تـقــديــم:
إتجهت التربية الحديثة نحو استخدام " المفاهيم " في بناء نموذج تعلمي حديث، ويعتبر هذا التوجه أحد الح الحلول العصرية لمواجهة الثورة المعرفية التي تعرف إنفجارا في الوقت الراهن. كما يعتبر نموذج المفاهيما المفاهيم التعلمي حلا لمشكلة استظهار التلاميذ للمعلومات وحفظها دون تمييز، مما يفسر أن الفرد يتعلم عن>ريق عن طريق المفاهيم التي تنمو في أبعادها كلما استخدمها في مواقف مواقف تعليمية جديدة.
I – طبـيعة المـفـهوم بين الفكر التربوي والفكر التاريخي :
1- مــاهيــة الـمـفـهـوم من خلال الأدبيات التربوية :
قام العديد من المتخصصين في ميدان التربية وعلم النفس بتقديم تعريفات متفاوتة الدقة والوضوح للمفهوم ، فقد عرفه Dececco بأنه صنف من المثيرات التي يمكن أن تكون مجموعة أشياء أو حوادث، أوأشخاص تشترك معا في خصائص عامة، ويشار إليها باسم خاص؛ أما Bruner و Gagné فيعرفان المفهوم بكونه صنف من المثيرات التي تشترك في خصائص مشتركة جوهرية، أو عبارة عن مجموعة من المصطلحات التي يستخدمها العالم أو الباحث كعناوين يشير كل منها إلى مجموعة الحوادث أو الظواهر أو العلاقات الواقعة ضمن مجال بحثهما.
وعلى هذا الأساس، فخصائص المفهوم هي: التعميم والتمييز والترميز. ويرى بعض المختصين أن هناك أربع مراحل يمر منها المتعلم لتشكيل المفهوم وهي : التمييز ( تميز المفهوم والتحقق منه)،التصنيف (تحديد الحالات وتصنيفها ) التعريف أو التحديد ( معرفة المعنى والتعبير عنه شفويا ) ثم التعميم ( وهي مرحلة تتكون من نظم وعلاقات بين المفاهيم، أي إيجاد معنى المفهوم عن طريق ربطه بمفهوم أو مفاهيم أخرى ).
ويتميز المفهوم عن الحقائق بالخصائص الثلاثة الآتية:
- التـمـييـز: فالمفهوم عبارة عن تصنيف الأشياء والمواقف.ويتم التمييز بيتها وفقا لعناصر مشتركة. وبذلك يكون المفهوم أكثر إمكانية في تلخيص المعارف والخبرات الإنسانية.
- الـتـعـميــم: فالمفهوم لا ينطبق على شيء أو موقف واحد كما هو الحال في الحقيقة، بل ينطبق على مجموعة من الأشياء والمواقف، وبذلك فهو أكثر شمولية من الحقيقة.
- الـرمـزيـة: إن المفهوم يرمز فقط لخاصية أو مجموعة من الخصائص المجردة، ولذلك فهو أكثر تجريدا من الحقيقة.
كما ذهب بعض المربين إلى تصنيف تعريفات المفهوم إلى مجموعتين:
×. تعريفات منطقية، وهي التي تعرف المفهوم على أنه مجموعة من الخصائص أو السمات التي تميز مجموعة من الأشياء أو الحوادث أو الرموز عن غيرها من المجموعات.
×. تعريفات نفسية، وهي التي تعرف المفهوم على أنه فكرة أو صورة ذهنية يكونها الفرد عن أشياء أو حوادث في البيئة.
أما عن موقع المفاهيم ضمن البنية المعرفية، فيمكن تلمس ذلك من خلال البناء الهرمي التالي:
الـمـبــادئ أو النـظــريـات
الـتـعـمــيـــمـــــات
الــمــــفـــاهـــيــم
الــحــقــائق أو الـبـيـانـات
2- : مــاهـيـة الـمـفـهـوم فـي الفـكـر التــــاريـــخــي :
المفهوم في التاريخ تجريد يستخلص من الخصائص المشتركة للأحداث والمواقف والحقائق، ويتصف بالتمييز والرمزية والتعميم.
