الحياة الاجتماعية في اليمن في عصر الدولة الرسولية (626-858هـ/1229-1454م)
الباحث:
د / طه حسين عوض أحمد هديل
الدرجة العلمية:
دكتوراه
الجامعة:
جامعة صنعاء
بلد الدراسة:
اليمن
لغة الدراسة:
العربية
تاريخ الإقرار:
2007
نوع الدراسة:
رسالة جامعية
ملخص
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد ...
إن الدارس لتاريخ أي من الدول التي قامت في اليمن لابد أن تستوقفه أحداث وظواهر تشد من انتباهه وتزيد من تركيزه وتجعله في شوقٍ إلى خوض غمار البحث والدراسة فيها ، وكلما غاص في عمق تاريخ هذه الدول زاد ذلك من فضوله لمعرفة المزيد ، وتعد الدولة الرسولية من الدول التي شدت بأحداثها ومراحل تطورها ونهوضها ومنجزاتها انتباه الباحثين والدارسين في تاريخ اليمن الإسلامي ، فراحوا في السنوات الأخيرة يتسابقون لدراسة تاريخها وتحليل أحداثها ، مع إعادة صياغة هذه الأحداث بجوانبها المختلفة وإخراجها في الصورة المطلوبة .
وقد كنت من الذين شدهم تاريخ هذه الدولة بأحداثه وظواهره ، وفي محاولة لاستكمال موضوع رسالة الماجستير الموسومة بـ: التمردات القبلية في عصر الدولة الرسولية وأثرها على الحياة العامة في بلاد اليمن ( 626 – 858ﻫ )، ولتوسيع مجال دراستي وبتأكيد من المتخصصين في هذا المجال حددت موضوعي في: ( الحياة الاجتماعية في اليمن في عصر الدولة الرسولية 626 – 858ﻫ / 1229 - 1454م ) ، وذلك إثر سؤال كثيراً ما يراودني عن علاقة المجتمع بالتطور والازدهار الذي عرفته اليمن في عصر بني رسول ، وهل كان لهذا المجتمع دور في الاستقرار السياسي والاقتصادي والعلمي والفكري الذي شهدته اليمن خلال عمر هذه الدولة ؟
1- نطاق البحث :
لقد كانت الدولة الرسولية من أكثر الدول استقراراً وأطولها بقاءً في تاريخ اليمن الإسلامي، وقد شهدت العديد من الأحداث التي كادت أن تغير مجرى تاريخها ، وعلى الرغم من خطورة تلك الأحداث على أمن اليمن واستقراره ، إلاّ أننا نجد أن هناك العديد من الأعمال والمنجزات التي تم تحقيقها في مختلف مجالات الحياة مع كل ما تعرضت لـه من صراعات وفتن ، فقد شهدت نهوضاً اقتصادياً كبيراً في مواردها المالية أوصلها إلى مرحلة من الرخاء نتيجة للتطور التجاري والزراعي والصناعي ، وعبرت سياستها الداخلية عن مدى الوعي الذي وصل إليه حكامها في التعامل مع فئات المجتمع المختلفة ، وأصبحت الحياة العلمية دليلاً على النهوض الفكري والعلمي الذي وصل إليه أبناء اليمن رجالاً ونساءً ، فضلاً عمّا شهدته الحياة الاجتماعية من تطور في علاقاتها الداخلية ، مما زاد في ترابط وتواصل أفراد المجتمع و قوة تماسكهم .
• أهمية البحث :
تكمن أهمية هذا البحث في كونه يمثل دراسة تاريخية جديدة ومهمة لمرحلة ازدهرت فيها اليمن في مختلف جوانبها ، حتى إن ذلك الازدهار أصبح يمثل صفة لمجتمع ذلك العصر الذي تميز بتعقد تركيبته الاجتماعية وتداخلها واندماجها ببعضها ، مما جعل للبحث أهمية دفعتني إلى الاهتمام بدراسة هذا الجانب المهم من حياة الدولة الرسولية .
• أسباب اختيار البحث :
لقد كان من الأسباب التي دفعت الباحث إلى التفكير في الكتابة عن هذا الموضوع رغبته الجامحة في دراسة الحياة الاجتماعية بما فيها من طبقات وفئات وشرائح ، ومظاهر حياتها وعلاقاتها والمستوى المعيشي لأفرادها ، إضافة إلى رغبة الباحث في إخراج موضوعات تاريخ اليمن الإسلامي من العام إلى الخاص ؛ لسد فجوة مهمة منه ، وإن كانت المصادر التي كتبت عن الحياة الاجتماعية تكاد تكون قليلة ، وهي على قلتها احتوت على معلومات قيمة شجعتنا على إعداد دراسة في هذا الخصوص ، فضلاً عن رغبة الباحث في تقديم دراسة تاريخية أكاديمية متكاملة عن الحياة الاجتماعية في العصر المذكور لسد النقص الذي تعاني منه المكتبة العربية عامة ، والمكتبة اليمنية خاصة .
• أهداف البحث :
يهدف هذا البحث إلى إجراء دراسة تاريخية جادة ودقيقة ومعمقة للعناصر المكونة للمجتمع ، والطبقات التي تشكلت من تلك العناصر وأوضاعها ومظاهرها العامة ، والعلاقات القائمة بين أفرادها ، وعلاقتها بالدولة ، وعلاقة الدولة بها لمعرفة خاصية كل طبقة ومميزاتها وموقعها في المجتمع ، كما يهدف هذا البحث إلى توضيح نوع الحياة الاجتماعية التي كان المجتمع اليمني يعيشها في عصر الدولة الرسولية ، وذلك بهدف معرفة الطريقة والكيفية والمستوى المعيشي لجميع فئات المجتمع ، فضلاً عن إجراء دراسة مستفيضة عن وضع المرأة التي تعد النصف الآخر المهم في المجتمع ؛ التي بدراستها نكون قد استوفينا جوانب الحياة الاجتماعية – من وجهة نظرنا - ، إذ يصعب على أي باحث في الحياة الاجتماعية تجاوز حياة المرأة أو غض الطرف عنها ، لِمَا للتعرف على وضعها الاجتماعي ودورها ومشاركتها في نواحي الحياة المختلفة ، وإظهار مكانتها بين أبناء مجتمعها من أهمية تاريخية واجتماعية .
