سألت صغيري ذا الثماني: "هل تفيدك قراءة القصص؟"
أثلج صدري بنعم الواثقة، وهو ما شجعني لأتحسس إجابة سؤالي الثاني: "وهل تحب حكي القصة؟" وكانت نعم الثانية عملية، فسرعان ما انضم لجلسة الحكايات المسائية مع إخوته الصغار. فبرغم أنه –والحمد لله- قارئ جيد فإن للحكاية عنده سحرا خاصا، وحبا خاصا، وفائدة خاصة؛ فتعالوا نضخ الحياة بكل ما فيها لأطفالنا صغارًا وكبارًا - سطرًا سطرًا من سطور روايات لا تنتهي..
الحكي يدفع للقراءة
تشير العديد من الدراسات الحديثة إلى أن الأطفال الذين يستمعون إلى القصص والقصائد الشعرية منذ فترات مبكرة من حياتهم هم أنجح الأطفال في مدارسهم، وكلما زاد ما يُقرأ للطفل أو يروى له زادت لديه الرغبة في أن يقرأ بنفسه.
وتشير الدراسات أيضًا إلى أن للقراءة النشطة بصوت مرتفع تأثيرا إيجابيا على قدرة الطفل على القراءة وجعله قارئًا، إضافة إلى أن أكثر الأنشطة أهمية لبناء المعرفة، والمساعدة في القراءة، تأتي من تعرض الطفل للقراءة بصوت مرتفع، كما أن الاستماع للقراءة بصوت عالٍ قد يدفع الأطفال إلى محاكاة القراءة على الغير بأنفسهم، وأظن ذلك من بين ما يدفع ثقة الطفل بنفسه، والجرأة على طرح وجهة نظره، إضافة لإمكانية تصحيح النطق وهو ما يؤكد أهمية القراءة للطفل بشكل جيد ودقيق.
يقول أ.د كمال الدين حسين أستاذ الأدب المسرحي والدراسات الشعبية - كلية رياض الأطفال بجامعة القاهرة- مصر: يعتبر فن الحكي من أقدم وأهم الوسائل التي استخدمتها المجتمعات لتورث وتنقل عاداتها وتقاليدها ومعتقداتها، والقصة هي أقدم شكل من أشكال المعرفة الإنسانية.
وتأتي أهمية التواصل الشفهي "الحكي" كتفاعل اجتماعي نحاول أن نتجاوز به العزلة التي بدأ الآباء يشكون منها؛ حيث إن الحكي والتحاور هما الركنان الأساسيان لهذا التواصل.
نسج الخيال.. مهارة الأطفال
ولقد أثبتت الدراسات التربوية التعليمية أهمية رواية (حكي) القصة لتنمية عدد من المهارات والقدرات التي تساعد على النمو السوي للطفل، مثل:
- تدريب الأطفال على مهارات التواصل والحديث والإنصات.
- تنمية الطفل لغويًا، وتنمية قاموسه اللغوي، والمساعدة في الإعداد للقراءة والكتابة.
- تنمية الطفل معرفيًا بإثراء معلوماته عن العالم الواقعي والمتخيل، ومده بكل أنواع المعارف (علوم، رياضيات، تاريخ، حضارات إنسانية…)، كذلك عرض أساليب حل المشكلات.
- تدريب الطفل على الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر.
- تنمية القدرات الإبداعية للطفل من خلال مشاركته في حكي الحكاية؛ حيث إن الرواية التي تحكي دون الاعتماد على كتاب -مستخدمة الإشارات، والإيماءات، وتعبيرات الوجه والجسد، ومحاولة محاكاة الشخصيات بالصوت والحركة… تثير الأطفال وتحفزهم لتجريب رواية القصة بأنفسهم، ودفعهم لرواية قصصهم الذاتية.
- يساعد الحكي في البدء في التعرف على الآداب المختلفة وتذوقها، وهو ما يحقق ألفة بين الطفل والأدب، بل والقراءة بشكل عام.
- لعل أهم ما يحققه الحكي هذا الجو الحميم الودود الذي يسود جلسة الحكي بما يمد الطفل بالشعور بالأمان والحب، إضافة للاسترخاء والمتعة.
- تنمية خيال الطفل بإثارته لتكوين صور ذاتية عن الأشخاص والأحداث والأماكن التي يُحكى عنها. وهذا يختلف عن قراءة كتاب للطفل مصحوبًا بالصور؛ فالرواية تساعد خيال الطفل على نسج الصور بنفسه، وهو ما يحتاج إليه حيث لم يعد متاحًا للطفل الفرصة الكافية لاستخدام خياله الخاص.
