصفه كذلك.
الظل، في وهمنا، عبارة عن مجموع ما نحن على يقين من وجوب القضاء عليه لنصير "أخيارًا" و"بررة"؛ بينما الأمر، في الواقع، على العكس من ذلك: فالظل يتضمن كلَّ ما ينقص العالم كي يغدو سليمًا. الظل يُمرِضنا، أي أنه يجعلنا غير سليمين لأنه يعوزنا من أجل سلامتنا. فالظل يُمرِض، وتقبُّل الظل يشفي – ذلك هو مفتاح فهم المرض والشفاء.
كل ما يعيشه المريض في الخارج عبارة عن إسقاطات لظلِّه. والسلوك النفسي ذاته هو التحقيق القسري للظلِّ غير المعاش. فمَن يعاني من الأرق واضطرابات الدخول في النوم، مثلاً، هو مَن يخاف التخلِّي عن رقابته الواعية والوثوق باللاوعي. لذا ينبغي عليه أن يتعلم أن يختم نهاره ويُنهيه نهايةً واعية كي يتمكن من الاستسلام كليًّا للَّيل ولقوانينه (ومن هنا تُعَد المصالحة مع الجانب الليلي من الحياة وسيلة منوِّمة مضمونة). ومَن يصعب عليه الاستيقاظ والنهوض، على الرغم من القسط الوافي من النوم الذي ناله، ينبغي عليه النظر إلى خوفه من استحقاقات النهار، من الفاعلية والإنجاز: مَن يستصعب الدخول إلى الوعي النهاري يهرب إلى عالم الأحلام ولاوعي الطفولة، ولا يريد لاستحقاقات الحياة ومسؤولياتها أن تُثقِل عليه.
والهلوسة وما يسمَّى بالأمراض الذهنية ليست أقل أو أكثر واقعية من أيِّ إدراك آخر. الفارق هو أنها تفتقر إلى استحسان الجماعة! والمريض النفسي يعمل تبعًا للقوانين النفسانية ذاتها، مثله كمثل أيِّ إنسان آخر. ولكن إذا سُدَّتِ الأقنيةُ وأُغلِقَتْ جميع المجالات الممكنة بإحكام تام فلا بدَّ أن يحصل انتقالٌ للسيادة، بحيث يتولَّى الظل زمام السيطرة على الشخصية بكاملها. وهنا غالبًا ما يقوم الظل – بإحكام تامٍّ أيضًا – بقمع الجزء من الوعي الذي كان مسيطرًا حتى الآن، ليستدرك بكلِّ قوة كلَّ ما لم يتجرأ الجزءُ الآخر من الإنسان على عيشه حتى الآن. وهكذا ينقلب الأشخاص الفاضلون والوعاظ إلى إباحيين فاحشين، والأشخاص الخوافون الوديعون إلى وحوش كاسرة، والخائبون الخجلون إلى مجانين عظمة!
المرض النفسي يجعل المرء صادقًا أيضًا؛ إذ يستدرك كلَّ ما فاته حتى الآن بقوة واستبداد يبعثان القلق في العالم المحيط، حيث يعيش الإنسان ظلَّه ويثير الجنون في نفوس المتفرجين، لأنه يذكِّرهم بظلِّهم الخاص. فمبدأ كبت الظلِّ يقود مباشرة إلى انفجار الظلِّ "العنيف"، وقمعُه من جديد يرجئ المشكلة، ولكنه لا يحلها أو يتخلص منها.
مشكلة الإنسان تكمن دائمًا في ظلِّه. لذا فإن لقاء الظلِّ وتمثُّله تدريجيًّا هو الموضوع المركزي للعلاج التحليلي اليونغي. فالحوار مع الظل ليس سهلاً، لكنه الطريق الوحيد الذي يقود في نهاية المطاف إلى الشفاء، لأن معايشة الحقائق النفسية العميقة لا يمكن نقلها بالكلمات. نحن نعالج ظلَّنا دائمًا في جميع النشاطات والاحتكاكات. ولا تثمر عن شراكة حقيقية إلا الاحتكاكات والتوترات؛ إذ لا يقترب المرء من نفسه إلا عن طريق معالجة ظلِّه عند الآخر.
ما القطبية؟ وما التكامل؟
تنشطر الوحدة في الوعي البشري قطبيًّا. والقطبان يكمِّل أحدُهما الآخر؛ وبالتالي يحتاج كلٌّ منهما في وجوده إلى قطبه المقابل. والميزة التي تقدمها لنا القطبية polarity هي القدرة على المعرفة، التي هي غير ممكنة لولاها. وغاية "الوعي القطبي" هو التغلب على حالة عدم السلامة التي يعاني منها الوعي، المشروطة بالزمن، وأن يغدو ثانية صحيحًا ومتكاملاً، حيث في نطاق القطبية لا وجود لخير مطلق أو لشرٍّ مطلق، لا وجود لصواب مطلق أو لخطأ مطلق: فكل تقييم يتعلق بوجهة نظر الناظر؛ ولذا فهو صحيح دائمًا في نظره. وثنائية الأضداد التي لا تعرف المهادنة، مثل الصواب والخطأ، لا تُخرِجنا من القطبية، بل تزيدنا غرقًا فيها.
ليس بين الخير والشر، في مفهوم القطبية، أي تناقض؛ إذ إن كلاً منهما يتأسَّس على الآخر. فالخير والشر وجهان للوحدة ذاتها؛ لذا يتوقف وجود كلٍّ منهما على وجود الآخر. فمَن يغذي الخير عامِدًا يغذي الشرَّ أيضًا دون أن يدري!
كل قطب يعيش من وجود القطب المضاد له، لأننا إذا قبضنا على أحد الطورين، يختفي الطور الآخر أيضًا. كذا هو التنفس: فهو إيقاع؛ والإيقاع أساس كلِّ حياة. كل محاولة للتمسك بأحد القطبين دون الآخر تقود إلى الركود وإلى الموت. أما الثابت اللامتغير والكائن أبدًا فنجده فيما يتعدى القطبية : الطاو.
يغدو البشر بصيرين عِبْر القطبية ومن خلال إمكانهم التمييز بين الخير والشر. وبهذه الخطوة يخسرون وحدة الوعي الكوني ويظفرون بالقطبية (القدرة على المعرفة). وهكذا يجب عليهم مغادرة الفردوس – جنة الوحدة – ليهووا إلى العالم القطبي للأشكال المادية. هذا الموضوع المركزي للبشرية عرفتْه الشعوبُ كلها في جميع العصور، وصاغتْه في صور متشابهة. وتنحصر خطيئةُ الإنسان في الخروج عن الوحدة. فجميع الأديان، مثلاً، لم تقم بأية محاولة لتحويل هذا العالم إلى فردوس، إنما علَّمت السبيل الذي يقود من هذا العالم المتكثر إلى الوحدة. كل فلسفة حقيقية (الطاوية مثلاً) تعلِّم أنه ليس في مكنة المرء في عالم قطبيٍّ تحقيقُ أحد القطبين فقط، بل يجب على كلِّ إنسان في هذا العالم أن يوازن كلَّ هناء بالقدر نفسه من الشقاء. إن كلَّ استخدام وظيفي نفعي للإمكانات البشرية فيه شيء "شيطاني" دومًا؛ إذ إن هذا الاستخدام يقيِّد الطاقة إلى القطبية، حائلاً دون التكامل الداخلي. والصراع الذي غالبًا ما يُستشهَد به بين قوى النور وقوى الظلام ليس صراعًا حقيقيًّا؛ إذ إن الخاتمة معروفة دومًا: الظلام لا يمكن له النيل من النور، ولكن النور يحوِّل الظلامَ إلى نور. لذلك يضطر الظلام إلى تحاشي النور إنْ هو أراد لوجوده ألا ينكشف!
رسالة الموت تقول لنا دائمًا : تخلَّصْ من وهم الزمن، تخلَّصْ من وهم الأنا. فالموت عَرَض، لأنه تعبير عن القطبية، وهو قابل للشفاء، شأنه شأن كلِّ عَرَض، عن طريق التكامل.
كلما قلَّ التمييز وقلَّ، بالتالي، الانغماس في القطبية، انخفض الاستعداد للمرض؛ في حين كلما كان الكائن الحي أكثر تطورًا في سلَّم الأحياء، أي أكثر تورطًا في القطبية، وبالتالي، في القدرة على المعرفة، كان أكثر استعدادًا للمرض. وبما أن الإنسان يمثل أرقى أشكال القدرة على المعرفة تطورًا فهو الكائن الأشد معايشةً لتوتر القطبية، في النفس كما في الجسم؛ ووفقًا لذلك، يجد المرض أيضًا أقصى معانيه في مجال الإنسان.
لا تتوحد الأضداد من تلقاء نفسها. لذا لا بدَّ لنا من أن نعيشها في صورة فاعلة لكي نستدمجها فينا. فإذا استدمجنا كلا القطبين، يكون من الممكن عندئذٍ إيجاد التوازن والشروع، انطلاقًا منه، في عملية توحيد الأضداد. والاتزان هو الموقف الوحيد الذي يسمح بالنظر إلى الظواهر دون تقييمها.
"الحل الوسط" ليس حلاً أبدًا؛ إذ إنه لا يمثل التوازن المطلق بين قطبين، ولا يمتلك القوة على التوحيد. الحل الوسط يعني نزاعًا دائمًا وبالتالي ركودًا. لذا فإن كلَّ صراع معاش يعلِّم الإنسان التعاطي مع الصراعات عمومًا تعاطيًا أفضل وأشجع – تعاطيًا "حارًّا"، إذا جاز القول. ولا بدَّ للنفس من تقديم تضحية كافية عند اتخاذ القرار. يعرف معظم الآباء، مثلاً، أنه بعد اجتياز أطفالهم مراحل مَرَضية معينة يشعرون بقفزة من النضج أو النمو عندهم، بحيث لا يعود الطفل هو نفسه قبل المرض. فالإنسان يخرج أنضج من كلِّ صراع. "الحرب أصل الأشياء كلِّها" (هيراقليطس). الحرب والصراع وتوتر القطبين تُمِد بطاقة الحياة؛ وبالتالي، فهي وحدها التي تضمن التقدم والتطور.
كل قرار يحرِّر. ولكن الصراع الدائم المزمن يبدِّد الطاقة باستمرار؛ الأمر الذي يقود من الناحية النفسية أيضًا إلى الفتور وفقدان الدافع، وصولاً إلى الركود والاستسلام. ولكن عندما نعقد العزم، مهتدين إلى أحد قطبي الصراع، سرعان ما نشعر بالطاقة المتحررة من جراء ذلك، لتخرج النفسُ من كلِّ صراع قوية؛ إذ إنها قد تعلَّمت من مُعارَكة المشكلة درسًا، ووسَّعت حدودَها بفضل الاشتغال على القطبين المتعارضين، وبالتالي، أصبحت أوعى. ولنعلم أننا من كلِّ صراع معاش نجني ثمرةً هي عبارة عن معلومة وعي تؤهل الإنسان للمناعة النوعية للتعاطي في المستقبل مع المشكلة ذاتها تعاطيًا آمِنًا.
