هذه أهم الملامح التي تميز المنهج التاريخي. وتحدد خصائصه. ولا شك فان معطياته قد لا تعطي كل الثمار المرجوة في الحركة النقدية. فهو منهج قديم. أهم يعيبه دراسة النص من الخارج. والوقوف على المغزى الواقعي الذي قد لا يكشف لنا أحيانا رؤى النص المتمثلة في التحليل و الخيال و البعد المثالي. الذي تفضيه مشاعر المؤلف ( المبدع ).
و الروح النقدية التاريخية فيها من السهولة ما يجعلها مستهدفة من قبل بعض النقاد الذين يملكون قدرة البحث و التقصي. فتكون متعتهم بارزة هي هذا المجال. وهي خاصية تنبعث من رؤى هذا المنهج الذي أكثر ما يميزه ثقافة مؤلفه التي يدججها معلم الواقعية الحصينة في فهم الأشياء عليها.
فالمنهج النقدي – التاريخي من ظل هذا يهدف إلى تحقيق منطق الزمن الذي يعايشه من خلال النص. فيرى فيه المتعة في البحث و التقصي و إيجاد العلاقات الواقعية في إطار هذا المغزى.
ويعد طه حسين أبرز من استخدم هذا المنهج في دراساته عن الأدب العربي القديم. مثل كتابه " حديث الأربعاء " و " تجديد ذكرى أبي علاء ". ففي الكتاب الأخير طبق طه حسين المنهج التاريخي تطبيقا دقيقا. فقد خصص بابا ما هذا الكتاب ( حوالي ثلث الكتاب ) درس فيه زمن أبي العلاء ومكانه و شعبه و الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الدينية في عصره. وقبيلته و أسرته. ليرى أثر ذلك كله في شعره و أدبه.
الهدف من البحث التاريخي.
إن الهدف من البحث التاريخي هو صنع معرفة علمية من الماضي الإنساني. ونعني بالعلمية أنها تستند إلى طرائق عقلانية توصل إلى الحقيقة بقدر ما تسمح به الظروف التي تخضع لها. وهي ظروف تقنية. " طبيعة الوثائق المستخدمة و وجودها " وظروف منطقية " تلك التي تحللها نظرية المعرفة "
1/ مراحل البحث العلمي في المنهج التاريخي :
1- اختيار الموضوع.
2- تقميش المصادر.
3- النقد.
4- التركيب.
5- إنشاء الموضوع. وبدوره ينقسم إلى:
1 - اختيار المشكلة.
2 - جمع الحقائق و الوثائق و تدوينها.
3 - نقد الوقائع و الحقائق.
4 - صياغة الفرضيات التي تفسر الأحداث و اختيارها.
5 - تفسير نتائج البحث وكتابة تقرير عنه.
- المرحلة الأولى: اختيار موضوع البحث.
إن الأصول العامة لاختيار موضوع المشكلة المراد بحثها واحدة في كل المناهج التاريخية. منها الوصفي و التجريبي. ويعني اختيار المشكلة اختيار موضوع البحث. أي طرح مشكلة تتعلق بالماضي. يكون لها أهمية واقعية وجودية. و الباحث الأصيل هو الذي يعرف كيف يختار المشكلة الحقيقية.
إن المشكلة المطروحة يجب أن تنطلق من المبادرة الذاتية للباحث التاريخي. وتنبثق من فصوله العلمي الخاص. وأن تكون المشكلة بقدر طاقة الباحث على العمل و مدى قدرته على الحصول على الأصول الضرورية. وأن يكون هذا الأصل قادرا على تقديم ما يوضح المشكلة و يحلها. وأن تكون المشكلة بعيدة ما لا يقل عن خمسين سنة من ومن الباحث. وقد يدفع الباحث للمشلكة دفعا. نتيجة الصدفة. وهذا كثير في التاريخ القديم. حيث الوثائق نادرة.
عند تعيين الباحث لمشكلة بحثه. يكون في أحد الوضعين: إما أن المشكلة انبثقت في ذهنه و اتضحت إحداها. وعندئذ يتم تحديدها. أو يكون خالي الذهن عنها أو أن الغموض يكتنفها في فكرة. حينئذ يلجأ إلى القراءة و المطالعة ليكون خافية ثقافية. يحدد عليها موقع المشكلة و يقوم ببحث عام أولي عن مصدر المشكلة. ويلجأ بالاستفسار ممن لهم خلفية عن هذه المشكلة. ومن ثم يضع مخططا للنقاط. وبهذا يتكون هيكل الموضوع و عنوانه.