أي القصص نختار؟
أولى الخطوات -كما يقول د. كمال الدين حسين- هي اختيار القصة المناسبة للمرحلة العمرية:
- الأطفال قبل المدرسة يناسبهم القصص القصيرة التي تدور موضوعاتها حول العلاقات الأسرية أو أبطالها من الحيوانات والأطفال. كما أنهم يحبون القصص الكوميدية أو الفكاهية.
- الأطفال (6-10 سنوات) يحبون القصص الخرافية التي تتحدث عن الشخصيات الخارقة والمغامرات، كما يجذبهم القصص المنقولة من الثقافات الأجنبية لما فيها معارف مشوقة.
- الأطفال الأكبر سنًا (10-12 سنة) يتقبلون القصص الواقعية وقصص الأبطال التي تتضمن شخصية إيجابية، كما تستهويهم المغامرات والأساطير الشعبية أو حكايات ألف ليلة وليلة.
يمكن تقسيم القصة الواحدة لعدد جلسات بالنسبة للأطفال الكبار، وأما الصغار فيفضل القصص ذات النهاية السريعة لعدم قدرتهم على التركيز والانتباه لمدة طويلة.
وأشارت " Petti Hurbett " بيتي هاربت، وهي إحدى الخبيرات في فن رواية القصة - لعدة خطوات:
- تقرأ القصة لعدة أجزاء، ويفهم كل جزء ودلالته وارتباطه بباقي الأجزاء، مع التأكيد على أهم الأحداث التي تتصاعد لتصل للنهاية.
- تحاول الراوية أن يكون لها أسلوبها الخاص بالتعبير والتجسيد لكل جزء من الحدث بشخصياته وانفعالاته، ويستخدم التلوين الصوتي حتى تصل لأقصى الأصوات المناسبة.
- قد ترويها عدة مرات أمام المرآة للتأكد من التجسيد التام للمعاني المختلفة، وتستخدم نبرات الصوت، وتغيرها حسب الشخصيات والانفعالات المختلفة وتستخدم اليدين والأصابع وتعبيرات الوجه للتعبير عن الانفعالات المختلفة (غضب، سعادة، خوف …).
- استخدام بعض العرائس أو الدمى وتوظف حسب الأحداث، وكذلك المجسمات التي تدل على مكان حكي الرواية.
وعن توظيف العرائس في الحكاية يتحدث د. كمال الدين حسين عن طرق عدة:
- كأن تكون شخصيات تنطق بجمل حوارية.
- تقدم الحوارات الجانبية.
- قد تغنى أغنية تدخل ضمن نسيج الحكاية، ويفضل أحيانًا أن تقوم العروسة بحكي الحكاية لتنبيه الطفل، أو توجيهه، أو إرشاده أو تعديل سلوكه ويستجيب الطفل للعروسة.
3 … 2 … 1 ابدأ
يستحب تنبيه الطفل لوقت الحكاية للفت انتباهه، وقد يستخدم لذلك جرسًا لطيفًا، أو تصفيقة، أو صفارة، أو أي شيء آخر يضفي مرحًا ويترك ذكرى جميلة لوقت الحكي.
وقد يصحب الحكي موسيقى، ثم نحفز الطفل لاستقبال الحكاية، وذلك بعدة طرق يعرضها د. كمال الدين حسين، وهي:
- مجموعة أسئلة حول الخبرات التي ستعرضها الحكاية.
- تعريف الطفل بالمؤلف، وإضافة معلومات شيقة حول المكان والزمان اللذين تتم فيهما القصة.
- عرض الغلاف والحديث من توقعات الأطفال حول الأحداث، وهو ما يجعلهم يتابعون بشغف للوصول لتوقعاتهم وتخيلاتهم أثناء الحكي.
- تحكى الحكاية بجدية وحماس وتفاعل، ثم يتركون دقائق لاستيعاب ما سمعوه.
- يمكن أن تقدم الأم ملخصًا للقصة في النهاية وتعليقا لتوضيح المفاهيم العامة والكلمات الجديدة، ثم تطلب رسم الشخصيات أو الجزء المحبب من القصة بالنسبة للطفل.
- ويمكن للأم أن ترسم لوحات القصة أثناء حكيها، أو تعدها مسبقًا ، أو من المفضل أن تشرك الأطفال معها في ذلك. وهذه الصور تمكن الأطفال من إعادة رواية القصة، وهو ما يزيد من مهارات التواصل ويحفزهم لإبداع حكايات جديدة، وهذا النشاط ينمي المهارات الفنية واللغوية في ذات الوقت.
وهكذا تتحول القصة من مجرد مصدر أدبي إلى مثير إبداعي ابتكاري ينمي العديد من القدرات.