• الدراسات السابقة :
حظيت الدولة الرسولية بالعديد من الدراسات السابقة والرسائل الجامعية التي استُعرضت فيها أحوالها السياسية والاقتصادية والعلمية والفكرية ، وأهم تلك الدراسات هي : بنو رسول وبنو طاهر وعلاقات اليمن الخارجية في عهدهما ، للدكتور محمد عبد العال أحمد ، والحياة السياسية ومظاهر الحضارة في عهد بني رسول باليمن ، للدكتور محمد عبد الفتاح عليان ، والعلاقات بين اليمن وبلاد الحجاز في عصر الدولة الرسولية ( 626 - 858ﻫ / 1229 - 1454م ) ، لهدى مفتاح عبد الحميد السعدي ، والمدارس وأثرها على الحياة العلمية في اليمن في عصر الدولة الرسولية ( 626 - 858ﻫ / 1229 - 1454م ) ، لعبد العزيز بن راشد بن عبد الكريم السنيدي ، والزراعة في اليمن في عصر الدولة الرسولية ، لداؤد داؤد عبد الهادي المندعي وغيره ، ورغم تطرق تلك الدراسات لجوانب الحياة العامة المذكورة بما فيها حياة الناس في المجتمع إلاّ أنها غفلت عن دراسة الحياة الاجتماعية بحد ذاتها ، وكان كل ما تطرقت إليه من تناول للحياة الاجتماعية لا يتجاوز عنواناً واحداً فقط من عدة عناوين أخرى من حياة هذه الدولة ، وقد يكون لندرة المعلومات في هذا الجانب المهم دور في عزوف الباحثين عن الخوض فيه .
• الصعوبـات :
واجه الباحث عدداً من الصعوبات التي لم تقف عائقاً أمام دراسته هذه وأهمها : شحة المصادر التي أرَّخت للحياة الاجتماعية بحد ذاتها ، وتبعثر المعلومات المتعلقة بحياة الناس وتقسيماتهم ومظاهر حياتهم وعلاقاتهم وأوضاعهم وارتباطاتهم بين نصوص المصادر ؛ وهو ما تطلب بذل مجهود كبير لجمعها ، فضلاً عن عدم وجود دراسات متخصصة بالجوانب الاجتماعية للمجتمع وتقسيماته والتي يمكن الاستفادة منها ومن منهجيتها في هذا البحث .
• حدود البحث:
يتناول هذا البحث دراسة تاريخية للحياة الاجتماعية التي كانت سائدة في المناطق اليمنية التي كانت تحت حكم الدولة الرسولية والتي امتدت من سنة 626ﻫ / 1229م وحتى سنة 858ﻫ / 1454م ، وهي المدة التي حكمت فيها اليمن أسـرة وجدت فيها كل مقومات القيادة والسلطة ، وتمكنت من ربط نفسها بالمجتمع وطبقاته وفئاته وشرائحه ، في الوقت الذي ربطت تلك الفئات نفسها بالدولة ، ودخلت معها في علاقات اختلف نوعها من حين إلى آخر .
• منهج البحث:
لقد استوجب إعداد هذه الدراسة استخدام المنهج الوصفي التحليلي التاريخي لعناصر المجتمع وطبقاته وفئاته وشرائحه ومظاهره وأوضاعه وعلاقاته ؛ أي دراسة المعطيات التاريخية وتحليلها تحليلاً معمقاً للوصول إلى خلاصة تضم أهم النتائج والاستنتاجات ، كما اقتضى المنهج طريقة كتابة التاريخ الهجري وما يقابله من التاريخ الميلادي ، محاولاً ضبط ذلك قدر الإمكان ، مستعيناً ببعض المراجع المتخصصة في ذلك الشأن مثل كتاب : " جدول السنين الهجرية بلياليها وشهورها بما يوافقها من السنين الميلادية وشهورها " للمستشرق الكبير ويستنفلد.
• هيكل البحث :
لقد اقتضت طبيعة الموضوع تقسيم البحث إلى تمهيد وستة فصول وخاتمة ، وخُصص التمهيد لإعطاء مدخل تاريخي مختصر للأوضاع السياسية التي شهدتها اليمن منذ قيام الدولة الرسولية وحتى سقوطها ، وما تعرضت له من صراعات كادت أن تقضي عليها ، مع تناول مختصر للأوضاع الاقتصادية ، وما كان لها من دور فاعل في انتعاش اليمن ولاسيما في جوانبها التجارية والزراعية والصناعية .
ويتناول الفصل الأول دراسة للعناصر المكونة للسكان في العصر المذكور والتي تعد القبائل اليمنية والعناصر القادمة إلى اليمن أساسها ، مع إعطاء لمحة عن تاريخ هذه القبائل وتقسيماتها الداخلية وفروعها وعوامل ترابطها وتأثيرها على المجتمع ، كما ركز هذا الفصل على تحديد أهم الأجناس القادمة إلى اليمن ، وأسباب توافدها ، وما كان لهذا التوافد من تأثير على المجتمع في خلق تشكيلة اجتماعية جاءت إثر اختلاط هؤلاء بسكان اليمن الأصليين ، على أن يشار في هذا الفصل إلى دور القادمين إلى اليمن في الحياة السياسية ومشاركتهم في إدارة شؤون الحكم وتثبيت دعائم الدولة الرسولية ، فضلاً عن علاقة هؤلاء بالسكان الأصليين وتأثير كلٍ منهم على الآخر بالاختلاط والتزاوج الذي أدى إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات تشكلت منها فئات المجتمع وأطيافه كافة ، وختمنا هذا الفصل بإجراء دراسة عن أسباب تباين سلوكيات الناس في المدن والأرياف والبوادي والجبال ، وما كان للبيئة من تأثير عليهم وعلى طبائعهم .
