المسيحية الصهيونية
مصطلح المسيحية الصهيونية لم يرد ذكرها خلال حقبة التسعينات من القرن الماضي,حيث تصنف هذه المدرسة ضمن الجماعات البروتستانتية الإنجيلية والحركة البروتستانتية الإنجيلية الذي يبلغ عدد أعضاءها 130 مليون نسمة في العالم.
حيث تُعرف هذه الجماعة بأنها من المسيحية الداعمة للصهيونية التي تحمل الفكرة الأساسية في تحقيق "نبوءة الله" من خلال توفير الدعم إلى "إسرائيل",لذلك فان "عودة اليهود" إلى فلسطين حجر الزاوية في الإيديولوجية الصهيونية المسيحية البروتستانتية وإنشاء وطن قومي لليهود ونشر الفساد أساسه مقدمة لظهور المسيح,نتيجة لهذا الفكر نشاً التحالف المُقدس ما بين الطائفة البروتستانتية واليهودية من أجل بناء ما يعرفونه باسم "الهيكل الثالث" فوق المسجد الأقصى المبارك.ويعتقدون أن تعزيز الهيمنة الصهيونية على فلسطين باعتبارها "أرض الميعاد" فان ذلك سيؤدي إلى تعميم البركة الإلهية على العالم كله.
تتميز البروتستانتية في الولايات المتحدة الأمريكية بهيمنة التيار الأصولي البروتستانتي وسيطرة الأصولية على البلاد,لذلك ترك لها حيزا كبيرا من التحرك على عكس باقي البلدان,لكن بداية نشأت المسيحية الصهيونية كانت في انجلترا في القرن السابع عشر وكانت مرتبطة بالسياسة,ولاسيما في تصور بناء الدولة اليهودية لتأكيد نبؤة الكتاب المقدس مع بدء الهجرات الواسعة إلى الولايات المتحدة الأمريكية,كما أخذت بعدا دوليا في توفير الدعم الكامل لليهود في فلسطين.
جذور هذه الحركة يعود إلى القرن الأول الميلادي إلى تيار ديني يسمى بظاهرة الألفية "العصر الألفي السعيد",والألفية معتقد ديني نشأ من المسيحيين من أصل يهودي,والذي يعود إلى البقاء في الاعتقاد أن المسيخ سيعود إلى العالم محاطا بالقديسين اللذين يملكون الأرض لألف سنة,لذلك سمي بالألفي.
هنالك تفسير تاريخي في الديانة المسيحية بأن الأمة اليهودية انتهت مع قدوم المسيح,وان خروج اليهود من فلسطين كان عقابا لهم,وان فلسطين هي ارث المسيح والمسيحيين,ولكن ظهور حركة الإصلاح الديني في أوروبا في القرن السادس عشر أشار إلى أن "اليهود هم شعب الله المختار" وأنهم الأمة المفضلة عند الله,لذلك فان عودة المسيح ثانية يرتبط بسيطرة اليهود على كل فلسطين.
في القرن التاسع عشر ميلادي,ظهر انقسام بين منظري المسيحية الصهيونية والمدارس الجديدة,بان اليهود البريطانيين تحولوا إلى المسيحية قبل أن يعودوا إلى فلسطين وأن اليهود الأمريكيين يعتقدون أن اليهود سيعودون إلى فلسطين قبل تحويلهم إلى المسيحية....
رئيس مدرسة الفكر الايرلندي القس الأمريكي "جون نيلسون" لعب بدوره دورا كبيرا في تعزيز دور الحركة المسيحية الصهيونية الأمريكية بنظرية الألفية خلال ستين عاما في الإذاعة,بينما الكاهن داويت مودي لعب دورا بالترويج لنظرية "شعب الله المختار",ويليام يوجين بلاكستون الذي ألف كتاب "المسيح أت" عام 1887 م لعب دورا بتأكيد نظرية "عودة اليهود" إلى فلسطين,إلا أن أكثر المنظرين تطرفا كان القس سايروس سكوفيلد الذي ألف كتاب بعنوان "مرجع سكوفيلد في الكتاب المقدس" عام 1917,وهو الكتاب الذي أصبح أول أشارة إلى الحركة الصهيونية المسيحية.
