الحياة العلمية في بلاد الشام خلال القرنين الخامس والسادس الهجريين
الباحث:
د/ رضوان احمد مصلح الليث
الدرجة العلمية:
دكتوراه
تاريخ الإقرار:
14/11/2001م
نوع الدراسة:
رسالة جامعية
المقدمة
الحمد لله رب العاليمن الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ، نحمده حمداً كثيراً ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين وعلى من أتبع هديه إلى يوم الدين وبعد:
يسعدني في البداية أن أشير إلى سبب اختياري لهذا البحث الموسوم بـ(الحياة العملية في بلاد الشام خلال القرنين الخامس والسادس الهجريين / الحادي عشر والثاني عشر للميلاد) هو استكمال لما كنت قد قمت به في رسالة الماجستير الموسومة بـ(الجزء الرابع والثلاثون من كتاب التاريخ لأبي الحسين هلال بن المحسن الصابئ [ت 448هـ/1056م] دراسة وتحقيق) وقد شملت الدراسة وإن كانت مقتضبة القرنين الثالث والرابع الهجريين / التاسع والعاشر الميلاديين حول بلاد المشرق الإسلامي ، وحتى تكون الفائدة شاملة ومتخصصة ــ إلى حد ما ــ قررت أن أواصل البحث في تاريخ بلاد المشرق الإسلامي.
أما سبب اختياري للحياة العلمية بصفتها موضوعاً للدراسة فهي الرغبة في التعرف على الأحوال العلمية في بلاد الشام ، كيف كان حالها في ظل الأوضاع السياسية السيئة؟ هل تأثرت الحياة العلمية فتعثرت لسوء الأوضاع السياسية ؟ أم هل استطاع العلماء الإسهام في تطوير الحالة التعليمية ومقاومة ما يتعرضهم؟ والإسهام أيضاً في بناء المجتمع؟ وأدوا رسالتهم العلمية كما ينبغي على اعتبار أنهم ورثة الأنبياء.
أما سبب اختياري للمدة الزمنية للدراسة ، فلأنها تمثل فترة صراعات وحروب جعلت بلاد الشام تعيش في حالة حرب دائمة ، فكان يدفعني سؤال مُلح علي وهو وضع الحياة العلمية في ظل هذه الحروب؟ وهذا جعلنا نتعرف على مدى تأثيرها على الحياة العلمية في ظل هذا المناخ.
أما بالنسبة لبلاد الشام كموقع متوسط تسعى كل قوة إلى ضمه إلى حوزته ، فهل هذا الموقع بمثابة نعمة أم نقمة على الحياة العلمية ، خاصة وأنه مركز للصراع بين الخلافة العباسية والخلافة الفاطمية ، وبعض القوى الأخرى المحلية والبيزنطية والصليبية.
ويجب الإشارة إلى أنه لم أتطرق إلى هذا الموضوع إلا بعد مشاورات مع أستاذي الفاضل الأستاذ الدكتور/ عبد الرحمن عبد الواحد الشجاع الذي شجعني عليه ، ومراسلة علماء أجلاء لهم إسهامات علمية كبيرة حول تاريخ بلاد الشام ، ومنهم الأستاذ الدكتور/ عماد الدين خليل ، والأستاذ الدكتور/ سهيل زكار اللذين شجعاني على استكمال الموضوع.
وأنا هنا لا أدعي بأن هذا الموضوع ــ البحث ــ يُعد أول موضوع يناقش الحياة العلمية في بلاد الشام ، فقد وجدت دراسات سابقة حول ذلك نذكر منها : الحياة العقلية في بلاد الشام ومصر خلال الحروب الصليبية للدكتور/ أحمد بدوي ، وهي تشمل موضوعاً واسعاً.
والحياة العلمية في بلاد الشام في العصرين الأتابكي والأيوبي للدكتور/ أحمد حسين البيسومي التي أخذت مجالاً واسعاً ، وهناك دراسات حول الحياة العلمية ولكنها ليست متخصصة وإنما ضمن دراسة الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية .. مثل كتاب تاريخ بلاد الشام لأحمد إسماعيل علي ، وكتاب الإمارات العربية في بلاد الشام في القرنين الحادي والثاني عشر الميلاديين للدكتور/ محمد محمد مرسي الشيخ ، وغيرها من الكتب.
ونحن هنا لا نقول إلا ما قاله لي الأستاذ الدكتور/ سهيل زكار "يبقى للإنسان منهجه وأسلوبه في تعامله مع الوقائع التاريخية".
منهج الدراسة:
حينما يذكر (المنهج) يتبادر إلى ذهن القارئ أصناف وأنواع المناهج البحثية ، ونحن في علم التاريخ ليس لدينا إلا منهج البحث التاريخي الذي يقوم على تحديد نقطة البحث (مشكلة البحث) وتجميع المعلومات ثم تصنيفها وتحليلها وتحديد العلاقة بينهما ، ثم عرض النتائج وتفسيرها.
وهذا ما قمنا به في بحثنا هذا ، فقد حددت المشكلة البحثية ، وحصرت في إبراز الحياة العلمية في بلاد الشام في القرنين الخامس والسادس الهجريين ، ومن ثم جمع المعلومات والحقائق وتحليلها والجمع بينها واستخلاص النتائج وتفسيرها.
