Esraa Eman Hussein{Admin} Admin المدير العام للمنتدى
الابراج : عدد المساهمات : 4049 تاريخ التسجيل : 15/06/2009 العمر : 35 الموقع : www.esraa-2009.ahlablog.com
| موضوع: فلسفة الإبداع وفقه الإبداع الثلاثاء 23 نوفمبر 2010, 11:09 pm | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] فلسفة الإبداع وفقه الإبداع المامون حساين لا يخفى على متتبع إنتاجات الأستاذ طه، أنه يقسم مكتوباته إلى شقين: علمية وفلسفية. الأولى متمثلة في مشروع "فقه الفلسفة"، والثانية تبتدئ بـ"العمل الديني وتجديد العقل "وتسعى لإنشاء فلسفة أخلاقية مبدعة متصلة بالمجال التداولي الإسلامي. وقضية الإبداع الفلسفي من القضايا التي بحثها الأستاذ طه في الشقين معا. بحثها فلسفيا في "الحق العربي في الاختلاف الفلسفي" وفي "حوارات من أجل المستقبل"، وبحثها علميا في "فقه الفلسفة" وهو مشروع علمي من أربعة أجزاء خصص الأستاذ طه أولها للنظر في إشكالية الترجمة التي يرد إليها، كما سنرى، إشكالية التقليد الذي عم القول الفلسفي العربي. وفي ثانيها بحث القول الفلسفي وهو مؤلف، بدوره، من ثلاثة أجزاء لم يظهر منها إلا الجزء الأول الخاص بالمفهوم أما الجزءان الآخران الخاصان بالدليل والتعريف، والجزءان الأخيران من المشروع ككل، أي "فقه المضمون الفلسفي" و"فقه السيرة الفلسفية" فلم تظهر بعد، مما يعني أن المشروع لم يتم نشره كاملا، وأن النظر فيه نقدا وتقويما قد يكون مجازفة ما لم تكتمل الصورة. والفرق بين النظر العلمي في الفلسفة والنظر الفلسفي فيها، أن الأخير لا يمكن إلا من رؤية داخلية تأملية لا تسمح بكشف قوانين التفلسف. فوجب وضع منهج فوق فلسفي يدرس الفلسفة «كما يدرس العالم الظواهر المعرفية»، وقد سطر الأستاذ طه لنمطه المعرفي المستحدث أركانا وأهدافا، وفصله عن التوجهات الفلسفية التي قد يرتبك المتلقي فيخال المؤلف ساقطا في تقليدها، أو سائرا في مسارها كالوضعية المنطقية، والفلسفات الخطابية بتوجهات الثلاث الكبرى: التفكيك، والتأويل، والحفر. وقد بدل الأستاذ طه مجهودا نظريا كبيرا في تأسيس تلك الأركان والفصول لأنه في كل منها يأتي بكلام استقر نقيضه في الأذهان حتى نزل فيها منزلة المسلمات. ومثال ذك اتخاذه الفلسفة موضوعا للبحث العلمي، كركن أول من أركان العلم الجديد، فقد اضطر أن يرد دعاوى سادت منذ قرون ككون الفلسفة أشرف العلوم وأوسعها، حتى يبرر إمكان وجود نمط كعرفي آخر يدرسها. إذ لا يصح ادعاء دراسة نشاط معرفي بنشاط أقل منه، منشئا بذلك ما سماه بـ"مبدأ التجاوز" الذي يقضي أن تكون لكل معرفة معرفة تدرسها، ولا يمكن أن تكون هذه المعرفة من جنس المدروس كأن ندرس فلسفة بفلسفة إذ ستتطابق معها فلا يبقى إلا أن يدرس كل نمط معرفي بنمط مخالف له، وهو ما أطلق عليه الأستاذ طه "ّمبدأ التمايز". وجمع مبدأي التجاوز والتمايز يوصلنا إلى مبدأ آخر هو "مبدأ التعاقب" «ومقتضاه بالذات هو إقرار التناوب بين رتبة الفلسفة ورتبة العلم، فيكون فوق الفلسفة علم كما يكون فوق العلم فلسفة». وسوف لن ننقل أركان فقه الفلسفة، كما نكتفي بتلخيص أهدافه في كشف قوانين القول الفلسفي لإقدار العربي على التفلسف، لنمر لرد اعتراضين أساسيين، الأول ورد على الأستاذ طه عبد الرحمن مرارا، وهو الخلط بين الفلسفة والفقه. والثاني قد يرد علينا وهو أن الأستاذ طه لم يفرق بين