والمفاهيم التاريخية تنمو طالما أن المتعلم ينمو وينضج وتتكون لديه الخبرات التي تهيء الفرصة لإتساع المفهوم وإنمائه ، فمثلا مفهوم " مـعركـة " قد تعني تصارعا بين شخصين وقد يشمل معارك حربية بين عدة دول يتنج عنها خسائر أو إجتماع ممثلي الدول لعقد هدنة أو إتفاقيات..وهكذا نجد أن الرمز/ اللفظ " معركة " تابث، إلا أن المفهوم الذي يرمز إليه هذا اللفظ يتغير ويتطور تبعا لنضج الفرد وخبراته وتعلمه.
وتستخدم المفاهيم في التاريخ، بصفة خاصة، في أوجه عديدة أهمها: فهم كلمة معينة مثل كلمة " حضارة "، إدراك معنى عبارة مثل " الإكتفاء الذاتي "، تمثيل مجموعة من الحقائق المتصلة مثل " عيوب نظام الحكم العثماني في المنطقة العربية " ، ثم إدراك صورة تاريخية معينة، مثل " زلزال أكادير أو حادثة دنشواي ".
وللمفهوم التاريخي مستويات، قد تكون بسيطة أو معقدة، وهذا مرتبط بالعلاقات التي تحتويها المفاهيم، مثلا: مفهوم "السيـاسة " قد يؤخذ عليه على أنه " فن حكم الدولة " أو المبادئ التي تقوم عليها الحكومات في علاقتها مع المحكومين ومع الدول الأخرى. فالمدلول الأول بسيط بينما الثاني معقد رغم أنهما مدلولان لنفس المفهوم. هذا التدرج في مستويات المفاهيم من البسيط إلى المعقد يفيد في تعلم مادة التاريخ. كما تتحكم فيه شروط داخلية تتمثل في طبيعة الموضوع ومدى إستعداد ورغبة المتعلم في تعلم المفاهيم، وشروط خارجية تتمثل في المتغيرات المتحكمة في وضعية التعلم ( المضمون ـ سيرورة التعلم ـ درجة صعوبة المادة ).
فالمفاهيم تبدأ بدايات صغيرة وبشكل تدريجي، لذا فإن الطفل لا يحصل على مفهوم " الحيوان " مثلا عن طريق معرفته لحيوات واحد فقط، وإنما يحصل على هذا المفهوم بعد حصوله على خبرات مع عدد من الحيوانات. وقد أتبثت نتائج البحوث والتجارب التي أجريت في المجتمعات الغربية أن الفهم التاريخي لدى التلاميذ ينمو من التمركز حول الذات والأحكام الشخصية في السنوات الأولى من الدراسة إلى الأحكام الجماعية المستمدة من حياتهم في المرحلة الإعدادية، ولا يظهر الفهم والإهتمام والوعي والتسلسل الزمني التاريخي إلا في المرحلة الثانوية.
وبناء على ذلك، يمكن التأكيد على أن المفهوم التاريخي يتطور من البسيط إلى المركب، ومن المحسوس إلى المجرد، ومن التشابه إلى التباين، ومن التجزئة إلى التعميم.
II – أهـــمـــيــة الـتعـليــم والـتعــلــم بـالـمـفــاهـيــم:
1- فـوائــد تـدريــس المـفـاهـيـم واكـتــسـابـها :
تؤكد جميع الإتجاهات التربوية الحديثة على أهمية المفاهيم وضرورة تعلم التلاميذ واكتسابهم لها. ويرى معظم المهتمين بالتعليم أن أحد الأهداف الهامة التي تؤكد عليها المدارس في مختلف المواد الدراسية ومختلف المستويات هو التأكيد على تعلم المفاهيم، لأنها تشكل القاعدة الأساس للتعلم الأكثر تقدما، كتعلم المبادئ وتعلم حل المشكلات. ويلخص " بـرونـر "BRUNER أهمية أساسيات العلم أو المفاهيم الكبرى في النقط الأربعة التالية :
- إن فهم أساسيات العلم أو المفاهيم الرئيسية يجعل المادة الدراسية أكثر سهولة للتعلم والاستيعاب.
