هند اسماعيل New Member عضو جديد
عدد المساهمات : 32 تاريخ التسجيل : 21/07/2009
| موضوع: نشأة علم الاجتماع وتطوره الثلاثاء 05 أكتوبر 2010, 1:30 pm | |
| نشأة علم الاجتماع وتطوره
يتشبع علم الاجتماع من بين العلوم الاجتماعية، بالعقائد والمذاهب والفلسفات المتعددة، المبثوثة داخل الأبحاث النظرية والتطبيقية، التي تعكس الخلفيات العقائدية والفكرية لكتابها وواضعيها. وهذا يخالف الظن الشائع والسمعة الرائجة عن هذا العلم، حيث يظن أنه يقدم نظريات وآراء ونتائج علمية، بعيدة عن الشكوك والأوهام، من نتاج العلم وحده. وهذا ما جعل كثيراً من أبناء المسلمين يقبل ما فيه من أفكار ونظريات وآراء، على أنها حقائق علمية، يجب التسليم بها، حتى ولو عارضت مبادئ دينهم. فأصبح علم الاجتماع إشكالية تبحث عن حل.
ويمكن تلخيص مشكلة علم الاجتماع بوضعه الراهن في أمرين:
الأول: أن هذا العلم يحمل، مع حقائقه العلمية، وفائدته الملموسة، عقائد وأفكار ومبادئ واضعية. وأن هذا العلم منذ دخوله إلى العالم الإسلامي، كان يعزز من حالة فقدان الهوية، التي تعني التخلي عن الإسلام، كمبدأ عام يحكم المجتمعات الإسلامية.
الثاني: أن نظريات هذا العلم، وضعت لفهم مشاكل وقضايا خاصة بالغرب، لا يمكن تعميمها على المشاكل المماثلة في العالم الإسلامي، ولا تؤدي إلى فهم واقع المجتمعات الإسلامية.
وقد طُرحت هذه الإشكالية على بساط البحث من قبل كثير من علماء الاجتماع في العالم العربي، والعالم الإسلامي، وكانت النتيجة اتجاهين مختلفين:
أحدهما: ينادي بعلم اجتماع عربي قومي لم تحدد ملامحه، وهذا الاتجاه لم يكن يلتفت كثيراً إلى المشكلة الأولى، وهي تشبع علم الاجتماع بالعقائد والأفكار، التي تصطدم بالإسلام، وإنما يركز ويهتم بالمشكلة الثانية وهي: أن نظريات علم الاجتماع أخفقت في فهم المشكلات المطروحة في العالم العربي.
وثانيهما: ينادي بعلم اجتماع إسلامي، أو علم اجتماع المجتمعات الإسلامية، وهو اتجاه لا يخلو من ملاحظات العالم المتخصص، التي يسهل الجواب عنها، ولكنه لا يهمل أياً من المشكلتين السابقتين، وهو الاتجاه الذي يجب أن يتبناه علماء الاجتماع، لأنه اتجاه وثيق الصلة بثقافة وهوية المجتمعات الإسلامية، حيث يتخذ من الإسلام إطاراً عاماً، يدور في فلكه. ويجب أن تتضافر الجهود للعناية به.
على الرغم من أن التفكير الاجتماعي قديم قدم الإنسان نفسه، فإن الاجتماع الإنساني لم يصبح موضوعاً لعلمٍ إلا في فترة لاحقة. وكان أول من نبه إلى وجود هذا العلم، واستقلال موضوعه عن غيره، هو ابن خلدون. فقد صرح في عبارات واضحة أنه اكتشف علماً مستقلاً، لم يتكلم فيه السابقون، إذ يقول: " وكأن هذا علم مستقل بنفسه، فإنه ذو موضوع، وهو العمران البشري، والاجتماع الإنساني، وذو مسائل، وهي بيان ما يلحقه من العوارض والأحوال لذاته، واحدة بعد أخرى، وهذا شأن كل علم من العلوم، وضعياً كان أو عقلياً ". ويقول أيضاً: " واعلم أن الكلام في هذا الغرض مستحدث الصنعة، غريب النزعة، أعثر عليه البحث، وأدى إليه الغوص. . . . ولعمري لم أقف على الكلام في منحاه لأحد من الخليقة، ما أدري: ألغفلتهم عن ذلك، وليس الظن بهم؟ أو لعلمهم كتبوا في هذا الغرض، واستوفوه، ولم يصل إلينا؟ ". كما أنه لم يكتفِ بذلك، بل دعا القادرين إلى استكمال ما نقص منه : " ولعل من يأتي بعدنا ممن يؤيده الله بفكر صحيح، وعلم مبين، يغوص من مسائله على أكثر مما كتبنا ". و إضافة إلى ذلك فإن مقدمته شملت على أقل تقدير سبعة من فروع علم الاجتماع المعاصر، ناقشها ابن خلدون في وضوح تام.
