دراسة: الجدار وتداعياته على حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني
الجدار وتداعياته على حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني
في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية
دراسة من إعداد: نادية أبو زاهر ولبنى الأشقر
الإطار النظري والمفاهيمي:
1- مشكلة الدراسة:
تكمن مشكلة الدراسة في أن قضية الجدار من القضايا القانونية المثيرة للجدل، كما أن الدراسة المختارة هي حديثة نسبيا، كون أن قرار محكمة العدل الدولية المكلفة بإبداء رأيها الاستشاري حول هذه القضية صدر مؤخرا بتاريخ 9/2004، ولم يتسن للباحثين تناول القضية لأنها حديثة؛ لذلك كانت هناك صعوبة كبيرة في توفير مصادر كافية للبحث، لذلك تم اعتماد الرأي القانوني الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد الجدار في الأرض الفلسطينية المحتلة، (A/ES-10/273) النسخة العربية والمكون من 150 صفحة، مرجعا أساسيا في الدراسة.
2- أهمية الدراسة:
تنبع أهمية الدراسة من أنها تلقي الضوء على الجدار وتداعياته على حق تقرير المصير بالنسبة لقرار محكمة لاهاي الاستشاري، وباعتبارها دراسة قانونية فإنها ضرورية للتأكيد على أهمية قرار محكمة العدل الدولية، وكذلك للتأكيد على أهمية حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وهو أحد المعايير القانونية التي استند عليها القرار، وإسرائيل ببنائها الجدار نقضت المواثيق الدولية التي وقعت عليها والتي أقرت بحق الشعب الفلسطيني بحق تقرير مصيره، بالإضافة إلى ذلك فإن لها أهمية في وضع تصور مستقبلي لما يمكن عمله بعد صدور هذا القرار، وهي ضرورية كذلك لكونها تركز على إبراز الجدل الذي حصل خلال مرافعات الجانب الإسرائيلي الجانب الإسرائيلي الذي يشدد على أهمية بناء الجدار كوسيلة من وسائل الدفاع المشروع من الهجمات الانتحارية الفلسطينية وحقها المشروع في حماية أمنها ومواطنيها التي أقرتها المواثيق الدولية، والفلسطيني الذي يعتبر استكمال بناء الجدار سيؤثر على حقه في تقرير مصيره، كذلك اعتمد الجانب الفلسطيني على أن إسرائيل ببنائها الجدار تنتهك الاتفاقيات الدولية التي وقعتها مع الجانب الفلسطيني برعاية دولية، حيث اعتبر أن النتيجة النهائية للجدار سوف تكون منع إقامة دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة ولن تستطيع السيطرة على مواردها، كذلك لن يمكنّها من إدارة الدولة الفلسطينية وتحد من قدرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية من ممارسة مهامها الشرعية على أرضها المشروعة وتحد من نشاط الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المشروعة التي أقرتها المواثيق الدولية العالمية، وبالتالي فهي تحلل كيف يبرر كلا الجانبين موقفه القانوني المتعلق بالقضية بالاستناد إلى القانون الدولي. ولا يمكن إغفال أهميتها لأنها تعتبر من الدراسات القليلة جدا المتعلقة بالجدار وتداعياته على حق تقرير الشعب الفلسطيني لمصيره استنادا لقرار لاهاي، وبذلك يمكن اعتبارها مرجعا للباحثين في مجال القانون الدولي.
3- أهداف الدراسة:
الوقوف بشكل تحليلي على الجدار الفاصل وتداعياته على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بالنسبة لقرار محكمة العدل استنادا للقانون الدولي.
محاولة المساهمة ولو على نحو بسيط في التوصل إلى مجموعة من النتائج والتوصيات التي قد تفيد صناع القرار الفلسطيني فيما يمكن عمله كخطوة لاحقة بعد صدور القرار. وكذلك يمكن الرجوع إليها في دعاوي لاحقة يمكن أن يقوم الجانب الفلسطيني برفعها لمحاكم دولية بالمطالبة بإزالة الجدار لعدم شرعيته القانونية حسب القانون الدولي.
لفت الانتباه إلى أهمية التوجه إلى المحاكم الدولية فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في ظل انعدام توازن القوى بين الطرفين.
4- منهجية الدراسة وحدودها:
الدراسة تسعى إلى تحليل الجدار الفاصل وتداعياته على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بالنسبة لقرار لاهاي الاستشاري، وذلك استنادا إلى اعتماد إلى "دراسة الحالة" باعتبار أننا سنتناول الجدار كونه قضية قانونية تثار خلالها مواطن الجدل المتعلقة بحق تقرير المصير وإظهار موقف الباحث من هذا الجدل بالخروج بالنتائج والتوصيات، وسيتم اعتماد المقابلات مع أخصائيين في القانون الدولي، التي تفيد في التحليل والإجابة أيضا على الأسئلة الرئيسة للدراسة.
5- أسئلة الدراسة:
والتي يمكن صياغتها على النحو التالي:
ما هي تداعيات الاستمرار في بناء الجدار الفاصل على حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني بالنسبة لقرار محكمة العدل الدولية؟.
كيف يمكن للجانب الفلسطيني الاستفادة من هذا القرار من الناحية القانونية للمضي في الخطوات القانونية اللاحقة؟.
المقدمة:
بعد التعرض لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره من الناحية القانونية والاعتراف الدولي للفلسطينيين بممارسة هذا الحق على أرض الواقع، سيتم ربط هذا الموضوع بقضية الجدار الذي تقوم الحكومة الإسرائيلية الحالية ببنائه، ضاربة عرض الحائط حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وكل الاعتراضات الدولية والعربية (دول الجوار) والفلسطينية على بناء هذا الجدار، إذ تواجه الأراضي الفلسطينية حالياً أحد أخطر ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ومحاولاته لضم أراض فلسطينية إلى إسرائيل لتحول دون ممارسة حق تقرير المصير على الأرض الفلسطينية بواسطة فرض الوقائع غير المشروعة على الأرض، عبر عملية إنشاء ما يسمى ب"الجدار" لكي يكرس الاحتلال والاستيطان، عبر مصادرة آلاف الدونمات الزراعية مما قد يؤدي إلى الهجرة السلبية للفلسطينيين لإفراغ المناطق الواقعة وراء الجدار من أهلها، و فصل السكان عن أراضيهم الزراعية. فإسرائيل اعتبرت الأراضي الفلسطينية التي دخلت ضمن الجدار هي أراضي إسرائيلية بالتالي فإن الفلسطينيين التي تقع مساكنهم وأراضيهم داخل الجدار يهجرون منها قصرا وهذا أيضا ما تحرمه المواثيق الدولية من التهجير القصري للسكان المدنيين من أراضيهم.