الإدراك يعني معرفة الحقيقة. وهذا لا يمكن له أن يحصل حتى يتعرف المرء إلى نفسه في كلِّ ما يدركه. وبقدر ما تعود أعضاء الحواس تؤدي وظائفها أداءً صحيحًا يتعلم الإنسان النظر إلى الداخل والإنصات إلى وجدانه، ويغدو مجبرًا على العودة إلى "افتكار الذات" self-remembering ووعيها (غورجييف)
إن أسرع الطرق للخروج من أية وضعية هي التوغل توغلاً كليًّا فيها. بيد أن جبن الإنسان غالبًا ما يُقعِده عن السعي إلى هذه الكلِّية، ولذلك يبقى معظمنا عالقًا في قلب أحد القطبين. المشكلات غير موجودة كي تُحَلَّ؛ إذ إنها الأقطاب التي يتولد بينها التوتر الضروري للحياة. الحل يكمن فيما يتعدى القطبية؛ ولكن الوصول إلى هناك يقتضي من المرء توحيد الأقطاب، التوفيق بين الأضداد.
مَن لا يريد أن يفتح وعيه لصراع قد يثيره في شدة لا بدَّ له، بدلاً من ذلك، من فتح جسمه للعوامل المثيرة، مما يسبب الأمراض النفسجسمية psychosomatic؛ إذ تستقر هذه العوامل في نقاط ضعف الجسم: فالجسم تعبير مرئي ومنظور عن الوعي، كما أن البيت تعبير مرئي ومنظور عن فكرة الباني.
عن طريق النظر بوعي قطبيٍّ يتحول تزامنُ الوجود إلى تعاقُب. ومفهوم "الأبدية" Eternity يعني انعدام الزمن بالمعني الميتافيزيقي حصرًا، وليس استمرارية في الزمن إلى ما لا نهاية. فكل طريق إلى السلامة أو إلى الاستنارة enlightenment هو طريق من القطبية إلى الوحدة. إن عدم الفعل هو سلفًا قرار ضد الفعل، وعدم القرار هو قرار ضد القرار. لذا يجب أن ندرك أن المرض هو القطبية والشفاء هو التغلب على هذه القطبية. والمحبة وحدها قادرة على التغلب على القطبية وعلى توحيد الأضداد: المحبة Agapê تستهدف، بالدرجة الأولى، نفسَ الآخر، لا جسمه، بينما الحب الجنسي Eros يرغب في جسم الآخر وحسب.
إن أقل تصور عن الخير والشر يُدخِل ذهننا في الارتباك والبلبلة. كل تقييم أخلاقي ضيق يقيدنا إلى عالم الأشكال ويقود إلى الأسر. ومادمنا مأسورين لا يمكن لنا الخلاص من الشقاء والألم، ونظل خاطئين غير أصحاء؛ ويستمر عدم رضانا وتوقنا أيضًا إلى عالم أفضل ومحاولتنا لتغيير العالم. فحين يعتقد الإنسان بعدم كمال العالم لا يلاحظ أن النقص يكمن في نظرته فقط التي تمنعه من رؤية الكل.
التعليم الباطني القديم يقول بالمقايسة بين العالم الأصغر (الجسم) وبين العالم الأكبر (الكون)؛ وهي مقايسة صحيحة تمامًا، لأن الأنا هي الوهم الذي لا يوجد كحدود مصطنعة إلا في الوعي – وذلك إلى أن يتعلم الإنسان التضحية بهذه الأنا ليختبر، على حين غرة، أن حالة الوحدة الرهيبة هي في الحقيقة حالة الكلِّ الواحد.
في الوحدة لا وجود للتغير ولا للتحول أو التطور، لأن الوحدة لا تخضع للزمان ولا للمكان. فالكل الواحد هو في سكينة أبدية. إنه وجود خالص دون شكل ودون فعالية. الوحدة هي قطبية القطبية: فالمرء لا يجد الوفرة والامتلاء إلا في اللاشيء! هذه هي الحقيقة – والحقيقة مزعجة ومثيرة للاستياء، أيًّا كان اللسانُ الذي ينطق بها. أساسيات يتوجب معرفتها حــول الجسم والأمراض والعادات ومعانيها وعلاجاتها
ما الجسم؟ ما المرض؟ ما أعراض المرض؟ ما الشفاء؟
الجسم الحي يدين بوظيفته لجهتين غير ماديتين، غالبًا ما نسميهما بـ"الوعي" (النفس) و"الحياة" (الروح)، حيث يمثل الوعيُ المعلومات التي تتجلَّى في الجسم وتنتقل فيه إلى حيِّز الظهور. وبما أن الوعي يمثل كيفية مستقلة غير مادية، فهو بالطبع ليس نتاج الجسم ولا هو متعلق بوجوده أو متوقف عليه.
ويمتلك الإنسان مركزين: القلب والدماغ، الشعور والتفكير. ويُعَد الرأسُ أكثر الأعضاء ارتكاسًا للألم؛ ويبيِّن الألمُ الذي ينتابه أن تفكيرنا خاطئ، أننا نوظف تفكيرنا توظيفًا خاطئًا، وأنه عندما تتعاون الوظائف الجسمانية المتنوعة لتقوم بأدائها الجمعي أداءً محددًا ينشأ نموذجٌ نشعر أنه متناغم، ولذلك ندعوه بـ"الصحة". أما إذا انحرفت إحدى الوظائف، فإنها تُخِل بمجمل هذا التناغم، كثيرًا أو قليلاً، ويدور الحديث عندئذٍ عن "المرض".
والمرض، شأنه شأن الموت، متأصل في عمق الوجود البشري (البوذية)، ولا يمكن القضاء عليه ببضع حيل وظيفية لا حول لها ولا قوة. فالمرض إحدى حالات الإنسان التي تنبِّهه إلى أنه في وعيه لم يعد على ما يرام أو أنه فقد التناغم: العَرَض المرضي symptom ينبِّهني إلى أنني كإنسان، ككائن نفسي، مريض؛ أي أنني خرجت عن توازن القوى النفسية الداخلية. وبذلك ليس للمرض من هدف سوى جعلنا أصحاء!
المرض أكثر من مجرد خلل وظيفي في الطبيعة: فهو جزء من نظام شامل يخدم التطور. ولا يمكن تخليص الإنسان من حالة المرض بإطلاق لأن الصحة تحتاج إليها كقطب مضاد. يمرض الإنسان لأنه يفتقر إلى الوحدة. فلا وجود للإنسان السليم الذي لا ينقصه شيء – اللهم إلا في كتب التشريح!
المرض دومًا أزمة؛ وكل أزمة في تطور، وكل محاولة للعودة ثانيةً إلى حالة ما قبل المرض محاولة ساذجة. فالمرض يريد أن يمضي بنا إلى ضفاف جديدة، مجهولة، غير معاشة. وفقط عندما نلبي نداءه تلبيةً واعية وطوعية فإننا نضفي على الأزمة مغزى.
المرض يجعل الإنسان صادقًا. ففي أعراض المرض نعيش في وضوح وفي شكل مرئي ما نريد أن نكبته ونخفيه. ونحن نتحمل بأنفسنا دائمًا مسؤولية كل ما يصيبنا في حياتنا. ولا استثناء في هذا: عندما يعاني أحدنا فهو لا يعاني دائمًا إلا من نفسه. كل منا هو الفاعل والضحية في شخص واحد. ومادام الإنسان لم يكتشف كلا الأمرين في نفسه يتعذر شفاؤه. من هنا يجب علينا أن نتذكر أن من الصعوبة بمكان شفاء شخص فقد الرغبة في الحياة (أي صار يعتبر نفسه ضحية)، وأن من السهولة بمكان معالجة مَن يكافح من أجل الحياة، لأن نضال العقل يتغلب على المادة دائمًا.
كل مَن يعاني آلامًا ينبغي عليه دائمًا أن يراجع نفسه ويفكر فيمَن المقصود بها في الواقع. ومَن يتعلم فهمَ المرض بوصفه طريقًا إلى الوعي ينفتح له عالمٌ جديد من الاستشراف والبصيرة.
فالمرض فرصة الإنسان الكبرى – خيره الأثمن : هو المعلم والدليل الشخصي على طريق العافية والسلامة. ولا بدَّ للإنسان من أن يكف عن "محاربة" المرض، وأن يتعلم، بدلاً من ذلك، كيف يصغي ويرى ما يريد المرضُ أن يقوله له. يجب على المريض أن ينصت إلى دخيلة نفسه وأن يتواصل مع أعراضه إن هو أراد سماع رسالتها. فالشفاء يقترن دومًا بتوسيع في الوعي.
الهم والرجاء يجب أن ينصبَّا على طريقة محددة للرؤية والتفكير تمكِّننا من رؤية المرض رؤيةً مختلفة عما ألفناه حتى الآن. والحال هنا شبيهة بِمَن يريد تفسير أحلامه: ينبغي عليه أن يستعمل كتابًا لتفسير الأحلام ليتعلم كيفية التفسير، لا ليبحث عن أحلامه فيه!
لدى أعراضنا المَرَضية الكثير لتقوله لنا؛ إنها أكثر وأهم من النظرة التي نوليها للمرض نفسه. العَرَض صديق حميم، ينتمي إلينا انتماءً كاملاً؛ وهو الوحيد الذي يعرفنا حق المعرفة، حيث إننا، إذا أصغينا إليه وتَواصلنا معه، صار معلمًا مرشدًا نزيهًا على طريق الشفاء الحقيقي بإخباره إيانا عما ينقصنا في الواقع.
الأعراض المَرَضية لا تحل المشكلة على المستوى الجسماني، بل توفر للجسم شرطَ التعلم كخطوة أولى. فكل حدث جسماني يُكسِب خبرة؛ ولكن ليس بالإمكان التكهن، في الحالة المفردة، بمدى بلوغ هذه الخبرة إلى الوعي.
أعراض المرض تشفي الإنسان وتجعله سليمًا، وذلك بتحقيقها على مستوى الجسم ما هو ناقص على صعيد الوعي. لذا يجب أن نتعلم كيف نقف إلى جانب "ظلِّنا" (يونغ) ونصادِق لاوعينا: من هنا ضرورة الوقوف في صف الظلِّ دومًا، ومساعدته على التكشف والظهور، وعدم محاربة المرض وأعراضه، بل استخدامها والاستفادة منها كمحور للشفاء. ولا يزول العَرَض المرضي قبل أن يغدو وجودُه وعدمه سيان عند المريض.
