الحياة العلمية في اليمن من بداية القرن التاسع الهجري حتى سيطرة العثمانين عليها
الباحث:
د /عبد الغني علي علي عايض الأهجري
الدرجة العلمية:
دكتوراه
الجامعة:
جامعة المنصورة
بلد الدراسة:
مصر
لغة الدراسة:
العربية
تاريخ الإقرار:
2008
نوع الدراسة:
رسالة جامعية
الملخص :
في ختام هذه الدراسة ، وبعد هذا التطواف مع معظم مصادر تاريخ اليمن العلمي والحضاري وبعض مراجِعه
خلصت إلى عدد من النتائج ، أهمها ما يأتي :
1. ) أن التاريخ الحضاري والعلمي لليمن كان يشكل منح ى مرتفعًا طوال القرون )العشرة الأولى من تاريخه الإسلامي ، وفي وتيرة شبة مضطردة ، مختلفًا في ذلك تمام الاختلاف عن مجريات التاريخ السياسي والعسكري له الذي كان دائم الانحدار تقريبًا ، حتى كاد يتسم الوضع بالانعدام الدائم للاستقرار الأمني .
2. أن التنافس والصراع ذي الأبعاد المذهبية والعقائدية – بين الفرق – في اليمن )طوال فترات ما قبل مدة الدراسة قد كان منبعًا لكثير من أشكال التراث العلمي اليمني ، وعامل تحفيز للعلماء للتأليف والتصنيف والاشتراك في المناظرات والمساجلات ، بصورة ربما لم تكن لتحدث بتلك الكثافة والغزارة في غياب ذلك التنافس والصراع .
3. ) أن كثافة الأنشطة العلمية والأنشطة العلمية المضادة و حدَتها قد َ خَفَت ْ ت بين )الأطراف المذهبية في اليمن ، وندرت شواهدها في مدة الدراسة ، ولكنها لم تنعدم قطعًا ، إلا أنها تعددت بين أبناء المذهب الواحد ، كما جرى بين الشافعية ،إذ تجادل وتناقش – بالصورة المباشرة وغير المباشرة – القائلين بالعقيدة الأشعرية مع غيرهم من الحاملين للعقيدة الحنبلية ، أو بين ال طرفين – في كفة – وبين المتصوفة القائلين بعقيدة الحلول والاتحاد الفلسفية في كفة أخرى ، وجميع الأطراف – من الناحية الفقهية – أتباع للمذهب الشافعي .
4. ) أن حكام اليمن في مدة الدراسة – كله م تقريبًا – بالرغم من انهماكهم في ) الصراعات العسكرية والسياسية الدائرة ، كانوا علماء كبار ، ومعظمهم تركوا مصنفات غزيرة في شتى فروع المعرفة ، بل إن بعضهم كان قبلة للعلماء للتلقي عنه لا لتدريسه ، وكان في مقدمتهم الأئمة الزيدية ، الذين لم يبوءوا مناصب الإمامة ألا بعد بلوغهم درجة الاجتهاد .
5. أن حكام اليمن وأعيان المجتمع وشرائحه الغنية قد رعت العلم وأهله وطلبته )وكفلتهم ، فوفرت لهم الكثير من التسهيلات اللازمة لطلب العلم وتدريسه وتحصيله ، وتعددت المنشآت التعليمية كالمدارس والهجر والجوامع والأربطة ، - ٨٠٧ - ثم أحاطوهم بالعناية والحماية ، فكان ذلك من أسباب عدم تأثر الحياة العلمية بالصراعات الدموية المحيطة بهم .
6. أن اليمن لم يختلف عن غيره من الأقطار الإسلامية الأخرى في أشكال أنظمة ) التعليم ومحتوياتها من مقررات وطرق ووسائل للتدريس والتلقي ، اللهم إلا ما كان مرتبطًا بالتباين المذهبي والعقائدي ، كما تشابه تمامًا مع غيره من الأقطار في الأماكن التي كانت مسرحًا للدراسة ، من كتاتيب ومدارس وجوامع وأربطة .