ولكن على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من قول عالم الاجتماع الشهير جمبلوفتش : لقد أردنا أن ندلل على أنه قبل أوجست كونت، بل قبل فيكو الذي أراد الإيطاليون أن يجعلوا منه أول اجتماعي أوروبي، جاء مسلم تقي، فدرس الظواهر الاجتماعية بعقل متزن، وأتى في هذا الموضوع بآراء عميقة، وإن ما كتبه هو ما نسميه اليوم علم الاجتماع، على الرغم من ذلك كله، فإن التأريخ لعلم الاجتماع يقف عند كونت الفرنسي باعتباره المنشئ الأول لهذا العلم. ويتجاهل بذلك المؤسس الحقيقي لهذا العلم الذي نبه عن وعي وفي وضوح إلى اكتشافه لهذا العلم. ومهما كانت ظروف النشأة الجديدة فإن من النكران للجميل، والظلم أيضاً عدم الاعتراف لابن خلدون بفضله في هذا المجال.
وعلى كل حال، فإن ابن خلدون لم يخلفه خلف يتمم ما بدأ، ويبني على ما أسس. لقد نشأ علم الاجتماع المعاصر نشأة مستقلة، في بيئة أخرى غير بيئة ابن خلدون. لقد نشأ العلم الحديث في أوروبا على يد أوجست كونت، حيث نحت له هذا الاسم: "علم الاجتماع "، وقد كانت هذه النشأة الغربية مرتبطة أشد الارتباط بظروف التحول الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والفكري، التي كان يمر بها المجتمع الأوربي في ذلك الوقت، بحيث نستطيع أن نقول: " إن علم الاجتماع الغربي بكافة اتجاهاته وفروعه النظرية، قد تطور استجابة للتطورات والمشكلات الاجتماعية في مرحلة الانتقال من النظام القديم إلى النظام الجديد" .
و علم الاجتماع الغربي هذا "هو الذي كتب له الاتصال والاستمرار والسيطرة، كنظام فكري وعلمي، بحكم ارتباطه بالحضارة المسيطرة "، ولهذا فقد أصبح عالمياً، وفرض نفسه على الآخرين، كالحضارة الغربية تماماً.
ويذكر بعض المؤرخين لعلم الاجتماع، أن له أربعة أصول فكرية، تتمثل في : " الفلسفة السياسية. وفلسفة التاريخ. والنظريات البيولوجية في التطور. والحركات التي قامت تنادي بالإصلاح الاجتماعي والسياسي، ووجدت أنه من الضروري أن تجري لهذا الغرض دراسات مسحية للظروف الاجتماعية "، وكان التأثير الأكبر والأهم، من قبل فلسفة التاريخ التي قدمت لعلم الاجتماع أفكار النمو والتقدم، ومفاهيم المراحل التاريخية، والأنماط الاجتماعية.
و من قبل المسح الاجتماعي أيضاً، الذي قدم لعلم الاجتماع إمكانية دراسة الشؤون الإنسانية بمناهج العلوم الطبيعية - فالظواهر الإنسانية أيضاً يمكن تصنيفها وقياسها - وإمكانية إصلاح المجتمع، حيث اهتمت المسوح الاجتماعية بمشكلة الفقر، انطلاقاً من أنها مشكلة نتجت عن الجهل الإنساني أو الاستغلال.
ومن ناحية أخرى، فلا يزال المسح الاجتماعي من أهم طرق البحث في علم الاجتماع.