ومن هنا كانت عناصر البحث (العلماء ، الطلاب ، ودور العلم ، ونظام التعليم ، ودور العلماء في محيط مجتمعهم ، والنشاط أو النتاج العلمي) وهي العناصر التي بحثت في فصول هذه الدراسة.وتحت هذه النقاط أو العناصر كانت هناك مجموعة من الخطوات ، ففي مجال المراكز والمدارس والأماكن العلمية لم نسهب في تخصيص حديث عن كل مدرسة أو مركز علمي وإنما لجأنا إلى وضع قوائم حصرية للمدارس وأماكن التعليم في مدن الشام مشيرين إلى اسم المدرسة ومنشأها وتاريخ نشأتها.
وفي مجال نظام التعليم تتبعنا نظم مراحل التعليم رغم شحه المعلومات.
وفي مجال حملة العلم من طلبة وعلماء لم نتوسع في التعريف بالعلماء والترجمة لهم عرضنا فئاتهم وعلاقاتهم ببعضهم وطلابهم بينما أفردنا فصلاً لأثر العلماء في المجتمع ودورهم في تحريك الأمة للجهاد ضد الصليبيين.
وأما مجال النشاط أو النتاج العلمي الذي وزع على ثلاث فصول فقد اتبعنا خطوات منها:
1- عدم التوسع كثيراً في ترجمة العلماء خوفاً من الإطالة ، وإنما ركزنا كثيراً على التعريف السريع بالعالِم ثم النتاج العلمي له.
2- التعرف بشكل مختصر على العلوم السائدة في بلاد الشام دون الحديث عن تاريخ النشأة إلا ما ندر لضرورة ذلك ، ثم نذكر العلماء الذين أسهموا في ذلك العلم ، وكيف كانت طريقة الانتشار في بلاد الشام.
3- كان العلماء في بداية حياتهم العلمية يأخذون العلم من أكثر من عاِلم ، وينتقلون من مكان إلى آخر حباً في طلب العلم ، فكان لبعضهم العشرات من الشيوخ وهذا جعلنا لا نترجم لهم خوفاً من الإطالة والخروج عن الموضوع ، وإنما كنا نذكر سنة الوفاة إذا عثرنا على ذلك.
4- كان العلماء أثناء رحلتهم العلمية يتنقلون من مدينة إلى أخرى في دار الإسلام ، وقد تصل هذه المدن إلى العشرات ، فلم نقم بتعريفها كلها خوفاً من الإطالة ، خاصة إذا وجدت في صفحة واحدة ، وقد قمنا بوضع خرائط في آخر الرسالة تشمل البلاد التي رحل إليها العلماء. بإمكان القارئ العودة إليها عند الحاجة.
5- العلم في هذه الفترة فيه تخصص لكن العلماء يأخذون أكثر من علم ولذلك لهم نتاج علمي في مختلف العلوم ، ولهذا تكرر اسم العالِم في أكثر من علم ولكننا لا نترجم له إلا في العلم الذي برز فيه بشكل كبير ، مع الإشارة في العلم الآخر إلى أن ترجمته قد سبقت في علم كذا ، أو ستأتي في علم كذا.
6- جرت محاولة بقدر الإمكان البحث في ثنايا الفهارس المطبوعة والمخطوطة لعلنا نجد ذلك النتاج العلمي قد نشر أو لا يزال عبارة عن مخطوطة ، ولذلك سيجد القارئ التعريف ببعض النتاج العلمي للعلماء سواء كان منشوراً وما يزال مخطوطاً ، وفي أي مكان من مكتبات العالم ، أما الكتب التي لا نضع لها رقماً وهامشاً فيعني ذلك أنها غير موجودة ولا نعلم عنها شيئاً ، وتركناها لعل المستقبل يعرفنا عليها.
هيكل الدراسة:
تحتوي الرسالة على مقدمة ، وتمهيد ، وفصول سبعة ، وخاتمة.
المقدمة (هذه هي).
التمهيد
الوضع السياسي في بلاد الشام
تحدثت فيه عن موقع بلاد الشام وأهميته على الحياة العلمية ، وتم عرض أهمية بلاد الشام بالنسبة للخلافة العباسية والصراع مع الفاطميين عليها ، وعندما وصلنا إلى القرن الخامس والسادس الهجريين قمنا بتقسيمه إلى ثلاث مراحل من الناحية الزمنية حتى يتضح الوضع السياسي في بلاد الشام في مدة الدراسة:
- المرحلة الأولى : وهي مرحلة ضعف وتمزق امتدت من مطلع القرن الخامس حتى سنة 521 هـ/ 1127م ، وفيها حددنا القوى السياسية التي كانت موجودة على الساحة والصراع الذي كان يحدث بينها.
- المرحلة الثانية : مرحلة القوة وتوحيد القوى الإسلامية في مواجهة الصليبيين ، وتبدأ منذ سنة 522هـ/1128م وحتى سنة 589هـ/1193م ، وكانت تحت حكم عماد الدين زنكي ، ثم نور الدين محمود ، وأخيراً صلاح الدين الأيوبي ، وبينا دورهم الجهادي ضد الصليبيين.
- المرحلة الثالثة : وهي مرحلة الضعف ، وتبدأ من سنة 590هـ/1194م حتى نهاية القرن السادس الهجري.