دور مدينة قادش في الصراع بين بلدان الشرق الأدني القديم خلال الألف الثاني ق.م
الباحث:
أ / محمد إسماعيل محمد صالح
الدرجة العلمية:
ماجستير
الجامعة:
جامعة صنعاء
القسم:
تاريخ
بلد الدراسة:
اليمن
لغة الدراسة:
العربية
تاريخ الإقرار:
2009
نوع الدراسة:
رسالة جامعية
الملخص:
لما قامت الثورات في سورية ضد النظام المصري في عهد التحامسة، بدأ بزوغها في نهاية حكم حتشبسوت (1490 – 1968ق.م) كانت قد مرت بعدة أطوار اتخذت في البداية طوراً اقتصادياً قائماً على الامتناع عن دفع الجزية التي اعتاد السوريون على دفعها للمصريين. لتأخذ بعد ذلك طوراً أمنياً يتمثل في عمليات السلب والنهب وقطع سبل الأمن. ثم توسعت هذه الثورة وشملت معظم مناطق سورية عقب وفاة حتشبسوت التي نستلهم من تاريخ وفاتها تأريخاً للثورة السورية في إطارها الشامل، حيث تجاوزت الطور الفردي للإمارات إلى الطور الإقليمي. ومن المرجح أن العام الثاني والعشرين من الحكم المشترك بين حتشبسوت وتحوتمس الثالث(1490 – 1436 ق.م) هو التاريخ الذي توفيت فيه الملكة لأن قادات الجيش المصري كانوا يتوقون للخروج على رأس حملة إلى سورية عندما بزغت التمردات في بعض مناطقها نهاية حكم حتشبسوت ووجدوا في وفاة الملكة فرصة للخروج في حملة عسكرية إلى سورية ولم يحدث أي تحرك عسكري إلا في العام الثاني والعشرين، استناداً إلى النص الذي يؤرخ أول استعداد حربي لتحوتمس الثالث وفقاً لما جاء على مسلة أرمنت التي جاء فيها "السنة الثانية والعشرين هذا الإله الخير".
ويبدو أن مملكة ميتاني لعبت دور المحرض الخارجي لهذه الإمارات، لأن موقعها الجغرافي في شمال الرافدين وسورية قد جعلها متاخمة لمناطق النفوذ المصري وأما الجانب السياسي فيكمن أنها قوة طموحة في المنطقة الأمر الذي دفعها إلى تأمين حدودها الجنوبية والجنوبية الغربية عن طريق تحريض الإمارات السورية ضد النظام المصري خصوصاً الإمارات المتاخمة أو القريبة لهذه الحدود لتكون درعاً واقياً لها إن وقع أي هجوم مصري.
إن ما يضع الاحتمال أنه أمير قادش لعب دور المحرض الداخلي للنفوذ المصري في سورية هي نظرة المصريين له فقد نعتته النصوص المصرية بالعدو الخائب أو البائس. وكان قائداً للحلف السوري في مجدو. وقد أهله لتولي هذه القيادة اتساع نفوذه الذي امتد من منطقة الجليل في شمال فلسطين جنوباً وحتى جنوب حلب شمالاً.
أما تحوتمس الثالث فخرج لملاقاة عدوه على رأس حمله عسكرية في نهاية العام الثاني والعشرين، بهدف إعادة المناطق الخارجة عن النفوذ المصري إلى ما كانت عليه في عهد أسلافه السابقين.
ثم انتقل الثوار السوريون إلى العمل العسكري تحت قيادة أمير قادش، وتقاطروا إلى مدينة مجدو واتخذوها مركزاً حربياً للتصدي للمصريين. أما عن أسباب اختيار مدينة مجدو مركزاً للحلف السوري بزعامة أمير قادش، فلها بعدان سياسي وعسكري. فأما البعد السياسي فيكمن في حرص أمير قادش وزعماء الأحلاف في الحفاظ على كافة المناطق الخارجة عن طوق النفوذ المصري، وعدم المجازفة بأي مدينة قد تسقط عليهم بيد العدو ، فبقاء هذه المدينة يسهم في بنية الحلف. وأما البعد العسكري فيتضح من موقع المدينة التي كانت أهلاً لاحتضان الحلف نظراً لمناعتها في التحصين.