- المرحلة الثانية: جمع الحقائق و الوثائق و تدوينها.
إن وسيلة الإجابة عن المشكلة هي جمع المصادر و هي أهم أعمال المؤرخ. لأن التاريخ يصنع بالوثائق. وحيث لا وثائق لا تاريخ.
و التاريخ يصنع بالوثائق المكتوبة إذا وجدت. وقد حاول المؤرخون تطبيق الوثائق ضمن رمزين: المرويات المأثورة. والمخلفات المحسومة.
وقال آخرون بتقسيم البحث إلى أولي و أصولي. أو مصادر فقه. وقد تجمع المصادر معلومات أولية و ثانوية. وبشكل عام يمكن تطبيق المصادر أو الوثائق إلى:
- 1 الوثائق المكتوبة أو المطبوعة.
- 2 الوثائق الأخرى.
- 3 الرواية الشعرية المباشرة.
المرحلة الثالثة: نقد الوقائع و الحقائق.
يطلق على عملية التحليل المفصل للاستدلالات التي تقود من ملاحظة الوثائق إلى معرفة الوقائع. و الوقائع اسم النقد. وهي عملية فكرية تراجعية. نقطة الانطلاق فيها الوثيقة. ونقطة الهدف الواقعة التاريخية. وبينهما سلسلة من الاستدلالات. تكون فيها فرص الخطأ عديدة. لأن مصادر المعلومات في معظمها مصادر غير مباشرة. تتراوح بين شهادات للأشخاص الذين حصروا الحوادث أو الدين سمعوا عنه أو كتبوا عنه. وبين الآثار و السجلات و الوثائق التي تركها. و حيث لن هده الوثائق معرضة للتلف و للتزوير بسسب قدمها.كما أن كاتبها معرض للنسيان أو التزوير. بهذا نطرح تساؤلات حول مدى موضوعية الوثيقة ومدى تطابق معلوماتها مع معلومات وثائق أخرى.
إن ما ذكرناه من حيث نقد الوثائق. يعود بنا إلى نقد مصادر الخبر من حيث معرفة سلامتها أو زيفها. و الأسباب التي تدعوا إلى التحريف و التشويه و الخطأ المتعمد فيها و غير المتعمد كان معروفا منذ القدم. وقد برع المسلمون في ميدانه عندما نقدوا الحديث والخبر. ووضعوا له قواعد صارمة. وقد اقتبس الأوربيون في العصور الحديثة كثيرا من أصوله. و أوثقوا به من القرن الخامس عشر حتى الوقت الحاضر. حيث يمكن القول انه احتفظ بإطاره الأساسي التقليدي الذي حدده في عمليتين رئيسيتين هما: النقد الخارجي و النقد الداخلي. و في كليهما على الباحث أن تكون قراءته فاحصة متأنية. تتناول شخصية المؤلف. أو الكاتب. كما تتناول الوثيقة شكلا و مضمونا بحيث تخرج على أسس صحيحة محكمة من التحقيق العلمي.
أ – النقد الخارجي: يتناول فيه الباحث للوثيقة هوية الوثيقة و أصالة الوثيقة. أي صدق الوثيقة أو عدمه ( إثبات صحة الأصل ) وكذلك تحديد مصدر الوثيقة. زمانها و مكانها. هل هي الأصل أم منسوخة عنه و أشياء أخرى.
ب – يتناول مدى دقة الحقائق التي أوردها صاحب الأصل. و إخلاصه الموضوعية فيها. ويعنى هذا التحليل بشخصية المؤلف و ظروفه. ومدى صحة ما أورد من حوادث. أي إثبات الحوادث التاريخية. ويرتبط ذلك ارتباطا كبيرا بتقويمها أي بمدى فهمها و شرحها. ويتعلق ذلك بشخصية الباحث التاريخي وخيالي المبدع. وثقافته الواسعة وقوة ملاحظاه و مقدماته. وكل هذا يوضح لنا التعقيد الشديد للتحليل أو النقد التاريخي.