المقاومة الفلسطينية في ضوء القانون الدولي
الدكتور عادل عامر
مثلت قدرة المقاومة الفلسطينية في غزة بقيادة حركة "حماس" على مواصلة إطلاق الصواريخ، رغم القصف الإسرائيلي المكثف خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، ضغطًا على العصب الإسرائيلي والعصب الغربي في آن واحد، وصار الحديث الإسرائيلي والغربي عن حصار غزة لمنع وصول الأسلحة إليها هو القاسم المشترك في حوارات واجتماعات المسئولين الصهاينة والغربيين. ومن أجل الوصول إلى حصار غزة ومنع وصول السلاح إليها، وقَّعت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس مع نظيرتها الإسرائيلية تسيبي ليفني مذكرة تفاهم لمنع تهريب السلاح إلى غزة قبل نهاية الحرب على غزة بيومين، وواصلت الدول الغربية ضغوطها على الحكومة المصرية من أجل تتبع وهدم الأنفاق التي توصل رفح المصرية برفح الفلسطينية، بزعم أنها تُستخدم لتهريب الأسلحة. كما أعلنت فرنسا عزمها إرسال فرقاطة للقيام بدوريات على ساحل غزة، منعًا لتهريب الأسلحة، وعقدت الدول الغربية مؤتمرًا دوليًّا في الدنمارك شاركت فيه كل من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والنرويج، ثم عقدت مؤخرًا مؤتمرًا آخر في لندن، بهدف دراسة الوضع القانوني لعملية مراقبة شواطئ غزة، بمشاركة الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا والدانمارك وهولندا وألمانيا وإيطاليا والنرويج. وقد أقرت الدول المشاركة في مؤتمر لندن الأخير برنامج عمل لمحاولة وقف ما سمته تدفق الأسلحة إلى قطاع غزة، عبر عدة وسائل؛ منها: اعتراض السفن في البحر، واقتسام المعلومات، والضغط الدبلوماسي، والبرنامج يضع الخطوط الرئيسية لخطوات يمكن للدول أن تتخذها بموجب القانون الدولي. الدول التسع المشاركة في مؤتمر لندن وكلها أعضاء في حلف شمال الأطلسي، تقول إنها لن تخرق القانون الدولي بل ستقوم بعمل إلى المدى الذي تسمح به السلطات القانونية الوطنية ويتفق مع القانون الدولي لدعم جهود الاعتراض، ومثل هذه الجهود قد تشمل التحقيق والصعود إلى ظهر السفن والتفتيش والإيقاف والمصادرة، أو جهودًا أخرى ضرورية لمنع نقل الأسلحة والذخيرة ومكونات الأسلحة. كما يقترح البرنامج اقتسام المعلومات بشأن النقاط المتعلقة بمنشأ شحنات الأسلحة المشتبه فيها إلى غزة وطرق عبورها، والتعاون لممارسة ضغوط دبلوماسية على الدول المشاركة لمنع وصول الأسلحة. وتدَّعي هذه الدول أيضًا أنها وافقت على استخدام قرارات الأمم المتحدة الحالية كأساس قانوني لتحقيق جهودها، بدلًا من البحث عن أساس جديد لمنع وصول الأسلحة إلى المسلحين في القطاع. العقبة التي تواجه هذه الدول الأطلسية هي أن برنامجها المقترح يصطدم بقوانين قد تمنع الدول في غير مياهها باستخدام القوة لاعتراض طريق سفن لدول أخرى. ومن الواضح أن هناك نية غربية لسنِّ تشريعات قانونية تجرِّم إيصال السلاح إلى المقاومة الفلسطينية في غزة، عبر مؤتمرات قانونية يعكف الغرب اليوم على الإعداد لها، ولكن العجيب في الأمر أن تلك الجهود الغربية لم تُقابل بأي حراك عربي، بل ولم تلق مجرد استهجان عربي رسمي. السؤال الرئيسي هو: هل يُعتبر حصول المقاومة الفلسطينية على السلاح أمرًا مخالفًا للقوانين الدولية؟ بدايةً، فإن قطاع غزة بوضعه الحالي اليوم ـ وكذلك بقية الأراضي التي تحتلها "إسرائيل" ـ تُصنف في القانون الدولي على أنها أراضٍ واقعة تحت "الاحتلال غير المشروع"، كون "إسرائيل" احتلتها خلال حرب 1967م، وهي تبعًا لذلك تخضع لقوانين الاحتلال المشرَّعة في المعاهدات الدولية. وحيث أن الاحتلال الناجم عن الحروب ليس أمرًا طارئًا في القوانين الدولية، فقد عالجت مواثيق دولية عدة حالتي الاحتلال والمقاومة بنصوص واضحة لا تقبل الجدل، ومحور هذه المواثيق الدولية هو أن الاحتلال في الأصل أمر غير مشروع في القانون الدولي، وأن أي احتلال يقع أثناء حرب قائمة يجب أن ينتهي بنهاية الحرب، كما تؤكد المواثيق الدولية شرعية استخدام القوة العسكرية لمقاومة الاحتلال أثناء وبعد الحرب. فقد أكد اتفاق لاهاي لعامي 1899م و1907م مشروعية المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، كما جاء ذلك التأكيد في برتوكول جنيف عام 1925م، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514 الصادر عام 1960م، المتعلق بإعلان استقلال البلدان والشعوب المستعمرة، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخرى العديدة، التي يصعب حصرها في عجالة كهذه، فضلًا عن نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بحق الدفاع عن النفس. وبالنظر إلى المقاومة الفلسطينية، نجد أنه ينطبق عليها ما ينطبق على المناطق الواقعة تحت الاحتلال، بموجب المواثيق الدولية السالفة الذكر، وأنه تبعًا لذلك؛ فإن المقاومة الشعبية الفلسطينية لها حق الدفاع عن النفس في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، تمامًا كما كان للشعوب الغربية ذلك الحق إبَّان مقاومتها للاحتلال النازي أثناء الحرب العالمية الثانية. ولعل أحد أهم تلك المواثيق الدولية التي لا تخفى هو ميثاق الأمم المتحدة ذاته، الذي نص في المادة 51 منه على أنه "ليس في هذا الميثاق ما يمنع الدول فرادى أو مجتمعة من استخدام حقها الطبيعي في مقاومة أي اعتداء على أراضيها". ورغم وضوح هذا الحق القانوني الدولي، إلا أن عددًا من الحكومات العربية إما جهلًا وإما تجاهلًا، قبل بالزعم الغربي في أن حق الدفاع عن النفس المشار إليه في المادة 51 مقصور على "الدول" ولا يشمل الشعوب، ومن هذا المنطلق وافقت بعض الحكومات العربية على منع إيصال السلاح إلى غزة. بيد أن المنطق الغربي في حصر حق الدفاع عن النفس في "الدول" التي تقع تحت اعتداء مسلح من دولة أخرى، وحرمان الشعوب من هذا الحق يتنافى مع مقاصد الميثاق، وسواء أخذنا بالنسخة الانكليزية "الحق الطبيعي" أو بالنسخة الفرنسية "الحق الموروث"؛ فإن المحصلة النهائية لحق "الدفاع عن النفس" أنه مشروع قبل إقرار ميثاق الأمم المتحدة عام 1945م، وأن الميثاق إنما يكرس هذا الحق الذي إن كان "طبيعيًا" فهو موجود منذ الأزل، وإن كان "موروثًا" فهو موجود في المواثيق الدولية التي سبقت الأمم المتحدة، كما أكد هذا الفهم العديد من فقهاء القانون الدولي. وهكذا، فإن على الدول العربية الوقوف بجانب الفلسطينيين والإقرار بحقهم في التزود بالسلاح؛ من أجل تحرير أراضيهم المحتلة وتحقيق استقلالهم الوطني.
انتهى عرض المقال