وفي مدينة يحم عقد تحوتمس مجلسه الحربي وطلب المشورة من أركان جيشه بعد أن عرض عليهم ثلاث طرق تؤدي إلى مجدو فأشاروا عليه باختيار طريق تاعاناقا أو جفتي أما تحوتمس فقد عارض هاذين الطريقين، واختار طريق عارونا. ولعل التفاوت في وجهات النظر بين الطرفين (قادة تحوتمس من جهة وتحوتمس من جهة أخرى) كان له ما يبرره من الطرفين. فأما قادته فقد اختاروا طريق عارونا لعاملين طبيعي وأمني فأما العامل الطبيعي فيعود إلى وعورة الطريق عارونا وأما العامل الأمني فيعود إلى خشية قادة تحوتمس من وجود قوات الحلف عند مخرج طريق عارونا. أما تحوتمس فقد اختار طريق عارونا الصعب وأصرعلى قراره، وجاء اختياره هذا الطريق بناءاً على تقارير استخبارية مسبقة، بدليل أنه أثناء انعقاد مجلس الحرب أبلغ أصحابه أن أمير قادش وأعوانه قد دخلوا مدينة مجدو كما أنه لم يبت في أمر قرار العبور من طريق عارونا إلا بعد أن وافته عيونه بالأخبار أثناء المداولة مع أركان جيشه.
لم يدخل الحلف السوري بزعامة أمير قادش مدينة مجدو عنوة كما اعتقده البعض، إنما جاء بناءاً على موافقة من أهلها وأميرها الذين رغبوا في التخلص من النفوذ المصري فأما أهلها وأميرها فقد حتم عليهم القبول بالحلف واحتضانه نظراً لموقع بلادهم المتاخم لمناطق النفوذ المصري ، الذي جعلها غير آمنة أمام التوسع المصري. إضافة إلى أسباب ذاتيه تحررية، تجلت في موقف أهل مجدو نهاية معركة مجدو عندما ساعدوا جيوش الأحلاف الفارين من معركة مجدو في التسلق على جدران حصن المدينة ومن ثم الاحتماء خلف أسوارها. وتعكس نصوص هذه المعركة أن أمير مجدو كان له دور كبير في هذه المعركة بدليل أنه ذكر في نصوصها أكثر من مره بل عندما ذكرت غنائم هذه الحملة حددت بعض مصادرها منها ما كان بحوزة أمير مجدو وهذه خصوصية في هذه النصوص لا نجدها إلا عند ذكر أمير قادش ومجدو .
وظل أمير قادش في حصن مجدو سبعة أشهر حتى الخطوة الأولى من تسليم المدينة عندما بعث هذا الأمير وأصحابه بصغار أبنائهم رغبة في الاستسلام، عند ذلك فر أمير قادش في ظروف غامضة، بدليل أن ذكره غاب في الإجراء الثاني لتسليم مجدو عندما قدم الأمراء أنفسهم يطلبون العفو من تحوتمس. أما دوره في مدن ينوعم ونوجس وحرنكيروا فيكاد أن يكون مبهماً . لكن سيطرة تحوتمس عليها وقع بعد معركة مجدو، لأن مقاومة المدن الثلاث للمصريين أثناء حصار مجدو يمثل بالغ الصعوبة بالنسبة لها، فقد عجزت عنه مئات الإمارات فما بال الأمر بثلاث مدن. هذا إلى أن النصوص لم تذكر في معرض حديثها عن حصار مجدو قيام تحوتمس بأي مهمة أخرى. أضف إلى ذلك أن غنائم مجدو جاءت أولاً ثم غنائم المدن الثلاث علماً أن نوجس المذكور تبعيتها لقادش ليست نوخاشي الواقعة في شمال سورية؛ لأن الوصول إلى الأخيرة يتطلب السيطرة على قادش ذاتها التي تعد المعبر الرئيسي لشمال سورية، وهو ما لم يقع في هذه الحملة.
