تعتبر الثروة البشرية هي العنصر الحاسم لنهضة الأمم. حيث إن تنمية الموارد البشرية Human Resource Development في المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية, هي الهدف الرئيس الذي تسعى إليه جميع دول العالم في ظل التغيرات العالمية التي يشهدها المجتمع.
وتعتبر التربية عنصرا مهما وعاملا فعالا في دفع حركة المجتمع وتطوره باتجاه تحقيق أهدافه الإستراتيجية. ولما كانت التربية إحدى العناصر الرئيسة في بناء الإنسان فإن الإدارة التربوية Administration Educational عنصر مهم وبارز يوثر في العملية التربوية وتحسين مردودها, وتحقيق الأهداف التي تسعى لترجمتها السياسة التعليمية, وأهداف المراحل الدراسية كافة.
وتعد المدرسة الثانوية School الهيكل الرئيس لتطبيق العملية الإدارية Administrative process ، حيث إنها تساعد على تنمية رأس المال البشري وزيادة إنتاجيته من اجل تحقيق الأهداف القومية المنشودة.
وإذا كان يعد مدير المدرسة الثانوية قائدا لمجموعة أعضاء المؤسسة المدرسية, فإن القيادة التربوية Educational Leadership تمثل أهمية كبرى في نجاح الإدارة التعليمية.
إن القيادة عملية، وليست شخصا، وإذا كانت تعني القيادة عملية التأثير في نشاطات جماعة منظمة عند قيامها بوضع الهدف, فإن القائد يصبح عامل تأثير، يوجه نوعا من الاتصال للأتباع فيستجيبون بطرق متعددة. ( 1)
ولأجل ذلك فان العلاقات بين الرئيس والمرؤوسين تكتسب طابعا مميزا عن تلك العلاقات القائمة بين المرؤوسين فيما بينهم، سواء داخل الإطار التنظيمي الرسمي أو غير الرسمي, ومن ثم فإن السلوك القيادي يفسر في ضوء النمط القيادي، ونوعية الاتصالات، وعلاقة الرؤساء مع مرؤوسيهم ومدى الاحترام المتبادل في هذه العلاقات، وصفاتهم المميزة، ودرجة الثقة فيهم، ومشاعرهم الإنسانية.( 2)
وإذا كانت القيادة هي جوهر الإدارة التربوية( 3)، فإني أرى أن النمط القيادي Leadership Style هو جوهر القيادة.
ومما يؤكد ذلك أن فريتز ريدل " Fritz Redl " يرى أن القائد ليس هو الشخص الوحيد الذي يتمتع ببعض السمات التي تجعل منه شخصية قوية قادرة على القيادة, ولكنه الشخص الذي يمتاز بما اسماه المرونة النفسية الاجتماعيةGroup Psychological Flexibility . (4)
ومن هنا يمكن ملاحظة ان سمات القيادة لا بد ان تترجم بالسمات السلوكية التي تعبر عن حيوية عملية القيادة.
وتعمل جهود الإصلاح التربوي الحديثة Educational Reform, والنداءات التي تطالب بإعادة هيكلة المدارس، على تغيير طبيعة العلاقات بين مديري المدارس وجمهور المتعاملين معهم نظرا لتغير البيئات.( 5)
وأرى أن ادوار مدير المدرسة كقائد تربوي متوقفة على التوقعات والمتطلبات التي تفرضها عليه البيئة الداخلية والخارجية للتنظيم.
وقد لوحظ أن المجتمع المحلي والمشتغلين بالتعليم يتوقعون من المدير أن يكون قائدا تعليميا، وان ينفق وقتا أكثر في أنواع من النشاط غير تلك التي توجد في غالبية المدارس الآن، وان واجبه الأساسي هو القيادة التعليمية التي تعمل على تحسين عملية التعلم.( 6) حيث إن قادة المدرسة الثانوية يعملون على تحسين التعليم والتعلم بشكل غير مباشر من خلال تأثيرهم على الموظفين والتزامهم وظروف العمل.(7 )
بيد أن من أهم أدوار القائد التربوي "تحقيق الاتصال الإداري الفعال بكافة المؤسسات الموجودة في البيئة ، وتقديم التسهيلات البشرية والمادية لمؤسسته، والتي تساعد في تحقيق الأهداف التربوية".( 8) وأن النمط القيادي يؤثر على فعالية وكفاية المدرسة، وهو أساس العديد من العوامل المترابطة والمتداخلة.(9 )
ويمكن القول ان بناء المدرسة الثانوية الفعالة Effective School, يرتكز على زيادة قدراتها الاتصالية, داخل وخارج المؤسسة التعليمية بما ييسر سبل التواصل الفعال مع المجتمع.