وهنا يجدر التنويه إلى أن القضية تتناول عدة جوانب قانونية ومن بين هذه الجوانب "اعتبار أن تشييد الجدار يضم أجزاء من الأراضي المحتلة بواسطة إسرائيل، دولة الاحتلال، مما يتعارض مع المبدأ الأساسي للقانون الدولي بعدم جواز ضم الأراضي بالقوة. وباعتبار الأراضي الفلسطينية أرضا محتلة، فلا يحق لإسرائيل الشروع في ممارسة أنشطة ذات طابع سيادي يؤدي إلى تغيير مركزها كأرض محتلة. وجوهر الاحتلال هو أنه ذو طابع مؤقت فقط وأنه ينبغي أن يخدم السكان والضرورات العسكرية لدولة الاحتلال، وبالتالي فإن أي شيء يغير من طابعها، مثل تشييد الجدار، سيكون غير قانوني"[1]. وكان جون دوجارد مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية المحتلة قد قدم تقريرا إلى الأمم المتحدة حول هذا الجانب القانوني إثر مهمة قام بها منذ يونيو 2003 بالأراضي الفلسطينية المحتلة، فاعتبر أن ما تقوم به إسرائيل حاليا سيضم أراضي فلسطينية إلى الأراضي الإسرائيلية، حيث سيلحق "أقساما كبرى" من الضفة الغربية بالأراضي الإسرائيلية، وبينها مستوطنات يهودية أقيمت بالضفة. معتبرا ذلك أمرًا يحظره ميثاق الأمم المتحدة ومعاهدة جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في زمن الحرب.
وفي هذا الصدد شدد التقرير على أن "المجموعة الدولية يجب ألا تعترف بأي شكل من الأشكال بسيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية التي ستُضم عبر الجدار"، وأضاف: "آن الأوان لاعتبار الجدار بمثابة ضم غير شرعي مثل ضم القدس الشرقية ومرتفعات الجولان من قبل إسرائيل الذي شجب على أنه غير شرعي". وجاء الاستيلاء على القدس الشرقية وهضبة الجولان السورية بعد حرب 1967 بين العرب وإسرائيل، وهو الأمر الذي أدانه آنذاك مجلس الأمن الدولي[2]. وفي هذه الدراسة سيتم تناول الجانب القانوني الآخر من القضية وهو أن بناء الجدار سيؤثر على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، لأنه سيحول دون قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
ومن خلال هذه الدراسة سيتم محاولة معرفة تداعيات تأثير الجدار على حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، وهو المحور الرئيس في القضية حيث يبدو جليا من خلال اعتراض الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي على بناء الجدار كونه يقام من طرف واحد، ولا يتقيد بخط الهدنة الدولية لعام 1967ويخلق صعوبات حياتية هائلة لمئات آلاف الفلسطينيين، و يحرم عشرات آلاف الأسر من مصادر عيشها ومصادر المياه التي تملكها، ويحّول عشرات التجمعات إلى سجون محاطة بالأسوار والبوابات التي يتم تنظيم الحركة منها وإليها بتصاريح ومواعيد وإجراءات خاصة، مما سيؤثر وبشكلٍ كبير على المستوى الاقتصادي والصحي والثقافي للمواطنين. حيث يتبين أن النتيجة النهائية للجدار سوف تكون منع إقامة دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة، حسب ما نصت المواثيق الدولية والاتفاقيات الدولية التي وقعتها إسرائيل مع الجانب الفلسطيني وأقرت بحقه في إقامة الدولة الفلسطينية، ولن تكون قادرة بالسيطرة على مواردها. وبسبب التزام الجانب الفلسطيني بمواثيق الأمم المتحدة التي نصت على أنه للدول المتنازعة أن تلجأ للقانون الدولي لحل نزاعاتها، لا يملك الجانب الفلسطيني سوى المواجهة القانونية لمشروع الجدار.
وقد أجريت بواسطة خبراء محليين ودوليين، ومن مؤسسات حقوق الإنسان المحلية والدولية، عددا من الدراسات تبين مدى تأثير جدار الفصل مستقبلياً على التجمعات الفلسطينية المحصورة بينه وبين الخط الأخضر وعلى التجمعات المحاذية له، من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وتحطيم للبنى التحتية. والتي ساهمت كثيرا في الرأي الاستشاري حول الجدار.
تقسيم الدراسة
تم تقسيم الدراسة إلى فصلين، يجيب كل فصل على سؤال من أسئلة الدراسة المذكورة أعلاه، وسيتم تقسيم الدراسة إلى فصلين حيث سيضم الفصل الأول خمسة مطالب فيما سيكون الفصل الثاني عبارة عن مطلب واحد موضحة بالشكل التالي:
تقسيم الدراسة
تم تقسيم الدراسة إلى فصلين، يجيب كل فصل على سؤال من أسئلة الدراسة المذكورة أعلاه، وسيتم تقسيم الدراسة إلى فصلين حيث سيضم الفصل الأول خمسة مطالب فيما سيكون الفصل الثاني عبارة عن مطلب واحد موضحة بالشكل التالي:
الفصل الأول بعنوان: "وقائع وحيثيات قرار لاهاي بالنسبة لحق تقرير المصير وحق الدفاع المشروع"
المطلب الأول: الحقائق الرئيسية للقضية.
المطلب الثاني: الجدل القانوني في القضية.
المطلب الثالث: "حق تقرير المصير" أحد المعايير القانونية الدولية التي استند عليها قرار لاهاي.
المطلب الرابع: نص قرار محكمة لاهاي النهائي حول الجدار.
المطلب الخامس: نظرة تحليلية للمحاكمة من وجهة نظر القانون الدولي.