كما أن الحديث عن نشأة علم الاجتماع، لا بد أن يتطرق إلى فلسفة التنوير العقلانية النقدية، التي أثارت كثيراً من مسائل علم الاجتماع، ثم بعد ذلك ، الموقف منها، هل هو: موقف المتقبل، كما هو الحال في علم الاجتماع الماركسي. أو موقف الرافض، كما هو الحال في علم الاجتماع المحافظ؟ أو موقف الموفق بينها وبين غيرها من الأفكار المعارضة؟
كما أن آثار الثورة الصناعية، والثورة الفرنسية، مهدت الطريق بشكل مباشر لتطور علم الاجتماع، حيث أفرزتا الكثير من لمشاكل التي تبحث عن حل.
وعلى كل حال، فإن كونت إضافة إلى وضعه لاسم علم الاجتماع، فقد دعا إلى الدراسة الوضعية للظواهر الاجتماعية، ووضع الفيزياء الاجتماعية على رأس العلوم قاطبة، وقد عني بعلم الاجتماع والفيزياء الاجتماعية "ذلك العلم الذي يتخذ من الظواهر الاجتماعية موضوعاً لدراسته، باعتبار هذه الظواهر من روح الظواهر الفلكية، والطبيعية، والكيماوية والفسيولوجية نفسها، من حيث كونها موضوعاً للقوانين الطبيعية الثابتة ".
ويعد هربرت سبنسر الإنجليزي، أحد رواد علم الاجتماع المعاصرين لكونت. وقد أدرك إمكانية تأسيس علم الاجتماع، وأخرج مؤلفات متعددة في هذا العلم "كالاستاتيكا الاجتماعية، و "دراسة علم الاجتماع" و "مبادئ علم الاجتماع". وقد سيطرت عليه فكرة التطور الاجتماعي المستمر عبر الزمان، وهو من رواد الفكر التطوري ". كما أن ماركس الذي يعد القائد الأول للحركة العمالية الثورية، قدم وجهات نظر وآراء تعد داخلة في علم الاجتماع، بالمعنى الحديث، وقد أصبح أباً فيما بعد لعلم الاجتماع الماركسي، الذي تعد المادية التاريخية أساساً له.
ويذكر أحد المؤرخين لعلم الاجتماع، أنه خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر، انقسم إلى عدد من لمدارس الرئيسة والفرعية، بحيث أصبح من العسير أن تجد أي قدر من الالتقاء بين علوم الاجتماع المتعددة، فمثلاً كان هناك من يعرف علم الاجتماع بأنه: دراسة العلاقة بين البناء الاقتصادي للمجتمع، والجوانب الأخلاقية، والقانونية، والسياسية، من بنائه العلوي. وهناك من يعتبر موضوع علم الاجتماع: دراسة صور الالتقاء الإنساني.
أسس عـلـم الاجتمـاع
ستناول في هذه النقطة ثلاثة أمور تكوّن البنية الأساس لعلم الاجتماع، وهي:
أ - موضوع علم الاجتماع.
يعرف معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، علم الاجتماع بأنه: " دراسة وصفية تفسيرية مقارنة للمجتمعات الإنسانية، كما تبدو في الزمان والمكان، للتوصل إلى قوانين التطور، التي تخضع لها هذه المجتمعات الإنسانية في تقدمها وتغيرها ". ويحدد علماء الاجتماع موضوع علمهم، بالظواهر الاجتماعية، التي تظهر نتيجة لتجمع الناس معاً، وتفاعلهم مع بعضهم بعضاً، ودخولهم في علاقات متبادلة، وتكوين ما يطلق عليه الثقافة المشتركة. حيث يتفق الناس على أساليب معينة في التعبير عن أفكارهم. كما أنهم يتفقون على قيم محددة، وأساليب معينة، في الاقتصاد، والحكم، والخلاق، وغيرها.
وتبدأ الظواهر الاجتماعية بالتفاعل بين شخصين أو أكثر، والدخول في علاقات اجتماعية. وحينما تدوم هذه العلاقات وتستمر، تشكل جماعات اجتماعية. وتعد الجماعات الاجتماعية من المواضيع الأساسية التي يدرسها علم الاجتماع.