وهكذا فقد ألحقت الحملة الأولى (العام 22/23) لتحوتمس الثالث خسائر وأضرار بقادش وأميرها وهي:
الخسائر الاقتصادية: الغنائم التي آلت للمصريين وكان بعضها بحوزة أمير قادش وتمتاز بغلاء ثمنها؛ لأنها مصنوعة من الذهب والمعادن الثمينة الأخرى وكذلك مجوهرات زوجات أمير قادش ، إضافة إلى غنائم لم تحدد ماهيتها وبالفعل تتبع قادش.
ناهيك عن الخسائر البشرية من قتلى أو أسرى (جنود أو خدم).
الأضرار الاجتماعية : حيث وقع بعض أبنائه أسرى بيد تحوتمس الثالث، كما وقعت بعض زوجاته اللاتي كن في ضياعه في مدن ينوعم ونوجس وحرنكيرو ، سبايا بيد تحوتمس الثالث.
وبعد حملة مجدو جرد تحوتمس حملات جديدة إلى سورية، ووقت لها المصريون في فصل الصيف. ولعل تحديد هذا الوقت يأتي حرصاً من المصريين على نجاح أداء الحملات، درءاً لها من الأمطار التي تهطل في فصل الشتاء؛ باعتبار أن الأمطار تعد عائقاً كبيراً أمام الأعمال الحربية، كما تسبب في فيضانات الأنهار التي يعبرها أو يصل إليها أو يتمركز بالقرب منها
إن حملة توحتمس الثالث ــ السادسة في العام الثلاثين من حكمه إلى قادش، كان لها هدفان: سياسي وتوسعي. فأما الهدف السياسي، فيكمن في الانتقام من قادش التي أقامت الدنيا على المصريين، في تأليب القوى السورية ضد الحكم المصري قبيل الحملة الأولى (حملة مجدو) كما تزعم أميرها الأحلاف الذين قدموا إلى مجدو من كل حدب وصوب لمواجهة المصريين، وكبدت تحوتمس المتاعب، فبالرغم من هزيمة أميرها وحلفه لكنهم فروا إلى الحصن وقاوموا سبعة أشهر، ثم اضطروا لتسليم المدينة في الوقت الذي كان أمير قادش قد فر ليقود المقاومة في مدن ينوعام ونوجس حرنكيرو على الرغم أن محاولاته باءت بالفشل. وأما الهدف التوسعي، فهو إضافة منطقة جديدة إلى إمبراطوريته. وعندما أراد تحوتمس الثالث السيطرة على قادش في هذه الحملة (السادسة) فشل في اقتحامها مباشرة، نظراً لتحصيناتها.علماً أن ذكر تخريب قادش مرتين: على حوليات الكرنك وعلى جعرانين، يجزم أن هذه المدينة طالها الخراب الكبير. وتعكس معاملته لقادش بهذه الصورة أن قادش ظلت خلال الأعوام السابقة لهذه الحملة (منذ العام الثالث والعشرين وحتى العام الثلاثين من حكمه) على ما كانت عليه في تأليب القوى السورية ضد المصريين. ويلاحظ أن غنائم الحملة السادسة كان معظمها يتبع أمير قادش، نظراً لتشابه صنوفها مع غنائم الحملة الأولى التي كانت بحوزة أمير قادش. وتحمل غنائم هذه الحملة دلاله اقتصادية، حيث أثبتت أن قادش على درجة من الرخاء الاقتصادي، بدليل العربات المصنوعة من الذهب والفضة. وتعكس هذه الغنائم امتلاك قادش قوة عسكرية ضاربة تتكون من : الخيالة (راكبو الجياد) والرماة: (راكبو العربات) ، والمشاة: (الجنود) المواجهين للعدو في المعركة.
لقد استخدم تحوتمس الثالث أحياناً نظام الرهائن في المناطق المستعصية التي واجه صعوبة في دخولها، وطبق مثل هذا النظام في حملته الأولى إلى مجدو ومناطق خاضعة لقادش، والأخرى في حملته السادسة إلى قادش.
