إن دراسة مفهوم التاريخ عند كارل ماركس يطرح فكرة فلسفية جديدة للتاريخ في ضوء منهجية علمية تقوم على تحديد المقومات الفلسفية والابستملوجية للتاريخ انطلاقا من الواقع الإنساني وحركيتة عبر الزمن ومن خلال تفاعلاته النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. إن ماركس صاغ فلسفته التاريخية انطلاقا من الفلسفات الأخرى التي أنتجت قبله، أو متزامنة معه، خصوصا وأن ماركس تأثر بدرجة كبيرة بفلسفة التاريخ عند هيكل وستمد منها مقومات فلسفته المادية للتاريخ خصوصا وهذا التأثير ظاهر بوضوح في فلسفة ماركس رغم بعض التباينات المنهجية والمعرفية. وعندما نقول أن ماركس اهتم بالتاريخ الإنساني بمعنى أنه إهتم بالتأريخ للأحداث الماضية بل يضعها في سياق فلسفي تحليلي نقدي يربط الواقعة التاريخية بسياقها النضري التفاعلي داخل نطاق العلاقة الجدلية بين الإنتاج المادي للإنسان ومن خلال صراعه مع هذا الإنتاج.
وقد بنيت نظرة ماركس للتاريخ كرد فعل مباشر للمرحلة التاريخية التي عاش فيها ولمؤثرات الحضارة الغربية (كالصراع بين العلم والمسيحية خاصة في العصور الوسطى وما نتج عنه من حكم ثيوقراطي قاهر، ثم عصر النهضة وظهور الاكتشافات في المجال العلمي والتقني، تقدم الصناعة، الاستعمار ونشر الثقافة الغربية باسم كونية الحضارة الغربية.. الخ).
وبالتالي فإنه يرى بأن الجدلية التاريخية ستحول الدولة الرأسمالية عن طريق الصراع الطبقي الى مجتمع شيوعي مبني على العدالة والحرية ومن هنا نرى أن الفلسفة التاريخية التي أنتجها ماركس فإنها تحصر معنى التاريخ في علاقة الإنسان بالإنسان وعلاقة الإنسان بالطبيعة .
والجدير بالملاحظة أن ماركس يعتبر أن التاريخ هو لغز يحير الفيلسوف ويصعب حله اعتباطيا إلا أنه يضع له معنا داخل برنامجه العام الاوهو الشيوعية ويعتبر هذه الأخيرة هي الحل الأمثل للغز التاريخ ويقول ماركس أن الشيوعية الحقيقية هي لغز التاريخ المحلول وهي تعلم أنها هي هذا الحل ' يعني أن الشيوعية ببرامجها الفلسفية والنظريات العلمية التي تحتويها والحلول المثالية التي تقدمها هي حل للغز التاريخ . ونتساءل أين يكمن لغز التاريخ الذي نضر له ماركس ؟.
التاريخ باعتباره أحداثا سابقة مر عليها الزمن وهذه الصيرورة فهمت بشكل جزئي ولم يكن من الممكن إدراكها في كليتها وبالتالي تعددت الرؤى والتفاسير لهذا التاريخ. ومن جهة أخرى لقد كان التاريخ في مرحلة الاشتطاط وأصبح شيئا غريبا لا معنى له في نظر البشر فكان هؤلاء يحاولون ادن اكتشاف معناه في مفاهيم مغلوطة. وهذا هو موطن اللغز والإضمار الذي يحمله مفهوم التاريخ.
الماركسية والتاريخ
إن أهم مايميز مفهوم التاريخ عند كارل ماركس هو كونه ينبني على الصراع الطبقي بين الفآت العاملة وبين مالكي وسائل الإنتاج ، وأن تطور التاريخ يخضع لحتمية الصراع من أجل البقاء وبالتالي فإن ماركس اعتقد أن التاريخ هو صراع الطبقات بمعنى أن التاريخ عنده يتحقق عن طريق ثورة البروليتاريا وعن طريق قهر الإنسان للطبيعة وتحويلها، كما يعتقد أن التاريخ يتحقق ويصل الى منتهاه عندما تنمحي الطبقية عن الوجود وتسود العدالة الاجتماعية التي رسم ملامحها في المذهب الشيوعي وهو بذلك يؤكد على نظرية نهاية التاريخ وذلك بنهاية الفكر الرأسمالي .
إن ربط ماركس التاريخ بالبروليتاريا يؤسس بذلك نظرية صناعة الإنسان للتاريخ ودوره في صياغة فصوله النفسية والروحية والمادية وهو ما تختزله القولة المأثورة عنه"" الإنسان يشيد التاريخ دون أن يعرف ذلك"" ولكن على الرغم من أن ماركس يؤكد على دور الإنسان في التاريخ. فهو يرى مثلا بان الوعي الطبقي سيدفع البروليتاريا الى تغيير التاريخ، وقد وجهت لماركس عدة انتقادات بسبب تركيزه على قوة الإنسان في تغيير التاريخ، لأنه لا يمكن القول بأن الإنسان حر ومسؤول وأنه عامل أساسي في تغيير التاريخ.
