basma mostafa kadry New Member عضو جديد
الابراج : عدد المساهمات : 37 تاريخ التسجيل : 10/10/2009 العمر : 42
| موضوع: إطلالة على الشعر الشعبى العربى عبر العصور السبت 29 مايو 2010, 5:15 pm | |
| إن أى حديث عن التراث العربى سوف يتسيد فيه تراث اللغة بلا شك، اللغة العربية الفصحى أولاً ثم العاميات العربية والفولكلور بشكل عام ويشتمل على جانبين أساسين هما :- أولاً : الفنون القولية وما يتعلق بها ويتبعها. ثانياً : الفنون الشعبية المادية، أعنى الأدوات والملابس والمساكن .. إلخ. وما يخصنا الآن هو الجانب الأول .. الفنون القولية وتوابعها .. لا مفر لنا من الحديث عن اللغة بما هى قوام الفنون القولية.. وبالنسبة للغة العربية فنحن دائماً أمام مستويات ثلاثة لهذه اللغة اصطنعتها أمتنا عبر عصورها وفى أقطارها المختلفة للتعبير عن ذاتها وصياغة ثقافتها هذه المستويات هى :- 1) اللغة العربية الفصحى المعربة. 2) اللغـة العربية بين الفصحى والعامية (الملحونة أو العارية من الإعراب) 3) العامية أو اللغة الدارجة فى الاستعمالات اليومية.. أما عن الفصحى وهى الأم فما عادت لغة يومية لأىِّ من الشعوب العربية لذا فإن تراثها من العصر الجاهلى وحتى الآن هو تراث عربى أصيل لكنه يقع خارج دائرة الفلكلور ليستقر ضمن التراث الرسمى بحكم أنها لغة القراءة والكتابة وليست لغة المشافهة ولأنه أيضاً حتى فى أيام الفصحى الذهبية أى قبل الفتوح الإسلامية فإن أدباءنا ومفكرينا ميزوا بين أدب الخاصة وأدب العامة .. مجالنا الآن إذن يهتم بالمستويين الثانى والثالث فهما الوعاءان اللذان يحويان الفنون القولية الفولكلورية العربية.. وفيهما نجد أشعاراً ملحونة كما نجد الزجل والمواليا والسيّر مثل عنتـرة بن شداد والزير سالم وسيف بن زى يزن والف ليلة وليلة والأميرة ذات الهمة وحمزة البهلوان والظاهر بيبرس وفيروز شاه وسيرة بنى هلال وتغريبتهم إلى غير ذلك من السيّر والملاحم الشعبية وقد أطلق الجامعيون فى مصر على كل هذا الخليط اسم الأدب العامى كما ويتضمن المستوى الأخير بالتحديد (اللغة العامية الدارجة) بما هو الوعاء الأكبر فنوناً مثل الشعر الشعبى والأغانى الشعبية بجميع ألوانها وبما يرافقها من ألحان وموسيقى وحكايات وأمثال ونكت وطرائف وكل أشكال القولى الشفاهى ومن عجب أن يظل هذا النوع حيّاً رغم تقلبات الأحوال والعصور وذلك لأن دورانه على الألسن والشفاه وليس على الورق يكون بمثابة دوران الدم فى عروق الكائن الحى لذا فهو يرفض أن يجمد لكنه يتغير ويتنوع ويتطور باستمرار لأن ما يشكله هو ذاكرات وأناس فى مواقف معينة وفقاً لمواهبهم المبدعة وتلبيةً فوريةً لاحتياجاتهم ... ثمة نقطة هامة أحب أن أؤكد عليها مرتبطة بعملية التنوير حيث يأتى دور الأدب العامى أكثر أثراً من أدب الفصحى وذلك لأن أدب الفصحى بماله من خصائص ومميزات يظل فوق مـدارك العامة مما يقلل أو يضعف تفاعلهم معه ويضعف بالتالى تأثيره فيهم بخلاف الأدب العامى الذى واسطته فى مجتمعه عامة الشعب فهو بحكم عفويته وبساطته ومجاراته لأحـداث الساعة وانتقاله السريع مشافهة يكون له النفوذ الطبيعى على جميع طبقات المجتمع .. وبالنظر إلى الشعر الشعبى أو العامى تحديداً سنجده يرتبط بتقاليد الشعر العربى الفصيح ليس بتقاليده فقط وإنما أيضاً أغراضه وهذا الارتباط أسس للتشابه والتجانس بين جملة ما أُنتج فى أدبنا العربى من شعر على اختلاف البيئات والعصور فهما فى نظرى مرتبطان دائماً ببعضها البعض ولا أتخوف من أحدهما على الآخر .. وقد أدركت المؤسسات الثقافية والأدبية فى عصرنا الأنى ما للأدب العامى من أهمية وفعالية فى توجهـات الشعوب وقيادتها فاعتنت به ولعل خير شاهد على ذلك هو الاهتمام بطباعته وجمع تراثه وإعادة طباعة