إن تحصينات قادش التي دمرها تحوتمس في حملته الأخيرة (العام الثاني والأربعين من حكمه) تم بناؤها قبيل الحملة الأخيرة وتحديداً بين العام الثامن والثلاثين والعام الثاني والأربعين وفي هذه الحملة وتحديداً عندما أراد غزو قادش، أطلق أمير قادش عنان الفرس إلى ساحة المعركة حيث قوات الجيش المصري من سلاح العربات التي يتمركز فيها الرماة ومن ثم الاستفادة من ارتباك الجيش المصري لكن مهمته باءت بالفشل المهم في الأمر أن قادش هزمت في هذه الحملة. أما مناظر مقبرة (منخبر – رع – سنب ) من عهد تحوتمس الثالث والتي تصور أمير قادش وهو يقدم الجزية، وتصور أمير تونيب يقدم ابنه لتحوتمس الثالث، ما هي إلا حقيقة تعود إلى نهاية هذه الحملة، لأن تونيب شاركت في التمرد على المصريين بمعية قادش إبان هذه الحملة استناداً للمصادر المصرية.
كانت قادش إحدى المناطق التي اجتاحتها جيوش امنحتب الثاني (1436 – 1413ق.م) الذي دخل هذه المدينة في العام السابع من حكمه واستسلم أميرها وأدى يمين الولاء، لخوفه من بطش امنحتب الثاني الذي لجأ إلى البطش والتنكيل في المدن التي قاومته. وبعد دخول امنحتب قادش لجأ إلى استعراض الرماية أمام أهل قادش لتوجسه خيفة من هذه المدينة التي أثقلت كاهل والده في قيادة حركات التمرد حيناً أو تمردها منفرة حيناً آخر بل تمردها ضد امنحتب ذاته، وأراد من ذلك أن تكون رسالة إنذار للفتك بقادش إذا ما فكرت في الخروج على المصريين. ومن المرجح أن اليمين الذي فاه به أمير قادش أمام امنحتب الثاني ظل ساري المفعول في عهد خليفته وابنه تحوتمس الرابع (1413 – 1405 ق.م) ثم في عهد امنحتب الثالث (1405 - 1367) الذي تؤكد لوحته التي عثر عليها في صولب أن الشك كان يساوره من هذه المدينة فيما يضمر لها من عداء، لكن عدائه ـ هذا ـ لم يترجم بعمل عسكري ضدها.
ويبدو أن المعاهدة المصرية الميتانية التي أبرمها امنحتب الثاني مع الميتانيين والتي وضعت قادش أقصى مناطق النفوذ المصري في سورية فضلاً عن مناطق الساحل، قد عادت بالفائدة للطرفين، ذلك أنها أقفلت صفحة الحروب بين مصر وميتاني، وإن كانت مصر أكثر استفادة منها، حيث ضمنت عدم تدخل المملكة الميتانية التي كانت نداً حيناً أو محرضة حيناً آخر لكثير من الإمارات السورية ضد المصريين، كما أن هذه المعاهدة ضمنت لمصر بصورة مؤقتة عدم الاحتكاك مع الحيثيين بصورة مؤقتة، إذ أنها وضعت ميتاني بمثابة الدرع الواقي أمام أي تدخل حيثي مباغت مستقبلاً، ولعل ما يؤيد هذا الاستنتاج أن الحيثيين بقيادة ملكهم شوبيلوليوما (1375 – 1335ق.م) دحروا في أول حملة جنوبية قادها هذا الملك.
