عصام عبد الله
عن دروب
ينتمي مفهوم الصداقة Philia إلي الإشكال الغربي في الوجود ، وهو سؤال يوناني في المقام الأول ، لأنه أرتبط بالمدينة وتجلياتها الفلسفية والاجتماعية والسياسية . فالصداقة في الفلسفة اليونانية بشكل عام ، وعند أرسطو بصفة خاصة ، هي صداقة مشروطة ، حيث لا يمكن أن نفصلها عن الميتافيزيقا والأخلاق، لأنها تتماهي مع فكرة الخير .
كما أنها ” جزء من جمالية الوجود (……..) وهي صداقة للمفاهيم والأفكار التي تنتج معرفة بالوجود الانساني (……..) فهي جزء من نظام العلاقات والقيم الذي أسسته المدينة اليونانية .” .
ان محبة الحكمة وغرسها في مدينة الديموقراطية اليونانية مرتبط بمفهوم ” الصداقة “. بل ان الصداقة لم تنبت أو تزدهر الا في المجتمع اليوناني الذي كانت له مواصفات أخلاقية وسياسية خاصة ، وكأن الصداقة هي البعد السياسي في التعامل معه ، إن لم نقل أن وجودها مشروط بالسياسة : الديمقراطية ، العدالة ، المساواة والمواطنة .
وحسب أسبينوزا فإننا : ” لا نولد مواطنين بل نصير كذلك “….. وواضح هنا ان الإرث الفلسفي للتنوير ، والمحدد الهادف الي تأسيس مجتمع : المساواة والعدالة والمواطنة ، ” مادامت جماعة المواطنين هي جماعة الاصدقاء ” .
وهكذا يفتتح المشكل علي بعده السياسي عبر دعوة الصديق ” الآخر ” …..بل العدو ” الآخر ” ، أي أن ” الافراط في الانسانية هو ما جعل إرث الصداقة الأرسطي ينفي كل امكانية الاختلاف في الرؤي التوجهات وقوي الأحاسيس والأفكار بين الأصدقاء .
ولم يتغير الحال طيلة العصور الوسطي والفلسفة الحديثة ، حتي مجئ نيتشه الذي أعاد طرح السؤال مرة أخري ، وهو : كيف يمكن أن يولد الشئ من ضده أو نقيضه ؟ وهو سؤال الفلسفة اليونانية قبل سقراط . من هنا رفض نيتشه فكرة الشبيه والمماثل كتفسير للصداقة بصيغة ميتافيزيقية ” لأنها تبني علي قدر لا بأس به من المسكوت عنه ومحكها كبت الصراحة ” . ليخلص إلي أن الصداقة عداوة حتمية ، لامحيد عنها .
وهكذا أصبح مفهوم الصداقة من الموضوعات الرئيسية في الفلسفة المعاصرة . فقد عالج دريدا مفهوم الصداقة في كتابيه ” سياسات الصداقة ” و” مارقون ” ، وميشيل فوكو في كتاباته حول الجنون والمرض والعقاب ، وأيضا جيل دولوز ، وغيرهم . بيد ان ليفيناس هو الذي دشن النقد الجذري لفكرة ” الشبيه ” ، والتي ينطوي عليها مفهوم الصداقة في التقليد الغربي ، إذ ان تحويل الذات الي موضوع أو في التعامل مع الآخر كموضوع يعد عملا تعسفيا وفاشيا . وهو ما نبه إليه إدوارد سعيد أيضا في كتابه «الاستشراق» الصادر عام 1978 ، حيث أن هذا التحويل للذات الى موضوع يحط من انسانية الآخر، فضلا عن أنه رفض لحقه في الوجود كإنسان له تاريخه الخاص وثقافته المختلفة وأسلوبه في الحياة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]