الحياة الاجتماعية الاقتصادية في اليمن في عصر الدولة الأيوبية (569هـ - 626هـ)
الباحث:
د / عبد الفتاح قاسم ناصر يحيى الشعيبي
الدرجة العلمية:
دكتوراه
الجامعة:
جامعة صنعاء
بلد الدراسة:
اليمن
لغة الدراسة:
العربية
تاريخ الإقرار:
2009
نوع الدراسة:
رسالة جامعية
الملخص:
لا شك أن عصر الدولة الأيوبية في اليمن لم يكن طويلاً، إذ لم يتجاوز ثمانية وخمسين سنة(من سنة 569هـ إلى سنة 626هـ)، وقد شهدت اليمن خلاله قيام الصراعات الداخلية بين القوى المحلية المختلفة، وعلى رأسها الزيدية والأيوبيين الوافدين إلى اليمن، والذين حاولوا توحيد بلاد اليمن وبسط نفوذهم وسيطرتهم عنها، وعلى الرغم من ذلك فقد حدثت في اليمن تغييرات هامة في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
فعلى مستوى الحياة الاجتماعية أبرزت هذه الدراسة كيف تشكل المجتمع اليمني من مجموع العناصر السكانية المحلية وغير المحلية، وعلى رأس هذه العناصر القبائل اليمنية التي شكلت السواد الأعظم من سكان اليمن الأصليين للارتباط التاريخي بالأرض وانتشارها منذ القدم في المناطق اليمنية كافة؛ يليها في ذلك العناصر الأجنبية القادمة إلى اليمن من شتى الأماكن وأهمها عناصر الأكراد والأتراك والمماليك والأحباش، وأهل الذمة والرقيق.
كذلك أوضحت هذه الدراسة انقسام المجتمع اليمني في عصر الدولة الأيوبية إلى طبقتين اجتماعيتين أساسيتين، هما الخاصة والعامة، انطوت تحتهما فئات وشرائح اجتماعية عديدة، فالطبقة الأولى الخاصة، ضمت فئة الحكام، والتي تشكلت من زعماء القبائل والأشراف والأحباش والغز الأيوبيون(أكراد وأتراك)، وفئة العلماء التي تكونت من الفقهاء والقضاة والمحدثين والقراء ومَن في شاكلتهم، وفئة كبار الملاك، التي تألفت من كبار ملاك الأراضي وكبار التجار . أما الطبقة العامة، فقد احتوت على الغالبية العظمى من سكان البلاد، وتشمل فئة الجند والرعايا والفلاحين والحرفيين، وقد بينت الدراسة الدور والإسهام التي أدته كل طبقة داخل المجتمع اليمني أكان سلباً أم إيجاباً، وألمحت كذلك إلى مرونة الانتقال بين الطبقات والفئات الاجتماعية صعوداً ونزولاً، وهو الأمر الذي بيناه في فئة الحكام، سواء كان عند زعماء القبائل أم الأحباش أم المماليك أم العلماء أم التجار، حيث وصل عدد من هؤلاء إلى أعلى المناصب وهم لم يكونوا كذلك، وربما كان لتحمل مناصب قيادية في الجيوش وللثراء الفاحش لبعض أولئك دور في تنقلهم من طبقة إلى أخرى .