لم تختمر فكرة غزو قادش عند الملك الحيثي شوبيلوليوما أثناء حملته الثالثة (قبيل غزو هذه المدينة) ويرجع ذلك إلى وجود اتفاق واتصالات سرية بينه وحاكمها شوتاتارا يقضي بعدم المساس بقادش مقابل التزام قادش بالحياد. ويحتمل أن الذي دفع قادش للمقاومة هو شعورها أنها اتُخذت طريقاً للجيش الحيثي إلى أوبي والذي يعد انتهاجا لسيادتها . ولعل غزوه قادش ثم أوبي تفند الرأي القائل: أن شوبيلوليوما كان لا يريد غزو قادش بسبب وقوعها تحت النفوذ المصري، لأن هذا الرأي لا ينسجم مع مسار الحملة الثالثة لشوبيلوليوما التي تعدت هذه المدينة ــ جنوباً ــ وغزت أوبي التي كانت أيضاً تحت النفوذ المصري . ومن المرجح أن قادش أحرقت إبان هذه الحملة، حيث ألقت المقاومة بظلالها لتعرضها لعقوبة الحريق ويجب الإشارة إلى أن قادش حسب وجهة نظر شوبيلوليوما لم تكن تحت السيادة المصرية قبيل غزوهم لها وتحديداً أثناء الحملة الحيثية الثالثة التي استغرقت عاماً،إنما كانت تحت السيادة الميتانية، استناداً لصلوات اتقاء الطاعون لمورشي الثاني(1334 – 1306 ق.م) التي تذكر أن أول اختراق للحدود المصرية وقع على إثر غزو شوبيلوليوما لمنطقة أمكا وهو الغزو الذي حدث في مناسبة عقب الحملة الثالثة التي كانت قادش إحدى ضحاياها.
على الرغم أن قادش قيدت بمعاهدة مع شوبيلوليوما، لكنها قامت بثلاث ثورات على الحيثيين في القرن الرابع عشر ق.م، فأما الثورة الأولى فقد نشبت في قادش ونوخاشي نهاية حكم شوبيلوليوما ويحتمل أثناء انتشار وباء الطاعون في بلاد الأناضول. أما الأخريان فكانتا ضد مورشيلي الثاني الأولى في العام السابع من حكمه والثانية في العام التاسع من حكمه.
إن اغتيال ايتوكاما ملك قادش، على يد ابنه وخليفته من بعده جاء نتيجة خوف الابن من تعرض بلاده لعقوبة حيثية شديدة قد تصل إلى الحرق ، كما فعلوا عندما دخلوا نوخاشي.
إن الابن القاتل الذي خلف ايتوكاما هو نيقمادا وفقاً للمصادر الحيثية والرسائل الأكدية التي عثر عليها في تل النبي مند.
كانت قادش هدف سيتي الأول (1306 – 1290 ق.م) في الوصول إليها في حملته الأولى لكن هذا الهدف لم يتحقق بسبب الإرهاصات التي واجهت سبيل الحملة بدءاً من إصلاح الآبار، ثم اعتراض بدو الشاسو سبيل الحملة ثم مواجهة حلف حماه وكان لهذه الإرهاصات أثر كبير في افتقاد جهد كبير من القدرات القتالية للجيش المصري الذي كان بحاجة للراحة والعودة إلى بلاده، بدليل أن المصريين الذين استقبلوا هذه الحملة عند ثارو، شاهدوا ملامح التعب والإرهاق على وجوه رجال الحملة.
إن إقامة سيتي الأول لوحته في قادش توحي أن سيتي اكتفى بقادش كآخر منطقة تطلع إلى إعادتها.
إن القيادة العليا للجيش الحيثي التي واجهت سيتي الأول في حملته الأخيرة إلى سورية، أسندها الملك الحيثي إلى ملك كركميش تبعاً لعدة أسباب منها : أن ملك كركميش كان نائب الملك الحيثي فيها وحظي ملوكها بثقة ملوك خاتي حيث أوكلوا إليهم مهمة مراقبة الأوضاع في شمال سورية، أضف إلى ذلك أن ملك كركميش سليل شوبيلوليوما وتربطه رابطة الدم مع ملوك خاتي، زد على ذلك أن تاريخهم في المنطقة يشفع لهم القيام بهذه المهمة، نظراً لكفاءة ملوكها عسكرياً بدليل تصديهم للآشوريين أكثر من مرة.
شارك حكام مناطق فلسطين في معركة قادش في العام الخامس من حكم رمسيس الثاني (1290 – 1224 ق.م) إلى جانب المصريين ضد الحيثيين.