كلما ازداد تعمق المرء في الصور المَرَضية ومشكلات الإنسان اتضح له أكثر أن الحياة البشرية تتأرجح بين قطبي الجذب والنبذ، الإثبات والنفي. وكثيرًا ما ندعو الأول بالحب والثاني، في صورته النهائية، بالموت. أما الحياة فتعني ممارسة كلٍّ من الجذب والنبذ ممارسةً إيقاعية.
الشفاء يعني دائمًا اقترابًا من السلامة، اقترابًا من الوعي الكلِّي. إن طريق الإنسان هو طريق من الويلات إلى السلامة – من المرض إلى الشفاء والقدسية – لأن الشفاء يحدث عن طريق ضمِّ ما هو ناقص؛ وبالتالي، فهو غير ممكن دون توسيع في الوعي.
ما الأنا؟ ما الذات؟ ما الظل؟ ما اللاوعي؟
معرفة النفس، بحسب كارل يونغ، تعني اكتشاف الذات Self، وليس الأنا ego. إذ إن الذات تشمل كلَّ شيء، بينما تحُول الأنا باستمرار، من جراء وضعها للحدود، دون التعرف إلى الكل، إلى الذات الكلِّية. المغالاة في تقدير قوى الأنا وسيادة الإرادة تفصلاننا عن مجرى الحياة العفوي. ولكن مَن يسعى إلى الصدق مع نفسه يمكن أن يتحول المرضُ عنده إلى وسيلة رائعة تُعينه في طريقه.
يتمتع الإنسان بوجود مستقل عن الزمن، ولكن يجب عليه أن يحقِّقه ويعيه في سياق الزمن. ويُدعى نموذجه الداخلي هذا بـ"الذات". وطريق حياة الإنسان هو الطريق إلى هذه الذات التي هي رمز إلى الكلِّية. فالإنسان في حاجة إلى الزمن لتحقيق ما هو موجود دائمًا.
يود البشر دائمًا تغيير الأشياء، لذا يصعب عليهم إدراكُ أن الشيء الوحيد المطلوب من الإنسان هو القدرة على النظر. فالغاية الأسمى للإنسان تنحصر في القدرة على النظر إلى شيء ومعرفة أنه صالح وخيِّر كما هو. ومادام الإنسان يرى أن شيئًا ما في حاجة إلى التغيير، فهو لم يبلغ معرفة النفس بعد. وعندما يهتدي الإنسان في داخله إلى قانونه الخاص، يعفيه هذا من القوانين الأخرى كلِّها. والقانون الداخلي لكلِّ إنسان هو الالتزام بإيجاد مركزه الحقيقي – ذاته – ومن ثم تحقيقه، أي التوحد مع كلِّ ما هو كائن. وتدعى أداة توحيد الأضداد هذه بالمحبة. ومبدأ المحبة هو الانفتاح والسماح بدخول ما كان حتى ذلك الحين في الخارج.
كلما زادت الأنا من تحديد نفسها تقوقعتْ وتفاقم فقدانُها للشعور بالكلِّ الذي تمثل هي نفسها دائمًا مجرد جزء منه. فبمقدار ما تتقوقع الأنا يفقد الإنسانُ الصلةَ والارتباطَ الراجع بالعلَّة الأولى للوجود. ولا تخشى الأنا إلا التوحد مع الكل؛ إذ إن هذا التوحد يشترط موتَها. فالوحدة لا يمكن بلوغُها إلا إذا ضحَّى المرء بالأنا.
الإنسان لا يكره أحدًا كما يكره نفسه. محبة النفس/الذات واحدة من أصعب مهمات الحياة؛ وكل مَن يظن أنه يستمرئ نفسه ويحبها تلتبس عليه ذاتُه بأناه الصغرى. ولأننا لا نحب أنفسنا ككل، بما فيها ظلنا، نحاول باستمرار تغيير صورتنا الخارجية وتشكيلها من جديد.
الظل Shadow هو مجموع مجالات الحقيقة المرفوضة التي لا يراها الإنسان في ذاته، أو لا يريد رؤيتها – لذا تكون غير موعية في نظره. وهو الخطر الأكبر على الإنسان لأنه كامن فيه دون أن يعرفه. فإذا رفض الإنسان مبدأ معينًا في داخله وكَبَتَه، فإن هذا المبدأ يثير فيه القلق والرفض مرارًا وتكرارًا عندما يواجهه ثانية فيما يسمَّى بـ"العالم الخارجي". لذلك ينشغل الإنسان في الغالب بما لا يريد، وبذلك يقترب من المبدأ المرفوض إلى درجة أنه يعيشه شخصيًّا في نهاية المطاف. فرفض مبدأ ما كفيل بجعل الإنسان المعني يعيش هذا المبدأ شخصيًّا، بحيث لا يمكن أن تضايق إنسانًا ما وتقلقه في الخارج سوى المبادئ التي لم يستدمجها في نفسه. فمَن يعيش في هذا العالم، جاهلاً أن كلَّ ما يدركه ويعيشه هو جزء من ذاته، فإنه يغرق في الخداع والوهم. فلا بدَّ لنا من الاستيقاظ أولاً كي نستطيع التعرف على الحلم بوصفه كذلك.
الظل، في وهمنا، عبارة عن مجموع ما نحن على يقين من وجوب القضاء عليه لنصير "أخيارًا" و"بررة"؛ بينما الأمر، في الواقع، على العكس من ذلك: فالظل يتضمن كلَّ ما ينقص العالم كي يغدو سليمًا. الظل يُمرِضنا، أي أنه يجعلنا غير سليمين لأنه يعوزنا من أجل سلامتنا. فالظل يُمرِض، وتقبُّل الظل يشفي – ذلك هو مفتاح فهم المرض والشفاء.
كل ما يعيشه المريض في الخارج عبارة عن إسقاطات لظلِّه. والسلوك النفسي ذاته هو التحقيق القسري للظلِّ غير المعاش. فمَن يعاني من الأرق واضطرابات الدخول في النوم، مثلاً، هو مَن يخاف التخلِّي عن رقابته الواعية والوثوق باللاوعي. لذا ينبغي عليه أن يتعلم أن يختم نهاره ويُنهيه نهايةً واعية كي يتمكن من الاستسلام كليًّا للَّيل ولقوانينه (ومن هنا تُعَد المصالحة مع الجانب الليلي من الحياة وسيلة منوِّمة مضمونة). ومَن يصعب عليه الاستيقاظ والنهوض، على الرغم من القسط الوافي من النوم الذي ناله، ينبغي عليه النظر إلى خوفه من استحقاقات النهار، من الفاعلية والإنجاز: مَن يستصعب الدخول إلى الوعي النهاري يهرب إلى عالم الأحلام ولاوعي الطفولة، ولا يريد لاستحقاقات الحياة ومسؤولياتها أن تُثقِل عليه.
والهلوسة وما يسمَّى بالأمراض الذهنية ليست أقل أو أكثر واقعية من أيِّ إدراك آخر. الفارق هو أنها تفتقر إلى استحسان الجماعة! والمريض النفسي يعمل تبعًا للقوانين النفسانية ذاتها، مثله كمثل أيِّ إنسان آخر. ولكن إذا سُدَّتِ الأقنيةُ وأُغلِقَتْ جميع المجالات الممكنة بإحكام تام فلا بدَّ أن يحصل انتقالٌ للسيادة، بحيث يتولَّى الظل زمام السيطرة على الشخصية بكاملها. وهنا غالبًا ما يقوم الظل – بإحكام تامٍّ أيضًا – بقمع الجزء من الوعي الذي كان مسيطرًا حتى الآن، ليستدرك بكلِّ قوة كلَّ ما لم يتجرأ الجزءُ الآخر من الإنسان على عيشه حتى الآن. وهكذا ينقلب الأشخاص الفاضلون والوعاظ إلى إباحيين فاحشين، والأشخاص الخوافون الوديعون إلى وحوش كاسرة، والخائبون الخجلون إلى مجانين عظمة!
المرض النفسي يجعل المرء صادقًا أيضًا؛ إذ يستدرك كلَّ ما فاته حتى الآن بقوة واستبداد يبعثان القلق في العالم المحيط، حيث يعيش الإنسان ظلَّه ويثير الجنون في نفوس المتفرجين، لأنه يذكِّرهم بظلِّهم الخاص. فمبدأ كبت الظلِّ يقود مباشرة إلى انفجار الظلِّ "العنيف"، وقمعُه من جديد يرجئ المشكلة، ولكنه لا يحلها أو يتخلص منها.
مشكلة الإنسان تكمن دائمًا في ظلِّه. لذا فإن لقاء الظلِّ وتمثُّله تدريجيًّا هو الموضوع المركزي للعلاج التحليلي اليونغي. فالحوار مع الظل ليس سهلاً، لكنه الطريق الوحيد الذي يقود في نهاية المطاف إلى الشفاء، لأن معايشة الحقائق النفسية العميقة لا يمكن نقلها بالكلمات. نحن نعالج ظلَّنا دائمًا في جميع النشاطات والاحتكاكات. ولا تثمر عن شراكة حقيقية إلا الاحتكاكات والتوترات؛ إذ لا يقترب المرء من نفسه إلا عن طريق معالجة ظلِّه عند الآخر.
ما القطبية؟ وما التكامل؟
تنشطر الوحدة في الوعي البشري قطبيًّا. والقطبان يكمِّل أحدُهما الآخر؛ وبالتالي يحتاج كلٌّ منهما في وجوده إلى قطبه المقابل. والميزة التي تقدمها لنا القطبية polarity هي القدرة على المعرفة، التي هي غير ممكنة لولاها. وغاية "الوعي القطبي" هو التغلب على حالة عدم السلامة التي يعاني منها الوعي، المشروطة بالزمن، وأن يغدو ثانية صحيحًا ومتكاملاً، حيث في نطاق القطبية لا وجود لخير مطلق أو لشرٍّ مطلق، لا وجود لصواب مطلق أو لخطأ مطلق: فكل تقييم يتعلق بوجهة نظر الناظر؛ ولذا فهو صحيح دائمًا في نظره. وثنائية الأضداد التي لا تعرف المهادنة، مثل الصواب والخطأ، لا تُخرِجنا من القطبية، بل تزيدنا غرقًا فيها.
ليس بين الخير والشر، في مفهوم القطبية، أي تناقض؛ إذ إن كلاً منهما يتأسَّس على الآخر. فالخير والشر وجهان للوحدة ذاتها؛ لذا يتوقف وجود كلٍّ منهما على وجود الآخر. فمَن يغذي الخير عامِدًا يغذي الشرَّ أيضًا دون أن يدري!
كل قطب يعيش من وجود القطب المضاد له، لأننا إذا قبضنا على أحد الطورين، يختفي الطور الآخر أيضًا. كذا هو التنفس: فهو إيقاع؛ والإيقاع أساس كلِّ حياة. كل محاولة للتمسك بأحد القطبين دون الآخر تقود إلى الركود وإلى الموت. أما الثابت اللامتغير والكائن أبدًا فنجده فيما يتعدى القطبية : الطاو.
