العلاقات التجارية بين الشرق والغرب عبر البحر الأحمر
الباحث:
د/ محمد حسين الصافي
الدرجة العلمية:
دكتوراه
الجامعة:
جامعة صنعاء
بلد الدراسة:
اليمن
لغة الدراسة:
العربية
تاريخ الإقرار:
2008
نوع الدراسة:
رسالة جامعية
الخاتمة
خلاصة ونتائج
كشفت الدراسة عن طبيعة الدورة الاقتصادية والمالية بين الشرق والغرب عبر اليمن والبحر الأحمر . كما أظهرت بوضوح أهمية العامل الجغرافي وتأثيراته في تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب، وخاصة في المجال التجاري والاقتصادي . إذ أعطى لليمن والبحر الأحمر القدرة على التحكم والسيطرة على الطرق التجارية . والتي عرف العرب كيفية الاستفادة منها الاستفادة القصوى . فحققوا أفضل الأرباح وجنوا أعلى المكاسب . ليس كمتحكم سلبي ، بل كشريك فاعل وقوي ومؤثر ونافع لطبيعة هذه العلاقات وسيرها .
وفي هذه الفترة التاريخية صدر الشرق إلى الغرب عشرات السلع التجارية . لكن كان من أهمها التوابل والعقاقير الطبية التي كانت أوروبا في أمس الحاجة لهما . ثم كانت أيضاً سلعة الحنطة مهمة جداً لأوروبا خاصة في فترات القحط والمجاعات والأوبئة . أضف إلى ذلك السلع التي تمثل المواد الأولية التي تقوم عليها الصناعات في أوروبا آنذاك مثل الحرير والأصباغ والصموغ وغيرها من السلع .
وكانت أوروبا بالمقابل تصدر أهم ما تملكه وهي المعادن المختلفة والعديد من السلع مثل المنسوجات الصوفية والجلود والمرجان ، ولكن كان ذلك لا يكفي لأن ميزان المبادلات التجارية كان لصالح الشرق . ولأجل ذلك كانت تضطر إلى تصدير الذهب والفضة بكميات كبيرة حتى تعوض فارق العجز التجاري .
أما اليمن فكانت الشريك الفاعل المتفاعل ، فكانت سوقاً ضخمة لكل سلع الشرق والغرب على حد سواء ، كما كانت تصدر عشرات السلع الهامة والإستراتيجية . فحققت بذلك التوازن الاقتصادي المطلوب في أي شراكة اقتصادية وتجارية . كما حققت لها تجارة العبور أو الترانزيت دخلاً ضخماً حقق لها الرخاء والوفرة المالية .
كذلك برزت أهمية الدولة اليمنية في قدرتها على ضبط وتنظيم هذا النشاط التجاري الضخم عبر موانئها كما يتأتى في قدرتها على تشجيع التجار وحمايتهم وضمان حقوقهم ومنع الغش التجاري بأنواعه . ناهيك على احتكار النقل البحري عبر البحر الأحمر مما أعطاها السيطرة المطلقة طيلة تلك الفترة التاريخية . كذلك تواجد في اليمن مجموعة من طوائف التجار الذين كان لهم دوراً بارزاً في التجارة الدولية وخاصة التجار اليمنيين وتجار الكارم والتجار اليهود .إضافة إلى ممارسة الدولة نفسها للتجارة .
على أنه تداخلت تأثيرات سياسية وعسكرية عديدة كانت من عوامل نشاط أو ركود هذا الطريق التجاري مثل ظهور المغول واضطراب الطرق البرية المنافسة سواء عبر وسط آسيا أو طريق العراق . مما ركز حركة التجارة الدولية عبر طريق اليمن والبحر الأحمر . لكن كانت هناك أيضاً مؤثرات سلبية مثل منافسة ممالك المغول بعد أن استقرت سياسياً . كذلك قرارات البابا نيقولا الرابع بتحريم التجارة مع المسلمين . ولكن التأثير الأهم حسب رأينا كان الانحطاط العام الذي أصاب أوروبا في النصف الثاني من القرن 8هـ/14م . وإن لم يكن كله سلبياً على حركة التجارة عبر اليمن والبحر الأحمر . إذ بسبب الطاعون الأسود أقفلت طرق آسيا البرية وتركزت التجارة أكثر عبر البحر
الأحمر .
