ملحـــمة أقـــــهات
الأوغاريتــــــية
16/5/2006
فراس السواح
اسسها
الآلهة وأسكنوا فيها البشر،
واحدثوا لها منصب الحلوكية، واختاروا ايتانا
ليكون ملكاً عليها.و لكن
ايتانا تقدم بالعمر ولم ينجب ولداً.
فراح يصلي للآلهة لتزيل عنه لعنة العقم، الى
أن افشى
له الإله شمس سر نبتة موجودة في السماء زرعتها الإلهة عشتار تشفي
أوراقها
من العقم. فامتطى إيتانا ظهر نسر جبار وحلق عاليا حتى و صل الى
سماء
آنو السابعة وحصل على النبتة. تلقي أسطورة إيتانا والنسر هذه أضواء
كاشفة
على معنى الوعد الإلهي بالانجاب فعلى الرغم من الطابع الدنيوي لمؤسسة
الحلوكية، فإنها بشكل ما مؤسسة ذات طابع قدسي، لأنها هبطت من السماء،ولأن
ملوكها
الأوائل تم اختيارهم من قبل العناية الإلهية، ولذا فإن الحق الذي
يحكمون
بموجبه هو حق إلهي. ومثلها أيضاً مؤسسة الحلوكية الوراثية التي هبطت
بدورها من السماء عن طريق نبتة الاخصاب وساعدت على توريث العرش، وانتقال
الحق
الالهي الى الوريث. وبذلك تغدور الاسرة الملكية بمثابة صلة وصل بين
العالم
الإلهي وعالم البشر والطبيعة .فإذا مات دون وريث اختل نظام الطبيعة
وحل
الجفاف. وكذلك الأمر إذا مات الوريث الذي يضمن للسلالة استمرارها. وفي
نص
أوغاريتي آخر هو ملحمة الملك ،نجد أن الملك يدعى في أكثر من موضع بابن
الاله
إيل، وذلك من قبيل التوكيد على قدسية مؤسسة الحلوكية، وعندما يقعده
المرض
عن ممارسة مهامه يختل نظام الطبيعة وتمحل الارض، فيتدخل الاله بعل
لدى
كبير الآلهة إيل ليعمل على شفاء كرت. فإذا انتقلنا الى الادب التوراتي،
وهو وريث مباشر للأدب الكنعاني، نجد أيضاً فكرة السلف المقدس العقيم الذي
يصلي
لربه من اجل وريث. ففي سفر التكوين نجد ان كلاً من الاسلاف المقدسين
ابراهيم
واسحاق ويعقوب، كان في البداية بلا ذرية من زوجته الرئيسية او
المفضلة
لديه، وأن إله كنعان المدعو إيل هو نفسه الذي يعدهم بالذرية ثم يفي
بوعده. فها هو إيل، إله سفر التكوين يقول لإبراهيم في الاصحاح 51:« لاتخف
ياابراهيم،
أنا ترس لك. أجرك كثير جداً فقال له:لايرثك هذا، بل الذي
يرثك».وتنكر
فكرة الوعد بالانجاب في قصة ولادة شمشون وقصة ولادة النبي
صموئيل، وعدد
آخر من الشخصيات. اعتماداً على هذه التقاطعات والمقارنات التي
لم
أوردها جميعاً، نستطيع تصور مجرى الاحداث في القسم الأخير المفقود من
ملحمة
أقهات، كما نستطيع تقديم بعض الافكار بخصوص معنى الملحمة. فمن شبه
المؤكد
أن الإلهة عناة قد استعادت أقهات الى الحياة كما وعدت، مثلما ساعدت
قبل
ذلك في استعادة زوجها بعل الى الحياة بعد هبوطه الى العالم الاسفل.
وأغلب
الظن ان فوغة اخت أقهات قد لعبت أيضاً دوراً مهماً في استرجاع اخيها
فهي
بشكل ما الصيغة الانسانية للإلهة عناة، والنص كما رأينا يطلق عليها
ألقاباً
ذات صلة بالعملية الإخصابية. أما عن معنى النص وغايته، فنستطيع
إجمالها
في فكرتين مترابطتين: الاولى قدسية مؤسسة الحلوكية وصلتها بالعالم
الإلهي،
والثانية الدور الذي تلعبه الشخصية الملكية في كونها صلة وصل بين
القوى
الإخصابية الكونية ومظاهر حياة الطبيعة على الارض. فإذا خارت قوى
الملك
وألم به مرض انعكس ذلك على الارض والحياة الزراعية فيها. وبشكل عام
فإننا
نستطيع اعتبار ملحمة أقهات رديفاً ميثولوجياً لأسطورة بعل وعناة، فهي
تحتوي على العناصر نفسها على الرغم من أن الشخصية المحورية هنا هي شخصية
إنسانية
لا إلهية.وأغلب الظن أن هذه الملحمة كانت بمثابة نص طقس يُتلى أو
يمثل
درامياً لدرء خطر المحل. إن هاتين الفكرتين لتبسطان أمامنا مفهوماً
صاغه
إنسان الشرق القديم عن كون ترابط تجري فيه الأحداث في حيز متصل يجمع
الآلهة
والبشر وكل مظاهر الحياة الطبيعية في كل موحد. فحياة الآلهة تعتمد
على
الانسان وما يقدمه لها من ذبائح وقرابين، وحياة الانسان تعتمد على
الآلهة
التي تضمن خصب الارض وانتظام دورة الفصول؛ وحياة النبات والحيوان
تعتمد
على كليهما. في هذا الحيز المتصل يلعب النظام السياسي للمجتمع
الانساني
دوراً مركزياً، باعتباره مجال تماس وتداخل بين العوالم الارضية
والعوالم
السماوية، والنقطة التي يحصل عندها هذا التوازن الدقيق والمعقد
للوجود
برمته. أخيراً أود لفت النظر الى الشبه بين موقف أقهات من إلهة
الخصب
الأوغاريتية عناة، وموقف جلجامش من إلهة الخصب البابلية عشتار. ففي
كلا
النصين تتوجه الإلهة الى البطل الانساني بطلب يلقى الرفض والإهانة
بكلمات
مقذعة، وفي كليهما تتوجه الإلهة الى كبير الآلهة لتشكو الإهانة
وتطلب
بركته للانتقام، ثم تشفي غليلها بأبشع الطرق. وإني لأرى في هذا
الموقف
تجسيداً للوضع التراجيدي للبطل الانساني، الذي يجد نفسه ممزقاً بين
سمو
روحه وعظمتها، وضعف جسده المنذور للفناء. فهو على الرغم من إدراكه
لجبروت
الآلهة وقدرتها على التحكم بمصيره، قادر في أحلك الظروف على تسجيل
موقف
عزة إنسانية يؤكد من خلاله مقدرته على تجاوز ضعفه وشرطه البشري،
واستشراف
آفاق تحمل للإنسان مزيداً من الثقة والقوة والحرية.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]