Esraa Eman Hussein{Admin} Admin المدير العام للمنتدى
الابراج : عدد المساهمات : 4049 تاريخ التسجيل : 15/06/2009 العمر : 35 الموقع : www.esraa-2009.ahlablog.com
| موضوع: التطور الليبرالي والديمقراطي في الفكر السياسي الغربي الجمعة 26 نوفمبر 2010, 6:05 pm | |
| مدخلإن ما يميز العصر الحديث والمعاصر في حقل الأفكار السياسية في الغرب هو ظهور الفلسفة السياسية والنظريات الدستورية والتي أسست لوجود الدولة الديمقراطية الليبرالية . ولكن في الواقع إن الأفكار الأساسية هذه التي أسست " لدولة الحق " كانت قد شكلت بواسطة المفكرين في العصور القديمة والوسطى . ضمن هذا السياق لا بد من طرح السؤال التالي : لماذا إذا هذه الدولة وهذا المجتمع المتطور لم يزدهر بشكل حقيقي إلا في العصر الحديث والمعاصر ؟ الإجابة السريعة تقول : لأن القرون الأخيرة اكتملت بشكل عميق وكبير ومتقدم فكريا بالمقارنة مع العصور القديمة والوسطى . إن المفكرين في هذه العصور أسسوا نموذجا جديدا للنظام الاجتماعي ، والذي نستطيع أن نصنفه على أنه نموذج أو " براديغم " التنظيم من خلال التعددية . لقد علموا أن الحرية الفردية والتعددية وهما متلازمان ونتاجات طبيعية ، لم تكن عنصرا أو سببا للتفجر الاجتماعي و الفوضى ، بل شكلا راقيا وساميا لتنظيم العلاقات بين البشر . هذه الأسس الفكرية للنظام الاجتماعي هي التي سمحت لهم بإنتاج وتشييد مؤسسات الدولة " دولة الحق والقانون " والنظام التعددي. أما أهم الأفكار فكانت [ حقوق الإنسان ، السوق ، الديمقراطية ، المؤسسات الأكاديمية الحرة ، الصحافة الحرة ..] فيما بعد ، ومن خلال صيرورة التقوية والدعم والسمو الممنوح من خلال هذه المؤسسات للمجتمعات الغربية والأفضلية على جميع أشكال التنظيمات المعروفة ، تأمنت عملية البقاء والخلود للنموذج الديمقراطي والليبرالي . هذا النوع والنهج من التطور الاجتماعي وتطور تنظيم الدولة وبناء المؤسسات انتصر بشكل ساحق على الأشكال المرضية والتخريبية لبناء المؤسسات والفرد وأهمها الفاشية والشيوعية. من خلال هذه " الإشكالية " ، إشكالية العلاقة بين بنية هذه الأنظمة المتعاقبة وتداخلاتها ، ونظرتها للدولة والمجتمع والفرد والمؤسسات والحرية ، نستطيع أن نضع الأساس الذي سننطلق منه في هذه المقالات المتعددة حول الفكر السياسي في العصر الحديث والمعاصر .في بداية هذه الرحلة الطويلة مع قراءة الفكر السياسي الديمقراطي والليبرالي ، لا بد من إيضاح وتعريف عدة مناهج تساعد على القراءة الدقيقة للإشكالية المطروحة أعلاه . 1- براديغمات متعددة للنظام الاجتماعي : أولا : مفهوم البراديغم " Paradigme " : ماذا يقصد بالبراديغم أو " النموذج " في الفكر السياسي و الاجتماعي ؟بشكل عام ، البراديغم : هو نموذج يشكل البناء " التحتي " لفكر ما ، والذي يحدد بنيته ، والذي يطرح أسئلة محددة ، والذي ينظم " المعطيات " ،أو " المعطى " وفق بنى أو " محيطات " متعددة . " البراديغم " في الفكر السياسي والاجتماعي ، هو نطاق أو محيط في داخله نفكر بالمشاكل المتعلقة بالمجتمع والدولة . وكل "براديغم " يرتكز على استيفاء أو الحصول على شكل ما للتنظيم أو الفوضى الاجتماعية ، وهذا يعني ، ما يحدد بدقة " واحترام " الازدهار ، السلام ، السعادة للمجتمع ، أو بالعكس ، الذي يحدث اضطرابات وبلبلة وعدم استقرار وسقوط وانهيار . هذا المفهوم " للتنظيم " سيحدد كل شيء على سلم أو مقياس للقيم بما يتعلق بالسياسة والاقتصاد والاجتماع ، ومن خلاله نحدد معيار أو معايير ما نفضل ، والأعمال التي سنقوم