لقد أصبحت المعرفة قوة دافعة ومحركا أولياً للاقتصاد الحديث، فهي أهم وسائل زيادة إنتاجية العمالة، ومصدر المحتوى الالكتروني، والمقوّم الرئيسي للبرمجيات التي تعالج هذا المحتوى، وهناك العديد من الشواهد على مدى الأهمية الاقتصادية لمورد المعرفة، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الدول.
وفي كتابه الذكاء الجمعي، يرى بيير ليفي Pierre Lévy (1997) أن من المسلمات، أن هناك ثلاثة فضاءات قد احُتلت من قبل الرأسمالية : الأرض، والدولة، والسلع الأساسية. لكن الفضاء الرابع اليوم بات هو فضاء المعرفة.( 1)
وهناك تغير في النماذج الإرشادية Paradigm في عصر المعرفة - من ميزة التنافسية على أساس جمع المعلومات إلى امتلاك المعلومات على أساس القدرة على خلق المعرفة الجديدة. والتي تنتج ما يلي :(2 )
(1) التكنولوجيات الجديدة.
(2) المنتجات الجديدة.
(3) القدرة على صناعة المنتجات وفقاً للاحتياجات المحددة تماماً، أي حسب الطلب ومواصفات المستهلك.
(4) العمليات الجديدة.
(5) النوعية الجديدة. وهذا يتطلب نظرة جديدة تماماً للتعليم، وما يجب أن يكون عليه.
ونظراً لتزايد العولمة الاقتصادية وإعادة الهيكلة في النظم السياسية والاقتصادية العالمية، ومتطلبات المعرفة والمعلومات في إطار هذا النظام ، فإن الاحتياجات التعليمية (من حيث البنية، والوظيفة، والمناهج الدراسية، والمداخل) على جميع المستويات قد تغيرت، ولا سيما على مستوى التعليم العالي.( 3) ففي ظل عصر المعرفة بات هناك صيغ مختلفة لبيئات الانترنت، من أبرزها ما يسمى ببيئة بناء المعرفة Knowledge Building Environment (KBE)، المصممة خصيصاً لتقديم مزيد من البرامج الدراسية، والمشاريع المرتبطة بالحواسب، والتعلم عن بعد. حيث يتم التركيز على خلق المعرفة والتحسين المستمر للأفكار.( 4)
من هنا يجب على المؤسسات الجامعية أن تصبح أقل تشدداً وأكثر مرونة في محاولة لتلبية الاحتياجات المتنوعة للمتعلمين واحتياجات الاقتصاد العالمي. ويشمل هذا التنوع: الزمان والمكان، والمداخل، وتقديم المناهج. كما أن القضايا والصناعات الجديدة تظهر في الاقتصاد العالمي، لذا فإن البرامج الجامعية المقدمة ينبغي أن تكون متكيفة لتعكس هذه المعرفة الجديدة، ومتطلبات التعليم والتعلم.(5 )
وإحدى القضايا الحاسمة هي دور جامعة المستقبل في اقتصاد المعرفة Knowledge-Economy، وفي مجتمع توجه المعرفة Knowledge-Driven Society، حيث الأفراد المتعلمين. إذ إن دور الجامعة خلق المعرفة الجديدة ورأس المال البشري من خلال التعليم.(6 )
وانطلاقا من متطلبات عصر المعرفة، جاء توجه الجامعات في العالم- خاصة في ظل التنافسية وفتح الحدود بين الدول وتطبيق الاتفاقية العامة للتجارة والخدمات (الجات)- نحو الأخذ بنظام الجودة والاعتماد، وتأسيس آليات لضمان جودة البرامج الأكاديمية والتربوية، وتطوير نظم وإجراءات ومعايير الجودة بما يساير التوجهات العالمية ويتمشى وظروف كل مجتمع.(7 )
وتشمل عملية الاعتماد عموماً ثلاث خطوات :( 8 )
(1) عملية التقييم الذاتي التي تجريها هيئة التدريس، والإداريين، والعاملين في المؤسسة أو البرنامج الأكاديمي، الذي ينتج عنه التقرير الذي يتخذ، بالرجوع إلى مجموعة من المعايير وضوابط هيئة الاعتماد.
(2) الزيارات الميدانية، التي يجريها فريق من الخبراء، والمحددة من قبل منظمة الاعتماد، التي تستعرض الأدلة، وتقوم بزيارات لأماكن العمل، وإجراء مقابلات مع الموظفين الأكاديميين والإداريين.
(3) الاختبار من قبل لجنة الأدلة، على أساس مجموعة محددة من المعايير، والذي يسفر عن تقرير التقييم، ويتضمن توصيات لجنة الأدلة المتعلقة بالجودة، والتي ينتج عنها صدور حكم نهائي باعتماد هذه المؤسسة.
