مملكة سبأ في عهد الأسرة الهمدانية
الباحث: أ/ محمد علي حزام القيلي
الدرجة العلمية: ماجستير
تاريخ الإقرار: 23/10/2003 م
نوع الدراسة: رسالة جامعية
الملخص :
يمثل البحث دراسة تاريخية للفترة التي استطاع فيها يريم أيمن الهمداني وأبناءه الوصول إلى عرش سبأ، وذلك من خلال ما توفر من النقوش والمصادر والمراجع العربية والأجنبية وقد قدمت الدراسة صورة واضحة عن الأحوال السياسية في النصف الثاني من القرن الثاني والنصف الأول من القرن الثالث الميلاديين. وخلصت الدراسة إلى عدد من الحقائق والملاحظات التي خرج بها البحث أو ساعد على تأكيدها وإثباتها وأهمها:
أولا: من الممكن رسم خريطة تقريبية لليمن القديم من خلال اللغة ( اللهجة) والإله (المعبود الوثني)، فقد كان لكل كيان سياسي لهجة خاصة به وتظهر حدوده التقريبية من خلال الأماكن التي توجد فيها النقوش التي كتبت بهذه اللهجة أو اللغة، وكان لكل كيان سياسي معبود خاص به ويمكن الاعتماد على هذا الجانب ـ إلى حد ما ـ في تحديد الأماكن التي انتشر فيها نفوذ كل كيان من الكيانات السياسية.
ثانيا: اجتازت حضارة اليمن طريقا طويلا من التطور التاريخي الذي تمثلت أهم أحداثه بالصراع من أجل الهيمنة على التجارة المنقولة عبر اليمن وبالصراع على القيادة السياسية الذي قام ما بين ممالك سبأ وحضرموت وقتبان وحمير، وكان للطريق التجاري البري (طريق اللبان) دور كبير في قيام وازدهار الممالك اليمنية القديمة حول مفازة صيهد، وكان لضعفه أيضا دور في ضعف هذه الممالك وتدهورها وازدهار ممالك أخرى خاصة حمير التي كان لها دور كبير في تشكيل وصياغة تاريخ اليمن القديم منذ بداية الألف الميلادية الأولى وحتى نهاية تاريخ اليمن القديم.
ثالثا: إن الفرق بين همدان في الفترة التي تولت فيها الأسرة الهمدانية الحكم وهمدان في المصادر الإسلامية وهمدان اليوم هو: أن الأولى كانت اسم أسرة انتسب إليها أقيال حاشد بالنسب، والثانية اسم القبيلة التي ضمت كل من حاشد وبكيل، أما همدان اليوم فهو اسم مديرية تتبع محافظة صنعاء.
رابعا: هناك اختلاف كبير بين النقوش والمصادر العربية والإسلامية في مسألة أنساب الأسرة الهمدانية، فعلى الرغم من أن الهمداني أفرد الجزء العاشر من الأكليل في معارف همدان وأنسابها وعيون أخبارها إلا أنه لم يتفق مع النقوش في سرده لأنساب هذه الأسرة.
خامسا: أن المؤسس الرئيسي للأسرة الهمدانية هو أوسلات رفشان الذي استطاع أن يصل بالأسرة إلى مرتبة القيالة، فأعين أبو أوسلت لم يكن قيلا، وأوسلات لم يكن قيلا بل كان أحد القادة التابعين لنصرم يهأمن وصدق الهمدانيين، وبعد تمكنه من قيالة حاشد بدأ يمهد لأبنه يريم أيمن ليصبح له شأن عند ملوك سبأ وذي ريدان في مأرب. سادسا:اطلق على يريم أيمن وابنائه اسم بنو أعين نسبة إلى جدهم أعين أبو أوسلت رفشان.