7. ) أن ثمة اختلافين كبيرين بين اليمن وغيره فيما يتعلق بأماكن التعليم ، أولاهما ) بشأن انتشار الهجر العلمية التي تضمنت هذه الدراسة تفاصيل مهمة عنها ، من ناحية طبيعتها ومواقعها ، ومن ناحية أدوارها الاجتماعية والعلمية ، وثاني الاختلافين هو أن أغلب أماكن التعليم باليمن كان منتشرًَا في مناطق الريف أكثر مما هو في المناطق الحضرية .
8. ) أن الأماكن التعليمية التي بنيتْ في المناطق الواقعة تحت السيطرة الرسولية ثم ) الطاهرية كانت أكثر حظًا من العناية والاهتمام الرسمي ، فقد كان لها – في الغالب – هيئات تدريسية ثابتة ، تخضع لشروط صارمة ومحددة ، وتشمل كل التخصصات الدراسية المهمة ، وبما يغطي كلا المرحلتين التعليميتين ، وتتقاضى عائدات مادية وعينية تعينها على التفرغ العلمي ، وهو ما افتقدته نظائرها في المناطق الشيعية الزيدية ، إذ كان الدعم الشعبي الاجتماعي أكبر من الرسمي ، كما لم تتحدد معالم الهيئة التدريسية فيها ، فلم يوجد المحدث والقارئ وقارئ الحديث والمعيد والفقيه والناظر ... إلخ ، مع التأكيد أن ذلك لم يكن محل استنكار أحد من العلماء هناك ؛ لأن الأدوار الوظيفية لأماكن التعليم في المناطق الزيدية قد أديت بشكل سلس وجيد أيضًا .
9. ) أن قرب اليمن – من الناحية الجغرافية - من الحرمين الشريفين كان أحد روافد ) الحياة العلمية فيه ، فقد كان الحرمان الشريفان حلقة الوصل الكبرى بين العلماء اليمنيين وبين أقرانهم ونظرائهم ، وهناك وجهت الدعوة إلى عدد كبير من العلماء المسلمين فكانت وفادتهم على اليمن .
10. ) أن كثرة الوافدين من العلماء الكبار والمشهورين والمبرزين في العالم الإسلامي ) إلى اليمن قد كان أحد أكبر العوامل التي أدت إلى نشاط الأوساط العلمية ، كانتشار ألقاب ( المقرئ ) والمبرزين في علوم القرآن بعد زيارة المقرئ الشهير الإمام محمد بن محمد الجزري ، أو شيوع لقب ( الحافظ ) و (المحدث) بعد الزيارتين اللتين قام بهما شيخ الإسلام الإمام ابن حجر العسقلاني إلى اليمن ، وقد كان أولئك الوافدون حلقة الوصل الثانية بين علوم الأقطار العربية الأخرى وبين اليمن .
11. ) أن خلفيات الصراع الذي أدى إلى انتفاء وجود بعض الفرق في بلاد الزيدية ) كالخوارج والحسينية والمطرفية - في مرحلة ما قبل القرن التاسع الهجري -قد أدى إلى استمرار انتعاش بعض العلوم الفلسفية هناك كعلم الكلا ممما أدى إلى زيادة اقتراب الزيدية من المعتزلة إلى درجة كبيرة جدًا .
12. ) بالمقابل شهدت بلاد الزيدية حالة من الانفتاح على أهل السنة في المناطق )اليمنية الأخرى أو خارج اليمن ، فكثرت الإشارات إلى تلقيهم لعلوم أهل السنة على أيدي رجالها ، فيما كان الانفتاح من قبل قائمًا على مستوى تلقي علوم السنة عبر مؤلفات أهلها ومصنفاتهم ، فأدى ذلك إلى سيادة حالة من التآلف الكبير بين عدد كبير من رجال الطرفين .