أما الفصل الثاني فحاولنا فيه أن نحدد الطبقات التي تشكلت من العناصر المكونة للمجتمع ( القبائل اليمنية وَ القادمين إلى اليمن ) مع إجراء دراسة شاملة للتعريف بجميع فئات وشرائح هذه الطبقات وصفاتها ومهامها في الحياة العامة ، وما تقدمه كل فئة للأخرى من خدمات ، على أن يقسم المجتمع هنا إلى طبقتين رئيستين هما : طبقة الخاصة وطبقة العامة ، ومِنْ ثَمَّ توزيع جميع الفئات والشرائح الاجتماعية على الطبقتين المذكورتين ، مع تميز الصفات التي اتسمت بها فئات كل طبقة ، حتى تتكون لدينا صورة واضحة عن التقسيم العام لسكان اليمن في ذلك العصر.
وخصص الفصل الثالث للتعرف على مظاهر الحياة الاجتماعية العامة في العصر المذكور من خلال دراسة مظاهر الترف والنعيم التي عاشتها فئات وشرائح طبقة الخاصة ، وأهم الأعياد والاحتفالات التي احتفل بها جميع فئات المجتمع ، وكذلك عاداتها المختلفة ، وأهم الهوايات ووسائل اللهو والتسلية التي عرفت وانتشرت بين خاصة الناس وعامتهم .
كما أفردنا في هذا الفصل عنواناً خصص للعادات والتقاليد ومنها عادات الزواج وتجهيزاته ، وبناء البيوت وتعميرها وما تحتويه من أدوات وأثاث ، ولباس الناس وزيهم وزينتهم وطعامهم وشرابهم وتحيتهم وضيافتهم والتعاون والتكافل الاجتماعي بينهم ، إضافة إلى عادات الختان والمآتم ، وما يحدث فيها من أمور فرضتها طبيعة المناطق وعادات من سكنوا فيها ، وختمنا هذا الفصل بدراسة أهم الظواهر الاجتماعية والبيئية وأثرها على حياة الناس .
أما الفصل الرابع فقد كرس لدراسة الروابط الاجتماعية بين الناس وأوضاعهم المادية والعلمية ، من خلال الإشارة إلى دور الأسرة في التربية والتنشئة الاجتماعية لأبنائها ، وما لهذه التربية من دور في توطيد العلاقة بين الآباء وأبنائهم أو بين الأبناء أنفسهم في إطار الأسرة ، وعلاقاتهم بغيرهم من أفراد المجتمع .
ونتيجة لما للمال والتعليم من دور في التفاوت الاجتماعي بين الناس وتصنيفهم وخلق الروابط بينهم فقد أفردنا عنواناً لدراسة الأوضاع المادية والمعيشية لكل طبقات وفئات المجتمع ، مع البحث عن مصادر دخل كل فئة اجتماعية ، ودور ذلك الدخل في تصنيف وتحديد موقعها في المجتمع ، والعوامل المؤثرة في عدم استقرار أوضاعها المادية والمعيشية . وينتهي هذا الفصل بدراسة أوضاع الناس العلمية ، ومع الإشارة هنا إلى الاهتمام الواضح الذي أولاه الناس لتعليم أبنائهم ، وموقف الأسرة وفرحتها بالتحاق أبنائها بالمدارس ، وما يعمل من احتفالات وأفراح لتشجيعهم على ذلك ، لاسيما في ختام كل مرحلة ، وتناول هذا المبحث في هذا الصدد مراحل تعليم الأطفال وأوقات الدوام والعطل الرسمية وغير الرسمية ، وختم هذا الفصل بإبراز دور الفئة المتعلمة من العلماء والفقهاء في الحياة العامة ، وموقفهم من سياسات بعض سلاطين بني رسول المجحفة بحق رعيتهم ، وتأثيرهم في تغيير العديد من الظواهر الغريبة التي شهدها المجتمع ، ودورهم في بناء المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والدينية والخيرية .
أما الفصل الخامس فقد خصصناه للمرأة فقط ، باعتبارها تشكل عنصراً مهماً من عناصر الحياة الاجتماعية ، وقد دفعتني المعلومات التي تمكنت من جمعها عن وضع المرأة الاجتماعي ودورها في المجتمع إلى أن أقسم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث اجتماعية وسياسية وعلمية ، وتناولنا في المبحث الأول وضعها الاجتماعي ، ومكانتها بين أفراد مجتمعها ، وأهم الألقاب التي عرفت بها ، ولباسها وزينتها ، ومشاركتها في الاحتفالات والمواسم ، وكرمها وجودها ، ووضعها المادي والمعيشي ، وأهم الأعمال التي زاولتها ، ومسألة توريثها واختلاف الناس حولها ، وعلاقتها الأسرية بزوجها ، ودورها في تربية أبنائها والسهر عليهم ، فضلاً عن دورها في الحياة الاجتماعية ، وأهم الأعمال التي قامت بها كبناء المدارس والمساجد والأسبلة ، وصرفها الأموال لمساعدة الفقراء والمحتاجين والأيتام .
ودرسنا في المبحثين الأخيرين دورها في المجتمع من خلال مشاركتها في الحياة السياسية ، وتأثيرها في اتخاذ القرارات عند المحن والأزمات ، مع الإشارة إلى أهم النساء اللاتي برزن في ذلك العصر من بين نساء الأسرة الرسولية الحاكمة ونساء السادة الأشراف ونساء القبائل ، فضلاً عن دور هؤلاء النسوة في الحياة العلمية والفكرية والثقافية ، وما قدمنه للمجتمع من خدمات زادت من التطور العلمي والثقافي للناس .
وقد خصص الفصل السادس والأخير لدراسة دور الدولة في الحياة الاجتماعية ، من خلال إجراءاتها في نشر العدل بين الناس ، ورفع الظلم عنهم ، وتحسين مستواهم المعيشي ، ومحاربتها للظواهر السيئة ، وسن القوانين المنظمة لحياتهم ، فضلاً عن دورها في الاهتمام بالبيئة المحيطة بالناس ، وتعمير المناطق والقرى الخاربة ، والمؤسسات الاجتماعية والتعليمية والدينية والخيرية ، وتكفلها ورعايتها لأصحاب الحاجات من الفقراء والأيتام .
