التداعيات الجيوسياسية التي انعكست بسبب الحرب على العراق وتمركز ساحة عمليات الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، لها تأثيرات تذهب إلى أعمق مما يمكن رصده خلال المرحلة الحالية.
المسألة تنعقد باختصار في أن تلازم مصطلحي الجغرافيا السياسية (الجيوبوليتيكا) والجغرافيا الاستراتيجية(الجيوستراتيجيا) هو الذي يعيّن الاستقرار السياسي عموماً واستمرارية أداء اللعبة السياسية عالمياً وإقليمياً وفق قواعد السياسة الناظمة.
المقصود هنا بدقة هو أن الجغرافيا السياسية يجب أن تتزامن وتتساوق مع الجغرافيا الاستراتيجية، وهو ما يبدو اليوم غير متوافر على الإطلاق في معادلة السياسة في المنطقة.
فالأمريكيون باتوا جزءاً من الجغرافيا السياسية(أصبحوا جيراناً لست دول) دون أن تكون هذه الجيرة أكثر من إخلال بالجغرافيا الاستراتيجية. ذلك أن الأرض لست أرضهم والموارد ليست مواردهم، وكل ما هنالك أنهم يديرون الأرض والموارد ويريدون أن يكونوا جزءاً من الجغرافيا الاستراتيجية بالتدخل في شؤون الدول الحالية ورسم سياساتها ووسائلها عبر ما يسمى"بالشرق الأوسط الجديد".
المشكلة تتمثل بأن كل وافد على الجغرافيا الاستراتيجية صحيح أنه يستطيع أن يدير الأرض والموارد مهما كانت الصعوبات لكن البشر والتاريخ(نعني الثقل الإيديولوجي وثقل المعطيات والموروث التاريخي للبشر) أمر لا يمكن إدارته وهو جزء من الجغرافيا الاستراتيجية بل وهو الجزء الأكثر أهمية في تلك المعادلة كما يقول الأميرال سيليريه وماكس سور عندما يصيغان معادلة أن الجغرافيا البشرية تغدو أكثر وأكثر كجغرافية الإنسان بمعنى التمييز بين العوامل الثابتة والعوامل المتغيرة. ويترافق مع ذلك كما يقول الأميرال بيير سيليير أهمية(المدى) الذي يسكنه البشر، أي المكان.
فإذا كان ثقل تاريخ البشر(بما فيه التاريخ الإيديولوجي للبشر) يفرض نفسه بشدة في المعادلة الجيواستراتيجية فإن ثقل المكان يفرض نفسه بنفس الشدة في تلك المعادلة، ذلك أن تغيير الدول ليس ممكناً أو قابلاً لأن يكون مثمراً لصالح دولة واحدة على حساب الدول الأخرى لهذا السبب بالذات كما يؤكد سيليير.
ولكي نترجم هذا إلى معادلة الواقع الحالي نقول:
إن الولايات المتحدة تستطيع أن تكون جزءاً من الجغرافيا السياسية عبر النفوذ أو الأنظمة الحليفة أو الموالية لكنها لا تستطيع أن تكون جزءاً من الجغرافيا الاستراتيجية لأنها تفتقد إلى الامتداد مع الأرض والاحتكاك مع البشر والتاريخ، وهذا ما يفسّر جزءاً من السؤال الذي يطرحونه:"لماذا يكرهوننا"؟ (وهو نفسه السؤال الذي نطرحه نحن أيضاً) والجواب كامن في عدم قدرة الطرفين على التمازج جغرافياً وبشرياً وتاريخياً.
الأوروبيون يستطيعون ذلك، بخلاف الأمريكيين، لأنهم يعرفون تاريخ المنطقة جيداً وكانوا جزءاً منه ودرسوه(عبر مستشرقيهم) وتواصلوا مع أرضها وبحرها والجوار الجيواستراتيجي قائم كما لا تستطيعه أمريكا مهما توهمت أنها تفعل.