- إنه ما لم تنظم جزئيات المادة الدراسية وتفصيلاتها في إطار هيكلي مفاهيمي فإنها سوف تنسى بسرعة.
- إن فهم المفاهيم والمبادئ هو الأسلوب الوحيد لزيادة فاعلية التعلم وانتقال أثره للمواقف والظروف الجديدة.
- إن الإهتمام بأساسيات العلم أو المفاهيم الكبرى وفهمها يجعل أمر تضييق الفجوة بين المعرفة السابقة للمتعلم والمعرفة اللاحقة ممكنا.
وتجمع مختلف الأدبيات التربوية التي عالجت هذا الموضوع على أن المفاهيم لها فوائد عديدة يمكن تلخيصها كالتالي:
· تسهم المفاهيم في تسهيل عملية إختيار المحتوى الدراسي، بحيث يكون المعيار الأساس في هذا الإختيار هو مدى علاقة الحقائق والمواقف التعليمية في تشكيل المفاهيم وتعلمها واكتسابها.
· تسهم المفاهيم في بناء مناهج دراسية متتابعة ومترابطة المراحل التعليمية المختلفة، وبالتالي تساهم في تحقيق معيار الإستمرارية والتتابع في تلك المناهج.
· تعتبر المفاهيم وسيلة فعالة لربط المواد الدراسية المختلفة بعضها ببعض، وبذلك يتحقق التكامل المعرفي، وهو أحد الإتجاهات الحديثة في التربية.
· تساعد المفاهيم مخططي المناهج ومنفذيها على تطوير المناهج وتحسينها وجعلها عملا هادفا وواضح الأبعاد ومحدد اإتجاه.
· تسمح مرونة المفاهيم بإضافة واستيعاب حقائق جديدة دون أن يختل التنظيم المعرفي للتلميذ.
· تساعد المفاهيم المتعلم على تذكر ما يتعلمه، وبالتالي تقلل من الحاجة إلى إعادة التعلم نتيجة النسيان، وهي إحدى المشاكل التي يواجهها التعلم في مختلف المدارس والبلدان والأنظمة التربوية.
· تسهم المفاهيم في تسهيل انتقال أثر التعلم للمواقف التعليمية الأخرى الجديدة.
يتضح مما سبق أن جل الآراء التي ناقشت أهمية المفاهيم وفوائد تعلمها واكتسابها هي متقاربة، ورغم توقف نجاح الفعل التعليمي-التعلمي في تدريس المفاهيم وتعلمها في أية مادة دراسية على الكثيرمن العوامل المهمة كالمنهج الدراسي والإمكانات والوسائل التعليمية و….إلا أن واقع الممارسات التي يتم خلالها تنظيم الخبرات هو الذي يحدد مدى النجاح في تحقيق الأهداف التدريسية الخاصة بتعلم المفاهيم واكتسابها. لذا تعتبر طريقة التدريس أو طريقة عرض المفهوم في التدريس من الأهمية بمكان. وتختلف الطرق المناسبة لتدريس المفاهيم حسب نوعية هذه الأخيرة وطبيعتها من حيث صعوبتها وتركيبها وأسسها المنطقية. ولمواجهة هذا المشكل المنهجي ظهرت عدة محاولات لوضع نظرية في التدريس، ومن هذه المحاولات و النماذج، نذكر نموذج " بـرونـر " الإستكشافي، و نموذج " هـيـلـدا طـابا "الإستقرائي، و نموذج " كــانـيـي "الإستقرائي للمفاهيم المادية والإستنتاجي للمفاهيم المجردة…
2 - أهــمـيــة الـمـفـاهـيـم في تـدريسية مـادة الـتـاريـخ :
تكمن فوائد تدريس المفاهيم في التاريخ فيما يلي :
- إن ازدياد حجم المعرفة من الحقائق والأحداث التاريخية يقتضي الإهتمام بالمفاهيم في مناهج التاريخ لأنها تساعد على تحديد الأهداف واختيار وتنظيم المحتوى والوسائل التعليمية وأساليب التقويم، وبذلك تخفف من التعقيد في حقائق التاريخ الناتج عن الإستغراق في التفاصيل والجزئيات.