ولكن بسبب السياسات الطائشة لبعض السلاطين المتأخرين للدولة الرسولية بدأت السفن التجارية تتهرب من الوصول إلى ميناء عدن مما أذن بأفول نجم هذا الميناء التاريخي الشيء الذي قاد في نهاية المطاف إلى انهيار التوازن الإقليمي في تجارة المنطقة وانفراد دولة المماليك بمصير هذه التجارة .
ويمكن استخلاص نتائج عامة للدراسة من أهمها :
1- خضوع منطقة اليمن والبحر الأحمر لدورات من النشاط التجاري أو الركود والانحطاط . وعادة ما يكون أسباب ذلك عوامل عالمية خارجية . إضافة إلى العوامل المحلية الداخلية . من ذلك أن طريق اليمن والبحر الأحمر كان في حالة ركود تجاري قبل القرن 4هـ/10م . في الوقت الذي كانت منطقة الخليج العربي والعراق في حالة ازدهار وانتعاش حضاري وتجاري واقتصادي . ثم دخلت اليمن و البحر الأحمر مرحلة ازدهار لتعود فتدخل في مرحلة من الركود ابتداءاً من القرن 10هـ/16م بسبب اكتشاف رأس الرجاء الصالح ووصول الأساطيل الأوروبية إلى المنطقة .
2- اعتماد التجارة العالمية والاقتصاد العالمي في العصور الوسطى على ما يمكن أن نسميه الاقتصاد الطبيعي . فتحكمت طبيعة منتجات الأرض الزراعية والمعدنية و الحيوانية بطبيعة المبادلات التجارية . ففي الوقت الذي تميز الشرق بإنتاج التوابل والبهارات تميز الغرب بإنتاج المعادن بأنواعها . وهنا يظهر بوضوح موضوع البعد الفيزيائي ودوره في التاريخ الإنساني .
3- كذلك سيطرت العوامل الجغرافية والمناخية في مواعيد المبادلات التجارية من خلال مواعيد وأوقات الرياح الموسمية .
4- كان لأفضلية السفر في البحر دور كبير لأهمية طريق اليمن والبحر الأحمر . إذ أن معظم خط سير هذا الطريق كان بحرياً . حيث كان التجار يفضلون السفر بالبحر لأنه كان أكثر راحة وأماناً وأقل تكلفة ومشقة وأقل مدة زمنية . وهذا كان أحد أهم مميزات طريق اليمن والبحر الأحمر مع الطرق الأخرى المنافسة .
5- بدا واضحاً ارتباط نشاط التجارة عبر هذا الطريق بالعمر التاريخي للدول القائمة عليه . حيث عاش هذا الطريق أزهى عصوره مع أزهى عصور دولتي بني رسول والمماليك . أو عاصر أوج عمر هاتين الدولتين .
ولا شك أن هناك ارتباطاً شرطياً بين الطرفين . لكن لا نستطيع أن نحدد من المؤثر ومن المتأثر . فربما أن ذلك يحتاج إلى دراسات مستقلة للكشف عن هذا الموضوع .
6- كانت فترة العصور الوسطى فترة وسط بين تاريخ العلاقات بين الشرق و الغرب في التاريخ القديم والتاريخ الحديث والمعاصر . ففي التاريخ القديم كان الغرب يحتاج إلى الشرق في استيراد سلعتين هامتين آنذاك هما الحرير والبخور . وفي العصور الوسطى كان الغرب أيضاً يحتاج إلى سلع هامة من الشرق هما التوابل و العقاقير الطبية . وفي التاريخ الحديث والمعاصر أيضاً يحتاج الغرب من الشرق سلعة هامة جداً هي النفط الخام . إلاَّ أنه في كل مرة كان الغرب يثور على هذه السيطرة الشرقية في تاريخ العلاقات . ويحاول أن يتخلص منها . حيث تمكن قديماً من كشف سر زراعة الحرير . وتخلص من أهمية البخور . وفي العصور الوسطى تمكن من الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح والتعامل المباشر مع مناطق الإنتاج واحتلالها . ومعاصراً يحاول جاهداً إيجاد طاقة بديلة[1] .