وتأسيسا على ما سبق تم تشكيل معنى التاريخ في الفلسفة الغربية في القرن الثامن عشر خاصة. من موقع تفاؤلي: البشرية تسعى ـ باسم التاريخ ـ نحو هدفين: الحرية ووفرة الإنتاج. وقد دعمت هذه النظرة باسم معرفة علمية وفلسفية للتاريخ (اجوست كونت وماركس وغيرهما).
فماركس مثلا تصور مجتمعاً بدون طبقات ـ أي القضاء على التفاوتات الشعبية بين العمال ومالكي وسائل الإنتاج ـ ثم نظّر رؤيته الفلسفية الى التاريخ حسب هذه الفكرة القبلية (أي قبل التجربة) ورسم معالم حركة التاريخ على شكل مراحل: من مرحلة المشاعة البدائية والعبودية، الإقطاع، الرأسمالية، والاشتراكية. ونفس الأمر بالنسبة «لأجوست كونت» الذي نظّر الى حركة التاريخ من خلال فكرة مسبقة: سيادة الفكر الوضعي. فحقب «أ ـ كونت» حركة التاريخ انطلاقاً من هذه الفكرة القبلية. يمكن القول بان قانون الأحوال الثلاثة الذي صاغه «أ. كونت» يفرض على التاريخ مساراً محدداً لايخرج عنه.
لقد كان ماركس على غرار هيغل يرى أن التاريخ البشري، كتاريخ واحد، تشترك فيه كل الحضارات، والشعوب، وان هذا التاريخ ينطوي على أنماط تقسيم العمل هذا التنميط العمومي يراد به قول ما يلي:
- وجود تطور ارتقائي في التاريخ البشري.
- أن هذا التطور هو عملية عالمية واحد.
- أن نمط الإنتاج الرأسمالي هو ثمرة التطور السابق.
اكتسب عرض ماركس للتاريخ شيئا من ملامح الفلسفة الهيغلية، وبخاصة فكرة وجود غائية في التاريخ، أي كأن التاريخ هو ذات تعي نفسها.
وجهت للماركسيين انتقادات حول اللوحة الخماسية (لوحة المراحل المتعاقبة) واعتبرت بمثابة القفص الحديدي،حيث لاحظ باحثون كثيرون أن النمط العبودي الذي نشأ في اليونان وروما لم ينشأ في بلدان أخرى، وان نمط الإنتاج الإقطاعي لم ينشأ لا في اليونان ولا روما، بل في المناطق الجرمانية (ألمانيا القديمة، فرنسا، الجزر البريطانية). أن الإنتاج الرأسمالي فقد نشأ في بريطانيا وليس في اليونان.
هذا النمط من التناثر لأنماط الإنتاج (وهي بالأساس أنماط تقسيم عمل)، لا يضع رابطة سببية أو تعاقبا سببيا بين نشوء العبودية والإقطاع، فالرأسمالية في اليونان أو روما القديمة.هناك دوائر حضارية لم تعرف العبودية. وأخرى لم تعرف الإقطاع. وبقيت أخرى مشاعية الى يومنا هذا (قبائل استراليا الأصلية قبل الغزو الأوربي). لقد أرادت نظرة ماركس الفلسفية الى التاريخ أن تؤكد على فكرة التطور والتناقض، وعلى الطابع المادي للتطور، الذي لم يكن مدروسا من قبل.
وعلاقة مع نفس الموضوع المتعلق بمفهوم التطور والطابع المادي لهذا التطور أراد ماركس أن يشدد على تاريخية نمط الإنتاج الرأسمالي ونبذ فكرة انه أزلي، ويشدد أيضا على عناصر اختلافه عما سبقه. ويلاحظ أن إمكانات التطور في التاريخ تتخذ أشكالا عديدة:
- تطور ارتقائي، تدريجي Evolution
- تطور قطعي Rupture
- تطور خطي (تراكمي – صاعد باتجاه واحد). (Lineal)
- تطور دوري (ارتدادي ، ومتقدم في آن (Cyclical
هناك ظاهرات في التاريخ تتسم بالتدرج الارتقائي، وأخرى بتطور خطي، وثالثة بتطور دوري، ورابعة بتطور قطعي وهكذا دواليك ، فمثلا ماركس يرى أن الشيوعية ستتطور تدريجيا وستمحوا الراسمالية بشكل تدريجي وهذا هو التطور الارتقائي ، أما التطور القطعي فهو ما يحدث في التاريخ فجأة سواء بسبب الحروب أو الكوارث أو ما شاكل ذلك.....
وتأسيسا على ماسبق ندرك أن ماركس أسس نظريته التاريخية على أساس مادي حاول في هذا البناء الفلسفي للتاريخ ربط التطور التاريخي بالتطور الاقتصادي للمجتمع ونتج عن ذلك الربط تفسير التاريخ على أساس السيطرة على وسائل الإنتاج التي تمكن طبقة اجتماعية معينة من فرض أفكارها ونفوذها الاجتماعي وأن ذلك الصراع المستمر سيؤدي الى انتصار البروليتاريا وهذا ماعرف عند الماركسية بالمادية التاريخية .
المصدر :