ونتيجة السعي نحو ضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي، فقد برزت جملة من المتطلبات التي تواجه الجامعات العالمية، في ظل عصر المعرفة الذي يقوم على زيادة ثقل العمالة الذهنية.( 9) وأهم هذه المتطلبات أن الجامعات باتت تخضع لصنع السياسات المكثفة، كما ينظر إليها في السياق الاجتماعي والاقتصادي الأوسع، أي كأدوات لتحقيق الأهداف الوطنية للاستجابة لتحديات العولمة. في هذا السياق ، مفاهيم مثل الأوْربة Europeanization، والتدويل Internationalization، والعولمة Globalization، تناقش بشدة. ففي عدد من البلدان الأوروبية ،وتقديراً للدور الرئيسي للجامعة في تطوير معرفة المجتمع، بما في ذلك تحديد وتسوية المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والثقافية، اتجهت إلى إصلاحات جذرية في نظام التعليم العالي. فظهرت ممارسات جديدة مرتبطة بطبيعة المهنة والعمل الأكاديمي مثل،عقود الأداء Performance Contracts، والمحاسبية Accountability، وإدارة المعرفة Knowledge Management، والفعالية Effectiveness. وعلى سبيل المثال، فإن إعلان بولونيا Bologna Declaration (الخاص بالاتحاد الأوربي) يشير صراحة إلى الحاجة لزيادة التنافسية لمؤسسات التعليم العالي الأوربي، مما يجعل القدرة التنافسية قوة دافعة لتدويل التعليم العالي. وفي شمال وغرب البلدان الأوروبية، بدأ التحول في النماذج الإرشادية Paradigms، من التعاون للمنافسة. (10 )
أيضا فإن إحدى متطلبات الحصول على ضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي، في ضوء إدارة المعرفة، التحول واسع النطاق من المركزية إلى نظم اللامركزية، أي التحول من الرقابة الحكومية Government Control المباشرة إلى مزيد من الحوكمة. ( 11)
ورغم أن الولايات المتحدة ليست البلد الأول لتطبيق أو البحث عن آليات الاعتماد، لكن ما هو مثير للاهتمام حول نظام الاعتماد في الولايات المتحدة هو أن لديها عدة تركيبات متداخلة Overlapping Layers من آليات الاعتماد، وأن بدايات اعتماد المؤسسات الأكاديمية تبدو أن تكون غير واضحة التحديد، فبعض العلماء يرى أن أول هيئة اعتماد تم تشكيلها هي " رابطة نيو إنجلاند للمدارس والكليات" New England Association of Schools and Colleges و الرابطة الجنوبية للمدارس the Southern Association of Schools في العام 1885، واعتبارهما أول هيئات الاعتماد الإقليمية في الولايات المتحدة. وفي عصرنا الحالي شهدت الولايات المتحدة اتساعاً في هيئات الاعتماد، وصلت إلى 80 منظمة معترف بها، وطنية وإقليمية ومتخصصة. وتتجه الولايات المتحدة إلى بناء برامج معتمدة عبر الحدود Cross Borders، ومن بين هذه البرامج " ماجستير الآداب المشترك في الإدارة العامة عبر الحدود" Joint Master of Arts program in Transborder Public Administration.(12 )
والمعتمدون الأمريكيون Accreditors اليوم يراجعون الكليات والجامعات في 97 دولة.
وينبني الاعتماد في الولايات المتحدة على مجموعة أساسية من القيم والمعتقدات الأكاديمية التقليدية. من أهمها: (13 )
(1) مؤسسات التعليم العالي تتحمل المسؤولية الرئيسة عن الجودة الأكاديمية; وقادة الكليات والجامعات هم المصدر الرئيسي للسلطة في المسائل الأكاديمية.
(2) الرسالة المؤسسية مركزية لتحكيم الجودة الأكاديمية.
(3) استقلال المؤسسات أمر ضروري لدعم وتعزيز الجودة الأكاديمية.
(4) تزدهر الحرية الأكاديمية في بيئة القيادة الأكاديمية للمؤسسات.
(5) مؤسسة التعليم العالي تعتمد على اللامركزية و تنوع الرسالة والهدف المؤسسي.
الهوامش:
1- Jillian Dellit: Education (and EDNA) in the knolwedge, EDNA Online project, Australia, 1999, p7.
2- Zoran Lovreković: The Knowledge age requires a new system of education,proceedings of informing science & IT education conference (InSITE) 2010, pp1-2.
3- Derrick L. Cogburn:Globalization, knowledge, education and training in the information age, UNESCO,1998, p5.
4- Marlene Scardamalia: Reflections on the transformation of education for the knowledge age.Ontario Institute for Studies in Education University of Toronto (Canada), 2004,p1.
5- Derrick L. Cogburn:Globalization, knowledge, education and training in the information age, op.cit , p10.
6- Mary Landon Darde:Beyond 2020: envisioning the future of universities in America, R&L Education, 2009,pp3-4.
7- جمال علي الدهشان: الاعتماد الأكاديمي- الخبرة الأجنبية والتجربة المحلية، المؤتمر السنوي الثاني لمعايير ضمان الجودة والاعتماد في التعليم النوعي بمصر والوطن العربي، كلية التربية النوعية بالمنصورة، 2007، ص 121.
8- Lazăr Vlăsceanu et.al: Quality assurance and accreditation: a glossary of basic terms and definitions, UNESCO, 2004, pp19-20.
9 - نبيل على ونادية حجازي: الفجوة الرقمية- رؤية عربية لمجتمع المعرفة، سلسلة عالم المعرفة، عدد 318، 2005، ص391.
10- Evanthia Kalpazidou Schmidt & Kamma Langberg: Academic autonomy in a rapidly changing higher education framework, European Education, vol. 39, no. 4, Winter 2007–8, pp. 80-83.
11- Ibid, pp83.
12- Pablo Landoni: Accreditation as an Incentive for Internationalization: A South American Case Study,Warren Roane, Director of Study Abroad Program in Montevideo Abilene Christian University, Abilene, Texas,2005, pp3-2
13- Judith S. Eaton: An overview of U.S. accreditation, Council for Higher Education Accreditation, U.S.A,2009, P3.