هو إدوارد الأول Edward I ملك إنكلترة (1274- 1307)، كان يعرف بجستنيان الإنكليزي لدوره التشريعي. ولد في وستمنستر، وهو الابن الأكبر لهنري الثالث الذي منحه إقطاعيات شاسعة من الأراضي في ويلز وغربي إنكلترة وغسقونية. وحين أصبح في الخامسة عشرة تزوج من إلينور الأخت غير الشقيقة لألفونس العاشر القشتالي.
وبعد عام 1255 اجتمعت حول إدوارد قوى المقاومة الملكية لتناهض جماعة البارونات التي كان يقودها سيمون دي مونفور Simon de Montfort، والتي حاولت إبعاد مستشاري أبيه الملك هنري وتسلم مقاليد الحكم في إنكلترة.
وبعد صراع طويل هزم إدوارد في لويس Lewes بتاريخ 14 أيار من عام 1264، واقتيد أسيراً إلى دوفر Dover، لكنه سرعان ما لاذ بالفرار وأعاد تنظيم قواته وهزم البارونات نهائياً نحو عام 1266 واستقر الأمر للملك هنري الثالث.
وبعد عودة الهدوء إلى إنكلترة التحق إدوارد بالحملة الصليبية التاسعة (1271- 1272)، لكن وفاة الملك لويس في تونس جعلته يتوجه إلى صقلية حيث أمضى فصل الشتاء. وإبان الحروب الصليبية أبحر إلى عكا ومكث فيها قرابة سبعة عشر شهراً وعاد من الأراضي المقدسة عند سماعه نبأ وفاة والده، ولم يصل إلى البلاد إلا بعد سنتين حيث توّج ملكاً في لندن في 19 آب عام 1274.
برز إدوارد في السنوات الست عشرة التالية في الدبلوماسية والقضاء والإدارة. وكانت العلاقات بينه وبين ملك فرنسة قد ساءت نتيجة التعقيدات التي نشأت عن التسوية بين لويس التاسع وهنري الثالث، فاجتمع سنة 1279م بالملك فيليب الثالث ملك فرنسة لتسوية الخلافات بينهما حول منطقة النورماندي، ونجح بين عامي 1286 و 1289 في تهدئة الأوضاع في القارة الأوربية. وأخمد ثورة إمارة ويلز في إنكلترة نحو عام 1283، وأعدم آخر أمرائها المستقلين بتهمة الخيانة، وأتم عمله هناك ببناء القلاع القوية، وإدخال نظام القضاء وقانون العموم الإنكليزي Unwritten Common Law وأصبح لقب «أمير ويلز» تقليداً يمنح لورثة التاج الإنكليزي الشرعيين.
كان إدوارد قد عقد العزم على إيجاد حكومة مركزية قوية بتعديل قانون العموم الإنكليزي، وأعطى صفة مميزة لقوانين الأملاك غير المنقولة، وعمل على اجتذاب التجار الأجانب بوضع تسوية عاجلة وحازمة لمنازعات الديون، وعلى استعادة الحقوق الملكية الضائعة من النبلاء المغتصبين، كما عمل على تحديد اختصاص المحاكم الملكية المختلفة، والإجراءات الأولية في مجموعة قوانين العدالة بديلاً عن المحاكمة بموجب أعراف قانون العموم التقييدية. ولم تكن قوانين إدوارد موجهة ضد الإقطاع إلا أنها بمجملها وضعت حداً لسيطرة الإقطاع السياسية.
كان إدوارد قادراً على الانفراد بالحكم، ولكنه اعتمد على مبدأ القانون الروماني القائل إن كل ما يهم الجميع يجب أن يتم بموافقة الجميع، واكتسب العبرة من الحوادث السابقة في عهد والده، فشجع تطور البرلمان ليكون منبراً للمناقشة يهدف إلى تقويم المظالم، وضمان الموافقة على جمع الضرائب، واختبار طباع شعبه. ومع أن البرلمان النموذجي Model Parliament سنة 1295 لم يكن الأول في تاريخ إنكلترة، فإنه يعد النقطة البارزة التي أصبحت عندها هذه المؤسسة جزءاً دائماً من آلية الحكومة الإنكليزية.
اتسمت السنوات الأخيرة من عهد إدوارد بالكوارث داخل البلاد وخارجها. ففي سنة 1294 ثارت بلاد ويلز مجدداً فأخضعها قبل نهاية الصيف التالي، وفي الوقت نفسه أقامت فرنسة واسكتلندة تحالفاً في وجه إنكلترة. وقبل انقضاء السنة المذكورة اتسعت دائرة الحرب مع فرنسة لتشمل اسكتلندة أيضاً. وأدى الإجهاد المالي المفرط الذي حل بالمملكة إلى انبعاث معارضة البارونات من جديد.
ومع حلول عام 1306 كان الملك العجوز قد نجح في عقد صلح مع فرنسة والانتصار على اسكتلندة، وكبح جماح ثورة نبلائه. لكن ثورة الاسكتلنديين الوطنيين من جديد، اضطرت إدوارد إلى التحرك ثانية لإخمادها. ففاجأه المرض في الطريق ومات في بورغ - أُن - سَندس Burgh- on- Sands قرب الحدود، وبموته انتهى عهد متألق من تاريخ إنكلترة.