7- ارتباط ازدهار النشاط التجاري والاقتصادي بالنهضة الحضارية العامة في اليمن وازدهار العلم والمدارس والعمران[2].
8- بفضل التجارة والمعاملات الإنسانية المختلفة فيها نقل العرب الإسلام والحضارة الإسلامية إلى شرق آسيا وشرق أفريقيا . كذلك بفضل التجارة انتقلت الحضارة العربية الإسلامية إلى أوروبا عبر إيطاليا والمدن الإيطالية .
9- نستطيع القول أن الدراسة تمكنت من الإجابة على تساؤل المؤرخ لوبيز ثم أعاد هذا التساؤل المؤرخ جوايتان وهو كيف استطاع الشرق الأوسط ( العرب ) تحقيق التوازن التجاري الواضح بينهم وبين الهند من خلال الذهب[3] . والحقيقة أن الذهب لم يكن وحده عامل التوازن مع تجارة الهند ، فهو إضافة إلى منتجات أوروبا والأبيض المتوسط التي كان يتاجر بها العرب ومنتجات الجزيرة العربية وأهمها الخيول وتجارة العبور وأرباحها وتجارة النقل . شكل كل ذلك التوازن التجاري مع الهند . الشيء الذي لم تستطع أوروبا تحقيقه وسقطت في أزماتها الاقتصادية المتلاحقة لاعتمادها الكلي على الذهب لتغطية فارق التبادل التجاري . أضف إلى ذلك أن العرب لم يعتمدو اعتماد كلياً على ذهب أوروبا ولكن كان لهم موارد أخرى ضخمة من الذهب وهو الذهب الأفريقي من مختلف مناطق أفريقيا . والذي كان عادة يتم الحصول عليه مقايضة بالأقمشة وسواها .
وقدمت اليمن نموذجاً للتوازن التجاري والاقتصادي بينها وبين الهند ، حيث كانت تزرع الفوة لتبيعها بأسعار مرتفعة للهند. وتستورد القمح والرز بسعر رخيص . وبالمقابل تشتري الهند الفوة لصباغة المنسوجات التي تصدرها إلى اليمن مصنعة وبسعر مرتفع.
10- قام النظام العالمي في القرن 8هـ/14م على قدرة الدورة الاقتصادية والمالية في التدفق بين الشرق والغرب ، من خلال اقاليم ضخمة متداخلة فيما بينها، بشكل يحقق توازن سلعي وكمي إلى حدٍ ما مع تفوق الشرق على الغرب . وتستند هذه الدورة على قدرة كل طرف في مساهمته الفعلية كشريك مكمل لاحتياج الأخر . وكان العرب والمسلمون هم ضباط الإيقاع لهذا النظام العالمي التبادلي.
وبخروج العرب والمسلمين من هذا الدور بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح انقلب ميزان النظام العالمي إلى صالح الغرب لتتكدس الثروة لديهم وينشأ النظام الرأسمالي ليتطور بالشكل الذي نراه اليوم . ويبرز نظام عالمي جديد لا توازن فيه. وبهذا نستطيع أن نقول أن انتهاء دور اليمن قاد إلى انفراد المماليك وسقوط التوازن الإقليمي ، وإنفراد المماليك وتصرفاتهم أفضى إلى الالتفاف الأوروبي لرأس الرجاء الصالح وسقوط النظام العالمي الذي كان سائداً في العصور الوسطى. وقيام نظام عالمي جديد يهيمن عليه الغرب حتى الآن.
[1] انظر على سبيل المثال : كامبيل ، كولن وآخرون : نهاية عصر البترول ، ترجمة عدنان عباس علي ، الكويت 2004 ، ص292 .
[2] تثير العلاقة الجدلية بين العلم والاقتصاد الكثير من الجدل . مثل هل المصنع هو الذي يوجد المدرسة أم العكس ؟ أو هل التعلم يوجد النهضة الاقتصادية أم الازدهار التجاري هو الذي يوجد المتعلمين . انظر على سبيل المثال فلوريان كولماس : اللغة والاقتصاد ، ترجمة أحمد عوض ، الكويت 2000م ، ص270،271 .
[3] انظر : جوايتان ، دراسات ، ص269 .