سابعا: وقف يريم أيمن إلى جانب سعد شمس وابنه أثناء حربهم ضد الحلف الشرقي، وكذلك وقف إلى جانب وهب إيل يحوز أثناء حربه مع الحميريين وطردهم من مأرب، ولابد أن هذه المواقف كان لها أهمية كبيرة في نظر أصحاب الشأن في مأرب، ويبدو أنه ظل مرابطا في مأرب منتظرا الفرصة حتى استطاع المشاركة كرب إيل وتر في الحكم ثم انفرد به، وفي هذه الفترة ـ أي منذ تولي وهب إيل يحوز ثم في عهد أبناءه ـ ترك أمور قيالة حاشد لأخيه بارج يهرحب وابنه علهان نهفان بن يريم أيمن. ثامنا: حكمت الأسرة الهمدانية منذ انفراد يريم أيمن بالحكم في حوالي 185م وحتى نهاية شاعر أوتر في حوالي 230م أي حوالي نصف قرن من تاريخ اليمن القديم.
تاسعا: ظهرت في هذه الأسرة مشكلة الأخوة لأول مرة في تاريخ اليمن القديم فلم يحدث أن شارك الحكم ملكين أحدهما من الأسرة الشرعية والأخر قيل وأن تربط بينهما كلمة [واخيهو] الذي لا يعني بالضرورة معنى الأخوة بقدر ما يعني الشراكة ـ ما عدا المشاركة التي حدثت بين الملك القتباني ورو إيل غيلان واخوانه ـ ، وهو ما تكرر عندما اشترك بارج يهرحب وابن أخيه علهان نهفان في قيالة حاشد وربطت بينهما كلمة [واخيهو]، ومن أهم مظاهر هذه الأخوة تحالف علهان مع الأحباش والتي كان من بنودها تحالف سلحين وزرران وعلهان وجدرت ويقابل كلمة تحالف في اللغة اليمنية القديمة كلمة [يتاخونن]، ثم حدثت لأول مرة اشتراك أخوين في الحكم عندما شارك شاعر أوتر أخوه حيو عثتر يضع الحكم، وهي ما تكررت فيما بعد عندما اشترك إيل شرح يحضب (الثاني) وأخيه يأزل بيّن ابني فارع ينهب في الحكم.
عاشرا: تلقب علهان نهفان وابنه شاعر أوتر بلقب ملكي سبأ وذي ريدان وهو ما يمكن اعتباره نتيجة لتحقيق بعض الإنجازات لسبأ على حساب حمير. ويبدو أن ذلك كان بعد الانتصار على حمير مباشرة، فتلقب شاعر أوتر بلقب ملك سبأ في بداية عهده يدل على أن سبأ في نهاية عهد أبيه كانت أضعف المتحالفين وأقل المستفيدين من التحالف، وأعتقد أن شاعر أوتر لقب نفسه بـلقب "ملك سبأ وذي ريدان بن علهان نهفان ملك سبأ وذي ريدان" بعد أن حقق أول انتصار له على إيل عزيلط ملك حضرموت في ذات غيل، وفي بداية مشاركته لأخيه حيو عثتر يضع (GL1371).
إحدى عشرة: تمثلت أهم الأحداث التاريخية في عهد علهان بدخول الأحباش واشتراكهم في الحياة السياسية لليمن وكان هذا بداية ظهور خطر الأحباش واحتلالهم لأجزاء من اليمن.
اثنتي عشرة: كما ظهر خطر الأعراب الذين هاجموا أراضي حاشد والعديد من المناطق التابعة لملك سبأ، ولأول مرة يعمل فيها الأعراب كجنود مرتزقه (أعراب ملك… ) في عهد علهان نهفان، وقد شكلوا خطرا كبيرا على سبأ في عهد شاعر أوتر من خلال تعاونهم مع الأحباش في الحروب التي دارت بين الطرفين.
ثلاثة عشرة: تمكن شاعر أوتر بعد حربه ضد حضرموت من مواجهة الأحباش وذلك من خلال الأموال والثروات التي غنمها من شبوة وقنا وغيرها من المدن الحضرمية. أربعة عشرة: لم تعد حضرموت بعد الحملات التي شنها عليها شاعر أوتر تشكل أي خطر على سبأ فلم تعد إلى سابق عهدها من شن الحملات على سبأ، ونتج عن أسر إيل عزيلط صعود أسرة جديدة إلى الحكم هي أسرة أحرار يهئبر التي كان لشاعر أوتر دور في القضاء على الثورة التي قامت بها ضد إيل عزيلط.