يغدو البشر بصيرين عِبْر القطبية ومن خلال إمكانهم التمييز بين الخير والشر. وبهذه الخطوة يخسرون وحدة الوعي الكوني ويظفرون بالقطبية (القدرة على المعرفة). وهكذا يجب عليهم مغادرة الفردوس – جنة الوحدة – ليهووا إلى العالم القطبي للأشكال المادية. هذا الموضوع المركزي للبشرية عرفتْه الشعوبُ كلها في جميع العصور، وصاغتْه في صور متشابهة. وتنحصر خطيئةُ الإنسان في الخروج عن الوحدة. فجميع الأديان، مثلاً، لم تقم بأية محاولة لتحويل هذا العالم إلى فردوس، إنما علَّمت السبيل الذي يقود من هذا العالم المتكثر إلى الوحدة. كل فلسفة حقيقية (الطاوية مثلاً) تعلِّم أنه ليس في مكنة المرء في عالم قطبيٍّ تحقيقُ أحد القطبين فقط، بل يجب على كلِّ إنسان في هذا العالم أن يوازن كلَّ هناء بالقدر نفسه من الشقاء. إن كلَّ استخدام وظيفي نفعي للإمكانات البشرية فيه شيء "شيطاني" دومًا؛ إذ إن هذا الاستخدام يقيِّد الطاقة إلى القطبية، حائلاً دون التكامل الداخلي. والصراع الذي غالبًا ما يُستشهَد به بين قوى النور وقوى الظلام ليس صراعًا حقيقيًّا؛ إذ إن الخاتمة معروفة دومًا: الظلام لا يمكن له النيل من النور، ولكن النور يحوِّل الظلامَ إلى نور. لذلك يضطر الظلام إلى تحاشي النور إنْ هو أراد لوجوده ألا ينكشف!
رسالة الموت تقول لنا دائمًا : تخلَّصْ من وهم الزمن، تخلَّصْ من وهم الأنا. فالموت عَرَض، لأنه تعبير عن القطبية، وهو قابل للشفاء، شأنه شأن كلِّ عَرَض، عن طريق التكامل.
كلما قلَّ التمييز وقلَّ، بالتالي، الانغماس في القطبية، انخفض الاستعداد للمرض؛ في حين كلما كان الكائن الحي أكثر تطورًا في سلَّم الأحياء، أي أكثر تورطًا في القطبية، وبالتالي، في القدرة على المعرفة، كان أكثر استعدادًا للمرض. وبما أن الإنسان يمثل أرقى أشكال القدرة على المعرفة تطورًا فهو الكائن الأشد معايشةً لتوتر القطبية، في النفس كما في الجسم؛ ووفقًا لذلك، يجد المرض أيضًا أقصى معانيه في مجال الإنسان.
لا تتوحد الأضداد من تلقاء نفسها. لذا لا بدَّ لنا من أن نعيشها في صورة فاعلة لكي نستدمجها فينا. فإذا استدمجنا كلا القطبين، يكون من الممكن عندئذٍ إيجاد التوازن والشروع، انطلاقًا منه، في عملية توحيد الأضداد. والاتزان هو الموقف الوحيد الذي يسمح بالنظر إلى الظواهر دون تقييمها.
"الحل الوسط" ليس حلاً أبدًا؛ إذ إنه لا يمثل التوازن المطلق بين قطبين، ولا يمتلك القوة على التوحيد. الحل الوسط يعني نزاعًا دائمًا وبالتالي ركودًا. لذا فإن كلَّ صراع معاش يعلِّم الإنسان التعاطي مع الصراعات عمومًا تعاطيًا أفضل وأشجع – تعاطيًا "حارًّا"، إذا جاز القول. ولا بدَّ للنفس من تقديم تضحية كافية عند اتخاذ القرار. يعرف معظم الآباء، مثلاً، أنه بعد اجتياز أطفالهم مراحل مَرَضية معينة يشعرون بقفزة من النضج أو النمو عندهم، بحيث لا يعود الطفل هو نفسه قبل المرض. فالإنسان يخرج أنضج من كلِّ صراع. "الحرب أصل الأشياء كلِّها" (هيراقليطس). الحرب والصراع وتوتر القطبين تُمِد بطاقة الحياة؛ وبالتالي، فهي وحدها التي تضمن التقدم والتطور.
كل قرار يحرِّر. ولكن الصراع الدائم المزمن يبدِّد الطاقة باستمرار؛ الأمر الذي يقود من الناحية النفسية أيضًا إلى الفتور وفقدان الدافع، وصولاً إلى الركود والاستسلام. ولكن عندما نعقد العزم، مهتدين إلى أحد قطبي الصراع، سرعان ما نشعر بالطاقة المتحررة من جراء ذلك، لتخرج النفسُ من كلِّ صراع قوية؛ إذ إنها قد تعلَّمت من مُعارَكة المشكلة درسًا، ووسَّعت حدودَها بفضل الاشتغال على القطبين المتعارضين، وبالتالي، أصبحت أوعى. ولنعلم أننا من كلِّ صراع معاش نجني ثمرةً هي عبارة عن معلومة وعي تؤهل الإنسان للمناعة النوعية للتعاطي في المستقبل مع المشكلة ذاتها تعاطيًا آمِنًا.
الإدراك يعني معرفة الحقيقة. وهذا لا يمكن له أن يحصل حتى يتعرف المرء إلى نفسه في كلِّ ما يدركه. وبقدر ما تعود أعضاء الحواس تؤدي وظائفها أداءً صحيحًا يتعلم الإنسان النظر إلى الداخل والإنصات إلى وجدانه، ويغدو مجبرًا على العودة إلى "افتكار الذات" self-remembering ووعيها (غورجييف)
إن أسرع الطرق للخروج من أية وضعية هي التوغل توغلاً كليًّا فيها. بيد أن جبن الإنسان غالبًا ما يُقعِده عن السعي إلى هذه الكلِّية، ولذلك يبقى معظمنا عالقًا في قلب أحد القطبين. المشكلات غير موجودة كي تُحَلَّ؛ إذ إنها الأقطاب التي يتولد بينها التوتر الضروري للحياة. الحل يكمن فيما يتعدى القطبية؛ ولكن الوصول إلى هناك يقتضي من المرء توحيد الأقطاب، التوفيق بين الأضداد.
مَن لا يريد أن يفتح وعيه لصراع قد يثيره في شدة لا بدَّ له، بدلاً من ذلك، من فتح جسمه للعوامل المثيرة، مما يسبب الأمراض النفسجسمية psychosomatic؛ إذ تستقر هذه العوامل في نقاط ضعف الجسم: فالجسم تعبير مرئي ومنظور عن الوعي، كما أن البيت تعبير مرئي ومنظور عن فكرة الباني.
عن طريق النظر بوعي قطبيٍّ يتحول تزامنُ الوجود إلى تعاقُب. ومفهوم "الأبدية" Eternity يعني انعدام الزمن بالمعني الميتافيزيقي حصرًا، وليس استمرارية في الزمن إلى ما لا نهاية. فكل طريق إلى السلامة أو إلى الاستنارة enlightenment هو طريق من القطبية إلى الوحدة. إن عدم الفعل هو سلفًا قرار ضد الفعل، وعدم القرار هو قرار ضد القرار. لذا يجب أن ندرك أن المرض هو القطبية والشفاء هو التغلب على هذه القطبية. والمحبة وحدها قادرة على التغلب على القطبية وعلى توحيد الأضداد: المحبة Agapê تستهدف، بالدرجة الأولى، نفسَ الآخر، لا جسمه، بينما الحب الجنسي Eros يرغب في جسم الآخر وحسب.
إن أقل تصور عن الخير والشر يُدخِل ذهننا في الارتباك والبلبلة. كل تقييم أخلاقي ضيق يقيدنا إلى عالم الأشكال ويقود إلى الأسر. ومادمنا مأسورين لا يمكن لنا الخلاص من الشقاء والألم، ونظل خاطئين غير أصحاء؛ ويستمر عدم رضانا وتوقنا أيضًا إلى عالم أفضل ومحاولتنا لتغيير العالم. فحين يعتقد الإنسان بعدم كمال العالم لا يلاحظ أن النقص يكمن في نظرته فقط التي تمنعه من رؤية الكل.
التعليم الباطني القديم يقول بالمقايسة بين العالم الأصغر (الجسم) وبين العالم الأكبر (الكون)؛ وهي مقايسة صحيحة تمامًا، لأن الأنا هي الوهم الذي لا يوجد كحدود مصطنعة إلا في الوعي – وذلك إلى أن يتعلم الإنسان التضحية بهذه الأنا ليختبر، على حين غرة، أن حالة الوحدة الرهيبة هي في الحقيقة حالة الكلِّ الواحد.
في الوحدة لا وجود للتغير ولا للتحول أو التطور، لأن الوحدة لا تخضع للزمان ولا للمكان. فالكل الواحد هو في سكينة أبدية. إنه وجود خالص دون شكل ودون فعالية. الوحدة هي قطبية القطبية: فالمرء لا يجد الوفرة والامتلاء إلا في اللاشيء! هذه هي الحقيقة – والحقيقة مزعجة ومثيرة للاستياء، أيًّا كان اللسانُ الذي ينطق بها.
الوحدة هي المحبة
حتى نستطيع أن نحب، يجب علينا فتح حدود الأنا، يجب علينا أن نشتعل ونتقد على جمر المحبة وأن نستهلك حدودَنا في نارها. ومَن هو على غير استعداد لذلك قد يتعرض لنار خارجية تحرق حدوده الخارجية (الجلد)، وبالتالي، تفتح المرء عنوةً وتجعله رقيقًا وحساسًا.
مادام الحب يختار فهو ليس حبًّا حقيقيًّا (كريشنامورتي)، لأن الحب الحقيقي لا يفرِّق، بينما الاختيار يفرِّق. الحب لا يعرف الغيرة؛ إذ إنه لا يريد الامتلاك، بل يريد أن يفوح ويتدفق. ورمز الحب الشامل هو محبة الله للبشر. فمن الصعب تصور أن الله يوزِّع محبته توزيعًا متفاوتًا: فالشمس تسطع بنورها وحرارتها على البشر أجمعين، ولا توزع أشعتها تبعًا للفضائل وللرذائل. ويعلِّمنا الجسم أن مَن لا يحب تغدو نفسُه حامضة، وأن مَن لا يستطيع الاستمتاع والاستساغة سرعان ما يغدو هو نفسه غير ممتع وغير مستساغ!
المحبة شافية لأنها تفتح الحدود وتدع الآخر يدخل من أجل التوحد معه. إن ما يود المرء وصفه لا يراه أو يتعرف إليه إلا عند الآخرين. ومَن يحب لا يضع أناه في المرتبة الأولى، بل يعيش كلِّيةً أكبر. مَن يحب يشعر بالمحبوب تمامًا كما لو أنه هو نفسه. مَن لا يعيش هذه المحبة في الوعي فهو مهدَّد بأن يهبط حبُّه إلى دَرَك الجسدية المحضة ليسعى هناك إلى تحقيق قوانينه كالسرطان.