إن من أسباب هزيمة فيلقي رع وآمون خلال هجوم الموجة الأولى في معركة قادش، هو التعب والإرهاق الذي أصاب الجيش المصري من جراء التقدم السريع إلى ميدان المعركة وهجوم الحيثيين على فيلق رع من الخلف وشطره إلى قسمين. وكان لهروب فيلق رع تجاه فيلق آمون أن أصاب الأخير الخوف والرعب والارتباك مما جعله في متناول الحيثيين بقدر ما كان موواتالي أكثر براعة قيادية من رمسيس الثاني لكن هذا ليس العامل الوحيد في رجحان كفة الحيثيين في معركة قادش بل هناك سبب جوهري وهو موقع قادش، التي حالت تحصيناتها عن السيطرة عليها من قبل رمسيس.
إن من أسباب المعاهدة المصرية الحيثية : تراجع الأداء القتالي للجيش المصري في حملاته التي أعقبت معركة قادش حيث فشل في السيطرة الكاملة على أمورو، أو حتى السيطرة الجزئية على قادش. أيضاً تكفل بعض المناطق السورية في التصدي للحملات المصرية عقب معركة قادش بمعزل عن الحيثيين في الدفاع عن نفسها أمام توسعات رمسيس دون الاستجابة لحملاته. عند ذلك أحس رمسيس بأن نظامه لا يحض بأي تأييد في المناطق المتنازع عليها مع الحيثيين ولذلك شعر رمسيس بقوة النفوذ الحيثي في المنطقة. وقد وضعت هذه المعاهدة مدينة قادش تحت النفوذ الحيثي.
إن من الأسباب التي دفعت رمسيس الثاني إلى إبرام المعاهدة مع الحيثيين(معاهدة خاتوشيلي- رمسيس) فشل حملاته (عقب معركة قادش) من تحقيق انتصارات حاسمة على الحيثيين في سورية على الرغم من الغياب الرسمي للملك الحيثي عن سورية. هذا إلى أن سقوط مملكة ميتاني على يد الأشوريين قد جعلت رمسيس يغض الطرف عن شمال سورية؛ لأن وجود المصريين في شمال سورية يعني الاحتكاك مع الآشوريين، الذي قد يؤدي إلى حرب دموية مفتوحة مع القوة الآشورية الصاعدة وهو ما لا يقوى عليه المصريون.
على الرغم من التزام الطرفين المصري والحيثي في تطبيق بنود المعاهدة (معاهدة خاتوشيلي ــ رمسيس) لكنها لم تر أرض الواقع في البندين الدفاعي، وبند اللاجئين (السياسيين). وهما البندان اللذان أخلت مصر عن تطبيقهما، حيث إن رمسيس و خليفته مرنبتاح (1224 - 1214) ، لم يخرجا على رأس حملة أو يرسلا من ينوبهما من القادة على رأس حملة لدعم الحيثيين في حروبهم ضد الآشوريين خلال الفترة التي أعقبت المعاهدة كما أن مصر أخلت بالبند الخاص بتسليم اللاجئين السياسيين، عندما رفضت تسليم الملك الحيثي المخلوع أورخي تيشوب (1282 – 1275ق.م) الذي كان متواجداً في مصر عقب المعاهدة المصرية الحيثية.
ظلت قادش عقب المعاهدة المصرية الحيثية تحت السيادة الحيثية ولعل ما يؤكد ذلك ما جاء في بردية انسطاسي ــ من عهد الفرعون مرنبتاح ــ أن أوبي آخر منطقة للنفوذ المصري، كما أثبتت إحدى الرسائل أن قادش كانت مستعدة لتسليم الملك الحيثي المخلوع أورخي تيشوب إن فر إلى أراضيها بناءاً على اعتراف رمسيس في إحدى رسائله.
ختاماً كانت قادش عقب المعاهدة المصرية ــ الحيثية إحدى مصادر الدعم العسكري للحيثيين في حروبهم الخارجية ضد الآشوريين.
أما عن أفول مدينة قادش فيبدو أنه تزامن مع مجيء شعوب البحر الذين اجتاحوا سورية في نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الثاني عشر ق.م بدليل أن ذكر هذه المدينة في الحقب اللاحقة لم تكن سوى من باب الإشارة فقط.