ثورة الشيخ عز الدين القسام
إعداد
الأستاذ : عبد الجبار رجا العوده
الفصل الأول
الشيخ عز الدين القسام
حياته:
ولد الشيخ عز الدين القسام في قرية جبلة قضاء اللاذقية في سوريا(1). وقد اختُلِفَ في سنة ولادته – فقد ذكرت بعض المصادر انه ولد سنة 1871م(2)، وقيل أيضا انه ولد سنة 1880م(3)، وقيل أيضا انه ولد سنة 1882م(4)، والأخير بتقديري هو الأقرب إلى الصواب.
كان أبوه من المهتمين بالتصوف وعلوم الشريعة، كما أن والده كان متزوجاً من امرأتين وهما: حليمة قصاب وآمنة حلول، حيث أن اسم والدة الشيخ القسام حليمة، وكان والده من المهتمين بنشر العلم وعمل مدرساً في مدرسة الكُتاب بالقرية، درَّس فيها أبناء القرية أصول القراءة وحفظ القران(5)، والأسرة ككل كانت معروفة بمكانتها في القرية واشتغالها بالشريعة والفقه.
أدى هذا إلى أن ينشأ القسام في بيت متدين ذو ثقافة وفكر إسلامي(1)، وكان يميل إلى العزلة والانفراد(2)، فدرس الشيخ القسام العلوم الابتدائية في جبلة ثم أرسله والده إلى الأزهر حتى تتلمذ على يد الشيخ محمد عبده(3).
وقد نال الشيخ القسام من الأزهر العلوم الإسلامية(4)، ومن الجدير ذكره انه قد سافر مع ابن خالته ناجي أديب وبرفقته أخوه فخر الدين إلى مصر(5)، تأثر الشيخ القسام في مصر كثيراً، فكان في ذلك الوقت الاستعمار البريطاني لمصر، ولهذا عرف الاستعمار عن قرب بأنه عدو الشعوب، وتأثر أيضا بالتيارات الفكرية الموجودة في الأزهر الشريف(6).
وبعد أن حصل على مستوى من العلم الشرعي عاد إلى بلده ثم سافر إلى تركيا ليتطلع على طرق التدريس والخطب فيها، وبعد فترة عاد إلى بلده وعمل بالتدريس في جامع السلطان إبراهيم بن ادهم قطب الزاهدين(7)، ثم تولى الخطبة يوم الجمعة في المسجد المنصوري، وكانت خطبته تبتعد عن التقليد حيث كان يحض على الجهاد ويثير الحماس، حيث صارت له شعبية أكثر من الأفندي – وهو مسئول عثماني -، وحاول الأفندي وبمساعدة السلطات العثمانية تقليص شعبيته إلا انه فشل في ذلك.
كان القسام يحرض على الجهاد، ويكره الاستعمار بكافة أشكاله حيث قاد عدة مظاهرات في جبلة ضد الاحتلال الايطالي لطرابلس الغرب(1)، حيث دعا المتظاهرين للتطوع من اجل القتال ضد الاستعمار الايطالي، وبلغ عدد المتطوعين 250 متطوعاً، إلا أن الحكم الفرنسي لسوريا آنذاك رفض طلب هؤلاء المتطوعين بالتوجه إلى ليبيا لأن الكفر ملة واحدة(2).
ولما اشتعلت الثورة السورية ضد الحكم الفرنسي 1919-1921م انضم الشيخ القسام إلى ثورة عمر البيطار ولعب دوراً كبيراً في الثورة، ثم انضم إلى ثورة صالح العلي في جبال العلويين بشمال سوريا، وجاهد ضد الحكم الفرنسي حتى فشلت الثورة عام 1921م(3)، وبعد معركة ميسلون وسقوط الحكم الفيصلي أخذت الثورة تخبو رويداً رويداً(4).
حاولت الحكومة الفرنسية أن تقنع القسام بترك الثورة والرجوع إلى بيته، فأرسلت له زوج خالته عبد الرحمن أديب، فوعده باسم السلطة الفرنسية تولية القضاء وان تجزل له العطاء في حال موافقته على الرجوع إلى بيته والتخلي عن الجهاد، فرفض القسام وعاد رسول الفرنسيين من حيث أتى(5). وبعد فشل الحكومة الفرنسية شراء القسام، قام الديوان العرفي باللاذقية بالحكم عليه غيابياً بالإعدام(6).