- إن تعلم المفاهيم يساعد المتعلم على التفسير والتطبيق، وهذا يعني أن تعلم المفاهيم التاريخية يساعد على تفسير المواقف أو الأحداث الجديدة التي لم يسبق للتلميذ تعلمها.
- تتمثل المفاهيم في تجريد الأحداث والوقائع وتصنيفها على أساس ما بينها من تشابه أو إختلاف للمهارات، وهذا له أهمية في جعل مادة التاريخ حيوية تقوم على التفسير والتعليل والتفكير الناقد.
- تعتبر المفاهيم من الوسائل الهامة في تحديد الأهداف التعليمية ووسائل تقويمها، حيث يمكن أن تساهم في بناء أهداف معرفية إجرائية ومن تم يمكن تقويمها والتعرف على ما تحدثه تلك المفاهيم من أثر في سلوك المتعلم في المستويات التعليمية المختلفة.
ولتحقيق الفوائد التدريسية السالفة الذكر ، ولكي تتمشى مناهج التاريخ مع الإتجاهات الحديثة للتعلم ، ينبغي الأخذ بمدخل المفاهيم في صياغة الكتب المدرسية؛ وذلك بتحليل المادة التاريخية المقررة واستخراج المفاهيم التي تشملها، بحيث يمكن صياغة المحتوى بناء على هذه المفاهيم، مع ملاحظة الأخذ بمبدأ تدرج المفاهيم من الأكثر عمومية وشمولا وتجريدا إلى المفاهيم الفرعية ثم الجزئيات ومراعاة توضيح الترابط بين المفاهيم بعضها ببعض.
ولا يقتصر مدخل المفاهيم على صياغة محتوى الكتب المدرسية فقط، وإنما يشمل أيضا الطريقة التي تتبع في تدريس الوحدات الدراسية القائمة على المفاهيم التاريخية.
وتقوم طريقة المفاهيم في تدريس التاريخ على توضيح المفاهيم الشاملة الجديدة وإلقاء الضوء عليها بالتحليل والمناقشة والتفسير، حتى يمكن للتلاميذ إستنتاج المفاهيم الفرعية من خلال الأحداث التاريخية المتضمنة للوحدة الدراسية. ويمكن تلخيص هذه الطريقة في النقاط التالية:
- إبراز المفاهيم العامة أو الشاملة على السبورة أو بواسطة الوسائط الديداكتيكية المختارة؛
- مناقشة التلاميذ في المعنى العام للمفهوم موضوع الدرس؛
- إلقاء الضوء على الأحداث التاريخية التي تدخل في مضمون المفهوم؛
- إستنتاج المفاهيم الفرعية، وهي عادة معلومات وخبرات سابقة لدى التلاميذ؛
- إثراء الطريقة عن طريق النشاط المصاحب للدرس.
III – من أجل أنشـطة تربـوية عـمـلـية حول تـدريـس التـاريخ بالـمـفـاهـيـم :
1- نـمـوذج مــقـتـرح لـتدريـس الـتـاريـخ بـمـدخـل المـفــاهـيـم :
يرى " كـانـيـي " Gagné أن إكتساب المفهوم يتوقف على ما لدى الفرد من معلومات سابقة تتعلق بالمفهوم الجديد الذي يريد تعلمه. فمثلا مفهوم " ثـورة " لايمكن إكتسابه إلا إذا كان لدى الفرد معلومات عن التذمر والعصيان، كما أنه يحتاج إلى معلومات إضافية مثل الأحوال الإقتصادية والسياسية والعسكرية التي يمر بها المجتمع…إلخ. ولزيادة الإحتفاظ بالمفاهيم يرى " كـانـيي " تقديم عددمن المثيرات أو الأمثلة التي تكون مألوفة لدى المتعلمين ثم يأتي بعد ذلك دور الأمثلة غير المألوفة.