وانهينا هذه الدراسة بخاتمة للموضوع تتضمن أهم ما توصلنا إليه من نتائج واستنتاجات . ثم ألحقت بالدراسة أربعة ملاحق ، احتوى الملحق الأول على جدولين : الأول لأسماء سلاطين الأسرة الرسولية الذين حكموا اليمن ، والثاني لأسماء الأشراف من الأئمة الزيديين الذين عاصروا سلاطين بني رسول . أما الملحق الثاني فاحتوى على مشجرتين : الأولى للعناصر المكونة للمجتمع ( القبائل اليمنية وَ العناصر الوافدة إلى اليمن ) ، والثانية للتقسيم الطبقي للمجتمع . أما الملحق الثالث فضم خمسة جداول : الأول لبعض مظاهر الترف في القصور والدور السلطانية التي بناها سلاطين بني رسول ، والثاني لبعض أنواع الأطعمة والأشربة والحلويات التي انتشرت بين الناس في العصر المذكور ، والثالث لبعض الأدوات المنزلية التي عرفت في بيوت الناس ، والرابع لأسعار بعض المواد الغذائية والاستهلاكية في الأسواق اليمنية ، والخامس لأهم الكوارث البيئية والأوبئة والأمراض والحرائق التي تعرض لها الناس وتضرروا منها . أما الملحق الرابع فاحتوى على ثلاث خرائط توضيحية من عمل الباحث : الأولى لأهم المناطق التي توزعت عليها العناصر المكونة للمجتمع ، والثانية لأكثر المناطق كثافة سكانية ، والثالثة لأماكن تمركز بعض فئات الطبقات الاجتماعية .
2 - تحليل المصادر :
تعد دراسة المصادر من الأمور المهمة لإكمال أيّة دراسة علمية جادة ، لما لتحليلها من دور في التعريف بها وبمنهجيتها ، وتكتمل أهمية هذه المصادر بالمدة الزمنية التي أُلَّفتْ فيها ، لاسيما إذا أُلَّفتْ في المدة التاريخية للدراسة ، وكان مؤلفها من الذين شاركوا في الأحداث أو عاصروها أو كانوا شهود عيان لها أو عاشوا في مدة زمنية قريبة منها ، وقد اعتمدنا في دراستنا هذه على عدد من المصادر ذات الأهمية التاريخية التي حاولنا انتقاءها – كما نحسب - بدقة تامة معتمدين على أكثرها قرباً من مدة الدراسة . ومن أهم هذه المصادر وأقدمها :
كتاب " نور المعارف في نظم وقوانين وأعراف اليمن في العهد المظفري الوارف " الذي يعد من أهم ما دون في تاريخ الدولة الرسولية في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية ؛ لنـدرة معلوماته التي قل ما نجدها في غيره من المؤلـفات التي كتبت عن تاريخ هذه الدولـة – كما نحسب - ، فهذا الكتاب هو مجموعة من الوثائق والسجلات التي تخص ديوان السلطان المظفر يوسف الأول ، وقد دونها عدد من الموظفين والكتاب التابعين للدولة ، وتكمن أهمية هذا المصدر في معلوماته الوفيرة والدقيقة التي تدل على براعة كتابه الذين اعتمدوا على شخصيات اجتماعية وحكومية كانت موجودة في ذلك الحين ، ونستدل على ذلك من خلال إشارة هؤلاء الكتاب إلى مصادر معلوماتهم ، وممن استقوها .
وقد قام الأستاذ محمد عبد الرحيم جازم بتحقيق هذه السجلات والوثائق في جزئين منفصلين ، كانا من أكثر ما اعتمدنا عليه في دراستنا هذه ، ويحتوي الجزء الأول على معلومات قيمة ونادرة ووفيرة عن فئات المجتمع اليمني في العصر الرسولي ، وتقسيماتها الداخلية مثل فئة التجار والفلاحين وموظفي الدولة ، فضلاً عن تسميات وظائف بعض هؤلاء الموظفين ؛ وهو ما لم نجده في غيره من المصادر ، إلاّ أن أبرز المعلومات قد جاءت عن فئات اجتماعية كثيراً ما تهملها المصادر وتتجنب ذكرها وهي فئة الحرفيين والصناع والمهنيين والعبيد ، وهو ما يعطي صورة واضحة ومهمة عنهم وعن تسمياتهم وتقسيماتهم ، وأماكن وجودهم ، وأهم منتجاتهم وأسعارها ، كما قدم هذا الجزء معلومات لا نظير لها عن الملابس التي كان الناس يرتدونها على اختلاف مستوياتهم ومراتبهم ، والأدوات التي احتوتها منازلهم ومطابخهم وأماكن جلوسهم ، إضافة إلى ذكره لأسماء بعض الشخصيات النسوية من نساء بني رسول ، وأماكن تواجدهن ، وما كان يقدم لهن ولغيرهن من الدولة من مواد غذائية وملابس وغيرها ، كما وجدنا في هذا الجزء إشارات إلى بعض الإجراءات التي كانت الدولة تقوم بها لتنظيم حياة الناس الخاصة ومعاملاتهم التجارية في الأسواق ، ومعلومات قيمة عن أسعار بعض السلع التجارية والمنتجات الزراعية والمواد الغذائية المستهلكة من خاصة الناس وعامتهم من لحوم وخضار وحبوب وفواكه وملابس وأقمشة وغيرها .
أما الجزء الثاني من نور المعارف فيحتوي على معلومات جديدة وقيمة عن بعض المناسبات الدينية التي كان الناس يحتفلون بها ، كاحتفالهم بقدوم شهر رمضان وما يمد في لياليه من موائد تعد في المطابخ السلطانية لخاصة الناس من ضيوف السلطان وعامتهم من الفقراء والمساكين ، فضلاً عمَّا يقدم لهم في الأعياد كعيدي الفطر والأضحى من كسوات وهبات ، وما يصرف لموظفي الدولة من أضاحي وأطعمة تعددت وتنوعت أسماؤها بهذه المناسبة ، إضافة إلى ما يقدم لهم في بعض المناسبات الأخرى التي يحتفل بها كليلة النصف من شعبان ، إلاّ أن أفضل ما جاء في هذا الجزء من المعلومات ما ورد عن بعض الطبخات التي عرفت في قصور بني رسول ومقاديرها ، وأشهر طباخيها المعروفين بخبرتهم في إعدادها ، إضافة إلى أنواع الحلوى والمشروبات التي عرفت في ذلك الحين .
ولا ريب في أن كتاب نور المعارف بما جاء فيه ، وما أضيف إليه من تعليقات وإيضاحات ومراجعات يعد موسوعة يصعب على أي باحث في تاريخ الدولة الرسولية الاستغناء عنها وعن معلوماتها ولاسيما في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية .
ومن المصادر التي أفادتنا في دراستنا هذه مخطوطة " الديوان المالي المعمور في زمن دولة بني رسول " التي تعد أحد دواوين الخراج التي دونت - على ما يبدو - في عصر السلطان المظفر الأول ؛ لما فيها من إشارات تؤكد ذلك ، وإن ضاعت أوراقها الأولى التي تحدد هويتها وتاريخ تدوينها ، وتكمن أهميتها في المعلومات التي تخص الوضع المادي لبعض أفراد الفئات الاجتماعية التي تنتمي إلى طبقة الخاصة ، كأفراد الأسرة المالكة من أبناء السلاطين ونسائهم والمقربين منهم من الوزراء والأمراء والولاة والعلماء والفقهاء والشعراء ، فضلاً عن ذكرها لبعض المنشآت التي قاموا بتعميرها خدمة للمجتمع ، وما تحتويه من أوقاف ، وما تؤخذ على أراضيهم الزراعية من ضرائب ومسامحات .
كما شكّل كتاب " السمط الغالي الثمن في أخبار ملوك الغز باليمن " للأمير بدر الدين محمد بن حاتم بن عمران اليامي الهمداني الذي كان حياً سنة 702ﻫ / 1302م مصدراً مهماً من مصادر هذا البحث ، ومع أنه من المصادر التي دونت للتاريخ السياسي لكنه لم يخلُ من بعض المعلومات ذات الطابع الاجتماعي كعادات الناس وتقاليدهم وملابسهم وأزيائهم وزينتهم وعلاقاتهم الأسرية والاجتماعية ، إضافة إلى إشارات لبعض الظواهر الاجتماعية والبيئية التي أثرت على حياتهم وأحوالهم ، وكان أكثر ما قدمه لنا ابن حاتم من معلومات هو ما جاء به عن دور بعض النساء في المجتمع ، ومواقفهن من بعض الأحداث السياسية التي شهدتها الدولة ومشاركتهن فيها ، وتأتي أهمية هذا المصدر من كون مؤلفه ممن عاشوا شطراً من أحداث هذه الدولة من عهد السلطان المنصور نور الدين عمر إلى بداية عهد السلطان الأشرف الأول ، وشاركوا سكانها معاناتهم حتى أن معلوماته يغلب عليها الجانب الوصفي التفصيلي التحليلي .
ومن بين المصادر الأساسية التي اعتمدت عليها هذه الدراسة كتاب " السلوك في طبقات العلماء والملوك " للقاضي أبي عبدالله بهاء الدين محمد بن يوسف بن يعقوب الجندي المتوفى سنة 732ﻫ / 1332م ، الذي احتوى على معلومات تفصيلية مهمة عن أحوال الناس وعلاقتهم ببعضهم ، إضافة إلى معلومات مبعثرة بين من ترجم لهم الجندي عن عاداتهم وتقاليدهم في الزواج والمهور واللباس والزينة والمآتم والأعياد والاحتفالات ، وعلاقاتهم الأسرية ، وما كان يشوبها من مشكلات ، وأوضاعهم المعيشية وما كان يؤثر عليها ، ويعد هذا الكتاب من أكثر ما اعتمدنا عليه في دراستنا هذه لكون مؤلفه عاصر الدولة الرسولية في عهد السلطان المؤيد وشطر من عهد ولده السلطان المجاهد وشهد أحداثها ومشكلاتها وكوارثها لتنقله بين مدنها وقراها بحكم عمله كمحتسب وتدوينه لكل مشاهداته عن أحوال أشهر الناس في المناطق التي زارها .
ومن الكتب ذات الأهمية في هذا الدراسة كتاب " بهجة الزمن في تاريخ اليمن " للمؤرخ تاج الدين عبد الباقي بن عبد المجيد اليماني المتوفى سنة 743ﻫ / 1342م الذي كان معاصراً لهذه الدولة في عهد السلطان المؤيد داؤد وولده المجاهد ودون العديد من المظاهر الاجتماعية فيها كمظاهر الترف والنعيم والبذخ التي شهدتها الأعياد والاحتفالات التي كان يقيمها السلاطين المعاصرين له بحكم عمله في ديوان الإنشاء والذي قربه منهم لاسيما السلطان المؤيد داؤد ، فضلاً عن ذكره أسماء بعض القصور الفاخرة والبساتين الجميلة التي أنشأها هؤلاء السلاطين وأقاموا الاحتفالات لافتتاحها ، إضافة إلى ذكره للعلاقة التي ربطت بين بعض السلاطين والموظفين العاملين في قصورهم ودورهم ، وعلاقتهم بعامة الناس من الفقهاء والتجار .
كما مدنا كتاب " العطايا السنية والمواهب الهنية في المناقب اليمنية " للملك الأفضل العباس بن علي بن داؤد بن رسول المتوفى سنة 778ﻫ / 1376م بتراجم لشخصيات اجتماعية تنتمي إلى جميع فئات المجتمع ، ومن خلال هذه التراجم تمكنا من استخراج العديد من المعلومات القيمة عن الحياة الاجتماعية الخاصة بهم كعلاقاتهم ببعضهم واحتفالاتهم وعاداتهم وتقاليدهم ، ودور بعضهم في نشر العلم بين الناس ، وتأتي أهمية هذا المصدر من كون مؤلفه أحد سلاطين بني رسول الذين عرفوا بعلمهم وعلاقاتهم الواسعة مع من حولهم من أبناء المجتمع .
ومن الكتب المهمة التي وقفنا عليها في بحثنا هذا كتاب " الاعتبار في التواريخ والآثار المعروف بـ : تاريخ وصاب " للعلامة وجيه الدين عبد الرحمن بن عمر الحبيشي الوصابي المتوفى سنة 782ﻫ / 1380م والذي يعد من المصادر المهمة التي قدمت معلومات وتفاصيل دقيقة عن الحياة الاجتماعية لأهالي منطقة وصاب بعاداتها وتقاليدها واحتفالاتها وطبائع نسائها ولبسهن وزينتهن وعلاقتهن بأزواجهن ودورهن في التربية والتنشئة الاجتماعية ، وفي البناء والتعمير والتعليم والتأليف .
