بسم الله الرحمن الرحيم
تأثير منهج المواد الدراسية المنفصلة في تطور منهج المواد الدراسية المترابطة
إعداد
أ. أسامة حمدان الرقب
الجامعة العربية المفتوحة
منهج المواد الدراسية المنفصلة
يعد منهج المواد الدراسية المنفصلة من أكثر أنواع المناهج الدراسية انتشاراَ في العالم أجمع وذلك لتقدمه ولسهولة بنائه.
يقول في ذلك أبو الفتوح رضوان :"وهو أهم أنواع المناهج وأوسعها انتشارا .وهو ليس كذلك لأنه أحسن أنواع المناهج .ولكن لأنه أقدمها ومن ثم أسهلها في الوضع وفي التدريس" ويرى الشافعي أن هذا المنهج "يقتصر على المواقف والخبرات النظرية التي تتم في الغالب في حجرات الدراسة أو هو المنهج الذي عني بميادين المعرفة المختلفة واختار بعضها ونظمه تنظيما معينا وقدمه للتلاميذ في هيئة معلومات ومعارف عليهم أن يحصلوها بطريقة ما".
إن هذا النوع من التنظيمات يعتمد تقسيم المناهج المدرسية فيها إلى عدد من المواد الدراسية مثل التوحيد والفقه والنحو والبلاغة والحساب والعلوم والتاريخ والجغرافيا. كما يهتم بترتيب المادة منطقيا من البسيط إلى المعقد ومن السهل إلى الصعب . كما يعتمد على فلسفة مبنية على أساس أن المعرفة جزء هام من التراث الثقافي للبشرية. كما أن هذا النوع من المناهج يستخدم الكتاب المدرسي كمصدر رئيس للحصول على المعرفة ونقل التراث من جيل لآخر وتنفيذ هذا المنهج يعتمد على دراسة التلميذ لمواد دراسية متعددة ومنفصل بعضها عن بعض ويقوم بتدريس كل مادة معلم مستقل عن الآخرين .
والمادة العلمية عادة تعد مسبقا وتنظم بشكل منطقي يعتمد على فلسفة محددة.
ومن هذا الوصف السابق نلاحظ أن هذا المنهج :
v يركز على المحتوى دون الاهتمام الواضح والكبير بالتلميذ ومراحل نموه وخصائص كل مرحلة من مراحل نموه كما أنه لا يعير حاجات التلاميذ كبير اهتمام.
v يعتمد تجزئة المعرفة الإنسانية إلى مجالات متخصصة .
v يرى أن تقسيم المعرفة الإنسانية إلى مجالات متخصصة يسهل دراستها لأن لكل مجال فلسفته ومنطقه الخاص به ويكفي التلميذ أن يلم بالحقائق والمفاهيم والمهارات التي يتضمنها كل مجال وأن يستوعبها , ويستند المعارضون لهذا المنهج على أسس أخرى تعزز رفضهم لهذا النوع من المناهج من أهمها ما يلي:
v تقسيم المعرفة إلى مواد منفصلة يودي إلى تفتيتها وتجزئتها وبذلك لا تساعد على تحقيق أهداف التربية
v إن ازدياد حجم المعارف الإنسانية يتضاعف كثيرا هذا العصر وبذلك يصعب على المدرسة أن تستوعب المجالات المتعددة في الوقت المخصص للمدرسة.
v المواد الدراسية وحدها لا تحقق النمو الكامل للمتعلم لأن عملية النمو لا تحصل بشكل مجزأ وإنما هي عملية متكاملة من جميع جوانبها.
v المواد الدراسية ليست كلها على نفس المستوى من حيث الأهمية أو من حيث قدرتها على تنمية مواهب المتعلم وقدراته لذلك فليس من المعقول ولا من الممكن أن تقدم هذه المواد كلها للمتعلم خلال الوقت المخصص للمدرسة
v يهتم بالمادة الدراسية بالدرجة الأولى ويعده هدفا بالدرجة الأولى .
v لا يهتم بميول الطالب ورغباته وحاجاته ومتطلبات نموه القدر الكافي من الإهتمام .
v منطق المادة الدراسية هو الذي يحكم كيفية عرض المادة .
v المعلم هو الذي سيقرر أي أجزاء المحتوى سيدرس وكيف سيدرسه.
وحين نتحدث عن منهج المواد المنفصلة نعود بأذهاننا إلى الفلسفات القديمة , فالمثالية كانت تركز على تنمية العقل وتزويده بالمعرفة, وكل هذه التنمية تكون على حساب البدن , فالبدن يأتي في درجة أقل من الأهمية , فأفلاطون كان يرى أن المعرفة موجودة مع العقل في عالم المثل , وأن البدن ينتمي إلى عالم الحس المليء بالشرور والآثام , وعندما حل العقل في عالم المثل انتقل إلى عالم الحس ونسي ما كان يعرفه من قبل , فصار من واجب التربية أن تساعده على تذكر ما نسيه , وبالتالي أعطيت المعرفة دورا أساسيا لكونها تعين الإنسان على الإقتراب من عالم المُثل, وتنهض بمستواه , وترفع من قيمته .