أمهاته ومصادره القديمة (مثل ألف ليلة وجلجامش إلخ) .. وثمه مقولة أحب أن أشير إليها فى هذا المجال لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين من كتابه (الحياة الأدبية فى جزيرة العرب) حيث قال : ( لسوء الحظ لا يُعنى العلماء فى الشرق العربى بهذا الأدب الشعبى عناية ما لأن لغته بعيدة عن القرآن، وأدباء المسلمين لم يستطيعوا بعد أن ينظروا إلى الأدب على أنه غاية تطلب لنفسها، وإنما الأدب عندهم وسيلة إلى الدين ... وهذا الأدب الشعبى - وإن فسدت لغته - حى، قوى، له قيمته الممتازة من حيث أنه مرآة صافية لحياة منتجيه). ولعل مصير اللغة اللاتينية كان يلوح دائماً فى عقول المثقفين العرب مما جعلهم لوقت طويل يُعرضون عن دراسة الآداب العامية وجمع تراثها والعناية بها خشيةً من مداهمة العامية للفصحى فى قصورهم بحيث تحل العامية مع تطاول الزمن محل الفصحى وتزيحها نهائياً فتضيع الفصحى وبالتالى القرآن والدين والتراث العربى وتفقد الأمة بذلك أهم عناصر ومقومات وحدتها .. ولكن هذا التخوف الآن قد عفا عليه الدهر ولم يعد ذا بال بعد أن تأكد للجميع أن القرآن ولغة القرآن أقوى وأرسخ من أن يزعزعها أو يهدمها أى اهتمام بلهجة عامية ... وثمة رأى أثبته بعضُ مؤرخى الأدب العامى عن بدايات شعر العامية فى عهد هارون الرشيد وبعد أن تم للإسلام فتوحاته العظيمة ودخلت إلى الإسلام ألسنة أعجمية كثيرة كانت اللغة العربية ثقيلة عليها فانتشر اللحن فى اللغة وهم يثبتون هذه الواقعة المشهورة حيث أمر هارون الرشيد بعدم رثاء البرامكة بعد أن نكل بهم بسبب خلافه مع وزيره جعفر البرمكى بشعر عربى فقامت جارية لرثاء البرامكة بشعر ملحون أى عارى من الإعراب وكانت قصيدتها هى أول ما قيل فى فن المواليا ولكننا لا نميل للأخذ بهذا الرأى على كل حال اللهم إلا على أنه بداية فن قولى هو (المواليا) (الذى ظهر فى بغداد بالفعل وتنطوى تحته فنون قولية كثيرة منها: القُوما، وكان كان، ودوبيت .. وتبعهم المصريون فى ذلك وأتوا فيها بالغرائب وتبحروا فى أساليب البلاغة بمقتضى لغتهم الحضرية فجاءوا بالعجائب) (ابن خلدون فى المقدمة ص 1157) ولعلنا نميل إلى أن البدايات كانت أبعد من ذلك بكثير إذا ما ارتبطت العملية باللهجات حيث كانت دائماً هناك لغة عربية لكل العرب يكتب بها القصائد والمعلقات وتنشد فى الأسواق الأدبية الكبرى مثل سوق عكاظ كما كانت هناك فنون قولية شعرية أخرى هى أكثر غنائية فى الترنم بها مثل الحداء والأراجيز وأعتقد أنها كانت تختلف من لسان قبيلة إلى أخرى.... وعلى كل حال فإذا كان للمواليا وما ينضوى تحته من فنون القوما والكان كان والدوبيت مكانه الفارق فى هذه القضية فإن القضية لم تأخذ شكلها الحاد إلا مع ظهور الموشحات والأزجال. الموشحات والأزجال :- استطاع الأندلس أن يحدث شيئاً جديداً فى الشعر العربى يتجاوب إلى حد كبير مع البيئة الأندلسية بما فيها من ترف ولذة ونعيم ألا وهو الموشحات والأزجال التى أحدثت موجة واسعة من الغناء والموسيقى فشاع الغناء وشاعت الموسيقى وكثر المغنون والمغنيات وظهرت الجوقات واتصل كل ذلك بالشعب وأعياده ومواسمه ومن هؤلاء المغنيين والمغنيات زرياب الذى أضاف وتراً خامساً للعود وفضل وقمر وسلاّمه وغيرهن. ازدهرت الموشحات وكان المطوّر لها مقدم بن معافى القبرى من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المروانى الأموى (888 -912) وأخذها عنه أبو عبد الله أحمد بن عبد ربه صاحب كتاب (العقد الفريد) ثم برع فى هذا المجال بعدهما عبادة القزاز ثم كثر الوشاحون.