كما يُعد كتاب " تاريخ المعلم وطيوط " للعلامة حسين بن إسماعيل المعروف بالمعلم وطيوط المتوفى بعد سنة 800ﻫ / 1397م من المصادر التي أفادتنا بالعديد من المعلومات عن الحياة الاجتماعية في ذلك العصر ، لإشاراته إلى المعاناة التي كان يتعرض لها الناس بفعل الضرائب المختلفة التي فرضت عليهم والكوارث البيئية ، وما كلفهم ذلك من ديون ، ودور بعض الميسورين في التخفيف عنهم ، وبعض عادات الزواج والأعياد ، وما كان يلبس فيها ، فضلاً عن دور الدولة في إنصاف العامة من الناس ، وخدمة المجتمع بتقديم المشاريع لأبنائه .
ومن المصادر التاريخية التي تم الوقوف عليها لأهميتها الباب الخامس من كتاب " فاكهة الزمن ومفاكهة الآداب والفنن في أخبار من ملك اليمن على أثر التبابعة ملوك العصر والزمن " للملك الأشرف أبي العباس إسماعيل بن العباس الرسولي الغساني المتوفى سنة 803ﻫ / 1400م ، والقارئ لهذا الكتاب قد يجد نفسه في حيره للتشابه الكبير بين مادته التاريخية وما دونه الخزرجي في كتابه العسجد المسبوك فيمن ولي اليمن من الملوك ، وقد يكون للعلاقة التي ربطت بين الرجلين دور في الاستعانة به لكتابة بعض فصوله ، ولا نجد مبرراً آخر لذلك ، ويعد هذا الكتاب من كتب التاريخ العام ، ويضم اثني عشر فصلاً ، يهمنا منها الفصل السادس عن بداية قيام الدولة الرسولية إلى الفصل الثاني عشر نهاية عصر المؤلف ، وما يميز كتاب فاكهة الزمن أن مؤلفه كان من سلاطين بني رسول وعلمائهم الذين ارتبطوا بالناس وتداخلوا معهم ، وهو ما تثبته المعلومات التي تتحدث عن المناسبات والاحتفالات التي كانوا يقومون بها في أعيادهم ومناسبات ختان أبنائهم ومآتمهم التي كثيراً ما يشارك فيها الناس كافة على اختلاف فئاتهم ، إلاّ أن ما يميز كتاب فاكهة الزمن عن كتب الخزرجي المعلومات النادرة التي انفرد بها السلطان الأشرف عن بعض الكوارث البيئية التي ظهرت في مدة حكمه ، فضلاً عن بعض الأحداث المتعلقة بحياة الناس الاجتماعية والاقتصادية والعلمية التي عاصرها ، لهذا لا يقل هذا الكتاب من حيث الأهمية عن ما سبقها من المؤلفات التاريخية .
إلاّ أن أكثر المصادر التاريخية التي اعتمدنا عليها عند كتابتنا لهذه الدراسة مؤلفات المؤرخ موفق الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر بن الحسين بن وهاس الخزرجي الزبيدي المتوفى سنة 812ﻫ / 1409م الذي يعد بحق مؤرخ الدولة الرسولية ، لما قدمه لنا من مؤلفات اختلفت بين التاريخ العام وتاريخ الدول والتراجم والطبقات التي ترجم فيها لرجال ونساء عصره ، وقد تدل تلك المؤلفات وما جاء فيها من أخبار على سعة علم هذا المؤرخ ، وارتباطه بالمجتمع والناس والتزامه الحيادية عند التأليف وعدم انحيازه إلى جهة معينة ذات سلطة أو جاه أو مال ، مع ما كان بينه وبين السلطان الأشرف الثاني من علاقة وطيدة أكدتها المكانة التي احتلها الخزرجي عنده ، لما كان يهب له من أموال وعطايا وهبات ومسامحات في أرضه لقربه وعلاقته به ، ومن أهم مؤلفاته التي قامت عليها الدراسة :
- كتاب " العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية " الذي يتكون من جزئين ، شمل الأول منها الأحداث التي مهدت لقيام هذه الدولة ابتداءً بعصر مؤسسها المنصور نور الدين عمر ثم ابنه المظفر الأول ، ومن تبعه من أبنائه الأشرف والمؤيد ، ويُكمل الجزء الثاني حياة سلاطين هذه الأسرة إلى سنة 803ﻫ / 1400م ، ابتداءً بالسلطان المجاهد ومن ثم الأفضل عباس وانتهاءً بالسلطان الأشرف الأول إسماعيل ، ويعد هذا الكتاب من أكثر المصادر تفصيلاً للأحداث التي تعرضت لها الدولة الرسولية ، وقد أخذت الجوانب الاجتماعية جزاءً كبيراً من معلوماته بجزئيه ، ونستنتج مما جاء فيه أن المؤرخ الخزرجي كان أكثر ارتباطاً بعامة الناس لانتمائه إليهم ، إذ كان يعمل في زخرفة وتشكيل سقوف المباني وجدرانها قبل انتقاله للعمل في بلاط السلطان الأشرف الثاني ، وقد ساعد انتقاله من إحدى فئات طبقة العامة إلى رجل ذي جاه وسلطة وأملاك في طبقة الخاصة على أن يكون أكثر ارتباطاً ومعرفة بحياة خاصة الناس وعامتهم ، ويعد كتاب العقود اللؤلؤية من المؤلفات النادرة التي تطرقت للتقسيم الاجتماعي للناس ومراتبهم وعاداتهم وتقاليدهم واحتفالاتهم وأعيادهم المختلفة ، وعلاقاتهم الأسرية الخاصة والعامة ، كما أنه من المؤلفات التي أكدت لنا أن هناك تنافساً شديداً وتفاخراً في الأنساب بين الناس في ذلك العصر ، فضلاً عن إشاراته إلى جميع فئات المجتمع من سلاطين وملوك وأمراء ومشائخ وشعراء وعلماء وفقهاء وتجار وفلاحين وصناع وحرفيين ومهنيين وعبيد ودورهم في الحياة الاجتماعية ، وأحوالهم المادية والمعيشية ، وما تعرضوا له من مشكلات اجتماعية ، وكوارث طبيعية وبيئية مختلفة أثرت على حياتهم .