13. ) أن الانفتاح الزيدية على أهل السنة قابله انفتاح مقابل من قبل علماء الشافعية ، ) فتوجه عدد منهم – في صور فردية – للتلقي على أيدي علماء الزيدية في معاقلها ، كما أن ذلك تمخض عن نشوء فريق من رجال الزيدية أنفسهم – ممن تأثر بعلوم أهل السنة - يقوم بالاعتراض والرد على رفاقهم من العلماء الزيدية الآخرين ، سواء فيما يخص مواقفهم من بعض علوم السنة و مناهج أهل الحديث أو فيما يخص موقفهم من المعتزلة وعقائدها ، فكان ذلك سببًا في تأليف عدد كبير من أفضل مؤلفات أهل اليمن ، بعضها استحق أن يسمى بالموسوعة ،ك( العواصم والقواصم ) للإمام محمد بن إبراهيم الوزير .
14. ) وجدت شواهد – مع قلتها – تدل على أن ذلك التآلف والتواد لم يكن القاعدة )الشاملة للجميع ، منها ا لتعارض بالقصائد الهجائية بين الفقهاء والعلماء أنفسهم على خلفيات التنافس السياسي والمذهبي ، وكان البعض يحرض حكامه على البعض الآخر ويتهكم ويسخر من عقائده ومن اختياراته الفقيهة ، كما وقع بين والإسماعيلية الباطنية في ذي مرمر وبعض معاقلهم القريبة من صنعاء . -
15. ) أن المصادر التاريخية قد غمطت حق المرأة اليمنية في رصد أدوارها العلمية ، ) وقد عكست طرفًا من أدوراهن الترجمات التي وردت لبعض النساء اللواتي كن أكثر حظًا من غيرهن بوجود من ترجم لهن ، بالرغم من أن ترج ماتهن قد جاءت بسبب قرابتهن – رحمًا – من أعلام مشهورين .
16. ) أن علماء اليمن كانوا الضابط الأكبر لأداء الحكام والسلاطين في المناطق السنية وأنهم كانوا رقمًا صعبًا في حسابات كل الشرائح اليمنية ، فكان الحاكم لا يستطيع الاحتجاب عنهم – رغبة ورهبة – وكانوا لا يألو ن جهدًا في خدمة الفقراء والسعي بما يصلح بين المتخاصمين ، ولو كان أحد الأطراف السلطان نفسه .
17. ) أن العلماء في المناطق الشيعية الزيدية لم يعرف عنهم انتقاد أئمتهم أو الاحتجاج عليهم – إلا ما كان نادرًا لا حكم له – ومرد ذلك إلى أحد سببين محتملين ، الأول : أن الأئمة الزيدية أنفسهم كانوا على قدر كبير من العلم الشرعي الذي كان عاصمًا لهم من اقتراف ما يستوجب الاحتجاج والانتقاد ، وهذا القول يعتريه مخالفة الطبيعة البشرية المعرضة للوقوع في الخطأ ، والثاني : أن العلماء كانوا يقدسون الأئمة لمكانتهم التي أولتها لهم العقيدة الزيدية التي تجعلهم أفضل الخلق من الأحياء ، مما يشكل حاجزًا نفسيًا يمنع من الخواطر الفكرية للاعتراض فما بالنا بالتحرك الإيجابي في ضوئه .
18. ) أن اختلاف المذهب لم يكن مانعًا للعلماء اليمنيين – في مدة الدراسة – من التواد )والتآلف ، حتى لو لم تربطهم علاقة التلمذة والمشيخة ، فوجدت بينهم الرسائل الإخوانية ، وعبر بعضهم عن تأييده للبعض الآخر في موقفه مما اعتبرخروجًا من الدين ومروقًا عنه ، ومثال ذلك مراسلات الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير الزيدي والإمام إسماعيل بن أبي بكر المقرئ الشافعي بشأن التصدي للمتصوفة من أتباع ابن عربي وابن الفارض القائلين بوحدة الوجود في تهامة .
