الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن، والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم) وقد أريتكم نموذجاً لـعبد الله بن عمرو . خذ نموذجاً آخر لـعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال: (كنت شاباً عزباً أبيت في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الناس يرون رؤىً فيقصونها على النبي صلى الله عليه وسلم فيعبرها لهم ...) وهناك بعض الرؤى كانت بشارات مثل رؤيا عبد الله بن سلام أنه أمسك بحلقة في السماء، فقص على النبي عليه الصلاة والسلام الرؤيا، فقال: (عبد الله مستمسك بالعروة الوثقى). وفي الرؤيا الأخرى لما رأى نفسه على قمة الفسطاط؛ فقال له: (أنت تموت على الإسلام)، بشارة من أعظم البشارات. فـعبد الله بن عمر كان يسمع تعبير الرؤيا وكبده يتفتت، يتمنى أن يرى رؤيا هو أيضاً، حتى يحكيها فيقول له: أنت من أهل الجنة، فيستريح، فتكون بشارة.. قال: (... فقلت لنفسي ليلة: لو كان فيك خيراً لرأيت رؤيا. قال: فنمت ليلة فرأيت رؤيا، رأيتُ مَلَكين يجراني إلى النار، وأنا أقول: أعوذ بالله من النار، فلما وقفت على شفيرها، إذا أناس معلقون من أرجلهم عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، فجاء ملك فأخذني منهما وقال لي: لم تُرَع -أي: لم تخف- فاستيقظت فاستحيا أن يقصها على الرسول عليه الصلاة والسلام، وقصها على حفصة أخته -أم المؤمنين رضي الله عنها- فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم -فجاءت البشرى- فقال: نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)، بشارة مشروطة، قال الراوي: فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً. هذا هو الجيل الفريد: (ما عليه اليوم أنا وأصحابي)، هذا هو الجيل الناصع، غُرَّة في جبين الزمان، لا تجد مثلهم من لدن آدم عليه السلام إلى آخر الزمان، لأنه جيل فريد. قال ابن مسعود رضي الله عنه: (نظر الله عز وجل في قلوب العالمين فاختار قلب محمد صلى الله عليه وسلم لرسالته، ثم نظر في قلوب العالمين فاختار قلوب أصحابه له). اختارهم الله له، لذلك فهو جيل يشرف والأسوة به ممكنة، بل واجبة. مثال آخر عن عبد الله بن عمر : أنه كان إذا رأى عبداً صالحاً -من عبيده- عليه أمارات الصلاح والنجابة، والإخبات والخشوع، أعتقه. يقول له: أنت حر، فإذا قال لعبدٍ من العبيد: أنت حر، فكأنه تصدق بثمن العبد، فأعتق عدداً من العبيد، فلما رأى العبيد هذا تظاهروا بالصلاح والزهد والخشوع، فجاء ابنه -ابن عبد الله - قال له: (يا أبتِ! إنهم يخدعونك، وهذا تفريط. أي: تَحَقَّقْ من المسألة؛ لأن هناك بعض العبيد يخادعون، فقال: يا بني! من خَدَعَنا في الله خُدِعْنا له. ولم يأسف عبد الله بن عمر على خروج المال حتى وإن كان في غير مظنته. إنه يعامل ربه، ولا يعامل الخلق. هذا هو الوجه المشرق الناصع للجيل الفريد الذي مكن الله عز وجل له في عشر سنوات فقط، رأيتم رجالاً كوَّنوا دولة على وجه الأرض في عشر سنوات!! وما تكون السنون العشر في عمر الزمان؟! في عشر سنوات كانت لهم دولة. إذاً: الباب الوحيد له سمة وله علامة، ونحن نذكر علامات أبواب أصحاب البدع حتى لا تخطف قلبك، وهم على اثنين وسبعين باباً، وتبحث عن الباب الوحيد الذي ينجيك لتكون عارفاً بالعلامة؛ لأن صلاح ولدك لا يكون إلا بصلاحك؛ ولأن فاقد الشيء لا يعطيه، والعلماء يقولون في المناظرات لَمَّا يكون الدليل غير مستقيم يكون الاستنباط غير مستقيم. يقولون: (لا يستقيم الظل والعود أعوج). العود الذي هو: الوالد؛ لأنه هو الأصل، والظل فرع عن العود، وهو أثر من آثار العود، والعلماء كانوا يقولون: ثبت العرش ثم انقش، تريد نقشاً حسناًَ؟ يعني واحدٌ شَغَّال في الزخرفة، إذا أحب أن يزخرف لوحة لا يضعها على سطح الماء ويزخرف، سطح الماء مُهْتَز، فلا يستطيع الزخرفة. إذاً: حتى يزخرف لابد أن يثبت العرش. يعني: يثبت مكان اللوح، فكأنهم يقولون بهذا المثال: إذا أردت أثراً جيداً فثبت الأصل. إذا: الأصل الوالد، والولد هو الأثر، فلا يكون مستقيماً إلا باستقامة الوالد.