وبعد ذلك اخذ الفرنسيون بملاحقته، وهرب إلى دمشق ثم سافر إلى حيفا مع ثلاثة من رفاقه المجاهدين وهم: محمد الحنفي، علي الحاج عبيد، وعبد المالك القسام، فقد عين عبد المالك القسام نقطة الرحلة، فكانت نقطة البداية من جسر الشفور ومنها إلى بيروت مشياً على الأقدام، وفي بيروت نظم الحاج خليل سكر أمر نقلهم من بيروت إلى صيدا بسرية تامة، وعبر حنطور يقوده احد الشجعان، ثم انتقل من صيدا إلى عكا بواسطة قارب صغير، ثم انتقلوا من عكا إلى حيفا، فوصلوا الجامع بعد صلاة العصر، وصلّوا المغرب في جامع الجزينة، فقام القسام بإعطاء درساً لفت أنظار المصليين، ومن الجدير ذكره أن الحاج عبد الله مسمار كان قيم المسجد المذكور آنفاً وسمساراً للمساكن، وعليه فقد قدم شقة من غرفتين دون فراش للقسام ورفاقه، ثم نزل القسام بعد فترة ضيفاً عند قريبه الحاج أمين نور الله حيث كان عضواً في الجمعية الإسلامية(1).
وبعدها انتقل وسكن في بيت الحاج عبد الواحد المحسن الواقع في حارة اليهود وبقي فيه حتى جاءته زوجته آمنة النعنوع وأولاده، ثم سكن في الحي القديم بحيفا حيث البيوت من الصفيح، وهذا الحي مليء بالفقراء الفلاحين والعمال الذين طردوا من أراضيهم(1).
اختلفت الروايات في سنة قدومه إلى حيفا، منها ما يقول انه جاء سنة 1920م(2)، ومنها ما يقول انه جاء في سنة 1921م(3) ومنها ما يقول سنة 1922م(4)، ولكن على الأرجح جاء في نهاية عام 1920م، لأنه وجد اسم القسام موقعاً على عريضة مطالبة تعيين الحاج أمين الحسيني مفتي للبلاد خلفاً لكامل الحسيني(5).
كان القسام يتمتع بثقافة واسعة وبراعة في الخطابة، حيث عين مدرساً في جامع النصر(6)، كما أسس مدرسة ليلية للاميين في الحي القديم واخذ يعلمهم ويحضهم على الجهاد، وهذا أدى لإيجاد صلة كبرى معهم(1). وقد تم تعينه إماماً وخطيباً في مسجد الاستقلال، وكانت هذه الوظيفة وسيلة لازدياد اتصاله بالشعب(2).
كانت الجمعية الإسلامية قد أسست مدارس إسلامية للذكور والإناث، حيث عمل القسام مدرساً في مدرسة البرج الإسلامية التابعة للجمعية الإسلامية، وكان يحض الطلاب على الجهاد مستخدماً الأسلوب التمثيلي حيث كان يقوم في نهاية الفصل بتمثيل بعض الأبطال من أمثال صلاح الدين(3).
ولم يكن اتصال القسام محصوراً في كونه مدرساً وخطيباً وإماماً، فقد كان لعضويته في جمعية الشبان المسلمين مجالاً كبيراً لزيادة اتصاله بالناس على مختلف المستويات.
وجمعية الشبان المسلمين هي حركة قومية ذات اتجاه ديني ولقد انبثق عن هذه الجمعية جمعيات أخرى في كثير من المدن الفلسطينية وكان منها جمعية الشبان المسلمين في حيفا والتي تأسست عام 1927م وكان يرأسها الشيخ القسام وكامل العقاب(4).
كما أن المجلس الإسلامي الأعلى قام بتعيينه مأذوناً شرعياً في منطقة حيفا، فقد كان عن طريق هذا المنصب يتصل بالقرى ويتعرف عليهم ويحضر أعراسهم ويناقشهم في أمور الدين والسياسة، وكان لهذا المنصب دور كبير في الإعداد للثورة(5).