الفصل الثاني: توصيات مقترحة لخطة العمل الفلسطينية لتفعيل قرار محكمة لاهاي وبيان مدى أهميته
المطلب الأول: الحقائق الرئيسية للقضية:
إن دراسة حق تقرير المصير أحد المعايير التي استند عليها القرار الاستشاري لمحكمة الدولية يستدعي تحديد الحقائق الرئيسية المرتبطة بالقضية وأبرز هذه الحقائق يمكن تلخيصها بالتالي:
* في الجلسة الثالثة والعشرين من الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة المعقودة في 8/كانون الأول ديسمبر2003[3]، طلبت الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية وهي الأداة القانونية الأساسية للأمم المتحدة، إبداء رأيها الاستشاري[4]حول شرعية بناء إسرائيل الجدار الفاصل على الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية، بناء على رسالة المندوب الدائم للجمهورية العربية السورية ورئيس المجموعة العربية طلب بالنيابة عن الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية والمؤرخة في 9 تشرين أول 2003 وجهت لرئيس مجلس الأمن جلسة فورية لمجلس الأمن للنظر في الخروقات الإسرائيلية للقانون الدولي ومن ضمنه القانون الدولي الإنساني واتخاذ الإجراءات الضرورية بهذا الخصوص[5].
* شرعت الحكومة الإسرائيلية في بناء الجدار الفاصل على الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية في حزيران من العام 2002[6]. وادّعت الحكومة الإسرائيلية في تبريرها لبناء الجدار بأنه "بني لأغراض دفاعية، وصمم لمنع المنتحرين الفلسطينيين الذين ينفذون العمليات التفجيرية من التسلل إلى داخل إسرائيل"[7].
* أرسلت الأمم المتحدة إلى الأراضي الفلسطينية لجنة برئاسة جون دوجارد للنظر في حالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، ولا سيما الجزء المتعلق بالجدار، وسلم دوجارد تقريره بتاريخ 8/9/2003.
* صدرت تقارير ودراسات متنوعة قدمت إلى الأمم المتحدة حول الجدار وتبين من خلالها أن الجدار يؤدي إلى مصادرة أكثر من 15% من أراضي الضفة الغربية وسيعمل على عزل 270.000 فلسطيني[8]. وحذر البروفسور الجنوب إفريقي جون دوجارد أستاذ القانون في تقريره للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من أن نحو 210 آلاف فلسطيني يعيشون في المنطقة الواقعة بين السور وإسرائيل سيكونون في معزل عن المدارس وأماكن العمل، والعيادات الصحية، وغيرها من الخدمات الاجتماعية[9]. وفيما يتعلق بموارد المياه يلاحظ المقرر الخاص للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المعني بالحق والغذاء أن "إسرائيل بتشييدها للسور ستضم فعليا معظم المنظومة الغربية لمستودعات المياه الجوفية (التي تضم 51% من موارد الضفة الغربية من المياه[10]". كما أن الجدار قد تعرض للتخريب أثناء مراحله الأولى من البناء ما يقدر بزهاء 100.000 دونم من أخصب الأراضي الزراعية في الضفة الغربية، وبدد كما هائلا من الممتلكات[11]. وتشييده يعزل الفلسطينيين عن أراضيهم الزراعية وآبارهم وسبل معيشتهم[12].
* وحددت المحكمة يوم 30 كانون الثاني/ يناير2004 موعدا نهائيا لما قد يقدم من البيانات الكتابية بشأن المسألة، وحددت يوم 23 شباط/ فبراير 2004 موعدا لافتتاح جلسات الاستماع[13].
* بتاريخ 9/7/2004 أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري بشأن قضية الجدار.
المطلب الثاني: الجدل القانوني في القضية حول حق "تقرير المصير" للشعب الفلسطيني وحق "الدفاع المشروع" بالنسبة لإسرائيل:
المبررات القانونية الفلسطينية التي دفع بها أمام المحكمة
برز الجدل في القضية عند ادعاء الطرف العربي – الفلسطيني بأن بناء الجدار والقواعد المرتبطة به ينشئ "أمراً واقعاً" على الأرض، كونه يقام من طرف واحد، ولا يتقيد بخط الهدنة لعام 1967 وعليه فإنه سيمنع إقامة دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة كما نصت عليها الاتفاقيات الدولية الموقعة، تستطيع السيطرة على مواردها وبذلك فهو يعيق بشدة ممارسة الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير، ويمثل بالتالي إخلالا بالتزام "إسرائيل" باحترام ذلك الحق[14]. مما يعني أن إسرائيل تنتهك الحقوق الشرعية التي أقرها القانون الدولي والمواثيق الدولي بمنح شعب بحق تقرير المصير. وشدد الطرف العربي - الفلسطيني في مرافعته على أن الجمعية العامة ووفقا لميثاق الأمم المتحدة تعاملت مع ما تم تقريره بالنسبة لتفويض فلسطين في قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين دولة يهودية ودولة عربية مشيرا إلى أن الدولة العربية لم تتشكل بعد وبالتالي فان الشعب الفلسطيني مازال غير قادر علي ممارسة حقه في تقرير المصير. وقال أن دولة فلسطين ليست عضوا في الأمم المتحدة حتى الآن ولكنها مازالت مجرد مراقب[15].
المبررات القانونية الإسرائيلية التي دفع بها أمام المحكمة
جادلت إسرائيل بأن متطلبات الأمن القومي أو متطلبات النظام العام بناء على حق "الدفاع المشروع[16]" تستدعي بناء الجدار وزعمت أن الهدف الوحيد للجدار هو تمكينها من أن تكافح بفعالية الهجمات من الضفة الغربية. وعلاوة على ذلك، كرّرت مراراً أن الجدار هو إجراء مؤقت، وأكدت أنه لا يضم أراضي لدولة "إسرائيل"، وأنها على استعداد وقادرة على أن تعدل أو تفكّكه وإن كانت الكلفة باهظة إذا كان ذلك مطلوباً كجزء من تسوية سياسية، كما أكدت أنه ليس حدوداً وليست له أهمية سياسية. وهو لا يغيّر الوضع القانوني للمنطقة بأية طريقة [17]. وقالت إسرائيل في مرافعتها أن المادة الثانية والخمسين من أنظمة لاهاي لعام 1907 تمنحها الحق في مصادرة الأراضي لغرض بناء الجدار.
رأي محكمة العدل الدولية حول المبررات المطروحة:
ردت المحكمة بأن المادة الثانية والخمسين من أنظمة لاهاي لعام 1907 المحتج بها من الجانب الإسرائيلي لا تعطي الحق في مصادرة ممتلكات ثابتة مثل الأراضي التي يمتلكها الأشخاص المحميون. كذلك فهي لا تمنح سلطات الاحتلال مصادرة الأموال والممتلكات غير الثابتة التي قد تستخدمها الدولة في العمليات العسكرية بقرارات الجمعية العامة ذات الصلة، بما في ذلك القرار 181 (2) المؤرخ 29 نوفمبر/ تشرين الثاني، 1947 والتي قسمت على أساسه فلسطين الواقعة تحت الانتداب إلى دولتين أحداهما عربية والأخرى يهودية.
