Esraa Eman Hussein{Admin} Admin المدير العام للمنتدى
الابراج : عدد المساهمات : 4049 تاريخ التسجيل : 15/06/2009 العمر : 35 الموقع : www.esraa-2009.ahlablog.com
| موضوع: دراسة مقارنة: دور الأنثروبولوجيا في تشكيل السمات الثقافية للشعوب الإثنين 20 ديسمبر 2010, 7:33 pm | |
|
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
دراسة مقارنة: دور الأنثروبولوجيا في تشكيل السمات الثقافية للشعوب .
كل حقل من حقول المعرفة له هامشه الخاص من الجدليّة الملائمة له. والموضوع الذي سأتحدث عنه من خلال هذا البحث هو من النوع الذي أثار، عادة، نقاشات وجدل علماء الإنسانيات (الأنثربولوجيا)، ولكن أيضاً مما قد تعرض له علماء تقاليد الشعوب، وعلماء الإجتماع وآخرون غيرهم من المهتمين بالدراسات الإجتماعية.
يرى علماء الإنسانيات دورهم أنه محاولة لفهم الأطياف الثقافية المختلفة، وترجمة روح هذه الثقافات عن طريق دراستها، وإعادة رسم سمات ثقافة وحياة الشعوب بحسب اتساق، أو تشابك، أو تصادم هذه السمات مع الخلفية والخصوصية الثقافية للعلماء والباحثين أنفسهم. ولكن هنالك على الدوام جدلٌ يقظ - وبالتالي بعض الخلاف - حول بقاء مضمون ثقافات الشعوب وحضاراتها بعد إعادة صياغتها وبعثها بنَفَس ثقافي مختلف: فإلى أي مدى يقوم علماء الإنسانيات بتأويل ونسج ثقافات أغيارهم دون تهجينها وادماجها مع خلفياتهم الثقافية الأم؟
دعونا نأخذ مثالاً. كل لغة هي جزء - أو نتاج - من ثقافة، نشأت لتحسين شروط الإتصال والتفاهم بين أفراد المجتمع تبعاً لطبيعة هذه الثقافة وسماتها العريضة. لذا فهل من الممكن أن تحمل وتنقل لغتنا - كمناخ تأويل - ثقافة أخرى؟ وعندما نقوم بذلك، هل تبقى تلك الثقافة محتفظة بماهويتها وذاتها؟ أو هل أننا أثناء هذا العمل، نقوم بسبكها وفقاً لما يتناسب مع جذور وأنساق ثقافتنا الخاصة؟
مثال آخر. هل العلوم الحديثة التي تشكلت في الغرب تمثل حقائق مطلقة أو هي فقط مؤشرات وتمثلات للثقافة الغربية الحديثة؟ إن الأمر الذي سأحاول إثارته أيضاً هو مما يتعين التعامل معه لدى طلاب دراسات الثقافات الإنسانية، وعلى وجه الخصوص أولئك المهتمين بمواضيع ذات الصلة بالتعدد الثقافي والتنوّع الحضاري. فيمكنني القول كالتالي: أنه من أجل أن ينجو الإنسان، عليه أن يتفاعل ويتكيّف مع بيئته المحيطة به وإلا فإنه لن يتمكن من ذلك. إن الإدراك الإنساني لبيئة عيشه يجيء من خلال منظومة الحواس، والتي بدورها تستقبل المعطيات والإشارات الصادرة من إرتسام بيئة العيش هذه. ليس هناك من قدرة على التواصل مع البيئة إلا من خلال الحواس. ولذلك، فإن إدراك الإنسان لبيئته، وفهمه لها، وتفاعله معها ينطلق من حواسه التي تطبع الوعي لديه. والنتيجة، أن الثقافة هي مجموعة الطرائق التي يدركها ومن ثم يطوّرها الإنسان للتفاعل مع محيطه من أجل البقاء. لكن هذه المجموعة لا تعتمد على كل الحواس بنفس القدر من التساوي داخل الثقافة الواحدة، إضافة إلى أن كل ثقافة تعتمد في تشكيل نفسها بنفسها على رصيدها الخاص من الحواس. يُقال، على سبيل المثال، أن الثقافة الغربية تميل للإعتماد على البصر وما يلحق به من كثافة دلالية أكثر من غيره من الحواس الأخرى. إن الإعتماد على حاسة البصر/الرؤية في بلورة الجذور الثقافية، فيه ما قد يدفع بسلوكات الثقافة نفسها أن تهمل المعطيات والدلالات ذات الصلة والتأثير في الحواس الأخرى، كاللمس والرائحة مثلاً.
إن هذه الإعتبارات لا تنطبق فقط على الأفراد العاديين في أفق الحياة اليومي، لكن أيضاً على الباحث، وعالم الإنسانيات الذي نتوقع منه فهماً سليماً للثقافات الأخرى حينما يود نقلها إلى الفضاء الثقافي الغربي. فإذا صح أن يكون الإنسان الغربي يعتمد بشكل أساسي على البصر، فإن الصورة التي يكوّنها علماء وطلاب الدراسات الإنسانية والمستشرقين عن الثقافة العربية، مثلاً، لربماً تعاني من إعتلال مزدوج، لأنه من المحتمل أن يكون التركيز في بحثهم على ميزات هذه الثقافة نابعاً من منظور يكثر فيه الإعتماد على الصورة/البصر/الشكل، ثم قد تتخذ جهة الثقافة الغربية موقفاً اتجاه نتائج هذه الجهود والدراسات أيضاً على أساس صوري وبصري. وهذا الإعتلال يتضاعف أكثر وأكثر أيضاً لو كانت الثقافة التي يتم تسليط الضوء عليها تتبع نمطاً آخراً من ضفيرة الأحاسيس في بناء جذرها الثقافي.