من بين السياسيين الأكثر شهرة الذين أسهموا بتأسيس المسيحية الصهيونية هو عضو البرلمان البريطاني اللورد شافتسبري السابع عشر الذي طالب بتوطين اليهود في فلسطين عام 1839,حيث نشر مقالا في دورية المراجعة السنوية بوجوب تشجيع "عودة" اليهود إلى فلسطين بأعداد كبيرة حتى يتمكنوا من حُكم الجليل و السامرة,وهذا الكلام قبل 57 سنة من ظهور الحركة الصهيونية العالمية,واللورد شافتسبري هو صاحب المقولة عن فلسطين واليهود:"أرض بلا شعب وشعب بلا وطن".
ثيودور هرتزل مؤسس الصهيونية الحديثة كان أول من استخدم مصطلح "الصهيونية المسيحية" والمسيحي المتصهين هو "رجل الله",مما يقدمه من مساعدة في تحقيق النبؤة من خلال دعم الوجود العضوي للوطن القومي اليهودي,هرتزل قدم أطروحة إنشاء الوطن القومي اليهودي في أوغندا أو العراق أو كندا بدافع ديني وقومي علماني,لكن المسيحية الصهيونية تعتقد بان فلسطين هي الوطن القومي لليهود كشرطاً لعودة المسيح,لذا تعرض هرتزل إلى الانتقاد منهم بوصفه متساهل.
معتقدات هذه الحركة ترجمت مع وعد بلفور عام 1917 م ,الذي أيد فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين,واتفق معظم البروتستانت الأمريكيين على هذه الفكرة,في واقع الأمر هنالك ثلاث نقاط رئيسية جمعت الطرفين وهما:
1-التراث المشترك ما بين المسيحيين واليهود.
2-الأخلاق المسيحية اليهودية.
3-الالتزام الأخلاقي والمعنوي لدعم الوطن القومي اليهودي في فلسطين.
ترجمت هذه النقاط من خلال تأسيس العديد من المؤسسات مثل "العلاقات بين المسيحيين والجمهور الإسرائيلي" و "الائتلاف الوطني الوحدوي لإسرائيل" و "منظمة ايباك",وجميع هذه المؤسسات مجتمعة سياسيا ودينية في دعم "إسرائيل".
يبلغ عدد أعضاء المسيحية الصهيونية 130 مليون نسمة في العالم, 40 مليون عضوا منهم في الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها,يسيطرون فيها على 100 محطة تلفازية أمريكية بالإضافة إلى 1000 محطة إذاعية أمريكية مع 80 ألف قسيس يعملون في مجال التبشير ودعم وجود "إسرائيل" ويجدون بُعدا في التفكير بزيادة الدعم الراديكالي لتأسيس "إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات" أي إسرائيل بحدودها في التوراة بما في ذلك الأراضي المحتلة الفلسطينية المحتلة عام 1967 وما بعدها.
لذلك فان وصول المسيحيين الصهاينة الأمريكيين إلى مدينة يافا عام 1866 لم يكن إلا مقدمة فكرية صهيونية سبقت اليهود أنفسهم في الفكر الصهيوني الحديث,ونلاحظ وجود خيوطه حاليا بوصول القوات البحرية الأمريكية إلى ميناء حيفا وكذلك اتخاذ قواعد عسكرية لها في مدينتي صفد والنقب,مع التنويه إلى أن الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذوكسية والأسقفية والإنجيلية اللوثرية أصدروا في الثاني والعشرين من شهر أغسطس أب عام 2006 من مدينة رام الله وثيقة في مجلس الكنائس العالمي برفض المسيحية الصهيونية واعتبارها متطرفة.