- كتاب " العسجد المسبوك فيمن ولي اليمن من الملوك " ، ويعد من كتب التاريخ العام لليمن ، إلاّ أن ما يهمنا فيه هو الفصول الثمانية الأخيرة من الباب الخامس من الفصل الخامس حتى الفصل الثاني عشر الذي خصصه الخزرجي لبني رسول منذ دخولهم اليمن حتى نهاية عصر السلطان الأشرف الثاني ، وقد كان للجوانب الاجتماعية نصيب من هذه الفصول على الرغم من تبعثر معلوماتها بين صفحاته ، ومن الملاحظ أن أحداث هذا الكتاب لم تقف عند سنة وفاة الخزرجي بل استمرت إلى نهاية الدولة الرسولية ، ومما لا يدع مجالاً للشك أن ذلك العمل من صنع الناسخ نفسه الذي يبدو أنه نقل عن بعض المؤلفات الأخرى كمؤلفات ابن الديبع . وقد اعتمدنا في ترقيم صفحات هذه المخطوطة وغيرها من المصادر المخطوطة التي نشرت مصورة على الترقيم الأصلي الذي يعرف بالإلحاقة ، وأشرنا إليه بمختصر ( ق ) بدلاً من الترقيم الذي أدخلته الجهات التي قامت بنشرها .
- كتاب " طراز أعلام الزمن في طبقات أعيان اليمن " ويعرف بـ " العقد الفاخر الحسن في طبقات أكابر اليمن " وهو من كتب التراجم المرتبة على حروف المعجم ، وعن طريقه تعرفنا على جوانب من حياة سلاطين بني رسول الاجتماعية وأمرائهم وكبار رجال دولتهم وقادتهم وعلمائهم وشعرائهم ومشائخهم .
- كتاب " الكفاية والإعلام فيمن ولي اليمن وسكنها من ملوك الإسلام " وقد خصص لتاريخ اليمن منذ العهد النبوي إلى عصر المؤلف ، ويعد من الكتب التي عدنا إليها في الجوانب الاجتماعية كغيره من مؤلفات الخزرجي التي يجد القارئ فيها تشابهاً كبيراً ، وكأن المؤلف يُغير في عناوينها فقط بعد أن يزيد أو يحذف عنها بعض معلوماتها .
كما مدنا كتاب " ملخص الفطن والألباب ومصباح الهدى للكتاب " للحسن بن علي الشريف الحسيني الذي كان موجوداً سنة 815ﻫ / 1412م ، بمعلومات قيمة عن فئة اجتماعية كان لها دور كبير في المجتمع وهي فئة موظفي الدولة ومهامهم في خدمة المناطق المسؤولين عنها ، وما يقدمونه لأهلها من مساعدات ومشاريع خيرية واجتماعية ، علماً بأن هذا الكتاب أُلَّف ليكون دليلاً لعمال ديوان الخراج في معرفة تقسيم الأقاليم اليمنية في عصر السلطان الناصر .
ومن المصادر المهمة التي رجعنا إليها كتاب " تاريخ الدولة الرسولية " لمؤلف مجهول عاش في النصف الأول من القرن التاسع الهجري ( الثاني عشر الميلادي ) ، ويبدو أنه كان من المعاصرين للسلطان الظاهر يحيى بن إسماعيل ، وعمل عنده كاتباً في الديوان ، لما احتواه كتابه هذا من معلومات وفيرة عن تاريخ بني رسول ، لاسيما في مدة حكم السلطان المذكور التي أخذت النصيب الأكبر من أحداث هذا الكتاب الذي يعد تكملة لما جاء به الخزرجي من معلومات عن بني رسول ، ويسرد هذا المؤرخ أحداث هذه الدولة بصورة تفصيلية دقيقة لم ترد في مصدر آخر عن بعض عادات السلاطين واحتفالاتهم ، ومظاهر ترفهم ونعيمهم التي تجسدت ببنائهم للقصور والدور الفاخرة والبساتين الغناء ، إضافة إلى معلومات نادرة عن بعض الظواهر البيئية التي تعرض لها الناس في ذلك العصر ، وآثارها على حياتهم ، وتشكل المعلومات التي مدنا بها عن طاعون سنة 840ﻫ / 1436م من أفضل ما قدمه ، ويظهر أن هذا المؤلف مات في هذا الطاعون لتوقف أحداث هذا الكتـاب عند هذا الخبر .
كما شكّلت كتب الرحلات والجغرافيا من أهم المصادر التي تم الرجوع إليها في هذه الدراسة ، مثل كتاب " صفة بلاد اليمن ومكة وبعض الحجاز المسمى تاريخ المستبصر " لجمال الدين أبي الفتح يوسف بن يعقوب بن محمد المعروف بابن المجاور الشيباني الدمشقـي
المتوفى سنة 690ﻫ / 1291م ، الذي حمل بين صفحاته العديد من المعلومات الاجتماعية النادرة عن بعض فئات المجتمع في ذلك العصر من فلاحين وعلماء وحرفيين وعبيد ، وعاداتهم وتقاليدهم واحتفالاتهم ومناسباتهم التي اختلفت من منطقة إلى أخرى .
وكتاب " رحلات ماركو بولو " الجزء الثالث منه لمؤلفه الرحالة الإيطالي ماركو بولو المتوفى سنة 725ﻫ / 1324م ، والذي لم يزر اليمن ، ولكنه كتب عنها في عصر السلطان المظفر الأول في أثناء رحلته التي قام بها في آسيا الصغرى ، معتمداً في معلوماته على مصادر زار أصحابها اليمن أو عاشوا فيها ؛ فمدته بأخبار قيمة عن مدينة عدن ووضع التجار فيها وأحوالهم ، وأملاك سلطانها الطائلة ومصادر دخلها التي ميزته عن ملوك الأقطار المجاورة لليمن ، فضلاً عن معلومات قيمة عن أهالي الشحر وظفار الحبوضي ، وأهالي جزيرة سقطرى وديانتهم ولباسهم وطعامهم ومعاملاتهم ، وأهم أعمالهم ، وعاداتهم المنتشرة بينهم .