وفيما يتعلق بمظاهر الحياة الاجتماعية أظهرت الدراسة المكانة التي تبوأتها المرأة في المجتمع اليمني وإسهاماتها المختلفة التي كانت تؤديها، ومشاركاتها الفاعلة في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية والعلمية، حيث أوضحت كيف أدت المرأة دورها كمربية لأبنائها ومشاركة لزوجها أو أسرتها في العمل الزراعي والتجاري، وكيف كانت قائدة في ميدان العمل السياسي، وإن اقتصر هذا الأخير على نساء الطبقة الخاصة، وقدمت هذه الدراسة تفاصيل متنوعة عن عادات وتقاليد حياة الناس داخل المجتمع اليمني ومدى محافظتهم على هذه العادات والتقاليد في جميع المناسبات المختلفة مما يبرهن على أصالة هذا الشعب، ومنها تقاليد الزواج وإجراءاته أو خطواته، والولادة والختان وحفلاتهما، والمآتم وعاداتها، والأعياد والمناسبات الدينية والدنيوية واحتفالاتها، والأطعمة والأشربة والأكسية وأنواعها، والاختلاف في جميع ما ذكرناه من منطقة إلى أخرى داخل بلاد اليمن، وفضلاً عن ذلك بينت هذه الدراسة مدى المساهمة الكبيرة التي أداها حكام وسلاطين اليمن في العصر الأيوبي والجهود التي بذلوها في الإنشاء والتعمير من جوامع ومدارس وقصور وجسور وأسوار وطرقات ودور ضيافة وذلك كمظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية، ولم يقتصر ذلك الإسهام في كل ذلك على فئة الحكام بل شمل أعيان البلاد وميسوريها كنوع من المشاركة والتفاعل والتكاتف لما فيه مصلحة المجتمع اليمني، وفي هذا الصدد كان للأيوبيين النصيب الأكبر في إقامة المدارس داخل اليمن، ورعايتها ورعاية القائمين عليها والدارسين فيها، مما كان له أثر كبير في خدمة الأهالي، خاصة وأن المستفيدين من ريعها الكثير من الناس ومن شتى الطوائف الدينية والمدنية، ويذكر لهم أيضاً عدم تدخلهم في تغيير الكثير من العادات والتقاليد المتبعة داخل المجتمع، الأمر الذي عكس نفسه على حرص الناس في اليمن للمحافظة على بعض شئونهم الخاصة.
أما على مستوى الحياة الاقتصادية فقد أبرزت هذه الدراسة الزراعة والثروة الحيوانية ومدى توافر المقومات الطبيعية والبشرية اللازمة لقيامها في اليمن، من خصوبة التربة وتنوع المناخ ووفرة المياه، فضلاً عن تشجيع الحكام والولاة في اليمن للزراعة والاهتمام بها، وذلك من خلال إنشائهم البساتين الملحقة بقصورهم والعناية بها وجلب الغرسات المختلفة لها من شتى الأقطار، وجعل تلك البساتين كمحطات تجارب زراعية، عُممت بعد ذلك في أماكن مختلفة من بلاد اليمن. وبينت الدراسة الوسائل والطرق المتبعة في زراعة الأرض من حرث وبذر وسقاية وحصاد ووسائل تخزين الحبوب، وكيف تفوق الفلاح اليمني منذ أزمنة بعيدة في هذا المجال لدرجة أن أُطلق على اليمن البلاد السعيدة، الأمر الذي أدى الى تنوع المحاصيل الزراعية، ووفرة إنتاجها بما يكفي حاجة البلاد الأساسية وتصدير الفائض من الإنتاج الزراعي إلى خارج اليمن . وقد أوضحت الدراسة غنى اليمن بالمراعي الطبيعية والثروة الحيوانية المتنوعة لا سيما من الخيول والأغنام، مما جعل بلدان كثيرة تتسابق على استيراد خيول وأغنام اليمن لجودتها الفائقة، ومن هذه البلدان الهند ومصر.
وفي هذه الدراسة توصلنا من خلال فحص المصادر التي توافرت إلى مقومات الصناعة في اليمن من مواد خام طبيعية وأيدي عاملة مدربة وماهرة، واستعرضنا الفنون الصناعية التي وجدت في اليمن في العصر موضوع الدراسة، حيث ذاعت شهرة بعض الصناعات اليمنية كالبرود اليمنية وألوانها الجميلة، وكذلك السيوف اليمنية ودقة صناعتها، وغيرها من الصناعات المعدنية الأخرى التي تشهد على براعة اليمنيين في هذا المجال، وذياع شهرتهم في هذه الصناعات وإقبال الدول المجاورة على استيرادها، بالإضافة إلى جملة الصناعات الأخرى، وأهمها النسيجية والخزفية والزجاجية التي أضافت لليمن شهرة إلى جانب شهرتها كمركز اقتصادي عالمي . ليس هذا فحسب بل ألمحت الدراسة إلى الاهتمامات السلطانية بالفنون الصناعية المختلفة كأساس لنهضة البلاد
وفي مجال التجارة، أظهرت الدراسة الدور الذي لعبته اليمن والموقع الذي تمتعت به في هذا المجال، أكان ذلك على مستوى التجارة الداخلية، أم على مستوى التجارة الخارجية .
ففي جانب التجارة الداخلية أظهرت الدراسة ما للتجارة من نشاط إيجابي أكان في بيع وشراء السلع بين المناطق اليمنية، وأنواع هذه السلع والطرق التي كانت تسير فيها القوافل التجارية، وأبرزت الأسواق التي كانت تصرف المنتجات سواءً المحلية أم المستوردة من الخارج، وهي أسواق عديدة وفي مناطق شتى من اليمن موسمية وأسبوعية ويومية ودائمة ومتخصصة، وألمحت الى وجود نظام الحسبة أو المحتسب في الأسواق اليمنية.