لقد كتب المستشرقون الآف الكتب، والأطروحات، والدراسات حول الشرق الأوسط، والإسلام، والثقافة الإسلامية/العربية. إن مساهماتهم في هذا المجال أكثر مما كتبه المسلمون والعرب عن أنفسهم، خصوصاً في العصر الحديث. وأكثر ما يُعرف حول العالم عن الثقافة الإسلامية والعربية، وحتى ما يعرفه المسلمون والعرب عن أنفسهم، جاء من كتب ومؤلفات مستشرقين أمريكيين وأوربيين. إذا كان هذا القول يمثل الحقيقة، أو على الأقل يقترب منها، ثم أردنا توصيف ثقافاتنا ومجتمعاتنا بأنفسنا بهدف نقلها وتقديمها لشعوب العالم، ألن يكون من المعقول التفكير بأننا قد نجد الكثير من أبعادنا الثقافية تم تعطيلها وتجاهلها من قبل علماء الإنسانيات الغربيين والمستشرقين لعدم اتصالها بالإحالات الحسّية البصرية ؟ علاوة على ذلك، فإنه من المحتمل- بشكل عام - أن يكون منشأ الفروق بين الثقافات من مجرد إعتمادها وتركيزها على حيّز وقُطب حسي دون غيره.
نحن لن نتمكن من إجابة مثل هذه الأسئلة بصورة مقنعة هنا، لكنني سأضع فرضية مبسّطة، بشكل محدد، وهي أن بُنى الثقافة الغربية تعتمد بنحو بارز على الدلالة الحسيّة البصرية أكثر مما هو الحال لدى الثقافة الإسلامية/العربية، فهذه الأخيرة تقوم بإسناد شروطها البنائية إلى الدلالة الحسيّة السمعية بكثافة أكبر.
في مقالة نُشرت عام 1972 في مجلة التاريخ الطبيعي Natural History بعنوان " النظر ... يقين " لـ آلان داندس، ناقش فيها داندس أهمية الدلالة البصرية في المجتمع الأمريكي. وفي ما يلي إفتتاحية المقالة: سواء منذ السنوات الأولى في حياة الطفل حين يتفاعل مع لعبة " النظرة الخاطفة " و" اعرض و عبّر " في المدرسة، أو يتعلّم العبارات الإفتتاحية للنشيد الوطني " نعم قل أنك تستطيع " فإن الرؤية البنائية ذات الأولوية لدى الثقافة الثقافة الأمريكية دائماً مرة وأخرى هي تنشئة الطفل والإهتمام به. الأمريكيون يتم تكييفهم منذ الطفولة على الإعتقاد أن " ما تراه بعينك هو ما تدركه ".
ينهي داندس مقاله بفكرة يقول من خلالها أن المقارنة " بين الثقافات المختلفة قد لا تجلي فقط مكامن الإختلاف بينها على مستوى نوع دلالاتها الحسيّة المنوّية لجذرها البنائي، ولكن أيضاً قد تكشف عن مدى الأولوية من عدمها في ما يتعلق بتثبيت الجذر الثقافي على أساس إنساني عالمي يفوق الأبعاد الحسيّة ". وعلى حد علمي لم يشرع أحد بمثل التحدي الذي أظهره داندس، وهو نفسه لم يتابع بحثه ولم ينقله إلى مراحل متقدمة، سواء في ما يتعلق بالثقافة الأمريكية أو ثقافات أخرى.حقيقة الأمر، إنه أحد المواضيع والتحديات الصعبة. والحديث عنه أسهل من إخضاع تراتباته إلى التحليل والدراسة.
مقال داندس حاول ابراز سلوكات الثقافة الأمريكية، وهي التي - كما يقول داندس - تظهر تفضيلاً واضحاً للمعطى البصري كدلالة حسيّة حاسمة، وناقش المقال هذه السلوكات بصفتها سمات تمثيلية للثقافة الأمريكية ككل. وما سأقوم به هنا هو متابعة لنفس الدور الذي قام به داندس من تحليل وإشارات، ولكن لبرهنة إعتماد الإنسان العربي وتفضيل ثقافته للمعطى الحسّي السمعي أو جملة أخرى من الحواس. داندس لم يتطرق في مقاله إلى أوجه الثقافة الأمريكية التي تنتمي إلى ضفيرة الحواس الأخرى غير البصرية منها، ولكن من المؤكد أنه لا يؤسس لفكرة عدم دخول هذه الأحاسيس في غزل النسيج الثقافي الأمريكي. وكذلك أنا، لو استطعت إيصال الهدف من هذا المقال، في الفتش عن إعتماد الإنسان العربي على المعطيات والدلالات السمعية أكثر من البصرية، فإن هذا لا يقتضي بدوره أن يكون النسيج الثقافي العربي منفصل عن تأثير مجموعة الحواس الأخرى ودورها في إغنائه. ستكون البداية مع الأمثلة التي أوردها داندس في مقاله وسأحاول مقارنتها متصلة بحياة الإنسان العربي وثقافته.
| |
|