بناء الدولة القاسمية في عهد المؤيد محمد بن القاسم مع تحقيق مخطوطة الجوهرة المنيرة في جمل من عيون السيرة للمؤرخ مطهر الجرموزي
الباحث: د/ أمة الملك إسماعيل قاسم الثور
الدرجة العلمية: دكتوراه
تاريخ الإقرار: 2004 م
نوع الدراسة: رسالة جامعية
الملخص :
أصبح التاريخُ والتراث اليمني يحضى بالاهتمام والعناية من قبل الباحثين والدارسين بمراحل حقبه التاريخية المختلفة، وبالتالي أدى هذا إلى انتعاش البحث التاريخي في اليمن. وإقدام كثير من الباحثين على البحث والتحقيق عن أدوار ومواضيع ومراحل تاريخية مختلفة من تاريخ اليمن. إلا أن هناك مراحل وأدوار تاريخية يكتنفها بعض الغموض وتطرح بعض التساؤلات، وبضرورة الحال تحتاج إلى جهود كبيرة ومختلفة من أجل تبيانه وكشف بعض الحقائق التاريخية ودراستها دراسة تاريخية وثائقية كما وردت دونما زيف وتحوير. ولن نجزم أن الاهتمام بالتاريخ والتراث سوف يكون من أجل التفاخر بأمجاد وأدوار تاريخية تليدة، ولكن لكي يكون الهدف الأسمى من وراء ذلك هو الاستقصاء، وتلمس العبر والدروس التاريخية لتكون لنا نبراساً من أجل المضي بحاضرنا ومستقبلنا إلى عالم يسوده العلم والبحث العلمي بكل أنواعه واتجاهاته. والمضي إلى درب الأمم المتحضرة.
وتاريخ اليمن بكل مراحله وأدواره التاريخية منذ أغوار التاريخ القديم وعصر بلقيس وسبأ وعصر الإسلام والفتوحات الإسلامية وتشكيل الدويلات الإسلامية المستقلة. وصد الغزوات الأجنبية، وتنافس وتنوع الوافدين والطامحين في حكم اليمن من المماليك والعثمانيين والاستعمار وعصر الأئمة العظام المجددين للدين في كل فترات وعصور التاريخ اليمني، كل هذه الحقب والمراحل التاريخية بتنوع مواضيعها ورجالاتها لابد أن نستخلص منها العبرة والموعظة والدروس التي يلقيها علينا التاريخ لكي يكون هدفنا الرقي بحايتنا وأجيالنا والاهتمام بكل أسباب العلوم في مختلف مجالاته من علوم إنسانية أو علمية أو حتى كونية.
ومن هذا المنطلق انصب اهتمامي على البحث في مجال التحقيق التاريخي، وتلمس الحقائق التاريخية من خلال تراثنا ومخطوطاتنا اليمنية الزاخرة في مختلف المواضيع الهامة. وقد وقع اختياري على فترة تاريخية كبيرة وهامة من تاريخ اليمن وهو العصر الذي ينقسم بين فترتيم، فترة نهاية الحكم العقثماني الأول لليمن، وفترة بداية تكوين وبناء دولة يمنية مستقلة، فقد وقع اختياري على إحدى المخطووطات اليمنية التي سجلت لنا هذه الأحداث أي المراحل الخيرة من الحكم العثماني الأول لليمن حتى تم خروجهم منها سنة 1045هـ/1635م. وأرخت المخطوطة لبداية قيام وبناء الدولة المؤيدية القاسمية بزعامة المؤيد محمد بن القاسم، وهي مخطوطة (الجوهرة المنيرة في سيرة الإمام المؤيد محمد بن القاسم) للمؤرخ المطهر بن محمد الجرموزي, أحد اشخصيات المعاصرة للأحداث التاريخية في ذلك الحين، ومن المقربين والمخازين لسلطة في عصر الدولة القاسمية.
فقد سجل المؤرخ الجرموزي أحداثاً تاريخية وسياسية وعسكرية واجتماعية قد تقف عليها للمرة الأولى، وأسهب في تفاصيل دقيقة عن حياة الإمام المؤيد محمد بن القاسم واخوته ورجال دولته. وعرض نظام حكم الولاة العثمانيين وسياستهم، وشرح التفاصيل التاريخية، والمعارك العسكرية التي جرت في ذلك العصر. وباعتبار أن مؤرخنا كان شاهد عيان لتلك الفترة التاريخية ومن المقربين للإمامة والسلطة وتحمله بعض المهام والوظائف الإدارية والسياسية فقد رسم وسجل كل الأحداث التاريخية بدقة ورؤية تاريخية حيَّة وصادقة.