ومن هذا التصور لتعلم المفاهيم ، يتضح أن التعلم يتم من خلال القدرات المنظمة هرميا لدى الفرد والتي تبنى بعضها فوق البعض وتتدرج من البسيط إلى الأكثر تعقيدا ومن السهل إلى الصعب ومن المحسوس إلى المجرد الأرقى.
وفيما يلي نموذج يوضح بناء هرم " كـانيي " التعلمي مع التطبيق على موضوع الثورة الفرنسية سنة 1789 ، ويتكون من المستويات التالية متتابعة : حـل المشكلات – تعلم القوانين – تعلم المفاهيم – التمييز – إرتباطات لغوية – إرتباطات غير لغوية – إرتباطات في شكل مثير واستجابة.
أ – المشكلة تتمثل في : قـيـام الثـورة الفـرنـسيـة سنة 1789.
ب – تعلم القوانين ( تعميمات ) : الشعور بالظلم يولد الثورات – التطوير والتغيير ضرورة لإصلاح وتقدم المجتمع.
ج – تعلم المفاهيم التالية : الملكية – الإستبداد – النظام الطبقي – الإمتيازات – الأزمة المالية – الجمعية الوطنية – حقوق الإنسان – الدستور – الجمعية التشريعية - المؤتمر الوطني – الدكتاتورية – الحزب – اإرهاب – التكتل.
د – التمييـز بين : الديمقراطية والدكتاتورية – الملكية والجمهورية – السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.
هـ - إرتباطات لغوية، مـثل : إستبداد – تحكم – سيطرة – معاهدة – تحالف – صلح .
و – إرتباطات غير لغوية، مثل : نجحت جيوش الحلفاء في دخول باريس بعد حملة نابوليون على روسيا سنة 1812
ز – إرتباطات في شكل مثير واستجابة، مثل : الأفكار الحرة وكتابات المفكرين كان لها أثرها على الحياة السياسية في أوروبا منذ النصف الثاني من القرن 17 م .
حسب نموذج " كانيي " فإن حل المشكلة المطروحة، كمستوى تعليمي تجريدي، يتطلب دراسة الثورة الفرنسية من خلال تعميمات تاريخية، وهذه التعميمات بدورها لابد لتعلمها من دراسة المفاهيم الرئيسية المتضمنة في الموضوع، وهذا المستوى بدوره يعتمد اكتسابه على قدرة المتعلم على التمييز بين هذه المفاهيم ومفاهيم أخرى، وكذا التمييز بين المفاهيم التي لها ارتباطات لغوية .
2 – إقـــتـراح بعـض الأنـشطـة التـربــوية لتـدريـس المفـاهـيم التاريـخـيـة ( مفهوم الزمن التاريخي ) :
تكتسي المفاهيم الزمنية التاريخية أهمية بالغة في العملية التعليمية ، إذ تعتبر أدوات فعالة في البحث والإستقصاء والتفكير، وعنصرا أساسيا لاكتساب المعرفة التاريخية. بل إن تدريس التاريخ يجعل " إدراك المتعلم لمفهوم الزمن إدراكا واضحا من خلال استيعابه للتسلسل الزمني ، وتمثله لمختلف الفترات التاريخية بأبعادها الزمانية الشاسعة بشكل ملموس يساعده على الإرتقاء إلى مستوى التجريد " .و للتغلب على الصعوبات التي يطرحها إدراك المفاهيم الزمنية ينبغي القيام بعدة أنشطة تربوية بشكل يجعل المتعلم قادرا على تلمس هذه المفاهيم وعلى إدراك العلاقات الزمنية.
فماهي المبادئ اللازم أخذها بعين الإعتبار في تدريس مفهوم الزمن التاريخي ? .
- كل عمرله أفق زمني معين، أي أن التلاميذ ليست لهم نفس القدرة على استيعاب المفاهيم الزمنية، لكونها مفاهيم مجردة وتوجد خارج خبراتهم المباشرة.
- ألا يتم تعليم جميع جوانب المفهوم دفعة واحدة، فهناك بعض جوانب الزمن تتطور بدرجة مبكرة عن غيرها، فيتم تعليم وتحديد مفهوم : الساعة ، اليوم ، الأسبوع ، الشهر…وذلك بشكل تدريجي. أما المفاهيم من نوع التزامن ، المدة ، الكرونولوجيا ، التعاقب … فيتم إرجاء تعليمها إلى ما بعد 12 سنة فما فوق من عمر المتعلم.