كما ردت المحكمة حول الجدل الإسرائيلي بشأن حقها في الدفاع المشروع بأن تشييد الجدار والنظام المرتبط به لا يمكن تبريرهما بالضرورات العسكرية وأن الهجمات الموجهة إلى إسرائيل لا يمكن أن تعزى إلى دولة أجنبية، حيث اعتبرت بأن التهديد المحتج به في تبرير تشييد الجدار ناشئ داخل أرض تمارس عليها إسرائيل سيطرتها، وعليه فإنها وجدت بأن المادة 51 المتعلقة بحق الدفاع المشروع والمحتج بها غير ذات صلة بالحالة المعروضة ووجدت بأن بناء الجدار ليس الوسيلة الوحيدة لحماية مصالح "إسرائيل" ضد الخطر المحتج به[18]. وتذكّر المحكمة هنا بأن الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي أشارا في ما يتعلق بفلسطين إلى القاعدة العرفية التي تشير إلى "عدم قبول الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب" وهكذا، وفي القرار 242 (1967) الصادر في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني، 1967 أكد مجلس الأمن، بعد التذكير بهذه القاعدة: "أن الوفاء بمبادئ الميثاق يقتضي تحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط يجب أن يشمل تطبيق المبدأين التاليين:
(1) انسحاب قوات الاحتلال "لإسرائيلي" من أراضٍ تم احتلالها خلال الحرب الأخيرة.
(2) إنهاء جميع مطالبات أو حالات الحرب، والاحترام والاعتراف بالسيادة والوحدة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة، وحق تلك الدول في العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها، ومن دون التعرض لتهديدات أو أعمال تُستخدم فيها القوة"[19].
وفي ما يتعلق بمبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، تلاحظ المحكمة أن وجود "شعب فلسطيني" لم يعد موضوعاً للنقاش. وقد اعترفت "إسرائيل" بهذا الوجود خلال تبادل الخطابات بتاريخ 9 سبتمبر/ أيلول 1993 بين ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، واسحق رابين رئيس وزراء "إسرائيل". وخلال تلك المراسلات، اعترف رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بحق دولة "إسرائيل في الوجود بسلام وأمان"، وتقدم بعدة تعهدات أخرى ورداً على ذلك، أبلغه رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بأنه، وفي ضوء تلك التعهدات، بأن حكومة "إسرائيل" قرّرت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني". كما رجعت المحكمة إلى نصوص الاتفاقيات الدولية التي سميت اتفاقيات الأرض مقابل السلام التي وقعت بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، ومعظم هذه الاتفاقيات قد نصت بشكل ضمني أو صريح باعتراف إسرائيل وتعهدها دوليا عبر الاتفاقيات بحق الشعب الفلسطيني بحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية.
كما أشارت المحكمة إلى الاتفاقية "الإسرائيلية" الفلسطينية المؤقتة الخاصة بالضفة الغربية وقطاع غزة والموقعة في 28 سبتمبر/ أيلول 1995 أيضاً في مرات عدة إلى الشعب الفلسطيني و"حقوقه المشروعة[20] ". وترى المحكمة أن تلك الحقوق تشمل حق تقرير المصير حسب اعتراف الجمعية العامة[21] بذلك[22].
المطلب الثالث: "حق تقرير المصير" أحد المعايير القانونية الدولية التي استند عليها قرار لاهاي:
استندت المحكمة في قرارها فيما يتعلق بحق تقرير المصير بالنصوص القانونية التالية:
ميثاق الأمم المتحدة قرار الجمعية العامة [23]2625 (25)[24]. و ميثاق الأمم المتحدة، مادة (2)، فقرة (4)[25]. "المبادئ المتعلقة باستعمال القوة والمدرجة في الميثاق تستند إلى ما ورد في القانون الدولي العرفي[26]. و القرار 242 [27]. الفقرة 6 من المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة[28]. والجزء الثالث من قواعد لاهاي التنظيمية يشمل المواد 43 [29] و 46 [30]، التي تنطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة. المادة (1) والمشتركة بين العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية[31] والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[32].
المطلب الرابع: قرار محكمة العدل الدولية النهائي بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد الجدار على الأرض الفلسطينية المحتلة[33]، وقد أصدر هذا الرأي بعد الاستماع لمجمل تفاصيل القضية[34]:
إن المحكمة وبالإجماع تقرر أنها تتمتع بالاختصاص القضائي لإعطاء الرأي الاستشاري المطلوب. كما تقرر الاستجابة لطلب رأي تقديم رأي استشاري. وتعتبر إن بناء الجدار الذي تشيده «إسرائيل» وهي سلطة الاحتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك في أراضي القدس الشرقية وحولها، وملحقاته يتعارض مع القانون الدولي. وتعتبر «إسرائيل» ملزمة بوضع حد لانتهاكاتها القانون الدولي، وهي ملزمة بأن توقف على الفور أعمال بناء الجدار الجارية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك أراضي القدس الشرقية وحولها، وأن تفكك على الفور الإنشاءات المقامة هناك، وأن تلغي أو تبطل على الفور جميع الإجراءات التشريعية والتنظيمية المتعلقة به وفقاً للبند 151 من هذا الرأي، ووجدت أنه يجب على الأمم المتحدة ولا سيما الجمعية العامة ومجلس الأمن دراسة الإجراءات الأخرى المطلوب اتخاذها لإنهاء الوضع غير القانوني الناتج عن بناء الجدار وملحقاته وأخذ الرأي الاستشاري الحالي في الحسبان.[35].
كما تعتبر المحكمة أن «إسرائيل» ملزمة بدفع التعويضات عن جميع الأضرار الناتجة عن تشييد الجدار في الأرض الفلسطينية المحتلة بما في ذلك الأراضي في القدس الشرقية وحولها. ويتعين على جميع الدول الالتزام بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناشئ عن بناء الجدار وعدم تقديم العون أو المساعدة للحفاظ على الوضع الذي نتج عن ذلك البناء. ويجب على جميع الدول الأطراف في معاهدة جنيف الرابعة ذات الصلة بحماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب والموقعة في 12 أغسطس/آب 1949 أن تلتزم أيضاُ علاوة على احترامها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي بضمان امتثال «إسرائيل» للقانون الإنساني الدولي حسبما هو متضمن في تلك المعاهدة[36].