وأورد المؤرخ الجرموزي إلى جانب الأحداث التاريخية والسيرة الشخصية والمفصلة للإمام المؤيد محمد بن القاسم وسياسته العسكرية والإدارية والمالية وعلاقاته الخارجية. كل الرسائل والخطابات والتوجيهات التي أرسلها الإمام إلى شخصيات يمنية وعربية مختلفة، وأصبحت المخطوطة بمثابة إرشيف وثائقي لكل تلك الرسائل.
وتناولت المخطوطة أخبار وسيرة اخوة الإمام المؤيد محمد الحسن والحسين وأحمد أبناء الإمام القاسم. وتطرقت إلى أعمالهم وحروبهم ومواقفهم تجاه الإمامةى والعثمانيين قبل الاستقلال وأعمالهم السياسية والإدارية بعد الاستقلال.
وأبرزت المخطوطة الأدوار التاريخية والشخصية للعلماء والقادة والشخصيات البارزة ورؤساء القبائل وأدوارهم العسكرية قبل الاستقلال حتى تم انسحاب العثمانيين من اليمن، وتم توضيح أدوارهم ومساهماتهم من أجل بناء الدولة القاسمية المستقلة.
وقد أظهرت المخطوطة الجوانب الإيجابية والسلبية العامة لكل الشخصيات والأفراد في تلك المرحلة التاريخية. وشرحت لنا أدق التفاصيل عن أخبار المدن والقرى والعزل والجبال والوديات والقبائل والحصون في كل أقاليم اليمن الشمالية والجنوبية. ولذا قد لا نختلف في اعتبار أن هذه المخطوطة قد أعطتنا صورة واضحة وصادقة لتلك الفترة التاريخية من تاريخ اليمن.
وعندما عزمت على تحقيق هذه المخطوطة وضعت في حسباني أن التحقيق العلمي هو نتاج علمي وخلقي لا يقوى عليه إلا من وهبه الله خلتين شديدتين هما الأمانة والصبر, وعلى ذلك فقد بذلت جهدي عند التحقيق، وتحريت الدقة والأمانة العلمية، كي يخرج هذا الكتاب كما أراده مؤرخه دون تدخل منى أو إقحام أو تغيير في نصوص السيرة إلا فيما تتطلبه قواعد التحقيق التاريخي المسموح به في هذا المجال.
وكأي عمل علمي أكاديمي فقد واجهتني كثير من الصعوبات والعراقيل، وتطلب مني بذل الجهد والوقت، وقد حاولت بفضل الله وبفضل توجيهات وإشراف أستاذي الأستاذ الدكتور سيد مصطفى سالم أن أتخطى واتجاوز كل تلك الصعوبات وأذلل تلك العراقيل بكل ما أعطاني الله من قوة تحمل وصبر فلله الحمد.
ونتيجية لأهمية أحداث المخطوطة وشخصياتها والفترة التاريخية التي تناولتها، فقد حرصت على إبراز تلك الأحادث وقمت بإعداد فصول خاصة لدراسة هذه المرحلة التاريخية وشخصياتها وأدوارهم. وعمدَّ على استخراج بعض الأحداث التاريخية التي وردت في المخطوطة إلى جانب الاستعانة بالمخطوطات الأخرى والمصادر والمراجع الأصلية التي أوردت هذه الأحداث واستغلالها لصياغة مواضيع الدراسة التي سبقت التحقيق، ومن هذا المنطلق فقد أطلقت على هذه الرسالة عنوان (بناء الدولة القاسمية في اليمن في عهد المؤيد محمد بن القاسم مع تحقيق مخطوطة الجوهرة المنيرة للمؤرخ المطهر الجرموزي).
وقد تناولت فصول الدراسة المواضيع التالية:
الفصل الأول بعنوان: (محمد بن القاسم قبل توليه الإمامة وبعدها)
عرضت في هذا الفصل السيرة الشخصية والعلمية والعسكرية لمحمد بن القاسم، ومشاركاته العسكرية في عهد والده الإمام القاسم ومكانته العلمية بين علماء وفقهاء عصره قبل تولية الإمامة.
وتطرقت إلى الظروف التي ساعدت على إختياره للإمامة، وشرحت مُجمل الأحداث السياسية والعسكرية التي وقعت حتى تم نقض الصلح مع العثمانيين وإعلان الحرب ضدهم نتيجة لعوامل وظروف مختلفة تم شرحها مفصلاً في هذا الفصل.
