Esraa Eman Hussein{Admin} Admin المدير العام للمنتدى
الابراج : عدد المساهمات : 4049 تاريخ التسجيل : 15/06/2009 العمر : 35 الموقع : www.esraa-2009.ahlablog.com
| موضوع: نشأة الحضارة الإسلامية وتطورها د / أحمد عبد الحميد عبد الحق الإثنين 07 فبراير 2011, 2:08 pm | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~ ♫ ♫ نشأة الحضارة الإسلامية وتطورها كتب: د / أحمد عبد الحميد عبد الحق الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هديه إلى يوم الدين .. وبعد .. فقد تحدثنا في المحاضرة السابقة عن ماهية الحضارة الإسلامية ، وقلنا : إنها تتسع لتشمل سائر الأنشطة العملية والعلمية والفكرية والسلوكية التي قام بها المسلمون ؛ تطبيقا لتعاليم الإسلام التي أوحى بها الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، واليوم بمشيئة الله سبحانه وتعالى نتحدث عن نشأتها وتطورها ، فنقول : إن الحضارة الإسلامية نشأت مع بِدء بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث نزل قول الله سبحانه وتعالى : " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي ، عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق : 1 - 5] وكانت بدايتها بتوجيه منه عز وجل .. ومع إن الحضارات السابقة كانت تبدأ أولا بالمهن والحرف المختلفة ، أي بتوجه مادي صرف ، فتنشأ مثلا الزراعة ، ثم يحتاج الإنسان للتصرف في منتجات تلك الزراعة ، فيصنع منها أشياء جديدة ، كالخبز والزيوت والعصائر والسكر والمعاجين ( أي المربات ) والملابس القطنية والكتانية ، وغير ذلك مما نعرفه من الصناعات الزراعية ، ثم يجد الوفرة في إنتاجه الزراعي والصناعي فيتبادله مع الآخرين عن طريق التجارة .. أقول : كانت تنشأ الحضارات ماديا هكذا ، ثم تنتقل إلى الجانب العلمي والروحي الذي ينظم مسارها ، إلا أن الحضارة الإسلامية بدأت بالجانب العلمي والروحي أو المعنوي أولا لتنتقل منه إلى الجانب المادي .. كما أن العلم الذي نشأت عليه الحضارة الإسلامية لم يكن مجرد علم ظني ، وإنما هو علم يقيني ، مصدره الله سبحانه وتعالى وبوحي منه ، وبدأ بعرض ملخص لحياة الإنسان وتجاربه منذ نشأته ليكون أساسا يُبنى عليه . حيث كان الوحي ينزل بتتابع على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليصنع الإنسان المسلم الكامل في عقيدته وأخلاقه ؛ ليكون نموذجا للإنسان الذي سيصنع تلك الحضارة ، فبدأ بتزكيته وتطهيره من الأدناس المادية والمعنوية ، فقال سبحانه وتعالى مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي سيكون أسوة لكل مسلم : " وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر : 4 5] .. وبعد طهارة الإنسان من دنسه وهجره للأوثان والأصنام انتقل به إلى توحيد الله سبحانه وتعالى ، والتخلص من أي معبودات أخرى ، سواء أكانت في صورة آلهة صماء أو بشر متألهين ، وكان شعار النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي رفعه للناس : " قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " .. وبعد استقامة من اتبعوه على التوحيد أمرهم صلى الله عليه وسلم بالاتجاه إلى الله بالصلاة لتزداد صلتهم به ، ويتدربوا على عدم الخضوع لغيره من المخلوقات ما دام ركوعهم وسجودهم له وحده دون سواه ، وفي تلك الصلاة أيضا تعلموا النظافة التي هي أساس الحضارة من خلال ملازمتهم للوضوء عند كل صلاة ، وتعلموا النظام التام من خلال وقوفهم صفوفا متراصة خلف الإمام في كل صلاة ، يأتمون به في قيامهم وركوعهم وسجودهم ، هذا النظام الذي انتقل من الصلاة ليلازمهم في كل شئون الحياة ، حتى وقت القتال ، حيث أمرهم الله سبحانه وتعالى به فقال : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ [الصف : 4].. ثم جاءت المرحلة الرابعة وهي تهذيب أخلاقهم وطبائعهم وتحليتهم بالأخلاق الحميدة التي هي شعار الإنسان المتحضر بحق ، حيث كان النبي محمد صلى الله عليهم وسلم يلتقي بهم بين الحين والحين ، فيرغبهم في مكارم الأخلاق ، وبلغ من كثرة حثه عليها أن جعلها غاية رسالة الإسلام فقال صلى الله عليه وسلم : " إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ " سنن البيهقى . وانتقل بهم إلى المرحلة الخامسة ، وهي العمل على نشر التكافل والترابط بين أفراد المجتمع المسلم ، حيث كان يعلمهم أن : « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى » صحيح مسلم .. ثم غرس فيهم عاطفة الحب بينهم ، وعلمهم أن ذلك مما يحقق