بها ، والبرامج التي سنعدها . ثانيا : " البراديغمات " الثلاث للفكر السياسي والاجتماعي الحديث : في الفكر السياسي الغربي الحديث نميز ثلاث عائلات من النظريات : اليمين ، اليسار ، والديمقراطية الليبرالية . ونستطيع الاعتبار أن كل واحدة من بينها " تقاد " بشكل عميق من خلال " براديغم " أساسي ، أو رؤية للنظام الاجتماعي . وبشكل عام أكثر تبسيطا ، الفكر اليميني يظهر كأنه يقاد من خلال النظام الفطري أو الطبيعي ، أم اليسار من خلال نظام مصطنع ، والتقليد الديمقراطي والليبرالي من خلال نظام عفوي ، تعددي ، ثقافي ، متداخل ومتعدد التنظيم . ثالثا : النظام المقدس في المجتمعات البدائية يوجد نظام مقدس وهو الذي أقيم بواسطة الآلهة . هذا النظام المقدس كان في الكثير من الأحيان متعذر مسّه ، حيث أعطته الآلهة و أعطت المجتمع بنى متعددة وفرضت عليه القيام بأشياء عدة . بالنتيجة ، إنسان المجتمعات الابتدائية سيكون خطرا على النظام الاجتماعي القائم ، أما الإنسان الحديث فقد طمح وعمل على التحرر من القوانين الطبيعية والميتافيزيقية . النظام المقدس يستبعد عملية التغيير الاجتماعي ومن ثم يعطل التقدم . فالمجتمع الكهنوتي هو مجتمع " بلا تاريخ " ، والتقدم العلمي والتقني لم يحدث غلا عندما قام المجتمع بتحطيم كل قيود الشعائر والطقوس والأساطير . رابعا : الأنظمة " الوسطى " ما بين الطبيعي والمصطنع : القارئ لتطور الفكر السياسي يتوصل على معرفة وجود نوع من " الأنظمة " التي تشكل حقائق داخل المجتمع والتي لا تنتمي لا للنظام الطبيعي ولا للنظام المصطنع . و إذا قمنا باختبار وتحليل " الأخلاق " أو " القانون / الحق " وهي من " الأنظمة " الجوهرية للفكر السياسي / اجتماعي ، فإننا سنعرف تماما ماذا نعني بالأنظمة الوسطى . فهي " الأخلاق والقانون " ليست من الأنظمة الطبيعية حيث أنها تتغير وفق الزمان والمكان . وهي ليست اصطناعية ، حيث لا يستطيع أي كان أن يصمم أو يخلق " أخلاقا " أو نظاما قانونيا على طريقة مهندس يصمم آلة أو أي شيء آخر مصطنع . ولكن فقط في العصر الحديث والمعاصر حتى تيقن المفكرون بكثير من الوعي والتيقظ ، على أهمية ونوعية هذه الأنظمة المذكورة و أنها كوّنت بشكل واضح وعلمي مفاهيمها الخاصة بها . الاقتصاديون " التوماسيون " thomistes ، في القرن السادس عشر سيقولون أن الأسعار أقيمت وكونت بواسطة " الله " ، وهذا ما يشير إلى مسؤول آخر في العملية الاقتصادية خارج عن طبيعة الإنسان . " هيوم " hume ، سوف يشرح بوضوح فيما بعد كيف أن " التعاقدات أو الاتفاقات " التي تعرف العدالة هي من أعمال البشر من غير أن تكون من صياغة " العقل الإنساني " . " آدم فيرغوسون " ، سيتحدث عن "أنظمة " ناتجة عن أفعال الإنسان ولكن من غير قصدهم أو نيتهم ، " آدم سميث " ، يضع " اليد الخفية " الشهيرة للسوق ، وهي ليست يد الله ولا يد الإنسان ، ولكن هو المجتمع الذي ينظم من خلال ذاته وهنا " سميث " لا يحدد " المفردة " الدالة على هذا التنظيم والتي يمكن أن تكون auto-organise .