خمسة عشرة: تعود أقدم إشارة في النقوش السبئية إلى مملكة كنده التي قامت في أواسط الجزيرة إلى عهد شاعر أوتر وهذا يدل على أن نشوئها كان في عصر ملوك سبأ وذي ريدان أي في الوقت الذي كانت فيه سبأ تعاني من الكثير من المشاكل التي سببتها لها حمير وقتبان وحضرموت فلم يحدث بينها وبين مملكة كندة أي احتكاكات حتى قيام شاعر أوتر بإرسال الحملات العسكرية إليها، ويبدو أن هذه المملكة الناشئة قد أحست بخطر سبأ عليها وأنها في حالة استعادتها لقوتها ستسعى لبسط السيطرة عليها فقامت بالتحالف أو التعاون مع الأحباش آملة في انتصارهم على سبأ، ولكن النتائج كانت في غير صالحها فقد أدت الحملات التي أرسلها شاعر أوتر إليها وإلى القبائل الموالية لها إلى خضوعها أو موالاتها لسبأ.
ستة عشرة: وكان تعاون كندة وحاضرتها قرية ذات كاهل مع الأحباش هو بداية العلاقة القوية بين الطرفين التي أدت إلى اعتناق أهل قرية للمسيحية وبالتالي تعرضهم للتنكيل من قبل الملك الحميري يوسف أسأر يثأر وما أعقب ذلك من غزو الأحباش لليمن انتقاما لما حل بنصارى نجران، أو أن تلك الحادثة كانت السبب الذي استطاعوا من خلاله غزو اليمن.
سبعة عشرة: وصل نفوذ شاعر أوتر إلى منطقة نجران، وبذلك فقد أعاد لسبأ بعض مما فقدته أرباح التجارة فقد سيطر على مخارج القوافل المتجهة إلى قرية وإلى الشمال نحو البتراء وغزة.
ثمانية عشرة: كانت حملات شاعر أوتر على منطقة السهرت تأديبية ولم يستطع إخضاعها أو حتى القضاء على الأحباش نهائيا.
تسعة عشرة: إن النهاية التي منيت بها الأسرة الهمدانية تدل على:
ـ إما أن شاعر أوتر قد مات فجأة دون أن يترك أي وريث للعرش، هذا إذا كان أخوه حيو عثتر يضع قد تنحى عن الحكم في آواخر أيام حكمه كما يدلنا النقش الذي يعود إلى عهد لحي عثت يرخم والنقش الذي يعود إلى عهد الأخوين إيل شرح يحضب (الثاني) وأخيه يأزل بيّن.
- أو أن هناك ما أدى إلى نهاية غير طبيعية للأسرة متمثلا في تعرضه للقتل.
عشرون: ونخلص من خلال النقشين (Ja631), (CIH398) إلى أن الذي حكم بعد شاعر أوتر لم يكن أبنه أو من أسرته (أي لم ينتسب إلى أسرة يريم أيمن الهمدانية)، وإلى أن الفترة التي بين نهاية شاعر أوتر وحكم إيل شرح يحضب وأخيه يأزل هي فترة قصيرة أي أنها كانت فترة مضطربة بالتالي فإن لحي عثت يرخم وفارع ينهب لم يستمرا في الحكم مدة طويلة، ولا يوجد في النقوش حتى الآن ما يذكر لنا المصير الذي آلت إليه الأسرة الهمدانية ولا الكيفية التي انتهى بها حكم شاعر أوتر وأخيه حيو عثتر يضع. وعموما فإن قبيلة همدان تحتاج إلى دراسة موسعة تشمل الدور الذي لعبته في تاريخ اليمن القديم قبل وبعد الفترة التي تمكنت فيها أسرة يريم أيمن حكم سبأ.