السرطان حبٌّ على المستوى الخاطئ. فالكما | |
|
zinab abd elrahman Admin المدير العام للمنتدى
الابراج : عدد المساهمات : 339 تاريخ التسجيل : 25/06/2009 العمر : 74
| موضوع: رد: معاني الامراض وعلاجها الخميس 15 أبريل 2010, 2:35 pm | |
| بعض أمراضنا البدنية ـ الجسدية : ماذا تعني؟ وكيف تُشفى؟ أمراض النظر والسمع
يُظهِر قصرُ البصر على المستوى الجسمي الذاتية الشديدة. بيد أن غايته معرفة الذات: فالمعرفة الحقيقية للذات تُخرِجنا حتمًا من الذاتية الخاصة. فما الذي لا يريد المرءُ أن يراه ؟ الجواب دومًا هو: ذاته نفسها!
*
التشخيص القزحي iridology يستخدم العينين كمرآة للجسم : ففي الإمكان رؤية طبع الإنسان وبنية شخصيته في عينيه أيضًا.
*
التهاب الملتحمة، مثله مثل كلِّ مرض التهابي، يكشف صراعًا. ويؤدي الالتهاب إلى آلام في العينين لا تخف إلا بإغماضهما.
*
الإنسان الأحول هو أعور في الحقيقة؛ ذلك أن الدماغ يقمع صورة إحدى العينين، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان رؤية الأبعاد، وبالتالي، إلى نظرة أحادية الجانب إلى العالم.
*
مَن يعاني من أمراض العيون ومشكلاتها ، عليه أولاً أن يخلع نظارتيه أو عدستيه اللاصقتين ليوم واحد ، حتى يعيش في وعي الظرف الحياتي الفعلي. يُنصَح لك بتدوين محضر خلال هذا اليوم تتناقش فيه مع نفسَك حول الطريقة التي كنت ترى بها العالم وتعيشه ، ما تستطيع وما لا تستطيع ، ليُمِدَّك ذلك بمادة كافية للتعرف إلى رؤية العالم ونفسك. وعليك الإجابة عما يلي : ما الذي لا أريد أن أراه ؟ هل توصد ذاتي البابَ دون معرفتي لذاتي ؟ هل تفوتني معرفة ذاتي فيما يحدث؟ هل أستفيد من بصري في سبيل تنمية بصيرتي؟ هل أخاف من رؤية الأشياء على حدَّتها ؟ هل في مكنتي تحويل رؤية الأشياء كما هي ؟ أي مجال من مجالات وجودي ينفر منه بصري؟
* القدرة على السمع تعبير جسمي عن الطاعة والخضوع : الأصم أو ضعيف السمع لا يريد الطاعة. وعندما لا يعود المرء يسمح لشيء بالدخول فهذا دليل على شيء من الأنانية. لذلك فإن أكثر التهابات الأذن وآلامها عند الأطفال تحدث في السن الذي يجب على الأطفال فيها تعلُّم الطاعة. والمسن غالبًا ما يفقد المرونة والقدرة على التكيف ويتناقص استعدادُه للطاعة باستمرار. ومَن يعاني من مشكلات سمعية عليه أن يطرح على نفسه الأسئلة التالية: لماذا أنا غير مستعد للإصغاء إلى أحدهم؟ مَن الذي وما الذي لا أريد أن أطيعه؟ هل ثمة توازُن عندي بين القطبين: الأنانية والخضوع ؟
الصداع والشقيقة : يتعلق الأمر في الصداع النصفي بألم يظهر في أحد جانبي الرأس، ويتبدى على شكل هجمات قد تترافق باضطرابات بصرية ( حساسية للضوء، بقع لماعة ) وأعراض معدية ومعوية، كالإقياء والإسهال. ويمكن لسائر المنبهات أن تطلق هجمة الشقيقة: الضوء، الضجيج، تيار هواء، الطقس، القلق. ويتمتع المريض بعد الهجمة بشعور قوي بالصحة والعافية. وتأتي الاضطرابات الهضمية والإمساك في المرتبة الأولى بين الأعراض المرافقة للشقيقة. وفي ذروة الهجمة، تنشأ رغبة ملحَّة في العزلة والانزواء في غرفة مظلمة أو في الفراش. ومن علاماته ميل رأس المريض لاإراديًّا نحو الجانب، فيما ينشأ لديه باستمرار مزيد من الخوف من الاجتماع بأشخاص ذوي شأن ومن مراقبة الآخرين وملاحظاتهم.
مريض الشقيقة ينقل موضوعًا جسميًّا إلى الرأس ويحاول أن يعيشه فيه؛ وهذا الموضوع يتعلق غالبًا بالجنس. ويتم تحويل الرأس وظيفيًّا إلى أسفل البطن، حيث إن مريض الشقيقة لديه دائمًا مشكلات جنسية. وأغلب المرضى من الإناث. إن هجمة الشقيقة هي رعشة جنسية في الرأس. وكما يتدفق الدم في الإثارة الجنسية إلى المنطقة التناسلية وينقلب التوتر في الذروة إلى استرخاء، كذلك تسير هجمة الشقيقة: يتدفق الدم إلى الرأس، ويتفاقم الشعور بالضغط ويتزايد التوتر، حتى ينقلب إلى استرخاء بتوسع الأوعية.
لدى مرضى الشقيقة صراع بين الغريزة والفكر. ولا يجوز للفكر أن يحلَّ محلَّ الفعل، بل يجب أن يحمل كل منهما الآخر. مريض الشقيقة يحاصر طاقته الجنسية في مجال التصور. لذا ينبغي عليه رؤية مشكلته حيث هي، كي يعيد ما صعد إلى رأسه إلى حيث ينتمي.
في الصداع والشقيقة لا بدَّ من طرح الأسئلة التالية: بماذا أجهد رأسي وأنهك فكري؟ أما يزال بين "الأعلى" و"الأسفل" عندي تأثير متبادل حيوي؟ هل أسعى جاهدًا للوصول للأعلى؟ هل أنا عنيد متصلب الرأس؟ هل أحاول التعويض عن الفعل بالفكر؟ هل أنا صادق حيال مشكلاتي الجنسية؟ لماذا أدفع بالرعشة الجنسية إلى رأسي؟
مشكلات الأسنان : يؤوِّل تفسيرُ الأحلام في التحليل النفسي سقوطَ الأسنان في الحلم كإشارة إلى خسارة في القوة والطاقة، فيما يمثل صرير الأسنان مفهومًا راسخًا لعدوان مغلوب على أمره. مَن لديه أسنان تالفة تنقصه الحيوية، وبالتالي، يفتقر إلى الهمة والتوثب والقدرة على التغلب على المصاعب. أما اللثة فتمثل أساس الحيوية والعدوان والثقة الأولية والاعتداد بالنفس. أمراض التنفس : كل قطب يعيش من وجود القطب المضاد له. فإذا قبضنا على أحد الطورين يختفي الطور الآخر أيضًا. كذا هو التنفس: فهو إيقاع – والإيقاع أساس كلِّ حياة، حيث يتم عن طريق الشهيق إمداد كريات الدم الحمراء بالأكسجين الموجود في الهواء، وفي أثناء الزفير نطلق ثاني أكسيد الكربون.
النَّفَس لا ينتمي لنا ولا نملكه ؛ النَّفَس ليس فينا، بل نحن فيه. عبر التنفس نتصل باستمرار بشيء ما يقع فيما وراء المخلوق، فيما يتعدى الشكل والصورة، حيث نحيا في رحم كبيرة مترامية الأطراف تتجاوز وجودنا المحدود: إنها الحياة، ذلك السر العظيم الذي يعجز المرء عن تفسيره أو التعريف به؛ إذ لا يمكن لنا إلا أن نعيشه ونختبره وحسب، وذلك بأن ننفتح عليه وندعه يسري في كياننا ويتخلَّله. النَّفَس هو الحبل السري الذي تسيل من خلاله الحياة إلينا؛ وهو يحرص على أن نبقى في هذا الاتصال. إنه يقي الإنسان من الانعزال والانغلاق الناجم عن مناعة الأنا وعدم قابليتها للاختراق، لندرك أننا نستنشق الهواء ذاته الذي يستنشقه عدونا ويزفره. فالنَّفَس يربطنا باستمرار مع كلِّ شيء. لهذا تتمتع رئتانا بسطح داخليٍّ تقدَّر مساحته بسبعين مترًا مربعًا، في حين لا تتجاوز مساحة سطح جلدنا مترًا ونصف إلى مترين مربعين.
في الأمراض التي لها علاقة بالتنفس ينبغي على المرء أن يسأل نفسه ما يلي : ما الذي لا أريد أن أتقبله؟ ما الذي لا أريد أن أتصل به؟ هل أخشى القيام بخطوة نحو حرية جديدة؟ ما الذي لا أريد أن أعطيه أو أتخلَّى عنه؟ ما الذي يكتم أنفاسي؟
الربو القصبي : الربو القصبي هو ضيق في التنفس يتظاهر بهجمات تترافق بزفير صفيري مميز ناجم عن تضيُّق في القصبات والقصيبات بسبب تشنُّج العضلات الملساء وإثارة التهابية في الطرق التنفسية وتورم وإفراز مفرط في الغشاء المخاطي. والمصاب بالربو يصارع لاستنشاق الهواء ويتنفس لاهثًا، حيث يكون الزفير مخنوقًا. فهو يأخذ الشهيق كاملاً، فيحصل فرط انتفاخ في الرئة، يليه، بالتالي، تشنجٌ زفيري. وتيار التنفس ينقطع عند المصاب بالربو، وذلك حصرًا لأنه يفكر أكثر مما ينبغي في الأخذ، ويحمِّل نفسه في هذا ما لا طاقة لها عليه.
تتواصل رغبةُ الانغلاق عند المصاب بالربو إلى أن ينتهي بالموت.
وفي إمكان المرء أن يثير غيظ المصاب بشدة بالإشارة إلى أن ربوه ليس خطرًا على حياته وأنه لا يمكن أن يموت منه أبدًا؛ فالمريض بالربو يعلق أهمية كبيرة على خطورة مرضه على حياته. وعند مريض الربو ادعاءٌ شديد بالسيادة، لكنه لا يقر به؛ ولذلك يهبط هذا إلى الجسم، ليظهر عندئذٍ في انتفاخ المصاب بالربو أو غطرسته؛ إذ يحلو له أن يهرب إلى ما هو فكري وشكلي. لكنه إذا ما جوبه بادعاء شخص آخر القوةَ والسيادة يسري الفزعُ في رئتيه، وينعقد لسانُه، ويخونه الكلام (الذي يتشكل من هواء الزفير تحديدًا)، فيغدو عاجزًا عن الزفير ويفتقد الهواء.