المطلب الخامس: نظرة تحليلية من وجهة نظر القانون الدولي
الحق في الوجود
الطرف الإسرائيلي أراد التثبت من أن أحكام الاتفاقيات الدولية تظل خارج نطاق التطبيق في حالة الآخرين وهذا يعني قانونا بأن واقعة البناء تعني إسقاط مجموعة حقوق الطرف الفلسطيني المرسخة بموجب الاتفاقيات وتفسير الالتزامات الخاصة بالطرف الإسرائيلي في الاتجاه الذي يخدم مصلحته وتصوراته الذاتية أي إخراج الالتزامات الموكلة على عاتقه من دائرة الاستخدام وإنكار حقوق الطرف الفلسطيني المحمية بواسطة القانون الدولي العام والاتفاقيات الخاصة بين الطرفين والقضاء بعدم صلاحياتها نظرا لتغليب مصالحها الأمنية على أحكام الاتفاقيات بين الطرفين.
وهذا يعني خلق مركز قانوني جديد بالقوة وتأكيد حق إسرائيل في السيطرة والوجود في أراضي لا حق لها فيها قانونا وتأكيد شرعية الاحتلال والمستوطنات غير المشروعة أساسا وعدم الاعتراف بالصيغة النهائية للحل بين جميع الأطراف.
ويتجلى التجاوز الإسرائيلي من الناحية القانونية والتي تجعل التصرف الإسرائيلي متصفا باللا مشروعية، بما يلي:
انتهاك أحكام القانون الدولي الإنساني من حيث:
تغيير الطبيعة القانونية للإقليم المحتل بوصف الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية التي احتلتها في عام 1967 بأنه احتلال عسكري عن طريق استخدام القوة (اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية)، استنادا إلى توافر خصائص هذا النوع من الاحتلال. فالمادة 42 من اتفاقية لاهاي تنطبق قانونا على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وهذه الخصائص هي:
أ?- احتلال الأراضي العربية عن طريق الحرب.
ب?- فعالية الاحتلال وتتمثل في إنشاء الإدارة المدنية والعسكرية.
ت?- الإخلال بالوضع والمركز القانوني القائم لهذه الأراضي.
ث?- الركن المعنوي المؤسس على توافر الإرادة في الاحتلال واستمرارية هذا الاحتلال.
واستنادا لهذه الخصائص فإن أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة تحديدا تخضع في حكمها وطبيعتها القانونية لمجموعة من الأحكام المرسخة في اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1849( الاتفاقية الخاصة بالإقليم المحتل).
فالمادة 43 مثلا تفرض على قوات الاحتلال عدم المساس بالطبيعة القانونية والجغرافية للإقليم المحتل. والمادة 53 تحظر على دول الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة أو ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات أو بالدولة أو بالسلطات العامة.
كما أنه لا يجوز لها إخلاء جزئي أو كلي لمنطقة محتلة معينة. فاحتلال إسرائيل لهذه الأراضي تأسيسا على ممارستها القانونية والفعلية ما هو إلا صورة للاحتلال العسكري عن طريق القوة. والبناء ما هو إلا نتيجة وصورة من صور هذا الاحتلال. والجدار يفهم إنشاؤه بأنه استبعاد لقواعد قائمة ويفصح عن تغيير الطبيعة القانونية للضفة الغربية.
كما أن بناء الجدار العازل يخالف خارطة الطريق والتي تقضي بقيام دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والضفة والقدس الشرقية. فالجدار يجعل المناطق الفلسطينية.
انتهاك حق تقرير المصير
يدور محور العديد من الدراسات حول البحث عن توافر الأسس المعنوية والموضوعية لثبوت مفهوم الشعب لدى مواطني الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. وتخلص هذه الدراسات نتيجة للتحليل النظري المقرون بالأدلة وبقرارات الأمم المتحدة إلى أن هذا الشعب مستكمل لكافة العناصر اللازمة لاعتباره شعبا يتمتع بحق تقرير المصير. وما يهمنا في هذا المقام هو التأكيد على الاعتراف الإسرائيلي بحق هذا الشعب في تقرير مصيره وليس البحث في ماهية هذه العناصر المعنوية والموضوعية كما أن العديد من مواد اتفاق غزة – أريحا تتضمن الاعتراف الإسرائيلي في تقرير المصير وخصوصا حقهما في ممارسة حقوقهما الشرعية. كذلك نصت رسالة الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. كما أن قرارات الأمم المتحدة أكدت ضرورة ممارسة الشعب الفلسطيني لحق تقرير المصير بالشكل الفعلي استنادا إلى أسس قانونية وعوامل موضوعية يتمتع بها. ومنها قرارات الجمعية العامة رقم 2535 و 3236 و 3375. فالقرار رقم 3236 عرف ماهية حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي وطالب مجلس الأمن باتخاذ الإجراءات التي من شأنها تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسته. وفي 10 كانون الأول 1969، اتخذت الجمعية العامة القرار 2535 وهو أول قرار يؤكد فيه على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وتشير فيه إلى "شعب فلسطين" وتصف حقوقه بأنها حقوق "غير قابلة للتصرف"، وعليه طلبت إلى مجلس الأمن اتخاذ الخطوات الفعالة اللازمة لتأمين تنفيذ هذا القرار. وأكد القرار أيضا أن معاناة الفلسطينيين ناشئة عن سياسات إسرائيل وممارساتها وعن رفضها قرارات الأمم المتحدة وكذلك العهدين الدوليين لحقوق الإنسان لعام 1966 والنافذين اعتبارا من عام 1976 يشكلان أيضا أساسا قانونيا مرسخا لتأكيد ثبوتية حق الشعب الفلسطيني في الاستقلال والنمو السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتأتي واقعة بناء الجدار العازل مخالفة لأحكام الشرعية الدولي المتمثلة في هذا الإجراء وخصوصا القرار 181 (قرار التقسيم) والذي يدعو إلى إقامة دولة عربية إلى جانب دولة إسرائيلية – يهودية. فالبناء يشكل معوقا ماديا للاعتراف الكامل بحق تقرير المصير من خلال إقامة دولته واختيار شكل الحكم المناسب وأدواته ويخضع الشعب الفلسطيني على علاقة تبعية على وجه الدوام. فهو يمنع الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه السياسية والسيطرة على موارده الطبيعية وامتلاك الإقليم والنمو الاقتصادي والثقافي والاجتماعي. ويجعل إقليم الدولة والذي يعتبر أحد عناصر الدولة الأساسية غير قائم من الناحية المادية. فواقعة البناء هي شكل من أشكال سياسة فرض الأمر الواقع، مما لها الأثر على المدى البعيد من حرمان الشعب الفلسطيني من التمتع بالحقوق التي تنبثق عن حق تقرير المصير أو الانتقاص منها.