فالفكرة الرئيسية لمنهج المواد الدراسية المترابطة تأثرت بهذه النظرة , وبالتالي إن تقديم المادة من قبل المعلم هو تمكين الطلبة من حفظ المادة وتسميعها عند اللزوم .
وللكتاب المدرسي دور بارز في هذا النوع من التنظيم لأنه يضم بين دفتيه المحتوى المعرفي لكل مادة من مواد المنهاج , ويتم فيه عرض المادة بطريقة منطقية متسلسلة تتفق وطبيعة المادة الدراسية , فقد يتم هذا العرض من السهل إلى الصعب , أو من القديم إلى الحديث , أو من القريب إلى البعيد ,أو من البسيط على المعقد , أو من المحسوس إلى المجرد , كأن ننتقل من مفهوم العنصر إلى مفهوم الذرة أو الإلكترون .
منهج المواد المترابطة
يعد منهج المواد المترابطة امتدادا لمنهج المواد الدراسية المنفصلة وتعديلا عليه , ونتيجة لتطور البحوث التربوية والنفسية واكتشاف التربويون لعيوب منهج المواد المنفصلة .
وتعود فكرة الترابط بين المواد الدراسية على المربي الألماني هيرب (1776-1841) وتقوم على أساس الربط بين المعلومات الجديدة والمعلومات القديم أثناء تدريس التلاميذ وتقوم على خمس خطوات وهي :
v الإعداد والتمهيد
v العرض
v الربط والموازنة
v التطبيق
v التلخيص
ويقوم الربط بين مواضيع مشتركة تنتمي في جذورها إلى حقل أو مجال معرفي واحد , مع بقاء المواد نفسها منفصلة بعضها عن بعض .
فمنهج اللغة العربية قد يضم في ثناياه مبادئ أساسية من القراءة والكتابة والتهجئة والنحو والصرف وغيرها.
ويكون الربط عن طريق ربط المواد الدراسية معا , وإيجاد علاقات فيما بينها تساعد المتعلم على تبين هذه الروابط , ومكاملة المواد معاً بطريقة تساعده على فهم البيئة التي يعيش فيها والتعامل معها بفعالية
ظهرت صورتان للربط بين المواد هما :
v الربط العرضي: ويتم دون تخطيط سابق له أي بشكل عفوي أو مصادفة ( عشوائي )إذ قد يجتهد المعلمون في الربط بين المواد الدراسية التي يدرسونها فمثلا مدرس الجغرافيا قد يؤكد على استخدام بعض قواعد اللغة العربية وقد يتعرض لبعض الأفكار الخاصة بالرياضيات وهكذا, ولكن هذا النوع من الترابط لا يحقق النمو المتكامل للفرد ولم ينجح؛ لذلك ظهر الربط المنظم ؛ وكذلك قد يقوم معلم التربية البدنية بربط الحركات الرياضية بالعلوم عن طريق إبراز الجوانب الصحية للتمرينات الرياضية والتغيرات التي تحصل في الجسم نتيجة لذلك , وقد يقوم بتعليم الأطفال بعض العمليات الرياضية كحساب عدد أفراد كل مجموعة إذا قسم الصف لإلى خمس مجموعات أو أكثر أو أقل , كذلك قد يقوم معلم التربية البدنية يتعليم الطلبة كيفية تشكيل الدائرة والمربع في الوقت الذي يقوم معلم التربية الفنية بتعليم الطلبة رسم الدائرة والمربع .
الربط المنظم:
ويتم بناء على التخطيط من الوزارة حيث تنظم الكتب بشكل مواضيع دراسية متقاربة, فمثلا عندما يدرس تاريخ الخلافة الراشدية أو العهد الأموي أو العباسي فإن الربط المنظم يقضي إبراز الأدب في تلك الفترة وهذه الطريقة تشجع العاملين على التخطيط لأسلوب تدريس هذه المواد وإبراز العلاقة التي تساعد التلاميذ على التعلم أفضل ,فقد يوجه الطلبة لدراسة جغرافية الأمة الإسلامية في العهد الذي يدرسه التلاميذ .
, كذلك قد يوجهون لدراسة النواحي السياسية أو الاقتصادية في تلك العصور أيضا وفي هذا التنظيم يتحمل التلاميذ مسؤولية كبيرة في إظهار الربط بين المواضيع المختلفة .