المصاب بالربو إنسان يتوق إلى الحب، ولكنه عاجز عن منح الحب – يدل على ذلك الزفير المعرقَل. وله وصفة شافية واحدة: هي أن يعي ويصدق مع ذاته دون هوادة. وتتم معالجته ببوله (حقن عضلية)، مما يرغمه على استعادة ما كان قد طَرَحَه (الوسخ والقذارة الخاصة)، ويجبره على التحاور معه ودمجه – وهذا يشفيه.
الأسئلة الواجب على المريض الإجابة عنها هي : في أيِّ المجالات أريد الأخذ دون عطاء؟ هل يمكن لي الاعتراف بعدواني اعترافًا واعيًا؟ ما هي الإمكانات المتاحة لي لإظهاره؟ كيف أتعاطي مع الصراع؟ ما هي المجالات التي أحط من شأنها وأصدُّها؟ هل في إمكاني الشعور بشيء من الخوف والقلق المتواري خلف منظومتي القِيَمية الشخصية؟ ما هي المجالات الحيوية التي أحاول تجنبها؟ وأي منها أعده منحطًّا ودنيئًا؟ ولا تنسَ: حينما يغدو الضيق محسوسًا فهو القلق والخوف. والوسيلة الوحيدة ضد القلق هي الامتداد والاتساع؛ ولا يتم هذا إلا عن طريق السماح بدخول العنصر المتجنَّب.
الزكام : يظهر الزكام دائمًا في الأوضاع المتأزمة التي يصل فيها الأمر حتى الأنف أو التي تزكم الأنف. والأوضاع المتأزمة هي الأوضاع والظروف اليومية الكثيرة غير الخارقة، لكن الهامة بنظر النفس، التي نشعر بها كفرط إجهاد ونفتش من جرائها عن مبرِّر شرعي كي ننسحب أو نتوارى قليلاً، لأن الوضع يثقل على كاهلنا. الالتهابات : كلمة "التهاب" تتضمن الشرارة الملتهبة التي يمكن لها أن تفجِّر برميل بارود! كل إنتان هو صراع أضحى ماديًّا: فالعراك المتجنَّب في النفس يغتصب مشروعيَّته على مستوى الجسم ويتبدى كالتهاب. الميالون إلى الإصابة بالالتهابات يحاولون تجنب الصراعات. وفي الإصابة الإنتانية ينبغي على المرء أن يطرح على نفسه الأسئلة التالية: أي صراع في حياتي لا أراه؟ أي صراع أتجنبه وأتهرب منه؟ أي صراع أتجاهله ولا أقرُّ به؟ وللعثور على موضع الصراع ينبغي على المرء أن يتبين في دقة رمزية العضو أو الجزء المصاب من الجسم.
فالتهاب القولون القرحي، مثلاً، عبارة عن التهاب معي غليظ مزمن ذي بداية حادة، يترافق بآلام بطنية وإسهالات مخاطية مدماة، حيث يخسر الدمَ والمخاطَ مَن يخاف من تحقيق حياته الخاصة التي تتطلب تأسيس موقع خاص تجاه الآخر وبناءه. الدم والقلب: الدم يرمز إلى الحياة. إنه الحامل المادي للحياة وتعبير عن الفردية. هو عصارة خاصة جدًّا؛ وكل قطرة منه تحتوي على الإنسان بأكمله. أما القلب فرمز إلى مركز الإنسان الذي لا يوجِّهه العقل ولا الإرادة.
ضغط الدم تعبير عن ديناميَّة الإنسان. وهو ينشأ عن التأثير المتبادل بين سلوك الدم السائل وسلوك جدران الأوعية الواضعة للحدود. ارتفاع ضغط الدم المشروط بالسن يترافق مع تكلُّس في جدران الأوعية الدموية. والإنسان ذو الضغط الدموي المنخفض لا يتعدى هذه الحدود إطلاقًا ولا يحاول فرض نفسه أبدًا، بل يتجنب كلَّ مقاومة. وهو لا ينحاز إلى رأي معيَّن، بمعنى أنه ينأى عن تحمل المسؤولية. وعادة ما يتظاهر انخفاضُ ضغط الدم في صورة افتقار الدم إلى عنصر الحديد.
ارتفاع تواتر النبض وضغط الدم لا يحدث عند تزايد الجهد البدني فقط، وإنما بمجرد تصوره سلفًا. فعندما يشتد الدوران الدموي من خلال التصور المستمر لإنجاز ما، لكنْ دون تحويل هذا الإنجاز في وقت ما وتفريغه في نشاط حركي، يحدث ضغط دائم. ويحافظ جهاز الدوران على هذه الإثارة الدائمة بانتظار التحويل إلى فعل؛ فإذا افتُقد هذا التحويل فإن المريض يقع تحت الضغط.
هكذا نرى أن صاحبَي الضغط الدموي المرتفع والمنخفض كلاهما يتجنب الصراعات القائمة – كل منهما بتكتيك مختلف. ونجد انخفاض ضغط الدم أكثر مصادفةً عند النساء، بينما نجد الارتفاع أشيع عند الرجال. وارتفاع الضغط الدموي يمثل شرطًا مؤاتيًا لاحتشاء القلب.
نبض القلب إيقاع صارم التناغم والانتظام. وعندما يضطرب الإيقاع arrhythmia أو يتسارع tachycardia فجأة، فيما يُسمَّى باضطرابات النَّظْم القلبي، يتجلَّى في ذلك خرقٌ للنظام، أو بالأحرى، انحراف عن السواء المعياري. القلب يدق في جنون لأن الإنسان لا يجرؤ على ترك الانفعالات تهزه في جنون. فهو يمتثل لعقله ويلتزم بالقواعد، ويكون غير مستعد لأن تُخرِجه المشاعرُ والانفعالات عن روتينه المعتاد. من هنا فإن الأعراض القلبية تجبر الإنسان على الإصغاء إلى قلبه ثانية.
صاحب القلب الضيق ضحيةُ قوى أناه ورغباتها السلطوية.
يتراكم الدم في أوردة الساق السطحية، فلا يعود إلى القلب بصورة كافية، ويعبِّر عن شيء من الكسل والخمول والتثاقل، حيث يفتقد المرء التوثب والمرونة. أما الخثار (الجلطة) فهو انسداد أحد الأوردة بخثرة دموية. فإذا أمسى الإنسان خَمولاً، متثاقل الوعي، و"تخثرت" آراؤه إلى أحكام جاهزة جامدة، سرعان ما يتخثر في الجسم أيضًا ما يُفترَض فيه في الواقع أن يكون سائلاً. وملازمة الفراش تزيد من خطر حدوث الخثار.
والأسئلة في هذه الحالة هي: هل هناك توازُن متناغم لديَّ بين الرأس والقلب، بين العقل والشعور؟ هل أفسح لمشاعري مجالاً كافيًا وأجرؤ على إظهارها؟ هل أعيش وأحب من كلِّ قلبي أو من "نصف قلبي"؟ هل تقوم حياتي على نُظُم حية؟ أم أنني أحشرها في إيقاع جامد؟ ألا تزال توجد في حياتي مادة مشتعلة ومادة متفجرة؟ هل أصغي إلى قلبي حقًّا؟ المعدة والأمعاء : ينتمي الهضم إلى عنصر الأرض، فيما التنفس يسيطر عليه عنصر الهواء.
مريض المعدة يفتقد القدرة على التعامل مع غيظه وانزعاجه وعدوانه تعاملاً واعيًا، وبالتالي، مع حلِّ الصراعات والمشكلات على مسؤوليته الخاصة. فهو لا يريد مواجهة أيِّ صراع؛ ومعدته تريد طعامًا "مهروسًا"! إن عدم توجيه المشاعر والعدوان نحو الخارج، بل نحو الداخل، نحو الذات نفسها، يؤدي في النتيجة إلى قرحة المعدة. يجب على مريض المعدة أن يتعلم وعيَ مشاعره ومعالجة الصراعات وهضم الانطباعات هضمًا واعيًا.
المعي الدقيق يوافق الفكر التحليلي الواعي؛ أما المعي الغليظ فيوافق اللاوعي. واللاوعي يعني مملكة الأموات؛ إذ تتواجد فيه المواد التي لم يتمكن الجسم من تحويلها إلى حياة.
مَن يعاني من مشكلات في المعي الدقيق يميل في الغالب إلى الإفراط في التحليل والنقد. والإسهال مؤشِّر إلى إشكالية الخوف: عندما يخاف المرء لا يعود يخصص وقتًا كافيًا للتحاور مع الانطباعات تحليليًّا؛ فهو يدع سائر الانطباعات تعبر إلى الأسفل غير مهضومة. والخوف دومًا يقترن بالضيق وبالتشنج. ومعالجة الخوف تعني الاسترخاء والترك والانبساط والمرونة والرضا. وغالبًا ما تُستوفى معالجة الإسهال في إعطاء المريض كميات كبيرة من السوائل. والإسهال، سواء كان مزمنًا أو حادًّا، يعني الخوف والقلق وإرادة التمسك بشدة بالغة؛ وهو يعلِّمنا الترك والإرخاء والإفراج.
أكثر الاضطرابات التي تصيب المعي الغليظ شيوعًا هي الإمساك؛ وهو تعبير عن عدم الرغبة في العطاء، ويترجم رغبةً في التمسك والبخل. الإمساك يعني الخوف من انكشاف المحتويات المكبوتة؛ وهو محاولة للاحتفاظ بالمحتويات المكبوتة اللاواعية والتكتم عليها.
حيثما يشتهي الإنسانُ شيئًا محددًا ويستطيبه ففي ذلك تعبير عن ألفة محددة تمامًا؛ وهو، بالتالي، شهادة حول هذا الإنسان بالذات. فالجوع رمز إلى رغبة الامتلاك، والإدخال تعبير عن طمع معيَّن؛ من هنا فإن تناوُل الطعام إرضاءٌ لهذه الرغبة عن طريق الدمج، عن طريق الإدخال والإشباع.
الطاقة في الجسم تتوق إلى الجريان؛ وعند منع جريانها يحدث الاحتقان. وإذا طال أمد الاحتقان في الطاقة، دون أن تجد أيَّ مصرف، مالت إلى التماسك والتصلب. فالترسبات والتشكلات الحصوية في الجسم هي دومًا تعبير عن طاقة متخثرة: الحصيات الصفراوية، مثلاً، عدوان متخثر.
المعدة تغتاظ، وذلك بإنتاجها على المستوى المادي سائلاً عدوانيًّا بغية معالجة مشاعر غير مادية وهضمها. من ناحية أخرى، فإن الدفاع هو عدم السماح بالدخول: فالإقياء تعبير كامل عن الدفاع والصدِّ والرفض – وهو عدم قبول. وتتضح هذه العلاقة، مثلاً، في إقياء الحمل المعروف الذي يشير إلى رفض الجنين والأمومة.