وهناك موضوع آخر يدرسه علم الاجتماع، يتمثل في العمليات الاجتماعية، كالصراع، والتعاون، والتنافس، والتوافق، والترتيب الطبقي، والحراك الاجتماعين وهناك أيضاً الثقافة التي تعرف بأنها: "الكل الذي يتألف من قوالب التفكير، والعمل في مجتمع معين ". كما أن التغير في الثقافة وفي البناء الاجتماعي، أحد ميادين الدراسة في علم الاجتماع. كما أن هناك النظم الاجتماعية، وهي الأساليب المقننة والمقررة للسلوك الاجتماعي.
وكذلك الشخصية، وهي العامل الذي يشكل الثقافة، ويتشكل من خلالها. وتدل المؤلفات التي تؤلف في مادة علم الاجتماع، وأيضاً اهتمامات علماء الاجتماع البارزين، على أن الموضوعات الأساسية هي باختصار كما يلي:
1- التحليل الاجتماعي، ويشمل:
الثقافة والمجتمع - ومناهج البحث في العلوم الاجتماعية.
2- الوحدات الأولية للحياة الاجتماعية، وتشمل:
* الأفعال الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية * شخصية الفرد * الجماعات * المجتمعات المحلية "الحضرية والريفية " * الروابط والتنظيمات * السكان * المجتمع.
3- المؤسسات الاجتماعية الأساسية، وتشمل:
الأسرة، الاقتصاد، السياسة، القانون، الدين، التعليم، الرعاية الاجتماعية، المؤسسات التعبيرية والجمالية.
4- العمليات الاجتماعية الأساسية، وتشمل:
التمايز والطبقات، التعاون والتلاؤم والتماثل، الاتصال، الصراع الاجتماعي، الضبط الاجتماعي، الانحراف "الجريمة والانتحار... "، التكامل الاجتماعي، التغير الاجتماعي. هذا باختصار تعريف عام بالمواضيع التي يدرسها علم الاجتماع.
ب- النظريات في علم الاجتماع.
يذكر علماء الاجتماع أن التيارات الفكرية التي صاحبت ظهور هذا العلم ونشأته، لا تزال تؤثر في توجهه النظري حتى الآن. والحقيقة أن مختلف النظريات في هذا العلم تصب في اتجاهين أساسيين، يتميز كل منهما برؤية خاصة للواقع الاجتماعي: اتجاه محافظ، واتجاه رافض وثوري. والنظريات عبارة عن طرق مختلفة لإدراك الحقائق الاجتماعية وتفسيرها. وتعرف النظرية بأنها: "مجموعة مبادئ وتعريفات مترابطة، تفيد في تنظيم جوانب مختارة من العالم الأمبيريقي على نحو منسق ومنتظم "، فهي تتكون من قضايا مترابطة منطقياًن وقابلة للتحقق الواقعي، وتنطوي على دعاوى وبدهيات أساسية. وتعد النظرية مسألة أساسية في العلم. ويرى المطلعون في ميدان النظرية، أن البحث دون سند من نظرية، أو دون اتجاه نظري، ليس إلا نوع من العبث، وذلك لأن النظرية في علم الاجتماع مستمدة أصلاً من نتائج دراسة عملية، أجريت فعلاً في الواقع الاجتماعي، وليست مستمدة من لنظر العقلي المجرد. و تؤدي نظرية علم الاجتماع الوظائف التالية:
1- تصنيف الأحداث الواقعية وتنظيمها.
2- تفسير أسباب الأحداث التي تقع، والتنبؤ بما يمكن أن يحدث في المستقبل، في إطار شروط معينة.
3- تقديم فهم علمي شامل بالقوانين التي تحكم حركة الأحداث في الواقع الاجتماعي. وسوف نشير فيما يلي إشارة سريعة ومقتضبة إلى أبرز المواقف النظرية في علم الاجتماع:
- النظرية البنائية الوظيفية
يلخص أحد علماء الاجتماع الأفكار الرئيسة التي تعتمد عليها هذه النظرية في ست نقاط هي :
* يمكن النظر إلى أي شيء، سواء كان كائناً حياً، أو اجتماعياً، أو سواء كان فرداً، أو مجموعة صغيرة، أو تنظيماً رسمياً، أو مجتمعاً، أو حتى العالم بأسره، على أنه نسق أو نظام، وهذا النسق يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة، فجسم الإنسان نسق، يتكون من مختلف الأعضاء والأجهزة، وكذلك شخصية الفرد، والمجتمع، والعالم.