فالاحتكاك مع البشر والأرض أمريكاً يحدث لأول مرة اليوم في العراق. وهو احتكاك مقطوع عن السياق، لا يوجد فيه مؤشر لما يمكن أن يتحول إلى تراكم جدّي؛ ذلك أن الأمريكيين اعتادوا على التجارب التي تبدو(كانبثاقات) تأتي فجأة وتنسحب فجأة الأمر الذي لا يراكم تجارب عن الشعوب، تماماً كما فعلوا في فيتنام وكوسوفو والصومال وحتى إيران... إذ أن الاستراتيجية السياسية والعسكرية قد بُنيت لديهم على أساس أنهم جزيرة معزولة مكتفية بذاتها تستطيع أن تمدّ يدها انتقائياً واختيارياً على المستوى العسكري، ولا داعي لفهم الناس والأرض والتاريخ إذ ان العقدة المركزية تجعلهم- كما يريدون تعميم نموذجهم السياسي على المنطقة بما فيها دستورهم(كما يقول المحافظون الجدد)- لا يلتفتون إلا إلى ضرورة أن يفهمهم الآخرون لا أن تكون العلاقة متبادلة للفهم.
القدوم الأمريكي خرّب كل المعادلات(الجيواستراتيجية). فجأة أصبح على (الجيوسياسة) أن يحتوي الجيواستراتيجية بما لا يمكن إلا أن يكون كمن يسير على رأسه أو كمن يريد أن يحمل الوليد أمه ي أحشائه أو أن تكون علاقة التضمّن مقلوبة، بحيث يكون الصغير يحتوي الكبير أو الجزء يحتوي الكل.
منطق غير مقبول، ولا تستطيع سياسة القوة أن تفرضه أو أن تجعله واقعاً قابلاً للحياة طويلاً. هو أقرب إلى منطق(سرير بروكست)؛ قاطع الطريق الذي كان يأتي بضحاياه ويمدّهم على السرير؛ فإذا كانت أطوالهم أطول من السرير كان عليهم أن يواجهوا قص أقدامهم لتطابق(المرجع:السرير)، وإذا كانت أقصر كان عليهم أن يواجهوا عملية شدّ الأقدام. ونحن هنا لا نطرح أمنيات أم نسجل الوقائع التي تعرف في علم السياسة.
عندما أتى الأمريكيون إلى المنطقة أحدثوا اختلالاً في المعادلة الجيواستراتيجية، أرادوا أن يحلوا ثقلهم ككبار في المنطقة وإلغاء كل(الكبار) الإقليميين. كانت النتيجة أنهم يمارسون جيوسياسة في صيغة جيواستراتيجيا.
لا يمكن إلغاء الكبار إقليمياً لأن الجغرافيا والبشر لا يمكن إلغاؤهم. وغياب الكبار يفسح في المجال أمام الصغار كي يأخذوا مكانهم وهو أمر يستدعي وقفة عاجلة وخاصة.
· طريقا التغيير في الأنظمة والأوضاع الإقليمية والدولية
تطرح الجغرافيا السياسية الجديدة والمختلة في المنطقة قضية التغيير والاصلاح ، حيث تبلغ الوقائع السياسية في العالم أو في منطقة ما أو في دولة ما وضعاً تصبح فيها شبكة العلاقات الساكنة فيها أقرب إلى التعفّن أو الاجترار السياسي إلى الحد الذي يستوجب التغيير لتحريك المستنقع الساكن، أو بسبب من عدم قدرة المنظومة على أن تستمر بتلك العلاقات التي تصبح عقبة واقعية وايبستمولوجية معاً تمنع التقدّم.
فإما أن يأتي التغيير إرادة أو أن يأتي عنوة، إما أن يُختار أو تحدث وقائع انفجارية(ثورية) تحدثه قسراً ويكون وقودها، أعني الأخيرة، الناس والحجارة، كما جهنم!.