19. ) أن النزعة الزيدية العقلية في مدة الدراسة التي ارتبطت بالمعتزلة والفكر ) المعتزلي قد أوجد مساحة جغرافية يمنية واسعة لم تصل إليها تأثيرات تيارت الصوفية كما حصل في مناطق السنة الشافعية والحنفية ، وإن وجد من يوصف بالتصوف فهو أقرب ما يكون إلى تصوف القدماء الملتزم منه إلى التصوف الفلسفي الذي شهد مدة ازدهاره في مطلع القرن التاسع الهجري في تهامة وحضرموت .
20. ) أن المذهب الحنفي - فقهًا ورجا ً لا - كان يتيمًا في اليمن إذا ما قورن بالانتشار ) الواسع للشافعية بالدرجة الأولى ثم للزيدية ، وأن الأحناف قد قصروا كثيرًا في تدوين علومهم والترجمة لأعلامهم إلى حد انعدام كتاب واحد يتناول تاريخهم وجهودهم في خدمة مذهبهم ، و أن ذكرهم - إن وجد - فهو بسبب تتلمذ غيرهم على أيديهم .
21. ) أن الإسماعيلية - كمذهب شيعي فلسفي – كان لها وجود متناثر في مجموعة )من المناطق الحصينة في حراز و وصاب وأقصى شمال اليمن ناحية نجران ،إلا أن ذلك التواجد كان مقرونًا بحالة من الخوف والتربص مما أدى إلى اختفاء معظم تراثها المكتوب المتعلق بفقهها وعقائدها ، ومازال ذلك إلى يوم الناس هذا، وهو ما أدى إلى تعذر تناولها ضمن دراستنا هذه ، وجعل الحديث عنها أشبه بالرجم بالغيب منه إلى البحث العلمي الرصين .
22. ) أن المد والجزر السياسي ين والعسكري يين لم يكونا مؤثر ين على انتشار المذاهب ) أو انحسارها ، فإذا ما وقعت منطقة جغرافية سنية تحت سيطرة زيدية شيعية فإنها تحتفظ – غالبًا – بقناعاتها العقائدية واختياراتها المذهبية ، ولا تنحسر بسبب وجود قوة عسكرية تعتمد مذهبًا فقهيا وعقائديًا مختلفًا ، وهو بالمثل مع الجانب الآخر ، فقد احتفظت صنعاء بمذهبها الزيدي الشيعي بالرغم من تكرار سقوطها في أيدي الرسوليين والطاهريين والأكراد والمماليك الشراكسة وهم كلهم من السنة الشافعية .
23. ) أنه على الرغم من أن اليمن قد ارتكز في تطوير العلوم لدى رجاله على ) إسهامات العلماء المسلمين خارج اليمن ، وأن سمة التقليد لأعلام الأمة من قبلِ أبنائه كانت صفة غالبة ، إلا أنه أنجب رجالا روادًا في جوانب معرفية محددة ، منها ريادة الإمام المؤرخ الحسين بن عبد الرحمن الأهدل في كتابة أو ل سيرة ذاتية لنفسه ، لم يسبقه مؤرخ مسلم آخر إلى عملها على حد علمي .
24. ) أن عددًا كبيرًا من المبرزين من علماء اليمن كان إسهامهم في الحياة العلمية كبيرًا ، غير أنهم لم يقوموا بالتصنيف والتأليف لعلومهم التي أجادوها ، وكان جهدهم منحصرًا في التدريس ، وهو ما أدى إلى غمط حقهم في التعريف بهم وبجهودهم في عدد من الدراسات السابقة ؛ ولذلك كان التركيز على الحديث على اهتمام اليمنيين بالعلوم وتصنيفهم فيها ) في عناوين الفصول الثلاثة الأخيرة من هذه الدراسة لتلافي إهمال أمثال هذه الفئة فيما لو انحصر الحديث حول المصنفين منهم فقط .
25. ) من المدهش حقًا كثرة اهتمام العلماء اليمنيين في مدة الدراسة بالعلوم الشرعية ) واللغوية والأدبية ، وغزارة مصنفاتهم فيها ، إلى درجة أجبرت الباحث على إفراد فصلين كاملين لها في محاولة لرصد صور ذلك الاهتمام وتتبع مصنفات هم فيها .