فالإجماع ينعقد في الفقه القانوني الدولي بأن ممارسة السلطات الفعلية من قبل الدولة المحتلة لا تلغي حق الشعب صاحب حق تقرير المصير في ملكيته للإقليم. فالسيادة الفعلية التي تمارسها سلطات الاحتلال لا تنهي رابطة المالك بحقه في ملكية الإقليم وإنما تبقى الرابطة القانونية قائمة، نظرا لأن الطبيعة القانونية للاحتلال وفقا للاتفاقيات الدولي الملزمة هو وضع استثنائي ومؤقت. فالسيادة الفعلية التي تمارسها السلطة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة تعني تقييد الممارسة الفعلية لحق الشعب الفلسطيني في بسط سيادته وليس تجريدها من أسسها القانونية. وهذا يمنع على الحكومة الإسرائيلية من القيام بخطوات تعيق سيطرة الفلسطينيين على إقليم الدولة وخصوصا في ظل تواجد الاحتلال وبناء الجدار العازل.
وما يخالف حق تقرير المصير بالشكل الصريح هو عدم القدرة على الانفراد بالشكل الصريح هو عدم القدرة على الانفراد بامتلاك الإقليم دون قيد أو شرط وعدم استبعاد اختصاص الاحتلال في النطاق الجغرافي للشعب الفلسطيني المرسخ في القرار رقم 181 والقرار رقم 242.
فالحكومة الإسرائيلية أرادت من البناء التثبت من ملكيتها الجغرافية لبعض المناطق في الضفة الغربية وهذا يعني قيام الحكومة الإسرائيلية بالفصل الجغرافي والقانوني بين مناطق لا حق لها فيها وعدم استقلال هذه المناطق أيضا عن سلطتها العسكرية وممارسة سلطات مادية وجغرافية عليها على وجه الدوام.
حق الدفاع المشروع
تستند الحكومة الإسرائيلية في تبريرها لبناء الجدار على حق الدفاع المشروع وفقا لنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة فهذه المادة تقضي بالشكل الصريح: "ليس في الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى مجلس الأمن فورا".
ويستقر الفقه الدولي بأن تقدير هذا الحق يخضع لضوابط ومعايير قانونية وموضوعية ولا يؤسس على معيار ذاتي. وفي حالة تجرد دولة ما من الأسس التي يرتكز عليها هذا الحق فإن أي تصرف صادر عنها يعد تجاوزا لأحكام القانون الدولي العام. فحق الدفاع هو حالة استثنائية تتصف بالصفة المؤقتة لدفع خطر واقع وحال وغير مشروع. وعدم المشروعية فيه تتوافر في الخطر إذا كان يهدد بالاعتداء على حق يحميه القانون الدولي. وهذا الركن الأساسي غير متوافر في بناء الجدار ودفع الخطر. فالقانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني واتفاقية لاهاي لا ترسخ حقا للسلطة المحتلة. فهي سلطة غير شرعية والاحتلال هو جريمة مجرمة وفقا لأحكام وقواعد اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949. فالخطر المقصود به وفقا لأحكام المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة هو الخطر الناشئ عن فعل يوقع أو يحتمل معه وقوع اعتداء على إحدى المصالح المحمية بحكم القانون الدولي. فإذا انتفى هذا الأساس فإن حق الدفاع يفقد احد أركانه ويصبح بذاته غير مشروع ولا يصح اعتباره مشروعا. فضابط المشروعية هنا هو ضابط موضوعي صرف لا أثر فيه للجانب الشخصي للطرف المستند إلى حق الدفاع لأنه يتحدد حسب تهديد الفعل واستناد التصرف إلى حق مشروع.
وبالتالي فإن واقعة بناء الجدار لا تعتبر وسيلة لازمة لرد الاعتداء وبالتالي يسقط العنصر الأساسي لحق الدفاع. وحق الدفاع الشرعي ينتهي في الوقت الذي يؤسس فيه النزاع ونتائجه وطرق حله على قرارات صادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن. فالحكومة الإسرائيلية لا تستطيع التذرع بحق الدفاع عن المشروع في ظل أن مجلس الأمن تحديدا قد طالب بإجراءات محددة من شأنها إنهاء النزاع. وعلى جميع الأحوال فعلى الدولة التي تمارس حقها بالدفاع المشروع إخطار مجلس الأمن مسبقا بالتدابير التي من شأنها درء الخطر. فالطرف الإسرائيلي اتخذ إجراءات أحادية الجانب لا تتفق مع ميثاق الأمم المتحدة ومع أحكام القانون الدولي العام. كما أنه يجوز للشعب المحتل أن يلجأ إلى القوة في حالة استنفاذ الوسائل السلمية أو عدم جدواها للتوصل إلى حل ويكون مسلكه على النقيض من التصرف الإسرائيلي من قبيل الدفاع المشروع. فالقوة لا تنشئ الحق ولا تحميه وافتراض عكس ذلك يعد تجاوزا للمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الدولي ويعني الاعتراف بشرعية الاحتلال والاحتفاظ بأجزاء من إقليم محتل.
كان لا بد من التطرق إلى فكرة هامة جدا وهي أن حق الدفاع المشروع يتم اللجوء إليه من قبل أشخاص القانون الدولي الذين وقع عليهم الاعتداء وليس العكس فالدولة المعتدية لا يحق لها أن تستخدم حق الدفاع المشروع, وإسرائيل أولا دولة محتلة يعني أنها معتدية قانونا فلا يحق لها استخدام هذا الحق أولا وثانيا أن إسرائيل هي من بدأت بالهجوم في الانتفاضة الأخيرة وهي من نقض الاتفاقات الموقعة بالتالي يسقط حقها في استخدام حق الدفاع المشروع ويعتبر تبريرها لبناء الجدار باستخدام هذا الحق باطل قانونا لعدم توافر شروط استخدام هذا الحق.