فرنسا قبيل الثورة الفرنسية كانت أمام استحقاق التغيير الذي أتى ثورياً ونقل معه مناخ التغيير القسري إلى الآخرين فالتهبت أوروبا بعد أن صدّرت فرنسا مناخها عبر نابليون بونابرت، وهذا كان طريقاً للتغيير بالدراما والتراجيديا استمر حتى الحربين العالميتين بمحصلة تجاوزت500 مليون ضحية خلال قرنين.
طريق آخر للتغيير هو التغيير البطيء بدون دراما وتراجيديا مثلته الدول الاسكندينافية التي تغيّرت بطرق سلمية(على الأغلب) وكانت حالتها الأمثل في السويد على سبيل المثال.
جاء التغيير بطيئاً ولم تدفع الشعوب ثمن التغييرات الثورية، لكنها بالتأكيد كانت تضيق ذرعاً بالمسار البطيء، وهي الآن تجني ثمن ذلك رفاهية، وغياباً عن الواجهة الدولية!.
ثمن خطير أن تدفع الملايين من الشعوب ثمنه موتاً وفاجعة و تدميراً للبنى التحتية ، فتصبح المدن ممسوحة كما حدث لباريس ولندن وبرلين ولينينغراد... وذلك من أجل التغيير الثوري ومن أجل أن تكون تلك العواصم في واجهة العالم في وقت لم يعفِ فيه غياب السويد عن تلك الواجهة إلا مزيداً من الرفاهية والتقدم البطيء وصولاً إلى حالة هي أقرب للعبث الإنساني من حيث الترف.
ولكن هل كان لأحد أن يختار؟!
السؤال يتضمن شقين:
شق يبدو أنه لا يريد –فعلاً وبصدق- أن يمارس الحكمة بأثر رجعي، أي يريد أن يتمثل التاريخ(أي يهضمه باعتبار أنه خارج حدود السيطرة الذاتية ولا يجوز معه أن يمارس أحدنا الموقف النقدي دون مراعاة الظروف التي هي عملياً لها سياقها).
وشقّ آخر(قد يبدو إيديولوجياً) يقول بأن الوقائع لا تستشير أحداً لأن التاريخ والجغرافيا عندما يتكلمان ويفرضان الأحداث لا يسألان أحداً... وهي صورة إيديولوجية ظاهراً وهي امتثالية في العمق، لكنها تتحدث بما يمت للنظرية الوظيفية بصلة لا تجعلها إيديولوجية؛ لأن تسمية الوقائع باعتبارها تعمل(هكذا) لا يعني قبولها بالضرورة، لكنه ُيدرج الرأي الذاتي في سياق الموضوع الذي يفرض بتشكيلته البنيوية- الوظيفية نفسه فلا يغدو ذلك الرأي أكثر من تكلم للغةٍ أخرى غير لغة الواقع والتاريخ والجغرافيا... كما السياسة.
وكي لا يبدو كلامنا طلاسمَ لمن لا بعرف النظرية الوظيفية ولا يفهم أن السياسة في الممارسة التطبيقية هي أقرب ما يمكن لتلك النظرية، نقول إن الوقائع في فرنسا التي كانت موضع غزو وغزو مضاد منذ القرن الرابع الميلادي – على أقل تقدير- وتماسها التنازعي مع بريطانيا بحراً وبراً واستعماراً... لم تكن لتستشير أحداً وكان الانفجار هو الشيء الحتمي... فالحتمي ما قد حصل.
الحتمي باللغة الإنكليزية أكثر دلالة على الأمر. تأتي المفردة منdetermination وفعلهdetermine أي التعيّن. والتعيّن عند سبينوزا نفي:(ما هو ليس) أي؛ ما حدث هو ليس ما حدث. وكي لا نعقد الأمور نقول ببساطة إن ما حدث ما كان له إلا أن يحدث، ولو كان له غير هذا لحدث غيره، وطالما أنه لم يحدث فهو حتمي.
والأمر بالأمر يُذكر بالنسبة لدولنا العربية، فمن ليس مُدرجاً في الجغرافيا والتاريخ الصراعيين يستطيع أن يختار طريق(السويد) أما من لاصق إسرائيل وكان في قلب الصراع فلم يكن له إلا طريق نابليون: أعني طريق الصراع، وهو ما يستدعي تغييرات دراماتيكية لا يختارها أصحابها.