الإيمان فقال صلى الله عليه وسلم : " لن تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على ما تحابوا عليه قالوا : بلى يا رسول الله قال : أفشوا السلام بينكم " . وبعد الهجرة إلى المدينة انتقل النبي صلى الله عليه وسلم من مرحلة بناء الفرد إلى مرحلة بناء المجتمع الذي سينشئ الحضارة الإسلامية ، لأن الحضارة كما قلنا من قبل لا تنشأ إلا من خلال المجتمع المستقر ، فوضع بتوجيه من وحي الله سبحانه وتعالى ( القرآن الكريم ) الدستور الذي ينظم علاقة المسلمين بعضهم ببعض وعلاقتهم بغيرهم ، ثم وضع الدستور الذي يجعل من المجتمع المدني المتعدد الأعراق { حيث كان فيه المسلمون الأنصار ( الأوس والخزرج ) والمسلمون المهاجرون من مكة والمسلمون المهاجرون من القبائل العربية الأخرى واليهود بطوائفهم المختلفة ومشركو المدينة والمنافقون } وصارت المدينة المنورة بذلك مثالا يحتذى لكل مجتمع متعدد الأعراق والديانات ويطمح في الانسجام والوئام . وبعد ذلك بدأ صلى الله عليه وسلم مع تتابع نزول القرآن الكريم عليه في وضع قواعد السلم والعرب والبيع والشراء والتبادلات والتعاملات المالية .. وبعد الفراغ من بناء المجتمع المدني وظف هذا المجتمع في إنشاء الحضارة الإسلامية ، فأقيمت الكتاتيب لتعليم القراءة والكتابة ومبادئ الحرف والمهن المختلفة ، والحلقات لتعليم العلم .. ثم بدأ صلى الله عليه وسلم بالاهتمام بالجانب المادي من الحضارة ، فحث على الزراعة عماد الإنتاج فقال صلى الله عليه وسلم : « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَزْرَعُ زَرْعاً أَوْ يَغْرِسُ غَرْساً فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ » مسند أحمد .. وطالب المسلمين بالاعتناء بها وعدم إهمالها مهما كانت الظروف ، فقال صلى الله عليه وسلم : " " إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها" صحيح الأدب المفرد.. ولكي لا تكون دعوته مجرد كلام نظري باشر بنفسه العمل بالزراعة رغم كثرة أشغاله ، يقول سلمان الفارسي رضي الله عنه : كاتبت أهلي ( من كان يعمل أجيرا أو عبدا لديهم )على أن أغرس لهم خمسمائة فسيلة فإذا علقت فأنا حر ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : « اغرس واشترط لهم ، فإذا أردت أن تغرس فآذني » فجاء فجعل يغرس إلا واحدة غرستها بيدي .. " المستدرك على الصحيحين للحاكم - (6 / 488).. ثم انتقل بعد ذلك إلى الحث على الطور الثاني من طور الحضارة المادية ، وهو الصناعة وإتقان كل مسلم لحرفته فقال : "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" مسند أبي يعلى - (7 / 349) وجاء في الأثر : " إن الله تعالى يحب الصانع المتقن في صناعته" . وقد حث صلى الله عليه وسلم المسلمين على الاستفادة من خبرة الآخرين في هذا المجال ، فقد سبي يوم خيبر ثلاثون قينا ، وكانوا صناعاً وحدادين ، فقال صلى الله عليه وسلم : اتركوهم بين المسلمين ، ينتفعون بصناعتهم ، ويتقوون بها على جهاد عدوهم ، فتركوا لذلك ، فمن تعلم عليهم سمي صانعاً أو معلماً.. ونبه صلى الله عليه وسلم إلى استخدام الصناعات الوطنية دون غيرها تشجيعاً لها ، فقد قال علي رضي الله عنه : " كانت بيد رسول الله قوس عربية ، فرأى رجلاً بيده قوس فارسية فقال : ما هذه ؟! ألقها وعليكم بهذه وأشباهها ورماح القنا ، فإنها يزيد الله لكم بها في الدين ويمكن لكم في البلاد" سنن ابن ماجة .. ولما كانت الحضارة المادية ـ كما أشار ابن خلدون من قبل ـ غالبا ما تتسبب في فساد الجانب الروحي لدى الإنسان وتصيبه بالترهل لذلك وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم ضاعف من الاهتمام به بعد الهجرة للمدينة وقيام دولته ، وزاد عليه بوحي من الله سبحانه وتعالى أخلاقا تسمو بها ، وتجعله مثالا للإنسان المتحضر المرهف الإحساس مثل : العفة والحياء وغض البصر والاستئذان عند دخول البيوت والمنازل وغض البصر والسماحة واللين والرحمة والعفو عند المقدرة وبر الوالدين وتقدير كبار السن والعطف على الصغار والرحمة بالحيوان وإعطاء النفس حظها من الترويح المباح واللهو التريض والتجمل والتزين والتعطر وغض الصوت ، وغير ذلك مما هو مبسوط في كتب السيرة العهد المدني ، مما يؤكد أن مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم بلغ درجة الكمال في الجانب الروحي أو المعنوي من الحضارة ؛ حتى صار المجتمع المسلم نموذجا مثاليا في الرقي الحضاري في هذا الجانب . ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~ ✿ ✿
| |
|