* لكل نسق احتياجات أساسية لا بد من الوفاء بها، وإلا فإن النسق سوف يفني، أو يتغير تغيراً جوهرياً، فكل مجتمع مثلاً يحتاج أساليب لتنظيم السلوك "القانوني"، ومجموعة لرعاية الأطفال "الأسرة"، وهكذا.
* لا بد أن يكون النسق دائماً في حالة توازن، ولكي يبقى كذلك فلا بد أن تلبي أجزاؤه المختلفة احتياجاته، فإذا اختلت وظيفة أحد الأجزاء فإن الكل يصبح في حالة عدم اتزان.
* كل جزء من أجزاء النسق قد يكون وظيفياً، أي يسهم في توازن النسق، وقد يكون ضاراً وظيفياً، أي يقلل من توازن النسق، وقد يكون غير وطيفي، أي عديم القيمة بالنسبة للنسق.
* يمكن تحقيق كل حاجة من حاجات النسق بواسطة عدة متغيرات أو بدائل، فحاجة المجتمع لرعاية الأطفال مثلاً يمكن أن تقوم بها الأسرة، أو دار الحضانة، وحاجة المجتمع إلى التماسك، قد تتحقق عن طريق التمسك بالتقاليد، أو عن طريق الشعور بالتهديد من عدو خارجي.
* وحدة التحليل يجب أن تكون الأنشطة أو النماذج المتكررة. فالتحليل الاجتماعي الوظيفي، لا يحاول أن يشرح كيف ترعى أسرة معينة أطفالها، ولكنه يهتم بكيفية تحقيق الأسرة كنظام لهذا الهدف. وهدف التفسير الوظيفي، هو الكشف عن كيفية إسهام أجزاء النسق في تحقيق النسق ككل، لاستمراريته، أو في الإضرار بهذه الاستمرارية. وقد سميت هذه النظرية بالبنائية الوظيفية لأنها تحاول فهم المجتمع في ضوء البنيات التي يتكون منها، والوظائف التي تؤديها هذه البنيات.
- النظرية الماركسية
تقوم الماركسية - بوصفها نظرية في علم الاجتماع - على مسلمتين أساسيتين هما:
* أن العامل الاقتصادي هو المحدود الأساسي لبناء المجتمع وتطوره، فعلاقات الإنتاج في مجتمع ما، هي التي تحكم وتحدد كافة مظاهر الحياة في هذا المجتمع، أي البناء الفوقي من سياسة، وقانون، ودين، وفلسفة، وأدب، وعلم، وأخلاق.
* النظر إلى العالم بما فيه المجتمع، من خلال الإطار الجدلي: الموضوع ونقيض الموضوع، والمركب منها، وهو إطار مستمر لا يتوقف، ويقول تيماشيف: " إذا ركّبنا المسلمتين الأساسيتين لماركس معاً، خرجنا ببعض النتائج، فكل نسق من الإنتاج يبدأ بحالة إثبات، حيث يكون أكثر النظم الممكنة كفاءة في ذلك الوقت، لكنه متى عزز اجتماعياً يصبح عقبة أمام تطبيق الاختراعات التكنولوجية، والإفادة من الأسواق الحديثة، والمواد الخام، ولا يمكن للتطور التاريخي أن يقف عند هذه المرحلة، فالنظام المعزز اجتماعياً ينبغي القضاء عليه بواسطة ثورة اجتماعية، تخلق نظاماً جديدا لإنتاج، مركب من القديم والجديد ".
وهذه النظرة تجعل أي مجتمع يتكون من طبقتين أساسيتين متناقضتي المصالح، مما يجعل الصراع بينهما حتمياً، فتحدث الثورة الاجتماعية التي تؤدي إلى تغيير علاقات الإنتاج. و على هذا فإن الصراع الطبقي هو المحرك الأساس للتغيير الاجتماعي، من أجل الوصول إلى مجتمع بلا طبقات، وهو مستمر في زعمهم على طور التاريخ، فتاريخ أي مجتمع عند الماركسية هو تاريخ الصراع بين الطبقات المستغِلة والمستغلة.