(كتاب عالم المعرفة للدكتور محمد زكريا عنانى) وتختلف الآراء حول الأصل الذى نشأت عنه الموشحات فابن خلدون يرى أن الموشح كان اختراعاً أندلسياً وأن المخترع له هو مقدم ابن معافى القبريرى .. أمّا الدكتور شوقى ضيف فى كتابه (الفن ومذاهبه فى الشعر العربى ص 451) فيرى أن الموشحات الأندلسية ما هى إلا تطوير لأصول سبقتها فى المشرق العربى حيث يقول (إنما نؤمن بأنها تطور تم هناك للمسمطات والمخمسات التى عرفت فى العصر العباسى الأول). والموسوعة العربية الميسرة تأخذ برأى ابن خلدون .. ما علينا، المهم إننا نستطيع القول أن العنصر العربى والعنصر الإسباني امتزجا فأوجدا الفرصة لأدب عربى جديد. والموشح مقطوعات منوعة القافية وينتهى بخارجه فى لغة رومانسية تمثل ازدواج اللغة فى الشعر العربى لأول مرة .. وظل الموشح عربياً فصيحاً لكن تنوعت فيه القافية وزيدت الخارجة ورغم انتشار الموشحات وذيوعها واستساغة بعض نقاد الشرق لها فقد ظلت نوعاً ثانوياً فى الأدب العربى بالمقارنة مع بقية الأنواع الأدبية الأخرى وتصف الموسوعة العربية الميسرة نظام الموشح كالآتى :- 1) مطلع ويسمى المذهب أو الغصن ويضم بيتاً أو بيتين. 2) دور أو سمط (قافية مختلفة) (شطران أو أربعة أو خمسة أو أكثر أقصاه 7) 3) القفلة أو القفل ويماثل قوافى المطلع وتتنوع قوافى بقية الأقسام وعدد أبياتها فهو بذلك شبيه بالوشاح يتصل طرفاه فى دائرة واحدة وترجع التسمية أساساً للصياغة اللحنية له حيث يتصل النغم فى الأدوار كما يتصل فى المطلع والخارجة أو القفل ... الزجل : يرى ابن خلدون أنه لّما شاع فن التوشيح فى أهل الأندلس وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه نسجت العامة فى الأمصار المختلفة على منواله بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيه إعراباً فاستحدثوا فناً سموه بالزجل والتزموا النظم فيه فجاءوا بالغرائب والعجائب من القول واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة وأن أول من أبدع هذه الطريقة الزجلية هو أبو بكر من قزمان يقول ابن قزمان فى مقدمة ديوانه : "لما اتسع فى طريق الزجل باعى، وانقادت لغريبه طباعى، وصارت الأئمة فيه حولى وأتباعى وحصلت منه على مقدار لم يحصله معى زجال وقويت فيه قوة نقلتها الرجال عن الرجال عندها أبنت أصوله وتبينت منه فصوله وصفيته عن العقد التى تشينه، وسهلته حتى لان ملمسه ورق خشينه وجردته من الأعراب والاصطلاحات تجديد السيف عن القراب". وإذا مضينا مع ابن خلدون فى حديثه عن الزجل فى عصره (القرن الرابع عشر الميلادى) سنعرف أن الزجالين نظموا فى سائر البحور لكن بلغتهم العامية وكانوا يسمونه الشعر الزجلى. أما الدكتور شوقى ضيف فيرى أن نتلقى آراء ابن خلدون بشئ من التحفظ والحذر فى عملية سبق الموشح للزجل ويـرى أن الزجل نشأ مع الموشح مباشرة أو ربما سبقه وأن من الممكن القول أنهما فن واحد ذو شعبتين إحداهما تغلب عليها الفصاحة (الموشح) والأخرى تغلب عليها العجمه (الزجل). وأخيراً فإن أدبنا الشعبى بصفة عامة كأدب الفصحى ينقسم إلى منظوم ومنثور وكما ينقسم المنظوم إلى قصائد تغنى بمصاحبة الربابة وأغان ومواويل تغنى على الأرغول أو على إيقـاع الطبلة أو الدربكة أو أخيراً الموسيقى المتطورة فإن أغانينا الشعبية لها تراثها الفنى المتنوع الألوان المتعدد الفنون فمنها. العتابا والدلعونا، ويا زريف الطول، وعاليا دى اليادى، ويا غزيل ويا هويدلى، وليابليا، والسامر، الزفة، والزجل، والشوباشى أو الواو، وشحتة المطر (الاستسقاء)، غير ذلك كثير المسحراتى وأغانى الحج وقد وجُدت بين أوزانها معظم البحور المستعملة فى الشعر العربى الفصيح. وأحب أن أنوه إلى أهمية الجانب المنثور فى أدبنا الشعبى بالنسبة للشعراء فهو غنى جداً بالحكايات الشعبية والأمثال والأقوال الحكيمة والنكت والنوادر ونداءات الباعة والألغاز إلى غير ذلك مما يساهم فى ثراء الشاعر المطلع على هذا التراث ... | |
|