هل هذا ضرب من الإيديولوجيا... ربما؟!.
رائز(ربما) تلك يأتي من أن النموذجين المصري والأردني قد خالفا القاعدة فهما في تماس مع متغيرات الصراع، ومع ذلك دخل الأول وخرج بعد21 عاماً والثاني بقي خارج الصراع العقلي وقد يرى البعض أنهما يتخذان طريق (السويد في معمعة) الصراع أي أنهما يديران ظهرهما للتاريخ وللجغرافيا... وهذا ما نسمعه -فعلاً -من الكثيرين من الذين يتهمون الرؤى الاستراتيجية التي تأخذ بالاعتبار دور التاريخ والجغرافيا بالإيديولوجيا بمعنى النظريات التي تطبيقها يلوي الواقع.
الجواب على ذلك يكمن في المسار الفلسطيني تفاوضياً، الذي اختار قادته قاعدة:( فاوض ثم خذ ثم فاوض) وطريق القبول بآلية لا تستخدم الصراع(طبعاً هذا بين الانتفاضتين) العسكري أو الخيار العسكري الصراعي، فماذا كانت النتيجة: بضع أمتار من اللاسيادة، والوجود تحت الأسر، والعودة إلى نقطة الصفر... لأن الطرف الآخر لا يريد السلام ولا تقاسم الإرادات والقبول بالحد الأدنى.
والمسألة تنعقد في معادلة بسيطة: إذا كان الطرف الثاني إيديولوجياً وصراعياً ولا يريد التعايش ، فهل تستطيع أن تخرج من معادلة الصراع دون الحصول على الحقوق...
وتتمة المعادلة تكمن في أن مصر حصلت حقوقها القطرية والأردن قبل المساومة والتأجير لسنوات، لكن الفلسطينيين لم يحصلّوا الحد الأدنى و الصراع مفروض عليهم.
والجواب أيضاً يكمن في التجربة اللبنانية: فالصراع المفروض انعكس على شكل استجابة لطبيعة الجغرافيا والتاريخ والسياسة وكانت نتيجة الحصول على الممكن(الأعلى) من الحقوق.
عموماً نستطيع القول أن التغيير الذي أرادته مصر أخرجها من لعب دورها الذي يقتضيه وزنها القاري وموقعها المحوري، والأردن ليس له وزن فاعل في المعادلة الإقليمية(وهو لا يستطيع أصلاً غير ذلك وهذا كلام الجغرافيا والتاريخ والوزن البشري والفاعلية السياسية أيضاً). وهذا توصيف للعلاقة بين الاختيارات وبين الضرورات.
أما ما يتعلق بالتغيير في العالم، فيريده المحافظون الجدد ثورياً على طريقة الثورة المستمرة التروتسكية(ثورة الديمقراطية وتعميق النموذج الأمريكي بغض النظر عن الهويات الأخرى) وهو باختصار(إيديولوجيا) تريد أن تسلك طريق نابليون على العالم بأسره دون اعتبارات التاريخ والجغرافيا... فقد تنجح في ذلك المكان لكنها بالتأكيد- لن تنجح في كل الأماكن.
المسألة نفسها تنطبق على تغيير الأوضاع الداخلية في الأنظمة والدول: صحيح أن طريق(السويد: التدريج) هو للأمن لكن طريق(نابليون الثوري) قد يكون الأكثر ضرورية إذا ما كان الزمان لا يسمح، فسيف الزمان وحماقة الآخرين تستلزم أحياناً المغامرة رغم أن الطريق المحسوب هو الأكثر أمناً.. كلاهما يوصل لكن الأول يوصل بشقاء الوقت والناس والثاني يوصل بشقاء المأساة على الناس... ومرة أخرى(ووظيفياً أيضاً) التاريخ والجغرافيا... والسياق لا يستشيران أحداً.
