أسباب الصداع النصفي
الصداع النصفي مثله مثل كثير من الأمراض، لا يزال سببه غير معروف على وجه اليقين! على أن الافتراض النظري الذي تؤيده بعض الأبحاث الحديثة، يذهب إلى أن تضيقاً في شرايين المخ يحدث بصورة مفاجئة وعارضة، ويؤدي ضيق الشرايين المخية وما يترتب عليه من نقص غاز الأكسجين الواصل إلى المخ، إلى توليد ظاهرة <النذير> التي سلف الكلام عنها·
وبعد زمن وجيز، يحدث توسع في الشرايين خارج المخ، وبخاصة شرايين الوجه و<فروة الرأس>، وتوسع هذه الشرايين هو المسؤول عن حدوث نوبة الصداع·
أما الألم المصاحب للصداع، فمصدره انطلاق بعض المركبات <الأمينية> (أي المحتوية على مجموعة <أمين> الكيمياوية، ورمزها <ن يد2>)، إما من الشعيرات الدموية في الأم الحانية، وإما من جدران شرايين الوجه وفروة الرأس، وهذه المركبات الأمينية أهمها الـ<هيستامين> و<المداة ب> والـ<براديكينين>· (<الأم الحانية> Piamather، غشاء رقيق يكوّن الطبقة الداخلية من أغشية ثلاثة تغلف المخ والحبل الشوكي)·
ويذهب الاعتقاد بين أوساط الباحثين إلى أن اضطراب كيمياء المخ الذي أدى بصورة أساسية إلى سلسلة الأحداث المكوّنة لنوبة الصداع النصفي، يحدث على فترات زمنية تتقارب أو تتباعد من مريض إلى آخر، وهذا هو السبب في حدوث نوبات الصداع النصفي في وقت ما، وعدم حدوثها في وقت آخر، بعتبير مختلف، فإن دورية اضطراب كيمياء المخ يؤدي إلى دورية أعراض المرض·
عوامل حاثة
الثابت من الملاحظة الطبية، ومن تقارير المرضى في وصف المرض، ومن بعض الأبحاث، أن هناك عوامل معينة تؤدي إلى حدوث نوبة من الصداع النصفي عند الشخص المصاب بالمرض·
من تلك العوامل، الإجهاد الشديد، سواء أكان بدنياً أم ذهنياً أم نفسياً· ويزداد احتمال حدوث النوبات إذا كان الإجهاد ناتجاً من ضغوط ملزمة بحيث لا تكون هناك فرصة للراحة، مثال ذلك الإجهاد الذهني الذي يتعرض له طالب يتعين عليه أداء امتحان في موعد محدد، والإجهاد الذهني والبدني الذي يتعرض له صحفي يتعين عليه أن يوافي صحيفته بتقرير عن حادث معين قبل وقت دفع الصحيفة إلى المطبعة، وغير ذلك من صور الإجهاد الملزم·
أما الإجهاد النفساني، فنتائجه تختلف عمَّا سبق لأنه يعرض الإنسان للانهيار العصبي، وغير ذلك من الأمراض، فالثابت أنه عامل قوي وراء حدوث نوبات الصداع النصفي، كما يرتبط الاكتئاب برباط وثيق مع الصداع النصفي ـ حسبما ظهر من دراسة حديثة أجريت على بعض المرضى بالصداع النصفي، إذْ اتضح أن الاكتئاب كان عاملاً في حدوث النوبات! ومن العجيب حقاً أن يكون الاسترخاء، وهونقيض الإجهاد، سبباً في حدوث نوبات الصداع النصفي! فقد لوحظ أن المصابين بالمرض يتعرضون لدرجة أكبر من نوبات الصداع في أثناء الإجازات والعطلات بحيث يصابون بها بصورة أكبر من أيام العمل الاعتيادية! هل يؤدي تغيير نمط الحياة اليومية إلى حدوث نوبات الصداع؟! سؤال لا جواب له!·
من العوامل الأخرى وراء الإصابة بنوبات الصداع النصفي، تعاطي المشروبات الكحولية، وقد يكون من السهل في هذه الحال فهم العلاقة بين الأمرين، ذلك أن الكحول له تأثير مباشر على المخ، فضلاً عن أنه يؤدي إلى توسع الأوعية الدموية·
لكن من غير المفهوم كيف يؤدي الجوع ـ وهو من عوامل الإصابة بنوبة ـ إلى حدوث الصداع النصفي!·
وليس الجوع وحده المثير للألغاز في هذا المرض· فحتى الطعام له دوره! ذلك أن الشيكولاته وبعض أنواع الجبن وغير ذلك من الأطعمة المحتوية على مادة الـ<تيرامين>، يمكن أن تولد نوبة من الصداع النصفي·
وبالنسبة للإناث من المرضى، تؤدي الدورة الشهرية إلى نوبات الصداع، وغالباً ما يحدث ذلك قبل الحيض، حين تكون الفتاة أو السيدة متوترة مشدودة الأعصاب، وكذلك فإن انقطاع الطمث، أي بلوغ سن التغيير، يمكن أن يؤدي إلى وقوع نوبات الصداع، ويبدو أن السبب في هذه الحالات راجع إلى اضطراب توازن الهورمونات في جسم الأنثى، وفضلاً عن ذلك، فإن تعاطي أقراص منع الحمل، وهي تحتوي على هورمونات، قد يؤدي إلى حدوث نوبات الصداع·
ومن العوامل المهمة التي لا يجب إغفالها، التعرض للضوء الباهر والأضواء الوامضة بصورة خاطفة وبعض أنواع الإشعاع، مثل ذلك الصادر عن جهاز الإذاعة المرئية <التلفاز>·
من حسن الطالع أن هذه العوامل لا تؤدي كلها إلى حدوث نوبات الصداع النصفي عند شخص واحد، وإلا كان معنى ذلك ألاَّ يسلم المريض من الصداع لحظة واحدة، وإنما يتأثر مريض بهذا العامل أو بذاك، بينما يتأثر مريض ثانٍ بعامل مختلف، وهكذا·
في المشاركة الأخير كيفية الوقاية والعلاج من هذا المرض.