أما في جانب التجارة الخارجية أوضحت الدراسة ما لليمن من نشاط تجاري بحري وبري ربطها بأقطار خارجية عديدة، خصوصاً وأن مدينة عدن كانت تمثل الوسيط التجاري بين بلدان الشرق وبلدان الغرب بحكم الموقع الجغرافي الذي تتبوأه، وهذا ما جعلها تمثل رافداً مالياً كبيراً لخزانة الدولة في العصر الأيوبي، الأمر الذي أدى إلى اهتمام ملوك بني أيوب بالتجارة وتشجيع التجار وتطوير النظم والأساليب التجارية وحماية الطرق التجارية من اللصوص والقراصنة، ومن جراء ذلك حدثت بعض الطفرات في زيادة الرسوم الجمركية في العصر موضوع الدراسة، التي لم تكن موجودة من قبل، وقد بينت في هذا الجانب كيف أن الأيوبيين فرضوا ضرائب إضافية عديدة على بعض السلع الواردة التي يوجد لها مثيل داخل اليمن، وذلك حماية للمنتج، وأبرزت أيضاً قوائم السلع المتبادلة وقيمة العشور المفروضة عليها في ثغر عدن، وبينت كذلك كيف عمد اليمنيون إلى زيادة الرسوم على بعض المنتجات عند تصديرها في محاولة للإبقاء عليها لحاجة البلاد إليها. وفي مجال المعاملات التجارية أظهرت الدراسة معرفة اليمن التعامل النقدي مبينة في ذلك أنواع العملة المتداولة في أسواقها، سواء كانت تلك المضروبة في دور سكنها المنتشرة في أنحاء البلاد أم الواردة إليها من العملات الخارجية . ومن خلال العرض المفصل عن وسائل المعاملات التجارية بينت الدراسة مجموعة المكاييل والموازين والمقاييس المستخدمة في اليمن، سواء تلك التي اشتركت في استعمالها مع مثيلاتها في بلدان الشرق آنذاك، أم ما اقتصر استخدامه على أسواق اليمن فقط، مبيناً اختلاف تلك الوحدات في عياراتها داخل اليمن من مدينة إلى أخرى من ناحية، وحسب نوعية السلع الموزنة بهذه الوحدات، من ناحية أخرى، كما أشرت في ذات المجال(التجارة الخارجية)إلى مستوى التبادل التجاري بين اليمن والأقطار الأخرى التي ارتبطت عبر البحر،ومنها الصين والهند وشرق إفريقيا ومصر، وكذا أقطار عربية ارتبطت بعلاقات تجارية مع اليمن عبر البر، ومنها الحجاز والعراق والشام ومصر، وأوردنا أنواع السلع والبضائع والمصنوعات (المنتجات) الصادرة من اليمن إلى تلك البلدان، والتي يأتي في مقدمتها السيوف اليمانية والعقيق اليماني وغيرها، والواردة من تلك البلدان ويأتي في مقدمتها المواد الغذائية.
وفيما يتعلق بالجانب المالي فقد أوضحت الدراسة الموارد المالية الشرعية لخزينة الدولة في العصر الأيوبي، مثل الزكاة والخراج والجزية، وكانت لهذه الموارد(الإيرادات)أوجه صرف محددة، ومن ثم لم تكن كافية لتغطية نفقات الدولة المختلفة، الأمر الذي جعل الدولة تقوم بفرض ضرائب وأموال(إيرادات غير شرعية) على أنواع التجارة وبعض الأراضي الزراعية، والتي شكلت رافداً كبيراً لبيت مال الدولة جعلتها تلبي حاجات الدولة المتنوعة ونفقاتها المختلفة، مثل مرتبات الجند والموظفين، ونفقات المصالحات وشراء الأسلحة، وبناء المرافق العامة العسكرية والدينية والمدنية، والإنفاق على الولائم والاحتفالات، وبناء القصور الخاصة بالسلاطين والأمراء، وغيرها الكثير من الإنفاقات الأخرى، مع بقاء الكثير من الأموال في خزانة الدولة التي لم يتم استغلالها في الأوجه الاقتصادية المناسبة والتي تعود بالفائدة على المجتمع اليمني.