· قضية الوجود الأمريكي في المنطقة
القواعد الأمريكية في العالم
تطرح الجغرافيا السياسية الأمريكية في العالم مسائل تتصل بالقواعد الأمريكية في العالم والوطن العربي أيضاً، وسنتعتمد هنا على البحث الذي قدمه برادلي تايلر الاستاذ في جامعة مينسوتا والمستشار في أهم مركز للدراسات (راند ) في مركز بيغن - السادات حول المصالح الأمريكية والذي يُعتبر من أهم الأبحاث التي تستحق الوقوف عندها لدراسة الأسباب الأخرى التي جعلت الولايات المتحدة تطيح بالنظام العراقي.. وهذه الأسباب ليس من الصعب إدراكها وقد وضعتها الإدارة الأمريكية في الاعتبار بالتأكيد، ولكنها لا ترغب التصريح عنها علانية بسب تأثيرها على الشعب الأمريكي وبلدان محددة مثل المملكة العربية السعودية وإيران والمجتمع الدولي بشكل عام.
السبب الأول من هذه الأسباب التي لم يتم الإعلان عنها صراحة هو أن سلطة الاحتلال الأمريكية سوف تقيم قواعد عسكرية واستخباراتية على أرض العراق وعندما يتم إنشاء هذه القواعد فإن إقامة حكومة موالية لأمريكا يعتبر أمراً ضرورياً للمحافظة على هذه المنشآت وتقديم التسهيلات اللازمة.
إن الولايات المتحدة حالياً تستخدم أربع قواعد هي: مطار بغداد الدولي، الطليل جنوب العراق قرب الناصرية، مهبط الطائرات H-1 في المنطقة الغربية، ومطار باشور في المنطقة الكردية.
وتسمح هذه القواعد للطائرات الأمريكية وطائرات الهيلوكوبتر بدعم جهودها في فرض الاستقرار والأعمال الأخرى بالإضافة إلى التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل ومحاربة المناصرين لصدام حسين الذين مازالوا أحياء وعصابات الشيعة. كما أن هذه القواعد تقدم الدعم الإداري للقوات الأرضية مثل قاعدة "باغرام" في أفغانستان أو معسكر "بوند ستيل" في كوسوفو وتمكّن هذه القوات من إيجاد المأوى المناسب والحماية اللازمة.
إجمالاً.. سوف تقدم هذه القواعد للولايات المتحدة تواجداً دائماً في أعماق المنطقة التي تستطيع من خلالها إظهار سلطتها وجعل بلادها متماسكة والإبقاء على حدود فترة ما بعد غزو العراق كما كانت في مرحلة ما قبل الحرب.
ولن تسمح أمريكا للتقسيمات الخاصة بالأكراد و السنة والشيعة بأن تصبح دولاً مستقلة وسيتم إقصاء القوات البعيدة عن المركز بطريقة النبذ وقد طمأن هذا الحكومة التركية إلى أقصى حد حيث أنها تخشى نشوء إقليم كردستاني، ويتوفر بذلك قواعد آمنة لعمليات المنظمات الكردية الإرهابية (حزب العمل الكردي ومجلس الحرية والديمقراطية في كردستان) والذين يساندونهم. وستبقى مناطق العراق الثلاثة سوية" وقد تكون بذلك عائلة غير سعيدة ولكنها على الأقل ستبلي بلاء حسناً.
ثانياً- سوف تكون هذه القواعد مفيدة –ودائما حسب برادلي- في مجابهة إيران.
ثالثاً- إن حكومة موالية لأمريكا في العراق سوف تشكل بديلاً كموقع لقواعدها ومصدر آمن للنفط
في عراق ما بعد صدام حسين أصبحت الأهداف الأمريكية هي: فرض الاستقرار في البلاد، قمع الضغوط العرقية والدينية المنبوذة، وخلق حكومة موالية لأمريكا في بغداد..