كان الشيخ القسام محمود السيرة في تقواه وصدق وطنيته، كما كانت تعرفه منطقة الشمال إماماً وخطيباً ومأذوناً شرعياً(1)، وقد ألف كتاب مع الشيخ كامل القصاب (النقد والبيان)، استمر القسام في سكنه بحيفا حتى استشهد في 20/11/1935م وقد دفن بجوار حيفا(2)، وكان عمره عندما استشهد 60 عاماً(3).
أسباب ثورة القسام
توفرت عدة أسباب مجتمعة لثورة القسام مع بعضها البعض ولا يمكن فصلها، ويمكن أن نفصّلها فيما يلي :-
• ضعف قيادات الشعب الفلسطيني سياسياً:-
كانت قيادات الشعب الفلسطيني خلال العشرينات تعتقد أن الصهيونية وليس الاستعمار البريطاني هو العدو الأول، لذا وجب التخلص من الصهيونية أولا قبل بريطانيا، وكانت تعتقد أيضا أن الوسائل الاحتجاجية وتقديم الاعتراضات هو الذي يمكن أن يحقق مطالب تلك القيادات(3)، وكانت هذه القيادات فضلاً عن قصر نظرها سياسياً، كانت تعتمد في مواجهتها لبريطانيا على النفوذ العائلي فيما بينها مما أدى إلى ضعفها وفقدان ثقة الشعب بها(4).
• تهريب السلاح لليهود:
قام اليهود بتهريب الأسلحة إلى فلسطين حيث تم اكتشاف شحنة أسلحة إلى ميناء يافا سنة 1935م على ظهر سفينة قادمة من بلجيكيا حيث كانت الأسلحة مخبأة في براميل اسمنت، وقد اكتشفت صدفة عندما وقع احد البراميل فانكسر، مما أثار مشاعر الشعب الفلسطيني وحركت فيه الانتباه لخطر قادم(1)، ومما يجدر ذكره أن عدد الأسلحة في تلك البراميل "245 غرارة موزر، 90 مسدس، 55 حربة، 40 ألف خرطوش"(2) .
• الهجرة اليهودية:
لقد استمرت بريطانيا في سياستها من اجل إقامة وطن قومي لليهود، فسهلت عمليات الهجرة سواء كانت الهجرة بطرق شرعية أو غير شرعية، فقد كانت بريطانيا تغض الطرف عن الهجرة اليهودية، وقد بلغت الهجرة أوجهها في عام 1935م حيث بلغ عدد المهاجرين اليهود 62 ألف مهاجر(3).
• شراء اليهود الأراضي العربية
لقد قدمت بريطانيا التسهيلات لليهود في شراء الأراضي من العرب، وقد استخدم اليهود والانجليز طرقاً لنقل الأراضي من العرب إلى اليهود نذكر منها:-
- عمليات تسوية الأراضي: وهي طريقة تتم في محاكم الأراضي حيث يعتبر الكوشان اليهودي عثماني صحيح تسجله محكمة الأراضي باسم اليهود، أما الكوشان العربي فكانت تسجله باسم الدولة ثم يتحول إلى اليهود بصورة رسمية(1).
- استعمال السلاح والقوة: فقد استخدم التهديد والطرد ومثال على ذلك نذكر إرسال الحكومة البريطانية عدد من الشاحنات لطرد سكان وادي الحوارث قرب طولكرم، والذي كان اليهود قد اشتروه بالمزاد العلني(2).
- التضييق الاقتصادي: وذلك عن طريق فرض ضرائب باهظة مما أدى إلى تراكم الديون على أصحاب الأراضي مما دفع الكثيرين لبيع أراضيهم، ونذكر في هذا المجال أيضا استيراد المزروعات من قبل اليهود لضرب الزراعة الوطنية مما جعل الفلاح الفلسطيني يترك أرضه، كما حصل في الحولة وطبريا(3).
وعليه فقد بلغت مساحة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها في عام 1935م ما يقارب 72,905 دونم(4).
• إهمال حكومة الانتداب التعليم والثقافة في الوسط العربي:
نظراً لأهمية التعليم والثقافة في تكوين الأمم والشعوب، فقد حاربت بريطانيا إقامة وإنشاء المؤسسات التعليمية في الوسط العربي، علماً أن بعض الوثائق تذكر مطالبة الأهالي تشكيل مدارس وعلى حسابهم الخاص، إلا أن الإدارة البريطانية كانت ترفض أكثر هذه الطلبات(1).