فيما سبق عرضنا لأهم نظريتين في علم الاجتماع، ومع ذلك فإنهما لا يمثلان إلا جزءاً بسيطاً من النظريات في هذا العلم، ويكفي أن نطالع كتاب تيماشيف "نظرية علم الاجتماع" مثلاً، لنعرف مدى سعة وكثرة النظريات وتعددها في هذا العلم.
ج- مناهج البحث في علم الاجتماع.
هناك مناهج للبحث يستخدمها علماء الاجتماع، ويتوقف استخدامها على الباحث، وطبيعة البحث، والإمكانات المتوفرة، ودرجة الدقة المطلوبة، وأغراض البحث، ولعل من أكثر الطرق المنهجية شيوعاً في الدراسات الاجتماعية، المنهج التاريخي المقارن، والتجريبي، والمنهج الوصفي وغيرها، مما قد تقتصر فيه النتائج على الوصف، أو تتعدى ذلك إلى التحليل والتفسير وقد لا يكتفي الباحث بأحد هذه المناهج، بل يتعدى إلى المزج بينها. وسنعطي فيما يلي نبذة عن هذه المناهج:
1- المنهج التاريخي: يستخدم علماء الاجتماع المنهج التاريخي، عند دراستهم للتغير الذي يطرأ على شبكة العلاقات الاجتماعية، وتطور النظم الاجتماعية، والتحول في المفاهيم والقيم الاجتماعية. وعند دراستهم لأصول الثقافات، وتطورها،وانتشارها. وعند عقد المقارنات المختلفة بين الثقافات والنظم، بل إن معرفة تاريخ المجتمع ضرورية لفهم واقعه. وقد صاحب المنهج التاريخي نشأة علم الاجتماع، وقد كان في البداية تطورياً، يميل إلى وضع المراحل التطورية المختلفة للمجتمعات الإنسانية، كما هو عند كونت وسبنسر. ولكن النزعة التطورية بدأت تتلاشى، نظراً لعدم موضوعيتها. وتعد الوثائق سواءً أكانت وثائق شخصية، أم رسمية، أم عامة، من أهم مصادر المعرفة الاجتماعية، كالتاريخ الاقتصادي، والسياسي، والديني، والتربوي، والسكاني وغيرها، ومثل ذلك الدراسات الوصفية المتكاملة لمجتمع ما في فترة تاريخية معينة، حيث تحتوي هذه الدراسات عادة على معلومات قيمة تفيد عند التحليل. يمكن أن نمثل لهذا النوع من الدراسات، بالدراسة الضخمة، التي أعدتها مجموعة علماء الحملة الفرنسية على مصر بعنوان: وصف مصر، حيث تعد دراسة مسحية شاملة للبناء الاجتماعي لمصر في فترة تاريخية معينة.
2- المنهج الوصفي: "يعد المنهج الوصف من أكثر مناهج البحث الاجتماعي ملاءمة للواقع الاجتماعي وخصائصه. وهو الخطوة الأولى نحو تحقيق الفهم الصحيح لهذا الواقع. إذ من خلاله نتمكن من الإحاطة بكل أبعاد هذا الواقع، محددة على خريطة، تصف وتصور بكل دقة كافة ظواهره وسماته ". وقد واكب المنهج الوصفي نشأة علم الاجتماع، وقد ارتبطت نشأته بحركة المسح الاجتماعي في إنجلترا، أو منهج لوبلاي في دراسة الحالة، ونشأة الدراسات الأنثروبولوجية.
والفكرة الأساسية التي يقوم عليها المنهج الوصفي هي: أن المشكلة التي واجهت الدراسة العلمية للظواهر الاجتماعية، هي عدم وجود منهج علمي حقيقي، يصلح لتحليل هذه الظواهر. فلم تكن الملاحظة خاضعة لقواعد تنظمها، بحيث نعرف بدقة كيفية الملاحظة، وأهمية الظواهر التي تُلاحظ، وأكثرها دلالة. ولذلك فإن المنهج الوصفي يعتمد على خطوات هي:
* اختيار الوحدة الاجتماعية الأولية والأساس في الموضوع المدروس.
* اكتشاف الطريقة الملائمة للقياس الكمي لمختلف عناصر مكونات وحدة الدراسة.