هنا ينبغي سؤال النفس ما يلي: ما الذي لا يمكن لي أو لا أريد بلعه؟ هل أكظم في نفسي شيئًا ما؟ كيف أتعامل مع مشاعري؟ وممَّ نفسي حامضة ومزاجي ممتعض؟ وكيف أتعامل مع عدواني؟ وإلى أيِّ حدٍّ أتجنب الصراعات؟ وهل يوجد في داخلي تشوق مكبوت إلى فردوس الطفولة الخالي من الصراعات، حيث لا ألقى سوى المحبة والرعاية دون أن أضطر إلى التغلب على الصعوبات بنفسي؟ الكبد والكِليتان والمرارة والمثانة : أهم وظائف الكبد: تخزين الطاقة، إنتاج الطاقة، استقلاب الزلال (الپروتين)، وإزالة السموم. والكبد المريض يدل على أن الإنسان يتلقى من شيء ما مقدارًا يتجاوز قدرته على الاستيعاب والمعالجة، ويدل على إسراف وعلى رغبات توسعية مغالية و"مُثُل عليا" أعلى مما ينبغي! عملية تركيب الزلال في الكبد هي نسخة كاملة في العالم الأصغر عما نسمِّيه في العالم الأكبر "تطورًا".
يتمتع الكبد بعلاقة رمزية قوية بالمجالات العقائدية والدينية قد يصعب على بعضهم تتبُّع استنباطها. فالدين يبحث عن الصلة الراجعة بالعلَّة الأولى، بالمطلق، بالكلِّ الواحد. ولا يمكن أن يهتدي إلى الطريق الراجع إلا مَن يبصر وَهْمَ الأشكال المختلفة – وهذا هو عمل الكبد.
وأسئلة الكبد هي: في أيِّ المجالات فقدتُ القدرة على التقدير والتقييم الصحيح؟ كيف أميز بين ما هو مفيد وما هو سام بالنسبة لي؟ أين وقعت في التفريط وأين وقعت في الإفراط؟ هل تعنيني الأمور العقائدية والدينية؟ أم أن مشاغلي تحجب بصيرتي؟ هل أفتقد إلى الثقة؟
تقوم المرارة بجمع العصارة الصفراوية التي ينتجها الكبد؛ بينما المثانة هي المجمع الذي تتجمع فيه المواد المطروحة من الكِلية كبول لتتمكن من الانطراح خارج الجسم. جميع المواد التي يتلقاها الجسم تصل في النهاية إلى الدم. وللكليتين دورُ محطة التصفية وتأمين التوازن بين الأحماض والقلويات.
تظهر آلامُ الكِلى عندما يغرق المرء في صراعات مع الشريك. ولا تعني "الشراكة" هنا القضية الجنسية، بل أسلوب مواجهة الآخرين واللقاء بهم. وتبلغ شراكةٌ ما غايتَها عندما لا يعود الشريك في حاجة إلى الآخر، ليتوحدا بالحبِّ الأبدي. فالحب فعل وعي يفتح فيه المرءُ حدودَه لِمَنْ يحب حتى يتوحد معه؛ وهذا لا يحدث قبل أن يتقبل المرءُ في نفسه كلَّ ما يمثله الشريك.
عندما يمس الكِليةَ شيءٌ ما يجب طرح التالي من الأسئلة: ما هي المشكلات التي أعاني منها مع مَن يشاركني؟ هل أميل إلى اعتبار أخطاء شريكي ومشكلاته خاصة به وحده؟ هل يفوتني التعرف إلى نفسي في سلوكيات شريكي؟ هل أتمسك بقِيَمي القديمة دون أخذ التطور بالحسبان؟ ما هي القفزات التي تريد الحصاة في كِليتي أن تدفعني إلى القيام بها ؟
ولأمراض المثانة أسئلة مثل: ما هي المجالات التي أتمسك بها على قِدَمها؟ أين أضع نفسي تحت الضغط فأسقِطُه على الآخرين؟ ما هي المواضيع المستهلَكة التي ينبغي عليَّ التخلِّي عنها؟ ما الذي يُبكيني؟
علاقة التبول في الفراش بالبكاء: كلاهما يخدم في تفريغ ضغط داخلي وتخفيفه عن طريق الترك والإرخاء. من هنا يمكن وصف التبول في الفراش بأنه "بكاء سفلي". أمراض الجلد : كلُّ اضطراب في أحد أعضائنا الداخلية يتم إسقاطه على الجلد؛ وكل تنبيه لمساحة جلدية موافِقة يتم نقله نحو الداخل إلى العضو. وراء جلد شديد الحساسية تكمن نفسٌ حساسة للغاية، في حين يُستدَل من الجلد القاسي على نفس منيعة لا يؤثر فيها شيء، ويكشف لنا الجلد المتعرِّق عن ارتباك وقلق، والجلد المحمرُّ يكشف الإثارة.
الهوامات fantasies الجنسية التي يخجل منها المرء تطفو لتتبدى كالتهاب على الجلد. وحَبُّ الشباب يحمي المرء ويدافع عنه لأنه يعسِّر كلَّ حركة ويعيق النشاط الجنسي. يصف الكثير من الأطباء حبوب منع الحمل لمعالجة حَبِّ الشباب معالجة ناجحة؛ فهذه الحبوب تتظاهر في الجسم بالحمل (كما لو أن ما يُخشى منه يحدث فعلاً)، فيختفي حَبُّ الشباب، إذ لا يعود له من مبرِّر. الطفح الجلدي يبين دومًا أن شيئًا ما محجوزًا يود أن يخترق حدود القمع كي يخرج إلى النور–الوعي. يشتد حَبُّ الشباب ويتفاقم كلما أكثر المرء من سَتْر الجلد، بينما يمثل خلع الملابس خطوة انفتاح، حيث تقوم الشمس بطريقة آمنة مقام دفء الجسم الآخر وحرارته (المتاق إليها والمرهوبة في آن معًا). يستتبع كلُّ مرض طفولة غالبًا خطوةً تطوريةً هامة؛ وكلما كان الطفح الجلدي أشد كان سير مرض الطفولة أسرع والاختراق موفقًا.
الأُكال ( الهرش والحكاك ) : يبين لي الأُكال أو الهرش أن شيئًا ما يتأكَّلني أو يهرشني على الصعيد النفسي. فوراء الأُكال تكمن شهوةٌ ما، نارٌ داخلية، ولعٌ يتشوق إلى الخروج، يريد أن يُكتشَف.
ويشي ضعف النسيج الضام عند الإنسان بنقص في الدعم والتماسك، ميل إلى اللين والإذعان، ونقص في التوثب الداخلي؛ ويكون المعانون منه عادةً معطوبين وسريعي التأذي ولوامين نوعًا ما. وتتبدى هذه الصفة في الجسم في بقع زرقاء تظهر عند هؤلاء الأشخاص على الفور لدى أخف صدمة.
داء الصدف لا يريد السماح بدخول أيِّ شيء أو بخروجه. فوراء كلِّ نوع من الدفاع يكمن الخوف من الإصابة بجروح. وكلما اشتد دفاعُ شخص ما، كانت درعُه الواقية أسمك وحساسيته الداخلية وخوفه من الأذية أكبر.
في مشكلات الجلد تُطرَح أسئلة من نحو: هل أحدُّ نفسي أكثر مما ينبغي؟ كيف هي قدرتي على الاتصال والتواصل؟ هل تكمن وراء موقفي الرافض رغبةٌ مكبوتة في القرب والحميمية؟ ما الذي يطلب فيَّ اختراقَ الحدود كي يظهر في النور (جنس، غريزة، شهوة، عدوان، ولع)؟ ما الذي يتأكَّلني في الحقيقة؟ هل ابتعدت ودفعت بنفسي إلى الانعزال؟
وضعية الجسم : الوضعية التي يقف بها المرء في موقفه الذاتي هي الوسط؛ ونقع عليها في تمارين الـتاي تشي الصينية. وضعية الجسم المنتصبة تجبر الإنسان على الثبات في وجه الاستحقاقات والتحديات وعلى النظر إليها مباشرة نظرة مستقيمة. أما إشاحة المرء برأسه فهي تشير إلى تجنب المواجهة. من هنا يمكن لنا التعرف فورًا إلى وضعية الإنسان التي لا تتطابق مع ماهيته على أنها وضعية غير طبيعية. فإذا أرغم المرضُ الإنسانَ على اتخاذ وضعية معينة ما كان ليتخذها طوعًا، فإن هذه الوضعية تدل على وضعية داخلية غير معيشة، تبين لنا ماذا يعترض الإنسان عليه ويحتج. فالظهر المحدب، مثلاً، يَتَمَظْهَر في خضوع غير معيش.
آلام المفاصل والروماتيزم : الروماتيزم مفهوم جامع لمجموعة من الأعراض الناجمة عن تغيرات نسيجية مؤلمة تتظاهر قبل كل شيء في المفاصل والعضلات. تظهر الشكاوى المفصلية والعضلية على أشدها إثر أوقات الراحة، وتتحسن عندما يحرك المريض مفصله. وتصاب المفاصل عادةً إصابةً متناظرة.
مَن يحتمل أعباءً أكثر مما يطيق، ولا يعي ذلك، يشعر بالضغط في جسمه على شكل آلام قرصية. المفصل المتيبس والمتصلب يدل أن المريض متصلب ومتشبث بشيء ما؛ وصلابة الفقرة تشي لنا بصلابة صاحبها وعناده. ونكاد نجد في سوابق مرضى الروماتيزم نشاطًا وحركية مفرطين في الشدة؛ إذ هُم شديدو التضحية بأنفسهم في سبيل الآخرين. ويظل التهاب المفاصل يحاصر مرضاه بالتصلب والتيبس كي يجبرهم على الراحة النهائية. طبع مرضى المفاصل الإفراط في التدقيق والنزوع إلى الكمال وملامح اكتئابية، مع حاجة شديدة إلى التضحية من أجل الآخرين، مقرونةً بسلوك أخلاقي مبالَغ فيه وميل إلى تعكر المزاج.
السكَّري : لا يستطيع تلقِّي الحب إلا مَن يقدر على منحه : فمَن لا يدع نفسه تعبِّر بما يكفي يتسرب السكرُ إلى دمه لأنه لم يتعلم كيف يمنح من جانبه هذا الحب.