قضاة المحكمة الدولية أثناء النظر في الدعوى ضد الجدار
الفصل الثاني: توصيات مقترحة لخطة العمل الفلسطينية لتفعيل قرار محكمة لاهاي وبيان مدى أهميته:
أولاً- أهمية القرار:
1) يشكل القرار/ الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في لاهاي إنجازاً تاريخياً يمكن- إذا ما أحسن التعامل معه- أن يمثل منعطفاً هاماً في مسيرة نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال والاستيطان وتقرير مصيره. إن أهمية هذا الإنجاز تنبع من:
أ- كونه يقدم رأياً قانونياً، من أعلى هيئة قضائية دولية، يدين ممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، بما فيها القدس، باعتبارها خرقاً للقانون الدولي، وللقانون الإنساني الدولي، ولاتفاقية جنيف الرابعة. وهو ما يكتسب أهمية تفوق أهمية قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة لكون هذه القرارات ذات طابع سياسي يتعلق بمصالح ومواقف الدول، بينما قرار لاهاي ذو طابع قانوني مشتق من الشرعية الدولية.
ب- كونه حكم بوضوح أن بناء الجدار خرق للقانون الدولي ومخالفة لالتزامات إسرائيل وواجباتها الدولية، وقضى بضرورة إزالته وتعويض المتضررين منه، وجدد التأكيد على أن الاستيطان وضم القدس غير شرعيين، وعلى عدم جواز الاعتراف بما يترتب على هذه الممارسات من نتائج على الأرض، وهو ما يقوض منطق التعهدات التي تضمنتها رسالة بوش لشارون في 14/4/2003 ويحكم عليها باللا شرعية من وجهة نظر القانون الدولي.
ج- كونه يحدد بوضوح الواجبات والالتزامات المترتبة، من وجهة نظر القانون الدولي، على هيئات الأمم المتحدة ودولها الأعضاء، وعلى أطراف معاهدة جنيف، من أجل وقف هذا الخرق الإسرائيلي وتصويب آثاره ونتائجه، وهو بذلك ينطوي على صفة الإلزام القانوني والأخلاقي وان سمي رأياً استشارياً.
د- كونه صدر عن أعلى محكمة دولية بإجماع أعضائها فيما يخص صلاحية المحكمة للنظر في المسألة المطروحة، وهو ما يرد بقوة على أبرز حجج الدول التي اعترضت على إحالة الموضوع إلى لاهاي، وبأغلبيتها الساحقة فيما يخص مضمون القرار. ان اعتراض القاضي الأمريكي لا يطعن بصحة الحكم الذي يطلقه الرأي الاستشاري على الجدار باعتباره خرقاً للقانون الدولي، ولكنه يعترض على أن المحكمة لم تأخذ بعين الاعتبار جميع الحقائق ذات الصلة والمتعلقة بما يسمى "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس ومتطلبات الأمن والضرورة العسكرية" في ضوء "هجمات الإرهاب".
2) إن القرار/ الرأي الاستشاري يمكن أن يشكل منطلقاً لاستعادة زمام المبادرة على الصعيد الدولي لا سيما وأن الجانب الفلسطيني هو الطرف الأضعف من حيث توازن القوى، ولكنه يملك الحق من الناحية القانونية.
3) إن قرار لاهاي يجب أن يشكل مرتكزاً لهجوم مضاد استراتيجي فلسطيني له هدف محدد بوضوح: فرض العزلة الدولية الكاملة على إسرائيل، بما في ذلك فرض العقوبات عليها من قبل المجتمع الدولي، لإجبارها على الانصياع للقانون الدولي ووقف انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي والاتفاقات الموقعة وإيقاع عقوبات عليها لمخالفتها القانون الدولي والاتفاقات كما ذكر سابقا. كذلك يمكن اعتبار الاستشارة القانونية كونها صادرة عن أعلى محكمة دولية بإجماع أعضائها كمرجع ومصدر حق في رفع قضايا لاحقة على إسرائيل في محاكمة دولية وإنسانية أخرى واعتبار الرأي الاستشاري القانوني السابق مرجع ودليل لإقامة الحجة على الانتهاكات الإسرائيلية للقوانين الدولية واعتدائها على الحقوق الفلسطينية المشروعة وانتهاكها لحقوق الإنسان إذا ما رفعت عليها قضايا لاحقا من قبل الطرف الفلسطيني أمام محاكم إنسانية.
ثانياً: اتجاهات التحرك وخطة العمل:
1) على الصعيد السياسي والدبلوماسي:
للتحرك على هذا الصعيد محوران رئيسيان: الأمم المتحدة+ أطراف اتفاقية جنيف الرابعة:
1-1: على مستوى الأمم المتحدة:
أ- بعد أن أحيل الرأي الاستشاري إلى الجمعية العامة التي طلبته، ينبغي السعي إلى عقد اجتماع استثنائي فوري للجمعية العامة لاتخاذ قرار بدعوة مجلس الأمن إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان انصياع إسرائيل لقرار المحكمة خلال سقف زمني محدد وإنذارها بفرض العقوبات عليها في حال إخفاقها في الامتثال.
ب- السعي لضمان أغلبية كبيرة في مجلس الأمن لمشروع قرار بالمضمون المحدد أعلاه بهدف تمريره أو إجبار الولايات المتحدة على عدم استخدامها حق النقض الفيتو.
ج- في حال الفيتو الأمريكي، ينبغي منذ الآن اتخاذ قرار سياسي حاسم بالتوجه إلى الجمعية العامة تحت بند "الاتحاد من أجل السلام" بهدف اتخاذ الإجراءات المطلوبة التي أخفق المجلس في إقرارها. وعلينا العمل منذ الآن لضمان الدعم الكافي من الدول الأعضاء لهذا التوجه.
د- الطلب إلى بعثتنا في الأمم المتحدة، بالاستعانة بأفضل من يمكن حشده من الخبراء في المجالات القانونية والإجرائية ذات الصلة، العمل فوراً على إعداد الخطط المفصلة للتحرك على هذا الصعيد، بما في ذلك دراسات عن المواقف المحتملة للدول والتجمعات الدولية المختلفة، والخطوات المطلوبة لضمان تأييدها، ومشاريع القرارات المحتملة والبدائل المتاحة، والخطوات الإجرائية الأسلم، الخ...