الفصل الثاني: بعنوان: (توسع نفوذ الإمام المؤيد محمد بن القاسم حتى الاستقلال عن الحكم العثماني).
تناولت في هذا الفصل التعيينات والإجراءات الإدارية للإمام المؤيد محمد قبل الاستقلال. وعرضت الأدوار السياسية والعسكرية التي اضطلع بها أخوة الإمام المؤيد محمد وبقية القادة والأمراء ورؤساء القبائل أثناء حصار المدن حتى تم إخراج العثمانيين منها، ووضحت سياسة الإمام المؤيد محمد المتبعة في أقاليم اليمن ومدنها حتى تم انسحاب العثمانيين من اليمن.
الفصل الثالث: بعنوان (الإمام المؤيد محمد بن القاسم وقيام الدولة المستقلة في اليمن).
سجلت في هذا الفصل الأدوار السياسية التي اضطلع بها آل القاسم من أجل بناء الدولة القاسمية المستقلة بزعامة الإمام المؤيد محمد. وتعرضت للظروف الإيجابية والسلبية التي رافقت هذا البناء، ووضحت دور كل شخصية على حدة.
وأبرزت دور الإمام المؤيد محمد التوجيهي من أجل قيادة وبناء الدولة المستقلة، وعند وضع اللبنات الأولى للدولة القاسمية، وتم عرض دور الفئات الاجتماعية الأخرى التي شملت القادة والأمراء وشيوخ القبائل وفئات اجتماعية أخرى كان لها دور فعّال في سير الأحداث وبناء الدولة المستقلة حتى وفاة الإمام المؤيد محمد بن القاسم سنة 1054هـ/ 1644م.
الفصل الرابع: بعنوان (سياسة الإمام المؤيد محمد بن القاسم الإدارية والمالية وعلاقاته الخارجية).
أبرزت في هذا الفصل السياسة المالية والإدارية للدولة القاسمية، وشرحت التعيينات والمهام الإدارية في أقاليم اليمن المختلفة، ومدى اهتمام الدولة بالمنشآت العمرانية والهجر العلمية ورعاية العلم والعلماء وإنشاء المرافق العامة في المدن المختلفةو. وتم شرح السياسة المالية للدولية رغم شحة الموارد الاقتصادية خاصة الفترة التي أعقبت خروج العقثمانيين من اليمن، وتطرقت إلى العلاقات الخارجية مع أشراف الحجاز وشاه إيران وملك الحبشة وملك الهند وأمراء المغرب وغيرهم ممن تناول معهم الرسائل والمنافع المختلفة.
الفصل الخامس: بعنوان (الدراسة التمهيدية عم المؤرخ المطهر الجرموزي ومخطوطته).
فقد تناولت في هذا الفصل السيرة الشخصية والعلمية لمؤرخنا المطهر الجرموزي، وأبرزت دوره ومشاركاته في بناء الدولة وعلاقته القريبة والوطيدة بالسلطة الحاكمة في ذلك الحين. وقربه من الأحداث السياسية مما جعله شاهد عيان ساعد على رصد كل الأحداث التاريخية والظروف المتعددة والمتنوعة التي ساعدت على اختيار هذه المخطوطة، وتطرقت إلى الخطوات المنهجية والعلمية عند اختيار المخطوطة الأم، ووصف هذه المخطوطة مع بقية النسخ الأخرى التي توفرت لديَّ وشرحت منهج المؤرخ الجؤموزي والأساليب المنهجية التي اتبعها عند تسجيل الأحداث في هذا السفر التاريخي. وقمت بشرح الطرق المنهجية والبحثية في عملية التحقيق. وأبرزت مفصلاً أهمية المخطوطة ومواضيعها المختلفة.
أما الجزء الأخير من الرسالة: هو تحقيق متن المخطوطة، فقد قمت بنسخ المخطوطة ومقارنتها بالنسخ الأخرى المتوفرة لدي، وتوضيح الفرق بين النسختين وحرصت على سوق ترجمة كل الأعلام والمناطق والقرى الواردة في المخطوطة، وتوضيح وشرح كل المعاني والألفاظ والعبارات والكلمات العامية التي وردت في المخطوطة. ومراجعة الآيات القرآنية، واستخراج الأحاديث النبوية والأمثال العربية، وحاولت مقارنة الأشعار الواردة في المخطوطة (أ) ومقارنتها وتصحيحها مع النسخة (ب) واستخراج معاني بعض الكلمات العربية غير الواضحة.