وقد حظي الاتصال الإداري Administrative Communication باهتمام كبير في السنوات الأخيرة, مع تعقد العلاقات الاجتماعية, وتطور النظريات الإدارية, ونمو حجم المنظمات, وزيادة التخصص وتقسيم الأعمال, وسرعة التغيير والتطور العلمي والتكنولوجي, وما صاحبه من ظهور أفكار وطرق جديدة لتحسين العمل. وأصبحت عملية الاتصال في الآونة الأخيرة من المكونات الرئيسة للعملية الإدارية.( 10)
كما أن الاتصال الفعال ذو أهمية كبيرة لتحسين العلاقات الإنسانية بين الأفراد، والجماعات داخل المنظمات والمؤسسات بشكل عام، والمؤسسات التعليمية بشكل خاص، حيث انه يوحي إلى مدى نجاح أو فشل تلك المؤسسة.
وإذا كان الاتصال الإداري عملية يتم عن طريقها إحداث التفاعل بين الأفراد، فإن هذا الاتصال يتم في إطار بناء تنظيمي يحدد قنواته واتجاهاته. ومع تغيرات التنظيم الإداري من حيث الميل إلى تسطيح مستويات الإدارة الناتجة عن إزالة العديد من الطبقات الإدارية في التسلسل التنظيمي, وبناء العلاقات التنظيمية من أعلى إلى أسفل وبالعكس، فان الاتصال الأفقي يعد من الاتجاهات الفعالة في تفعيل بناء التنظيم الإداري.
ومن المهم في المؤسسات التعليمية, أن توفر قنوات الاتصال بين المدرسين, وكذلك بين مديري المدارس مع بعضهم البعض, لذا فان الاتصال الأفقي يساعد أو يشجع على تدفق المعلومات والأفكار بين الأعضاء العاملين.( 11) مما يساعد المدير على اتخاذ القرارات السليمة والتي يشارك فيها كافة العناصر البشرية المعنية بها.
وإذا كان النمط القيادي السائد هو النمط الأوتوقراطي على سبيل المثال، فذلك يعني أن الاتصال سيقتصر على المدير ولن يكون هناك اتصال الأفراد ببعضهم البعض، لذلك إن النمط القيادي السائد هو الذي يحدد نمط الاتصال بين العناصر البشرية داخل المدرسة الثانوية.
وتشكل مرحلة التعليم الثانوي الأداة لتمكين اليافعين من الوصول للتعليم العالي، أو ولوج عالم العمل، ولذلك فإن التعليم الثانوي ينبغي أن يكون الفترة التي تتكشف فيها المواهب على اختلافها وتزدهر.(12 )
وهذا يتطلب رصد مستوى النمط القيادي والاتصال الإداري بما يسهم في زيادة إنتاجية طلاب مرحلة التعليم الثانوي, التي هي من شروط الدخول في عالم الاقتصاد الجديد.
وبناء على ما تقدم ذكره من أهمية النمط القيادي والاتصال الإداري في المؤسسات التربوية، وبما أن المدرسة الثانوية تعتبر من أهم هذه المؤسسات لما لها من دور في رفع كفاءة مخرجات العملية التربوية، ولأن القائد التربوي في المدارس الثانوية يناط به مسؤولية قيادية مشتركة مع العاملين معه، فإن هذه القيادة يتطلب منها أساليب وطرائق اتصال مناسبة بغية الوصول إلى الأهداف المنشودة.
الهوامش:
(1 ) محمد جاسم محمد: سيكولوجيا الإدارة التعليمية والمدرسية وآفاق التطوير العام، دار الثقافة للنشر والتوزيع،عمان،2004، ص 113.
(2) محمد حسنين العجمي: استراتيجيات الإدارة الذاتية للمدرسة والصف ، دار الجامعة الجديدة ، الإسكندرية، 2008،ص30
(3)Richard F. Elmore: Building a new structure for school leadership, Harvard University,2000, p7
(4)Kurt Lang, Gladys Engel Lang (1961): Collective dynamics, Crowell publication,p239.
(5) ايلين ب. جولدرينج: القيادات التعليمية – المدارس والبيئات وتوسيع نطاق الحدود، في "الإدارة التعليمية- الإستراتيجية- الجودة- الموارد، ترجمة بهاء شاهين، مجموعة النيل العربية، القاهرة، 2006 ، ص 275
(6) احمد إبراهيم احمد : تحديث الإدارة التعليمية ، مكتبة المعارف الحديثة ، الإسكندرية، 2002،ص 119
(7) DfES: Independent study into school leadership, 2007, p9
(8) جودة عزت عطوي: الإدارة المدرسية الحديثة – مفاهيمها النظرية وتطبيقاتها العملية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان،2004, ص73
(9) Bakhtiar Shabani Varaki: Epistemological Beliefs and Leadership Style among School Principals, International Education Journal Vol 4, No 3, 2003, p224.
(10) محمد عطوة مجاهد : المدرسة والمجتمع في ضوء مفاهيم الجودة ، إدارة الجامعة الجديدة، الإسكندرية ،2008، ص 67
(11) جودة عزت عطوي: الإدارة المدرسية الحديثة – مفاهيمها النظرية وتطبيقاتها العملية، مرجع سابق, ص 96
(12) تقرير ديلور ، التعلم ذلك الكنز المكنون ، مطبوعات اليونسكو، القاهرة، 1999،ص 109-110