الحمل والولادة وأمراض النساء : حالة عدم تصالُح المرأة مع أنوثتها تشكل خلفية معظم اضطرابات الحيض. فبقدر ما تكون المرأة غير راضية تنشأ اضطرابات الطمث وشكاواه؛ ومَن يؤلمها الحيض يؤلمها كونُها امرأة. الاحتجاج على التسليم في اضطرابات الحيض يحول دون الاسترخاء في الحياة الجنسية أيضًا؛ فمَن تستطيع الاسترخاء في أثناء الرعشة الجنسية تستطيع الاسترخاء في أثناء الطمث أيضًا. فالترك والإرخاء والرضا والسماح للأمور بأخذ مجراها التلقائي مطلوب من الرجل والمرأة على حدٍّ سواء إن هما أرادا اختبار الرعشة في عمق. أما انقطاع الطمث فينبِّه المرأة إلى فقدان القدرة على الإنجاب والتناسل، وبالتالي، إلى فقدان مظهر أنثوي نوعي أيضًا.
تكشف مشكلات الحمل دومًا عن حالة رفض للطفل. وإسقاط الجنين يدل أن المرأة تريد التخلص من الطفل، والغثيان يعني رفضه. التسمم الحَمْلي هو محاولة جسمية لخنق الجنين، حيث تجازف الأم في ذلك بحياتها. والنساء المعرضات لخطر الإصابة بالتسمم الحَمْلي هن مريضات السكري والكِلى وذوات البدانة الشديدة: فمريضات السكري لا يمكنهن تلقي الحب ولا منحه؛ ومريضات الكِلى لديهن مشكلات مع الشراكة؛ والبدينات يُظهِرن بالنهم والشراهة أنهن يحاولن التعويض عن نقص الحبِّ لديهن بالطعام. ومَن لديهن صعوبات في الحب لديهن كذلك صعوبات في الانفتاح من أجل طفل.
جميع المشكلات التي تؤخر الولادة أو تعسِّرها تكشف في النهاية عن محاولة للاحتفاظ بالطفل والامتناع عن تسليمه. وعدم إرضاع الطفل يكشف عن عدم استعداد الأم لتغذية الطفل وحمايته والعناية به عن طريق بذل النفس. وعند الأمهات اللواتي تخلو أثداؤهن من الحليب تكون هذه المشكلة أعمق منها عند اللواتي يدافعن صراحة عن عدم رغبتهن في الإرضاع.
الاضطرار إلى العملية القيصرية تعبير عن خوف المرأة من كونها ضيقة أكثر مما ينبغي، عن خوفها من تمزُّق العجان أو من فقدان جاذبيتها عند الرجل. وإذا لم تحمل المرأة أبدًا على الرغم من رغبتها في الطفل فإن هذا يعني إما وجود رفض لاواعٍي أو أن الرغبة في الطفل يحرِّكها حافز غير صادق. هذا وترمز الأورام في الرحم إلى الحمل: فالمرأة تدع شيئًا ما ينمو في رحمها ليتم استخراجه بعملية جراحية، كما في الولادة. لذا ينبغي أن تكون هذه الأورام العضلية مبرِّرًا لاقتفاء أثر رغبات لاواعية في الحمل.
يجب تشجيع الحوامل على النظر إلى الأشياء الجميلة، والإصغاء إلى الموسيقى المتناغمة والمنسجمة اللحن، والتفكير إيجابيًّا، والجدية، وتجنب المعارضة. فهذا كله يؤثر على الجنين ومستقبله وعلى قواه وميوله العاطفية والعقلية. وفي حال سلبية المسلك تكون العواقب على الطفل سلبية هي الأخرى.
السرطان والإيدز: السرطان حدثية متمايزة وذكية جدًّا، تشغل الإنسان على المستويات كلِّها بالدرجة نفسها. الخلية السرطانية ليست شيئًا قادمًا من الخارج يهدد العضوية، كالجراثيم والفيروسات والسموم، بل هي خلية وضعت مجمل نشاطها حتى الآن في خدمة العضو؛ فهي، بالتالي، تخدم العضوية بأكملها لكي تكون لها أفضل الفرص في البقاء. لكنها تغيِّر نيَّتها فجأة، فتتخلَّى عن تماهيها مع العضو، وتبدأ في تطوير أهدافها الخاصة وتحقيقها بلا هوادة. فهي لا تعود تتصرف بوصفها خلية في كائن حي متعدد الخلايا، إنما تنكص إلى مراحل وجود سابقة من الناحية التطورية وتتصرف ككائن وحيد الخلية: تنسلخ بغشائها الخلوي عن المجموع، وتأخذ في الانتشار السريع عن طريق نشاط انقسامي فوضوي، ضاربة عرض الحائط بكلِّ الحدود المورفولوجية (الارتشاح)، مشيدةً مَعاقِلَها الخاصة في كلِّ مكان. أما المجموع الخلوي الباقي الذي خرجت عنه بسلوكها الشاذ فتستخدمه كمضيف من أجل تغذيتها الخاصة. ويحدث نمو الخلايا السرطانية وتكاثُرها بسرعة تجعل ترويتها الدموية غير كافية؛ ولهذا تتحول من التنفس الهوائي إلى الشكل البدائي للتخمر، حيث يمكن لكلِّ خلية أن تقوم بالتخمر بمفردها. ولا يبلغ هذا الانتشار الناجح جدًّا للخلية السرطانية نهايتَه إلا عند استنزافها. فلا شك أنها سوف تخفق في وقت ما من جراء انقطاع سُبُل الإمداد؛ لكنْ حتى ذلك الحين يبقى سلوكُها مستمرًّا. والسؤال هو: لماذا تقوم الخلية السرطانية بهذا كلِّه؟
كانت هذه الخلية واحدة من بين خلايا كثيرة وَجَبَ عليها إنجاز عمل في سبيل الآخر؛ وقد فعلت ذلك مدة طويلة. ولكن في وقت من الأوقات تفقد العضوية جاذبيتها كإطار لتطور الخلية الخاص. فالكائن الحي وحيد الخلية حرٌّ ومستقل، في وسعه القيام بما يريد، وفي إمكانه أن يخلَد عن طريق تكاثره اللامحدود؛ أما في الكائن عديد الخلايا، فتصير الخلية مستعبَدة وفانية. لذا فإنها تُخضِع التضامن القائم حتى الآن لمصالحها الخاصة، وتشرع في تحقيق حريتها عن طريق انتهاج سلوك لا مبال. فسلوك الخلية السرطانية يظل ناجحًا مادام الإنسان على قيد الحياة كمضيف؛ ونهايته تعني نهاية النمو السرطاني أيضًا. هذا وإن للخلية السرطانية حججًا لا تقل قوة عن حجج الإنسان – سوى أن وجهتَي نظرهما مختلفتان: كلاهما يريد الحياة وتحقيق مصالحه وتصوراته عن الحرية.
متوسط عمر مرضى السرطان غير المعالَجين يبدو أعلى من متوسط عمر المعالَجين. فمرض السرطان تعبير عن عصرنا وعن صورتنا الجماعية عن العالم. لقد توسعت أنظمة اتصالنا وامتدت لتشمل العالم بأسره حقًّا، لكننا لا نزال لا نجيد التواصل مع جارنا أو شريكنا. الإنسان، في عماه وقصر نظره، لا يختلف عن الخلية السرطانية في شيء. من هنا لا حاجة إلى "قهر" السرطان، بل يجب علينا أن نفهمه فقط كي نتعلم فهم أنفسنا أيضًا. فالسرطان فرصتنا الكبرى كي نكتشف عيوب تفكيرنا وأخطائنا الخاصة.
تتميز الخلية السرطانية عن الخلية الجسمية السليمة بالمبالغة في تقدير أناها. لكن الأنا يجب أن تموت كي نتمكن من الولادة الجديدة في الذات. فالتضحية بالشكل لا بدَّ أن تتم للفوز بالمضمون؛ إذ إن العمل العظيم يعني دائمًا التضحية بالأنا. الموت الذي تعمل الخلية السرطانية على إقحام العضوية فيه ينقلب إلى موتها هي أيضًا، مثلما ينطوي موتُ بيئة الأرض على موتنا أيضًا. ومع ذلك تؤمن الخلية السرطانية بخارج منفصل عنها مثلما يؤمن البشر بخارج منفصل عنهم أيضًا – وهذا الاعتقاد داء مميت. أما الدواء فيُدعى الحب.
الحب يشفي لأنه يفتح الحدود ويدع الآخر يدخل من أجل التوحد معه. مَن يحب لا يضع أناه في المرتبة الأولى، بل يحيا كلِّيةً أكبر؛ مَن يحب يشعر بالمحبوب تمامًا كما لو أنه هو نفسه. ومَن لا يحيا هذا الحب في الوعي فهو مهدد بأن يهبط بحبِّه إلى الجسدية ليسعى هناك إلى تحقيق قوانينه الخاصة – كالسرطان تمامًا.
السرطان، إذن، "حب" على المستوى الخاطئ! فالكمال والتوحد لا يمكن تحقيقهما إلا في الوعي، وليس في نطاق المادة؛ إذ إن المادة هي ظل الوعي. السرطان عَرَضٌ للحبِّ المُساء فهمه؛ وهو لا يهاب إلا الحب الحقيقي. ورمز الحب الحقيقي هو القلب. من هنا فإن القلب هو العضو الوحيد الذي لا يصاب بالسرطان.
أما الإيدز فيؤدي إلى انهيار القوى الدفاعية الجسمية. ومدة حضانة فيروس الإيدز طويلة جدًّا؛ فهو بذلك يعتبر عدوًّا غير مرئي تصعب محاربته. وفيروس الإيدز لا يمكن أن ينتقل إلا إذا وصلت خلايا دموية أو حيوانات منوية طازجة إلى الدورة الدموية لشخص آخر مباشرة؛ فخارج العضوية البشرية يموت العامل المُمْرِض. ويحتل اللوطيون حتى اليوم المرتبة الأولى بين الفئات المعرَّضة لخطر العدوى، وذلك لأن الجماع الشرجي يقود إلى جروح في الغشاء المخاطي الحساس للمستقيم؛ وبذلك يمكن للحيوانات المنوية الحاملة للفيروس الوصول إلى الدورة الدموية مباشرة. وقد ظهر الإيدز عندما تمكن اللوطيون في أمريكا من تحسين وضعهم الاجتماعي وشَرْعَنَة ممارساتهم.
الإيدز حالة نهائية للحبِّ الهاوي إلى الظل. والموت، في النهاية، ليس غير شكل جسديٍّ للتعبير عن الحب. والجنس الجسدي المحض ينسحب على جسدية الآخر؛ أما الحب فيغمر نفس الآخر. لذا فإن الجنس والحب ينبغي أن يكونا متوازيين، أي أن يلتزما التوازن.
بين الإيدز والسرطان الكثير من القواسم المشتركة من حيث المضمون. فالسرطان يصيب المريض وحده، وهو غير قابل للانتقال بالعدوى؛ أما الإيدز فيجعلنا نعي إلى حدٍّ كبير أننا لسنا وحدنا في هذا العالم وأن كلَّ عزلة هي انخداع ووهم؛ وبالتالي، فإن الأنا في النهاية وهم. الإيدز يجبرنا في النهاية على تحمل مسؤولية وجودنا. | |
|