* فحص العوامل المختلفة المؤثرة في تنظيم الظاهرة المدروسة في وظائفها(30). وعلى هذا فإن البحوث الوصفية تتم على مرحلتين، مرحلة الاستكشاف والصياغة. ومرحلة التشخيص والوصف المتعمق. وهما مرحلتان مرتبطتان ببعضهما. ويعد المسح الاجتماعي ودراسة الحالة، والبحوث السكانية التي تصف المواليد، والوفيات، وتحركات السكان، وتوزيعهم، بحوث وصفية، تمثل المنهج الوصفي، ويوفر المنهج الوصفي كثيراً من البيانات والمعلومات التي تزيد المعرفة بالظواهر، وتنمي البصيرة بالواقع الاجتماعي بكل أبعاده.
3- المنهج التجريبي: " التجريب جزء من المنهج العلمي. فالعلم يسعى إلى صياغة النظريات التي تختبر الفروض التي تتألف منها، وتتحقق من مدى صحتها.. والتجربة ببساطة: هي الطريقة التي تختبر بها صحة الفرض العلمي ". " فالتجريب هو القدرة على توفير كافة الظروف، التي من شأنها أن تجعل ظاهرة معينة ممكنة الحدوث في الإطار الذي رسمه الباحث وحده بنفسه. والتجريب يبدأ بتساؤل يوجهه الباحث مثل: هل يرتبط ارتفاع المستوى الاقتصادي للفرد بإقباله على التعليم؟ أو هل هناك علاقة بين الدين والسلوك الاقتصادي؟. أو بين التنشئة الاجتماعية وانحراف الأحداث؟ ومن الواضح أن الإجابة على هذه التساؤلات، تقتضي اتباع أسلوب منظم لجمع البراهين والأدلة. والتحكم في مختلف العوامل التي يمكن أن تؤثر في الظاهرة موضوع البحث، والوصول إلى إدراك للعلاقات بين الأسباب والنتائج ". ويعتمد تصميم البحث التجريبي على عدة خطوات، هي تحديد المشكلة، وصياغة الفروض التي تمس المشكلة، ثم تحديد المتغير المستقل، والمتغير التابع، ثم كيفية قياس المتغير التابع، وتحديد الشروط الضرورية للضبط والتحكم، والوسائل المتبعة في إجراء التجربة. ومع صعوبة تطبيق هذا المهج في العلوم الاجتماعية، إلا أنه طبق فيها، واستطاع أن يغزو علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية، تحت تأثير النجاح الذي حققه في العلوم الطبيعية.
4- المنهج المقارن: يمكن القول بأن المنهج المقارن، يطبق في علم الاجتماع بكافة فروعه ومجالات دراسته، ذلك أن أي بحث في علم الاجتماع لا يخلو من الحاجة إلى عقد مقارنة ما. وقد استعان به أغلب علماء الاجتماع قديماً وحديثاً، ويمكن ذكر المجالات الرئيسة في علم الاجتماع، التي يمكن أن تخضع للبحث المقارن فيما يلي:
* دراسة أوجه الشبه والاختلاف، بين الأنماط الرئيسة للسلوك الاجتماعي.
* دراسة نمو وتطور أنماط الشخصية، والاتجاهات النفسية والاجتماعية في مجتمعات، وثقافات متعددة، مثل بحوث الثقافة، والشخصية، ودراسات الطابع القومي.
* دراسة النماذج المختلفة من التنظيمات، كالتنظيمات السياسية والصناعية.
* دراسة النظم الاجتماعية في مجتمعات مختلفة، كدراسة معايير الزواج والأسرة والقرابة، أو دراسة المعتقدات الدينية، وكذلك دراسة العمليات والتطورات التي تطرأ على النظم الاجتماعية مثل التحضر.
* تحليل مجتمعات كلية. و عادة ما تتم المقارنة بين المجتمعات وفقاً للنمط الرئيس السائد للنظم. | |
|
ريم New Member عضو جديد
الابراج : عدد المساهمات : 2 تاريخ التسجيل : 30/09/2011 العمر : 40
| موضوع: رد: نشأة علم الاجتماع وتطوره السبت 01 أكتوبر 2011, 1:14 am | |
| | |
|