آلية التنفيذ :
قد تتم من معلم واحد حسب قدرته ورغبته واقتناعه بأهمية الربط بين المواد الدراسية المتضمنة في المنهاج , أو بالتعاون بين معلمين أوأكثر في المدرسة الواحدة , بحيث يدرسون مواد ذات علاقة بعضها ببعض بشكل متزامن كأن يقوم معلمة الرياضيات بتدريس موضوع التفاضل في الوقت الذي يدرس فيه معلم الفيزياء موضوع التسارع مثلا , أو يقوم مدرس العلوم بتدريس موضوع الضغط الجوي في الوقت الذي يدرس فيه الطلبة موضوع المناخ والتغيرات الجوية والعوامل المؤثرة عليه في المناطق الجغرافية المختلفة , أو يدرس صفات الحيوانات أو النباتات في الوقت الذي يدرس فيه الطلبة البيئات المناسبة لحياة هذه الكائنات الحية في مادة الجغرافيا , وتحتاج عملية الربط عادة إلى تخفيف القيود على وقت الحصة بأن يترك للمعلم الواحد أومجموعة المعلمين حرية دمج وقت حصتين أو أكثر معا لتوفير وقت كاف لعملية الربط .
إن منهج المواد المترابطة لم يتمكن من حل مشكلة الانفصال الموجود بين المواد الدراسية , كما أنه يتطلب مجهود من المدرسين وكذلك من الطلبة لتحقيق الربط والتي قد لا تتحقق .
أوجه الاختلاف بين المنهجين ( المواد المنفصلة والمواد المترابطة )
منهج المواد الدراسية المنفصلة : لا يساعد الطلبة على تبيين العلاقات بين المواد الدراسية المختلفة , وعلى مواجهة المشكلات الحياتية التي تحتاج معالجتها إلى استخدام جميع الخبرات التي يمتلكها الطالب
منهج المواد الدراسية المترابطة : يساعد الطلبة على تبيين العلاقات بين المواد الدراسية المختلفة , وعلى مواجهة المشكلات الحياتية التي تحتاج معالجتها إلى استخدام جميع الخبرات التي يمتلكها الطالب .
منهج المواد الدراسية المنفصلة : الطالب يحصل على الخبرات والمعرفة في هذا المنهج بشكل مجزأ .
منهج المواد الدراسية المترابطة : يحصل على المعرفة و الخبرات في هذا المنهج بشكل مجمعة , وهذا ما يساعد الطلبة على تبيين المشكلات بشكل أفضل .
منهج المواد الدراسية المنفصلة : تعصب المدرسين لموادهم كل على حدا نتيجة لاتباع هذا المنهج أقل حدة من تعصب المدرسين في منهج المواد المترابطة .
منهج المواد الدراسية المترابطة : تعصب المدرسين لموادهم كل على حدا نتيجة لاتباع هذا المنهج أكثر حدة من تعصب المدرسين في منهج المواد المنفصلة .
أزجه التشابه بين المنهجين ( المواد المنفصلة والمواد المترابطة)
يتشابه كل من المنهجين في أنهما:
v يساعدان في الحافظة على التراث ونقله من جيل إلى جيل .
v تعالج المعرفة في دوائر البحث العلمي على أسس تخصصية .
v يساعدان في تسهيل عملية التعليم في المدارس .
v تبرز هذه المناهج أهمية المعرفة في إعداد الطلبة للحياة وتعلمهم .
v يتشابهان في الصفات والعيوب .
صورة توضح المواد المنفصلة للصف الرابع والتي تدرس كل منها على حدا دون أي ارتباط
صور لمعلم التربية البدنية يعلم الطلبة قيم التعاون أثناء ممارسة النشاط الرياضي بالتنسيق مع معلم التربية الإسلامية الذي يعلم الطلبة قيم وفوائد التعاون في ديننا الحنيف وأثره على المجتمع كمثال على تنسيق المعلمين عند اتباع منهج المواد المترابطة .
صور تبين كيفية الربط بين تعلم رسم الدائرة في مادة التربية الفنية وارتباطها مع تعلم تشكيل الدائرة في مادة التربية البدنية كمثال على منهج المواد المترابطة .
المراجع
1. الشافعي,الكثيري, (1996) المنهج المدرسي من منظور جديد ,مكتبة العبيكة , الرياض .
2. بشارة, جبرائيل ,(1984) المنهج التعليمي, دار الرائد العربي, بيروت.
3. الوكيل , حلمي وآخرون (1982)أسس بناء المناهج وتنظيماتها ) مطبعة حسان , القاهرة.
4. سرحان , الدمرداش (1983) المناهج المعاصرة , مكتبة الفلاح , الكويت .
5. عميرة, البسيوني (1986) المنهج وعناصره ) دار المعارف , القاهرة .
6. ابراهيم ,فوزي طه ( 1987 )المناهج المعاصرة, مكتبة الطالب الجامعي , مكة المكرمة .
7. أبو زينة وآخرون (2004)المناهج وطرق التدريس ,الجامعة العربية المفتوحة , الكويت .
إعداد : أسامة الرقب
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]