1-2: على مستوى أطراف اتفاقية جنيف الرابعة:
تكثيف الاتصالات مع الدول المعنية من أجل الإعداد في أسرع وقت لاستئناف انعقاد مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة، والاستناد إلى ما ورد في الفقرة (D) من قرار محكمة لاهاي (بأن على أطراف المعاهدة "ضمان امتثال إسرائيل للقانون الإنساني الدولي كما تجسده المعاهدة") من أجل استصدار قرار بإجراءات الضغط اللازمة على إسرائيل لضمان انصياعها.
الخلاصة:
تنظر محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بقضية الجدار الفاصل بعلاقة تناقض بين أمرين:
1- تغيير الطبيعة القانونية لإقليم محتل مع اقتطاع أجزاء كبيرة منه، وما يتبع ذلك من عوارض سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية عن طريق فرض الأمر الواقع من شأنها أن تمنع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة وهو بذلك يؤثر على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. (الموقف العربي- الفلسطيني).
2- ادعاء الطرف الإسرائيلي بضرورة البناء تحقيقا لمصالح الشعب الإسرائيلي مستندا بذلك إلى مسألة أمنية من شأنها منع التسلل إلى داخل أراضيها للقيام بعمليات تفجيرية انتحارية، وتهدف إلى حماية السكان من تلك الهجمات، تحت مسمى الإجراءات الدفاعية أو الوقائية في استنادها لحق الدفاع المشروع كما ذكر سابقا في المرافعات الإسرائيلية (الطرف الإسرائيلي).
لهذا فإن المرافعات التي قدمتها الأطراف تتباين فالطرف العربي دفع باتجاه أن الجدار هو مساس بأصل الحق، فهو تصرف غير مشروع استنادا إلى أن تغيير وضع غير مشروع لا يمكن يكون مشروعا بذاته، فالاحتلال هو وضع غير مشروع في منشئه وبالتالي فهو لا يرتب نتائج وأثارا مشروعة في استمراريته، فاستكمال بناء الجدار يتصف بأنه كيانا وتكوينا بالتعدي على مصالح الشعب الفلسطيني ويعد إنكارا لحقوقه الأساسية وبالتالي تلازمه صفة التجاوز القانوني، فيكشف بذاته سلوكا خاطئا متعارضا مع القواعد التي يفرضها لزاما القانون الدولي العام والأحكام الخاصة باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبالاتفاقيات الخاصة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. والطرف الإسرائيلي يدفع بدوره بضرورة البناء استنادا إلى حق الدفاع المشروع في حماية مصالحه الأساسية الأمنية.
لقد تم ضحد المزاعم الإسرائيلية بما دفعت باتجاهه وهو حق الدفاع المشروع من حيث أن حق الدفاع المشروع يتم اللجوء إليه من قبل أشخاص القانون الدولي الذين وقع عليهم الاعتداء وليس العكس فالدولة المعتدية لا يحق لها أن تستخدم حق الدفاع المشروع, وإسرائيل أولا: دولة محتلة يعني أنها معتدية قانونا فلا يحق لها استخدام هذا الحق. وثانيا: أن إسرائيل هي من بدأت بالهجوم في الانتفاضة الأخيرة وهي من نقض الاتفاقات الموقعة بالتالي يسقط حقها في استخدام حق الدفاع المشروع ويعتبر تبريرها لبناء الجدار باستخدام هذا الحق باطل قانونا لعدم توافر شروط استخدام هذا الحق.
قائمة المراجع
فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد الجدار في الأرض الفلسطينية المحتلة، A/ES-10/273، فقرة 4، 5، ص:10، الفتوى مكونة من 150 صفحة، النسخة العربية.
قرار الجمعية العامة 2625، (د-25)، بتاريخ (24/10/1970)، تحت عنوان، إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الدولية والتعاون فيما بين الدول.
تقارير محكمة العدل الدولية 1986، الصفحات 98-108، الفقرات 187-190.
• قرار الجمعية العامة، ES-10/14.
• تقرير خاص، الإدارة العامة للإنتاج الإعلامي، وزارة الإعلام، بعنوان "الجانب القانوني للجدار"، 11/3/ 2004.
• Claudie Barrat, The Advisory Opinion of the International Court of Justice on the Construction of a Wall in the Occupied Palestinian Territory, The Palestinian Independent Commission for Citizen' Rights, Legal Report Series (37), Page 7, The book consists of 150 pages.
• موقع وزارة الدفاع الإسرائيلية، السياج الإسرائيلي الأمني،
• منظمة العفو الدولية أمنستي، إسرائيل والمناطق الفلسطينية المحتلة: موقع السياج/ الجدار في القانون الدولي، 19/2/2004،
• تقرير خاص صادر عن لجنة حقوق الإنسان، جون دوجارد، وضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بتاريخ (8/9/2003)،UN Doc E/CN.4/2004/6.
• تقرير المقرر الخاص للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، جان زيغلر، بعنوان "الحق في الغذاء"، بعثة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، E/CN.4/2004/10/Add.2 UN Doc، بتاريخ (31/10/2003).
• تقرير اللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق إنسان الشعب الفلسطيني وغيره من السكان العرب في الأراضي المحتلة بتاريخ (22/ 8/2003 )، ( UN Doc (A/58/31.
• المركز الإعلامي الفلسطيني، تحت عنوان: " نص قرار محكمة العدل الدولية ضد الجدار العنصري (الجزء الأول)"،
• مركز الأهرام، تحت عنوان: "في مستهل جلسات المحكمة الدولية"، العدد 42813،
• " الأمم المتحدة: الجدار "يسرق" أراضي فلسطينية، 30/9/2003، إسلام أون لاين،
الاتفاقيات الدولية العامة التي تم الرجوع إليها:
• اتفاقية لاهاي المتعلقة بالقوانين في أرض الحرب بتاريخ 18 تشرين الأول 1907 والملحق للاتفاقية: القواعد المتعلقة بالقوانين والأعراف لأرض الحرب.
• الاتفاقية العامة لنبذ الحرب كأداة للسياسة الوطنية. وقعت في باريس بتاريخ 27 آب 1928.
• ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية بتاريخ 26 حزيران 1945.
• اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين في وقت الحرب بتاريخ 12 آب 1949 (اتفاقية جنيف الرابعة).
• البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف الموقعة بتاريخ 12 آب 1949، والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية (البروتوكول الأول).
• العهد العالمي للحقوق المدنية والسياسية والمقر من الجمعية العامة للأمم الم