النظرين الفلسفي والعلمي في منتوجه بل عده جميعه علميا. ومنشأ الاعترض الأول، الذي ما يفتأ يردد على الألسنة شيئان: 1. أن لفظ الفقه قد أخذ معنى اصطلاحيا ربطه بالعلوم الشرعية فغطى ذلك على معناه اللغوي الأصلي الذي يقصده الأستاذ طه. 2. أن مطلقي هذا الاعتراض لم يقرؤوا كتب الأستاذ طه إطلاقا، وإلا لوجدوه في الجزء الأول من "الفقه" يبين أسباب اختياره للفظ الفقه دون غيره من الألفاظ كالمعرفة والعلم. وأدلته في ذلك لغوية صرفة. ولعل ما كان قد عرفه الذين ما يفتأون يشمئزون من كل ما له علاقة بالدين من ميول الأستاذ طه الصوفية قد فهموا من لفظ الفقه هنا معنى دينيا صرفا فصاروا يطلقون الأحكام دون الاطلاع على مكتوب الرجل أصلا، كيف لا وقد تحدد النقد عندهم بالهدم لا بالاشتراك في الوصول إلى الحقيقة، التي تحددت عندهم بدورها في مذاهبهم السياسية؟ ولولا أننا مقالة لا يتسع المقام ولا الوقت فيه، لسقنا أدلة الأستاذ طه على مذهبه هذا مدعمة بما يكفي من الأدلة اللغوية من معاجم العرب المعتبرة التي اجتهدنا في جمعها. ولقلبنا هذا الأمر على أوجهه الممكنة جميعا كالافتراض، من باب الجدل، أ، الأستاذ طه قصد علم الفقه فعلا وليس لفظ الفقه، فندخل في دراسة إمكان دراسة وتقويم الفلسفة بآليات الفقه، ثم بمضامين الفقه. ولخرجنا من ذلك بنتائج تقشعر منها جلود الذين ما يفتأون يرون الفلسفة فوق كل قطاع معرفي. أما نحن فلا نرى في دراسة الفلسفة بالفقه آليات ومضامين إلا إعادة تقويم لمسارها الذي اعوج، أو قلت تهود، فحمل للإنسان من الويلات أكثر مما حمل من النفع، وضيق آفاقه أكثر مما وسعها. وهل بعد حصر الحياة في العاجل ضيق؟ أما الأستاذ طه فقد كان منطقيا مع نفسه بتفضيله للفظ الفقه الذي مكنه من الجمع بين النظر العلمي والعملي في الفلسفة. وهذا، لعمري، تجديد كبير في النظر إلى المذاهب الفلسفية التي لا نساءل أصحابها في قدرتهم على التمسك العملي بها. فجاء الجزء الرابع من الفقه ليسد هذه الثغرة. ولعل إغفال هذا الجانب من قبل المتلقي العربي هو الذي جلب عليه آفات عديدة، أوضحها، الاعتقاد القاطع في صدق الفلاسفة الغربيين فيما يحكونه عن أنفسهم؛ كتخلي ديكارت عن عقيدته المسيحية في مرحلة الشك، ونصرة سارتر للمستضعفين بنقده الاستعمار. إذ لم ينظروا في حالة ديكارت إلى مدى تحقق الشك المزعوم في حياته. ولم ينظروا في حالة سارتر إلى ما سكت عنه من جرائم اليهود ولا إلى سبب سكوته عنها. ولا إلى اعتذارات فوكو بالسفر كي لا يدلي بآرائه في الثورة الجزائرية، إذ اعتذر بغيابه في السويد وألمانيا وبولونيا. وهو نفس العذر الذي قدمه بخصوص رفضه التعليق على أحداث 1948 بفرنسا، إلا أن الغياب هذه المرة كان في تونس. فلم تكن هذه الاعتذارات ناشئة عن نقص في المعلومة إنما من تقرب من النظام الدغولي و «يرجع المحللون» تعيينه بجامعة "فانسان" بعد الانتفاضة الطلابية إلى علاقته بالنظام الدغولي ومشاركته في الإصلاح الجامعي الذي كان من بين أسباب الانتفاضة الطلابية. هذه الأمثلة البسيطة التي سقناها، والتي من شأنها أن تعمق في مبحث السيرة الفلسفية هي التي حدت بالأستاذ طه إلى استعمال لفظ "الفقه" وليس ميلا دينيا مدعا، وإن كان الميل الديني نفسه، فيما يرى ونرى، يقوي التفلسف ولا يضعفه بله أن ينفيه كما يدعي المدعون، بل «الإنسان بإيمانه فيلسوف من غير أن