وكتاب " مسالك الأبصار في ممالك الأمصار القسم الخاص بمملكة اليمن " لشهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري المتوفى سنة 749ﻫ / 1348م الذي حفل ببعض المعلومات عن مظاهر الترف والنعيم التي عاشها أفراد طبقة الخاصة ولباسهم وعلاقاتهم ، ودورهم في تشجيع أصحاب الحرف ، واستقدامهم وترغيبهم ، ورغم أن ابن فضل الله العمري لم يزر اليمن إلاّ أنه اعتمد في معلوماته على بعض ممن التقى بهم من أهل اليمن.
وكتاب " تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار المسماة رحلة ابن بطوطة " للرحالة محمد بن عبدالله اللواتي الطنجي المتوفى سنة 779ﻫ / 1377م . وتكمن أهمية هذا الكتاب في كون مؤلفه ممن زاروا اليمن ، وعاشوا بين أهلها ، واختلطوا بهم ودونوا ملاحظاتهم عن عاداتهم وتقاليدهم المختلفة والمتعددة لاسيما في عصر السلطان المجاهد الذي استضافه عنده ، حتى إن لقاءه بالمجاهد من الأمور التي لفتت نظر ابن بطوطة ، فراح يدون ملاحظاته حول التقسيم الاجتماعي للناس في مجلس السلطان وبعض عادات السلام والمصافحة والضيافة والكرم والجود والطعام والشرب ، فضلاً عن عادات بعض سكان المناطق اليمنية التي زارها والتي أثارت عجب هذا الرحالة .
كما كشف لنا كتاب " صبح الأعشى في صناعة الإنشا " للعلامة أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي المتوفى سنة 821ﻫ / 1418م الغموض عن العديد من المصطلحات والأسماء والوظائف ، وأمدنا بمعلومات قيمة عن نمط حياة بعض الفئات الاجتماعية وأحوالها في ذلك العصر مثل فئة السلاطين والأشراف والموظفين .
وليس من شك في أن لكتب التراجم والطبقات التي دونت في مدة زمنية قريبة من تاريخ الدولة الرسولية فائدة كبيرة لهذه الدراسة مثل كتاب " طبقات الخواص من أهل الصدق والإخلاص " للعلامة أبي العباس أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الشرجي المتوفى سنة 893ﻫ / 1487م ، وكتاب " طبقات صلحاء اليمن المعروف بتاريخ البريهي " للعلامة المؤرخ عبد الوهاب بن عبد الرحمن البريهي المتوفى سنة 904ﻫ / 1498م لما احتوته هذه التراجم من معلومات اجتماعية عن حياة العديد من الشخصيات التي عاشت في ذلك العصر ، وكان لها دور في المجتمع ، وتعد كتب التراجم والطبقات من المصادر المهمة لأي باحث في الحياة الاجتماعية لما بين تراجمها من أخبار تتعلق بحياة جميع فئات المجتمع .
وإضافة إلى ذلك ، استفادت الدراسة كثيراً من مؤلفات بعض المؤرخين الذين لم يعاصروا هذه الدولة بل عاشوا في مدة قريبة منها ، واستقوا معلوماتهم من مؤلفات عاصر كتابها الدولة الرسولية مثل كتاب " قرة العيون بأخبار اليمن الميمون " ، وكتاب " الفضل المزيد على بغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد " للعلامة وجيه الدين عبد الرحمن بن علي الشيباني ابن الديبع المتوفى سنة 944ﻫ / 1537م اللذين ضما العديد من المعلومات الاجتماعية عن الناس ونمط حياتهم ، وعلاقاتهم بطبقة الخاصة من سلاطين وملوك ، ودور هؤلاء في تطوير المجتمع بهدف تحسين مستوى الناس المعيشي والعلمي والاجتماعي والفكري .
كما استفدنا أيضاً من مؤلفات أبي محمد الطيب بن عبدالله بامخرمة المتوفى سنة 947ﻫ / 1540م ، لاسيما كتابّي " تاريخ ثغر عدن " وَ " قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر " وبخاصة الجزء الثالث منه ، اللذين يعدان من أهم كتب التراجم التي أعطت معلومات قيمة لم نجدها في غيرها من المؤلفات عن الأوضاع الاجتماعية للناس في مدينة عدن في الأيام الأخيرة لسقوط الدولة الرسولية ، وما عانته هذه المدينة وأهلها من حالة الفوضى والسلب والنهب من قبل قبائل المنطقة ، وما كان لذلك من أثر سلبي على حياة التجار والميسورين والعلماء وبسطاء الناس ومعدميهم ، فضلاً عن معلومات اجتماعية أخرى ، ويبدو أن هؤلاء المؤرخين مثل ابن الديبع وبامخرمة اعتمدوا في معلوماتهم على مصادر حية عاصرت الحدث أو مؤلفات لم تجد طريقها إلى النور .
ولم تكن تلك المؤلفات إلاّ نموذجاً للعديد من المصادر التي عدنا إليها في دراستنا هذه ، مع العلم أن هذه الرسالة استفادت كثيراً من كتب أخرى كان لها الفضل في استكمال وتفسير وتعريف ما غمض من المعلومات والمصطلحات والأسماء مثل كتب الأنساب والجغرافيا والمعاجم واللغة ، فضلاً عن بعض الكتب الأجنبية المعربة وغير المعربة ، والرسائل الجامعية والبحوث التي احتوت على دراسات مهمة عن مدة حكم الأسرة الرسولية لليمن ، وقد تم الاستفادة من آراء ووجهات نظر ونتائج واستنتاجات مؤلفي هذه الكتب والرسائل ، وما توصلوا إليه من جديد في تاريخ هذه الدولة ، ولكننا تجنبنا التعريف بها خشية الإطالة .
وفي الأخير أرجو من الله العزيز العليم أن أكون قد وفقت بجهدي المتواضع هذا في إعداد دراسة علمية أكاديمية جادة وجديدة ومفيدة عن الحياة الاجتماعية في اليمن في عصر الدولة الرسولية، كما أرجو أن أكون قد وفقت في إخراجها بالصورة المطلوبة ، فإن تحقق ذلك فبتوفيق من الله تعالى وعونه ، وأن قصرت في ذلك أو أخطأت فمن نفسي ، والله الموفق والمعين.