المشكلة السياسية أيضا وضعت تحت نوع آخر من الأضواء . فهدف مؤسسات الدولة والنظام القانوني لم تكن نهائيا التقرب من النظام الطبيعي ، المصدر الوحيد لكل شيء " عادل " ، " قابل للحياة " ، " خصب " . كما لم تكن الأهداف هي إقامة نظام اجتماعي مثالي أو طوباوي ، بل كان الهدف هو تصور أو إدراك المؤسسات الأكثر " مقبولية " من أجل انبثاق نظام اجتماعي " عفوي " ينتج عن أفعال إنسانية تعددية تهدف للتوافق أو التلاؤم بين البشر ، ثم إنتاج حقائق اجتماعية واقعية وسامية : قوانين مجردة عن أي شيء غير الإنسان تسمح بالسوق أي التنافس الاقتصادي الذي لم يسبق حصوله ، مؤسسات برلمانية وديمقراطية والتي تقلل بشكل كبير خطورة بقاء مجموعة من المتسلطين في أماكنهم بشكل دائم ، وحرية صحافة تسمح بظهور حقائق اجتماعية وسياسية أكثر موضوعية ، الحرية الأكاديمية والتي تسمح بالانبثاق السريع للعلوم . هذه التغيرات الجوهرية و الأساسية للمجتمع الغربي جعلت بالإمكان لتاريخ فكري أن يمتد هذه القرون ، و أن يكون نظريات حديثة للدولة الديمقراطية والليبرالية . إن تاريخ الفكر السياسي الحديث والمعاصر تمازج مع هذه التكوينات السابقة للمجتمع ، ولكن وجد من يقاوم هذا الفكر الحديث ويعارضه وخاصة من خلال المفكرين التابعين لنماذج فكرية رجعية . من هنا يمكن تصنيف دراسة تطور الفكر الليبرالي والديمقراطي وتمييز ثلاثة محاور أساسية فيها : - اتجاه من الفكر يصنف ب" التقليد الديمقراطي والليبرالي " ، والذي ينطلق من نموذج غير طبيعي أو مصطنع في النظام الاجتماعي .- عائلة من التفكير " اليميني " المعتمدة في أساسها على النظام " الطبيعي " .- عائلة من التفكير " اليساري " القائمة على نموذج " منظّم " . 2- السؤالان الأساسيان للنظرية السياسية وفق " لورد أكتون " [ 1834 – 1902 ] تختص النظريات السياسية في الرد على سؤالين كبيرين :أ- من يجب أن يأخذ السلطة السياسية ؟ب- ما هي الحدود التي يجب أن تكون للسلطة السياسية ، مع وجود أي كان فيها ؟ من الواضح هنا أن النظرية السياسية تبحث على حل : إما لمسألة السلطة داخل الدولة ، أو لمسألة سلطة الدولة . من المهم والجوهري الفهم أن هذين السؤالين الكبيرين يعودان إلى إشكالية مهمة في تاريخ البشر وهي " إشكالية الخضوع والتبعية " . يمكن اعتبار الإجابات على السؤال الأول تتدرج ما بين القطبين المتضادين أو النقيضين : حكومة تسلطية / الديمقراطية . يوجد حكومة تسلطية والتي تأخذ شكل " الملكية ، أو الديكتاتورية ، أو أرستقراطية مغلقة ....." هنا الفرد الحاكم أو المجموعة الحاكمة تأخذ وحدها القرارات وتحتفظ لوحدها بالسلطة . ويوجد ديمقراطية حيث الحاكمين يكونون في السلطة وفق إجراءات قانونية سلمية ، مع تعددية للمرشحين ، وحرية التعبير ، والنقاشات العلنية ، انتخابات . من جهة أخرى يمكن تغيير الحاكمين بشكل سلمي على السلطة . أما الإجابة على السؤال الثاني تترتب حول قطبين متناقضين آخرين : التوتاليتارية / الليبرالية . يوجد " توتاليتارية " عندما الدولة تدير أو تقود " كل شيء " في المجتمع ، لديها سلطات غير محددة ، تسيطر على الفكر والتعبير، الحياة الاجتماعية و الاقتصادية ، لا تعترف بحقوق الأفراد ، أو الجماعات الخاصة ، ولا بحقوق الأقليات ، كما لا تعترف ولا تقوم بأي شيء يؤدي لقيام المجتمع المدني . ويوجد " ليبرالية " حيث سيادة الدولة تكون محدودة ، وتكون مضطرة للاعتراف بالقانون أو ما يتفرع عنه من تشريعات دولية [ مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، أو الأحكام الدستورية الأساسية ] . والدولة تحترم هنا بشكل عملي المبدأ الذي وفقه سلطتها التنفيذية والتشريعية لا تعيق أي حق من الحقوق أو الحريات " الدينية ، التفكير ، الملكية ، العمل ، التعاقد ... " ولكن هل من تداخل بين هذه الأنظمة ؟