يتفلسف». أما منشأ الاعتراض الثاني، الذي يرد علينا هذه المرة لا على الأستاذ طه، ففقرة وردت في كتاب "حوارات من أجل المستقبل"، جاء فيها على لسان الأستاذ طه: «مستوى الإبداع الفلسفي ومستوى التنظير لهذا الإبداع مختلفان؛ فليس من ينظر للشيء كمن يأتي بهذا الشيء نفسه؛ وعليه، فقد تكون لغتي التي أضع بها نظرية في الإبداع الفلسفي في غاية الدقة المضمونية والتقنية الاصطلاحية، لكن لغتي في وضع فلسفة مبدعة ليس فيها هذه الدقة ولا فيها مثل هذه التقنية بل قد تكون قريبة ومألوفة، هذا ولو أن الفلسفة اشتهرت عموما بكونها لغة خاصة. وأنا لم أشتغل في مؤلفاتي بوضع فلسفة مخصوصة بقدر ما أشتغل ببيان الطريق الموصل إلى وضعها». فالكلام واضح هنا، ومن فم الأستاذ طه نفسه، بأنه لم ينتج فلسفة، وإنما بحث سبل الإبداع فيها. وهذا ما ينفي التقسيم الذي ادعيناه بين الفلسفي والعلمي في منتوجه، بل أسندنا، كما قد رأيت، القول بهذا التمييز إليه. ودافعنا إلى عدم الأخذ بما جاء في هذه الفقرة ثلاثة دوافع: 1. أن الكتاب الذي اقتطفت منه هذه الفقرة عبارة عن "خلاصات محكمة" للحوارات التي أجرتها مؤسسات إعلامية متعددة مع الأستاذ طه "في فترات متفاوتة" ولم يحدد الأستاذ طه تلك الفترات، فلا نأمن أن يكون قد قال هذا القول قبل صدور ما نعده أول كتاب فلسفي لديه وهو "العمل الديني وتجديد العقل" أي قبل 1990. 2. أن تعبير الأستاذ طه «وأنا لم أشتغل في مؤلفات بوضع فلسفة خاصة بقدر ما أشتغل ببيان الطريق الموصل إلى وضعها» لا يحمل معنى نفي الفلسفة عن مؤلفاته على الدوام، بل غلبة الباحثة عن الإبداع في الفلسفة على الفلسفية الخالصة. 3. أن الأستاذ طه اعترف هو نفسه بالطابع الفلسفي لبعض كتبه فها هو ينعت "سؤال الأخلاق" بـ«العمل الفلسفي»، بل وضع خاتمة طويلة لهذا المؤلف يعرف فيها بفلسفة الدين ويعد كتابه هذا داخلا فيها. بل يجعله مع كتب سابقة كـ"العمل الديني وتجديد العقل" و"تجديد المنهج في تقويم التراث" ولاحقة كـ"الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري" لتحقيق غرض محدد وهو «الإسهام في إنشاء فلسفة أخلاقية إسلامية معاصرة، وذلك بالاجتهاد في وضع لبناتها وإقامة بعض قواعدها». وهذا التفريق بين النظرتين الفسلفية والعلمية التي شملت مجموع مشروع طه، تنطبق على عينة واحدة من هذا المشروع، وإن كانت تشمل أغلبه؛ وهي قضية الإبداع الفلسفي كما أشرنا في البدء. ولا يصح أن يعترض علينا بكون كتاب "الحق العربي في الاختلاف الفلسفي" غير فلسفي، بدعوى استعماله لآليات "فقه الفلسفة" ومصطلحاته، كالعبارة والإشارة، والتقسيم التركيبي للكلام، والمعرفة المضووعية، والتقسيم البياني للكلام...وغيرها. إذ يعترف الأستاذ طه بصبغته الفلسفية بنعته بـ«المقاربة الفلسفية التأملية»[1] ورغم ذلك لا مانع أن نرى تقاربا كبيرا بين النظرتين الفلسفية والعلمية، ليس في مجموع الإنتاج الطهائي، لكن في مسألة الإبداع الفلسفي أساسا. إذ ندعي أن كتاب "الحق العربي في الاختلاف الفلسفي" صورة مصغرة لما طال وسيطول بيانه في "فقه الفلسفة" مع تأطير نظري عام، أو ما سماه الأستاذ طه بـ"الخطط الخطابية" لقيام فضاء فلسفي عربي، نراها مؤطرة لفقه الفلسفة ذاته، أو قل هي خلفيته النظرية. فلا بأس أن نطل عليها قبل النظر في الإشكالية الأساس في الجزء الأول من الفقه ألا وهي الترجمة.
| |
|