إن قواعد امريكا متوافرة في المنطقة. و لكن حسب الرؤية الاستراتيجية الامريكية ينبغي أن تكون العراق الصخرة التي تستعرض عليها أمريكا قوتها.. ولكن إذا نظرنا إلى كامل المنطقة فسوف نجد تواجداً كبيراً جداً للأمريكيين في منطقة الخليج وحدها.
فقد تم بناء قاعدة العُديد الحديثة في أواخر عام 2001 لدعم العمليات التي تجري في أفغانستان والخليج. ومن المتوقع أن تحظى القواعد الأمريكية الموجودة في وسط آسيا بأهمية أكبر بالنسبة للولايات المتحدة مثل قواعد "باغرام، قندهار، خوست، لورا، مزار شريف، وبولي قندهار في أفغانستان.. والقواعد الأخرى الموجودة في جورجيا "فازياني"، "فرجستان"، "ماناس"، وطاجكستان وأوزباكستان "قريش-خاندباد".. وأخيراً قاعدة "دييغو غارسيا" التي يسيطر عليها الإنكليز في المحيط الهادي وتعتبرها الولايات المتحدة قاعدة هامة جداً في الصراع لتقديم المساعدات الإدارية.
وبالإضافة للقواعد الموجودة في جنوب غرب آسيا فإن أوروبا الحديثة تقدم للولايات المتحدة فرصاً هامة مثل قواعد "بويدز وكرزيسني" الجوية في بولندا، وقاعدة "ميهايل كوغالينسينو"، ومنطقة التدريب في "باباداج"، ومرفأ البحر الأسود "كونستانزا" في رومانيا، وفي بلغاريا "بيزمير غراف إغناتيفو"، ومطار "سارافوفو" العسكري، ومناطق التدريب في "نوفو سيلو"، ومرفأي "أجيا وبورغاس". ويمكن وضع قوات في "ليتوانيا" أيضاً. ولهذه القواعد مزايا عديدة هامة:
أولاً- قربها من مواقع تهديد الأمن المباشر في منطقة الشرق الأوسط.. فهي تقع في منتصف المسافة ما بين برلين وبغداد.
ثانياً- عدم وجود حاجة لطلب موافقة على العبور في المجال الجوي من بلدان مثل النمسا أو فرنسا التي قد تمنع عبور القوات الأمريكية أو أن تضع قيوداً غير ضرورية على العبور في أراضيها.
ثالثاً- أن العمليات في هذه القواعد أقل كلفة، والعقبات البيئية أقل تقييداً والتوسع أكثر إمكانية على خلاف القواعد الحالية الموجودة في ألمانيا أو بلجيكا.
أما القواعد الموجودة في أوروبا الحديثة فستكون ذات أهمية خاصة إذا تحققت رؤية "ورقة النيلوفر" من القواعد العسكرية التي يتبناها "رامسفيلد" وقائد المقاتلين الأوروبيين الجنرال "جيمس جونز" ومن منطلق هذا التصور يوجد القليل من القواعد قيد التشغيل ذات الموقع الاستراتيجي الهام مثل قاعدة "رامستين" الجوية في ألمانيا وهي مزودة بعدد قليل من الكادر العامل. القواعد التي ستعمل مستقبلاً فهي موضع نقاش مع أفراد كادرها الذين تم تكليفهم بالقيام بواجبات مؤقتة. وهؤلاء الأفراد المكلفين بهذه الواجبات لا يتحملون أية أعباء ترتبط بالعائلة أو ما يلزم لدعم حياتها ولا يوجد في هذه القواعد سوى العدد اللازم من الأفراد. بالإضافة للقواعد الرئيسة العاملة والقواعد التي ستعمل مستقبلاً، يوجد في مواقع للعمليات مستقبلاً ومن المحتمل أن يكون مركزها في أفريقيا بشكل أساسي وسيتم استخدامها حصراً من قبل القوات الدورانية الخاصة بمهمات محددة وعن إكمال المهمات فإن الوحدات سوف تغادر وتبقى قوات وكيلة وبهذا يكون الأثر الأمريكي في حدوده الدنيا في المكان.