احمد عزت عبد الكريم ودوره في تطوير المدرسة التاريخية العربية الحديثة
أ.د. إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الاقليمة_جامعة الموصل
الأستاذ الدكتور احمد عزت عبد الكريم، مؤرخ عربي مصري معروف ، وصاحب مدرسة في التاريخ، اعتمدت المنهج العلمي، الوطني، والقومي. ولد سنة 1908 وبعد أن أكمل دراساته الأولى دخل قسم التاريخ بكلية الآداب بالجامعة المصرية، ثم حصل على الدكتوراه منها عن رسالته الموسومة: ((تاريخ التعليم في مصر في عهد محمد علي باشا)). وقد تأثر كثيرا بمنهج أستاذه المؤرخ الكبير شفيق غربال الذي سبق أن درس في جامعة لندن، وحصل على الدكتوراه سنة 1925 في التاريخ الحديث وذلك بأشراف المؤرخ البريطاني المشهور ارنولد توينبي صاحب كتاب (دراسة للتاريخ) الشهير.
انشأ احمد عزت عبد الكريم سنة 1955 في داره ثم بعد ذلك بكلية الآداب_ جامعة عين شمس، ماسمي في حينه بـ ((سمنار التاريخ الحديث)) وهو بمثابة (حلقات دراسة نقاشية) أسبوعية منتظمة، تعقد مساء يوم الخميس من كل أسبوع. وقد اعتاد فيها أن يتابع نشاط طلابه وزملائه ويطلع على بحوثهم ويناقشهم فيها، وقد تحدث احد طلابه وهو الدكتور احمد عبد الكريم مصطفى عن تلك الحلقات فقال: (عودنا احمد عزت عبد الكريم على التحليق في أفق الأحداث التاريخية يساعده على ذلك اطلاعه الواسع المنتظم وتمكنه من أساليب اللغة العربية وتراثها، وذاكرته القوية التي لم تخنه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
كان معلما قبل كل شيء، ومؤرخا يدقق في حقيقة الأحداث ويهتم بربطها وتحليلها، ناحيا منحى أستاذه شفيق غربال في عدم الارتباط بنظرة واحدة في تفسير التاريخ.. اهتم بجميع الوثائق وتبويبها ووضعها في متناول الباحثين وطلبة الدراسات العليا، وكان مما يؤكد عليه ضرورة وضع فاصل زمني بين الموضوعات قيد البحث والأحداث المعاصرة، بحيث يمكن الابتعاد عن الحساسيات وعدم تسليم كثير ممن صنعوا الأحداث أو شاركوا في صنعها، بالأحكام التي يصدرها عنهم المؤرخون.
لأحمد عزت عبد الكريم، دور كبير في تطوير الدراسات التاريخية العربية، واتساع آفاقها القومية، وفي جامعة عين شمس خطط لمسح التاريخ الحديث للوطن العربي ، ووضع أسس إنشاء مركز لدراسات (الشرق الأوسط)،كما اهتم بالتركيز على تاريخ فلسطين وظروف اغتصابها وأسس النضال من اجل تحريرها .كما وجه عدا من طلابه لدراسة تاريخ العراق الحديث فبرع منهم الأستاذ الدكتور عبد العزيز سليمان نوار الذي ألف الكثير من الكتب عن تاريخ العراق الحديث والمعاصر وأبرزها كتاباه عن داؤد باشا ومدحت باشا ومابعدهما.
شغل مناصب عديدة منها عميد لكلية الآداب _جامعة عين شمس ووكيل لجامعة عين شمس ، ثم رئيس لها ومديرا لمركز دراسات (الشرق الأوسط) وعضو في مجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية ، ورئيسا لقسم الدراسات التاريخية في معهد الدراسات العربية العالية التابع لجامعة الدول العربية، ورئيسا للجمعية المصرية للدراسات التاريخية، وفي مناصبه كلها ، سعى سعيا حثيثا لتعميق وإثارة الوعي التاريخي وحفز حركة البحث العلمي.
نظم ندوات ومؤتمرات تاريخية كثيرة وتسنم مقررية لجنة تسجيل تاريخ ثورة 23 يوليو _تموز 1952 وعمل أستاذا للتاريخ في بعض الجامعات العربية فبين سنتي 1946 و1949 اشتغل في جامعة دمشق، وبين سنتي 1960_1961 عمل في جامعة بنغازي وبليبيا ، أما عمله في جامعة بيروت العربية فاستغرق سنتي 1969_1970. هذا فضلا عن قيامه بزيارات علمية إلى جامعات عربية أخرى.
ترك احمد عزت عبد الكريم الكثير من الدراسات والبحوث والمقالات التاريخية، أما ابرز كتبه فهي: موسوعته عن تاريخ التعليم في مصر في عهد محمد علي (عدة أجزاء) و (تاريخ العالم العربي الحديث) وقد ألفه بالاشتراك مع نخبة من المؤرخين واختير ككتاب مدرسي لطلبة الثانوية في مصر. كما أسهم في كتابة فصول في كتب منها (المجمل في تاريخ مصر العام) و(دراسات في النهضة العربية الحديثة) و( تاريخ أوربا الاقتصادي). كما حقق بعض الكتب منها (حوليات البديري الحلاق).
وقد اهتم بالترجمة وشجع زملاءه وطلابه على ترجمة الكتب التاريخية ومن الكتب التي شارك في ترجمتها كتاب (شارل دليل) الموسوم (البندقية ، جمهورية ارستقراطية).
كما قام بمراجعة ترجمة كتاب دراسة للتاريخ ارنولد توينبي .
بأخلاقه الحميدة، ومنهجه العلمي، وأسلوبه الجميل ، وموضوعيته في كتابة التاريخ، وإخلاصه لوطنه وأمته ، ولجهوده الكبيرة في إرساء أسس المدرسة التاريخية العربية المعاصرة، احتل احمد عزت عبد الكريم مكانة راقية ومتميزة بين أساتذة التاريخ ليس في مصر وحسب بل في الوطن العربي كله.
في أواخر حياته ضعف بصره، وتدهورت حالته الصحية، لكن ذاكرته ظلت وقادة. توفى سنة 1980.رحمه الله، وجزاه خيرا على ما قدم لبلده ومهنته ووطنه العربي والعالم .
*المصدر :ميدل ايست اون لاين