- يمكن أن يكون لدينا " انتقال " ديمقراطي للسلطة السياسية داخل الدولة ، والتي لديها نفوذ أو سلطان محدود على المجتمع ، من خلال الحقوق الأساسية للأفراد . وبالتالي يكون لدينا ديمقراطية ليبرالية . - يمكن أن يكون لدينا سلطة سياسية " تسلطية " ودولة " شمولية " . وهذا ما نلحظه داخل ما ندعوه الأنظمة التوتاليتارية [ الفاشية ، الشيوعية ] ، حيث الدولة تفعل كل شيء مع الفرد دون حدود ، وبالإضافة لذلك ، الحكام يحتكرون السلطة ويبعدون المعارضة من خلال البوليس السياسي ، وهؤلاء في هذه الدولة لا يعترفون نهائيا بالانتخابات الحرة .- ولكن بالإمكان وجود حكومة تسلطية في دولة ليبرالية : حصل هذا في الماضي ، في الإمبراطوريتين الفرنسيتين ، وحصل في تشيلي وكوريا الجنوبية وسنجابور ، وفي حكومة الشاه الأخيرة في إيران ، وقليلا في المغرب . - إذا الإمكانية النظرية موجودة ، وهناك أمثلة تاريخية لدول وأنظمة مهيمنة وشمولية ، ولكنها في الأساس منتخبة ديمقراطيا . الأنظمة الثورية في أسابيعها الأولى تفعل نفس الشيء ، عندما يأخذون التفويض من الشعب في الوصول على السلطة ولا يحترمون الأشخاص والملكيات ، ومن ثم يعتبرون الشعب عدوهم . هذا الشكل من الأنظمة غير مستقر ، ويقود في النهاية على استبعاد الآخرين ، ويتحول من ثوري إلى تسلطي شمولي . 3- الديمقراطية والليبرالية تفترض " براديغم " النظام " العفوي " Spontané :Spontanéisme : نظرية قائمة على العفوية المبدعة في الفرد . Spontanisme : نظرية تعتمد على التوالد الذاتي " عفوية التولد " . عندما يتلازم وجود الديمقراطية والليبرالية عبر تاريخهما معا ، فهذا لم يأت محض صدفة ، بل لأنهما يملكان نقاطا مشتركة في تأسيسهما للأنظمة التعددية " العفوية " أو الأنظمة " المنظمة " ذاتيا من نفسها . الأنظمة المؤسساتية الديمقراطية تستند على النقاش أو الجدال المتناقض والمتعارض ، وحرية الترشيح والتصويت ، وفي الغالب تعتمد على حكومات تأخذ بالإدارة الجماعية [ Direction collégiaux ] ، إذا هي تتطلب الفصل " séparation " ، وبالتالي التوزيع أو التقسيم " répartition " بين أيد متعددة للسلطة أو السلطات . أنصار الديمقراطية يعتبرون هذا كله لبلوغ فعل سياسي متلاحم وقوي ، ولتعريف وتنفيذ لسياسية تتم متابعتها ، وتكوين تشريع مستمر . والليبرالية أيضا ، ليس فقط هي حرية السوق والمبادرات الفردية ، إنها تعددية الصحافة والعلوم ، تفتح الحقيقة ونموها ، فالتعددية تولد شكلا ساميا للنظام . لهذا السبب في العصر الحديث والمعاصر مذاهب الديمقراطية والليبرالية تطورت إلى هذا الحد . وتاريخ الفكر السياسي في هذه الفترة يستطيع أن يكون متصفا أو مطبوعا كتاريخ يرتقي أو يدور في داخل " براديغم " التعددية ، وفي داخل كل سؤال من الأسئلة الأساسية للسياسة والتي وردت سابقا . ومن جهة أخرى يدور بنفس التناسق في صراع ضد نموذج من التفكير يقام بواسطة مفكري " اليمين " المرتبطين في " براديغم " النظام الطبيعي ، ومفكري " اليسار " المرتبطين في " براديغم " العقل البنائي " Constructiviste .Constructivisme : نظرية تعنى بالجمال ظهرت عام 1920 ، جاءت في مكان النحت التقليدي ، وتؤسس نحتا مفرغا متعدد التشابكات والخطوط والسطوح ، وهي تعدّ كل موضوع للفكر " مبنيّا " . وبهذا تكون الليبرالية قد حاربي على جبهتين : ضد هذه الأنواع من الفكر ، وفي سبيل صياغة نظرية للتعددية . في الأجزاء التالية أو القادمة سنحاول قراءة تطور الفكر السياسي الحديث والمعاصر فيما يتعلق :- بالتقليد الديمقراطي والليبرالي .- خصوم التقليد الديمقراطي والليبرالي من اليسار .- خصوم التقليد الديمقراطي والليبرالي من اليمين .- تجديد التقليد الديمقراطي والليبرالي ما بعد عصر " التوتاليتارية " . صلاح نيوفعضو الجمعية الكندية للعلوم السياسية | |
|