الإعداد للثورة وطريقة التنظيم
كان القسام بما اكتسبه من خبرة في نضاله ضد الاستعمار الفرنسي في سوريا، أدرك بفكرة الثاقب أن الاستعمار وحده لا يتجزأ مهما تنوعت أشكاله وأساليبه، كما أدرك الأخطاء التي وقعت فيها حركة النضال في سوريا، ويجب أن لا تتكرر في فلسطين ، فلذلك كان يرى أن الإعداد للثورة لا بد أن تمر في عدة مراحل وهي كالتالي:-
مرحلة الإعداد النفسي: - كان يرى انه لا بد من الإعداد النفسي للثورة ضد الاستعمار وقد بدأت هذه المرحلة عام 1922م، كان القسام يبث روح الوطنية في النفوس داعياً إلى الوحدة ومنادياً بالعودة إلى السلف الصالح، مندداً بالفرقة ومنذراً قومه بعواقب الشقاق والتمزق(2).
يقول أبو إبراهيم الكبير احد رفاق القسام: "انه كانت للشيخ القسام حلقات دراسية يعلم فيها المسائل الدينية، ولكنه كان أكثر المشايخ تطرقاً لضرورة الجهاد لمنع الصهيونية من تحقيق أحلامها في إقامة وطن قومي على ارض فلسطين، وكان يركز على الاستعمار البريطاني في تحريضه لأنه يعتبر الاحتلال البريطاني رأس الحية والصهيونية الذنب فلا بد من قتل رأس الحية"(3).
عمل القسام على الاستفادة من مواقعه سواء في جمعية الشبان المسلمين أو في مسجد الاستقلال أو كمأذون شرعي من اجل الحض على الجهاد، وتوعية الشعب بما يجري حولهم من سياسة بريطانية في إنشاء وطن قومي لليهود، ولهذا عمل على تقوية علاقته بالشعب(1) وخاصة في منطقة الشمال حيث لجأ إليها الذين طردوا من أراضيهم وسكنوا حيفا.
كان القسام يحث على الجهاد ومن أقواله: "رأيت شباباً يحملون مكانس لكنس الشوارع هؤلاء مدعوون لحمل البنادق، ورأيت شباباً يحملون الفرشاة لمسح أحذية الأجانب هؤلاء مدعوون لحمل المسدسات لقتل هؤلاء الأجانب"(2).
وكان أسلوبه تحريض على المقاومة، يذكر الحاج علي الزبري من يعبد بهذا الصدد: "أن القسام طالب المصليين من على المنبر أن يقاوموا العدو، فوقف احد المصليين وسأل بمَ نقاوم العدو؟ ونحن لا نملك أي شنئ؟ فأجاب الشيخ القسام بقتلهم واخذ السلاح منهم"(3). وكان من صدق وطنيته ودعوته للجهاد أن التفت حوله جماعة من الرجال دفعتهم وطنيتهم، حيث استمرت مرحلة الإعداد النفسي ست سنوات(4).
مرحلة العمل التنظيمي: عندما رأى رفاق القسام سياسة الانحياز البريطانية لليهود، والظلم الذي كان يقع على أبناء الشعب الفلسطيني من قتل وجرح وسفك للدماء، ولا سيما في ثورة البراق عام 1929م، طلبوا من الشيخ القسام الانتقال من الكلام والتنظير إلى العمل والتدرب على السلاح لمواجهة الاستعمار واليهود، وفي هذا الصدد يذكر أبو إبراهيم الكبير: "واشترينا بندقية وأحضرنا مدرباً كان اسمه محمد أبو العيون، وكانت الجلسة تبدأ بان يلقي الشيخ دروسه ثم تحولت دروس الشيخ من دروس دينية إلى دروس في الجهاد، وكان المدرب يقوم في أخر الجلسة بتدريب الموجودين واحداً واحد"(1). كما أن القسام كان يخرج مع أصحابه ليقوم بتدريبهم في رحلات ليلية والتدريب على إصابة الهدف(2)، كما حصل مع حسن الباير حيث كان يدربه القسام في جبال بلقيس(3)، وكما حصل مع عربي بدوي الذي قام بتدريبه نمر السعدي في غابة بسمة طبعون(4).
يتبع باقي الموصوع