- على المدرس أن يلقن المفاهيم الزمنية التي تتوافق ونضج التلاميذ العقلي والعاطفي وحاجاتهم واهتماماتهم، ومن هنا تتضح صعوبة استيعاب مفاهيم التاريخ القديم ومقاييسه الزمنية في المراحل الدراسية الأولى .
- يجب الإهتمام ببعض المفاهيم التي تم استيعابها من طرف المتعلمين عن طريق الخبرة المكتسبة خارج المدرسة، مثل مفاهيم الغد، الصباح ، المساء…أما المفاهيم الأكثر تجريدا فهي التي تتولى المدرسة تعليمها للطفل كمفاهيم الجيل، العقد، القرن…
- تدرس المفاهيم بالإنطلاق من البسيط إلى المعقد ومن التمركز حول الذات إلى الشعور الإجتماعي بالإعتماد على وسائل مختلفة ومواد تعليمية تساهم في تنمية المفاهيم الزمنية وتزود المتعلمين بالخبرات المباشرة التي تحدد المفاهيم في معناها.
وهكذا ، يمكن للأستاذ الإسترشاد بالإقتراحات ( الأنشطة الديداكتيكية ) التالية عند تدريسه لمفهوم الزمن، وهي كالتالي:
×. تمثيل الزمن في مذكرة يوميةCalendrier : يتم تمثيل وتحديد كل يوم بالنسبة ليوم الأمس وبعد الغد.
×. مقارنة عمر التلميذ بعمر أبيه وتاريخ ميلاده ، وهذه مؤشرات تمكن التلميذ من الوعي بأن الزمن تيار ساري وأنه يكبر من يوم لآخر بكيفية مستمرة. كما يمكن استغلال المواسم الدراسية: بداية السنة، نهاية السنة، ومقارنة أعمار التلاميذ وتواريخ ميلادهم ( كرونولوجيا شخصية )، كما أن الإحتفال بعيد ميلاد الطفل يمكن من تنمية الوعي بالزمن.
×. توظيف الخطوط الزمنية، وذلك برسم خط على السبورة أو بدفتر التلميذ بطول معين يمثل طول الفترة الزمنية المدروسة. ويقسم الخط إلى أقسام متساوية، يساوي كل قسم عددا من السنين، وتحدد على الخط الأحداث التاريخية المدروسة والتي يصعب على المتعلم إدراكها مثل قبل الميلاد وبعده لتوضيحها. ويمكن للخط الزمني أن يتضمن وقائع تاريخية معينة في انتظام كرونولوجي وفي تزامن أحداثها أو تعاقبها، تتيح إمكانيات المقارنة بين تاريخ المجتمعات المختلفة.
×. رسم شجرة الأعمار والأنساب لتوضيح العلاقات الزمنية بين ميلاد أفرادها. ومن خلال هذه الشجرة ، يمكن للمتعلم أن يدرك بعض المفاهيم الزمنية مثل: بعد ، قبل ، أكبر ، أصغر…في علاقتها بالزمن. كما يمكن للشجرة أن تنمي لدى المتعلم مفهوم المعاصرة والبعد الزمني الممتد إلى قرن من الزمن أو أكثر .
خـــلاصــــة :
تلعب المفاهيم دورا هاما في إبراز أهمية المادة الدراسية للمتعلم، مما يكون له الأثر في الدافعية للتعلم ، والمشاركة الفعالة من قبل المتعلم في العملية التربوية. كما تعتبر من أهم جوانب التعلم التي يمكن عن طريقها التعرف على البيئة والمشاركة في مواجهة المشكلات وحلها. ومن هنا وجب إعادة النظر في الكتب المدرسية و تنظيم المحتويات الدراسية وفق مدخل المفاهيم ، ومن شأن هذا الإتجاه أن يبعد مناهجنا عن السطحية والشكلية واللفظية التي تعاني منها.
المصدر :