تجارة البن اليمني - من القرن (11 ـ 13ه / 17 ـ 19م)
الباحث: أ/ أروى أحمد أحمد عبد الله الخطابي
الدرجة العلمية: ماجستير
تاريخ الإقرار: 2004 م
نوع الدراسة: رسالة جامعية
الملخص:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ﴾
صدق الله العظيم
يعد التاريخ الاقتصادي أحد العناصر المكونة للتاريخ العام ، إن لم يكن أهم تلك العناصر على الإطلاق ، إذ أنه يمثل المرآة الحقيقية التي تعكس الأوضاع السياسية والاجتماعية لأي امة من الأمم . وبالرغم من تلك الأهمية ، إلا أن دراسة التاريخ الاقتصادي لليمن لم يحظ بالاهتمام المطلوب ، خاصة في فترة التاريخ الحديث والمعاصر.وربما يرجع السبب في ذلك إلى عزوف الباحثين عن هذه المواضيع نتيجة لقلة المعلومات عنها في المصادر الأصلية . وذلك لكون المؤرخين الأوائل قد أهملوا رصد الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في الفترات التي عاشوا فيها ، مركزين جهودهم على تدوين الأحداث السياسية ، وتتبع الوقائع العسكرية . وما ورد من معلومات اقتصادية أو اجتماعية ضمن تلك المصادر كان يأتي عرضا ، وبدون قصد من المؤرخ. ومع ذلك فان الإشارات الصغيرة، والنصوص القليلة المتعلقة بهذه الجوانب هي زاد الباحث في مجال التاريخ الاقتصادي والاجتماعي لليمن ، وهذا الأمر يتطلب من الباحث أن يكون حصيفا عند تناوله لموضوعة بحيث يستقي من تلك النصوص ما يفيد دون أن يخل بالمعني العام للنص ، أو المعني الذي كان يرمي إليه المؤرخ عند كتابته لذلك النص . إن المسألة الأكثر صعوبة في مجال البحث في التاريخ الاقتصادي لليمن تكمن في كون معظم المصادر الأصلية ما تزال عبارة عن مخطوطات ، ومجاميع مكتوبة بخط اليد مرصوفة في أرفف دور المخطوطات والمكتبات العامة والخاصة ، وتحتاج إلى من يتحمل عبء إخراجها للنور ، وهو المشروع الذي بدأ به الأساتذة الأجلاء في قسم التاريخ بكلية الآداب، وذلك حتى يتمكن الباحثون من الاستفادة منها ، ليس في جوانب التاريخ السياسي فحسب، ولكن أيضا في جوانب التاريخ الاقتصادي والاجتماعي. إن مشروع إخراج هذه المخطوطات إلى النور عن طريق تحقيقها تحقيقا أكاديميا يعد بمثابة البنية التحتية لكافة الدراسات التاريخية في اليمن ، وإذا ما توفرت هذه البنية فسوف يقبل الطلاب والباحثون على تناول موضوعات جديدة ومتعددة تكشف جوانب مهمة من تاريخ اليمن كانت في طي النسيان . إن اختياري لأحد مواضيع التاريخ الاقتصادي ليكون موضوع بحثي لرسالة الماجستير قد جاء محاولة مني للكشف عن جانب مهم من جوانب تاريخ وطننا الحبيب ، وهو تاريخ تجارة البن اليمني الذي ارتبط به اسم البن الجيد في العالم ، ألا وهو (موكا كافيه )( Mucha coffee )، طيلة ثلاثة قرون من الزمن ، ابتداء من القرن الحادي عشر الهجري حتى القرن الثالث عشر الهجري الموفق من القرن السابع عشر الميلادي إلى القرن التاسع عشر الميلادي . وعند اختياري لهذا الموضوع ليكون مجالا لبحثي لم أكن اعرف عن البن سوى انه سلعة نقدية مهمة ، وذات عائد مادي جيد ، ولكني كنت اجهل تاريخه ، والدور الذي لعبه في تاريخ اليمن الحديث ،كما هو الحال بالنسبة لمعظم أبناء اليمن الذين يجهلون أهميته ، لذلك انصرفوا عن زراعته والاهتمام به ، واتجهوا نحو زراعة القات ، وإنما كان دافعي الأول والأخير لتناول هذا البحث هو ما شاهدته من اجتياح أشجار القات للأراضي الزراعية التي كانت تجود بزراعة البن ، وانحسار المساحات المزروعة بالبن يوما بعد يوم ، وما ترتب على ذلك من حرمان اليمن من مصدر دخل مهم ، كان من الممكن أن يعادل في أهميته بعض السلع التجارية العالمية كالقمح والقطن مثلا لو أن المزارعين والدولة أولوه اهتمامهم وعنايتهم . ويعد البن اليمني من المحاصيل الزراعية النقدية المهمة التي حظيت بشهرة عالمية في مجال التجارة والاستهلاك ، وهذا ما جعل اليمن تتحول إلى قبلة لكثير من السفن العربية والإسلامية والأجنبية . بل لقد أصبحت تجارة البن بديلا لتجارة التوابل التي تحولت إلى طريق رأس الرجاء الصالح عقب الكشوفات الجغرافية التي أدت إلى اكتشاف الطريق الجديد والمباشر إلى أوروبا ، وهي الطريق التي أدى اكتشافها إلى حرمان البلدان التي كانت تعتمد في عائداتها المالية على تجارة العبور للتوابل عبر مياهها وأراضيها إلى أوروبا من تلك العائدات . وقد استطاع البن فرض نفسه على ساحة التجارة العالمية بسرعة بالغة، مما انعكس إيجابيا على توفر مبالغ مالية كبيرة في أيدي الأئمة حققت استقراراً نسيباً في بعض الفترات من تاريخ حكمهم ، خاصة فترة حكم الإمام المتوكل على الله إسماعيل ، الذي تمكن من بسط سلطة الدولة على كافة أرجاء اليمن . بل إن الإمام السالف الذكر تمكن لأول مرة من توحيد اليمن من ظفار شرقا حتى حدود ينبع شمالا ، وذلك نتيجة لقوة البلاد الاقتصادية الناجمة عن العائدات المادية الكبيرة من تجارة البن . وعند شروعي بالبحث واجهتني العديد من الصعوبات ، منها ندرة المصادر المتعلقة بالموضوع ، خاصة منها المصادر الأصلية المحلية ، كما سبق أن ذكرت . ولكني حاولت الاستعانة بما تيسر منها ، ولعل أهم ما توفر لي من تلك المصادر هو بعض المخطوطات القيمة، والتي كان البعض منها قد تم تحقيقه مثل مخطوطة بهجة الزمن ليحيى بن الحسين بن القاسم ، ومخطوطة درر نحور الحور العين للطف الله جحاف ، اللتين مثلاتا المعين الذي نهلت منه المعلومات فيما يتعلق بالتجارة الداخلية للبن . والى جانبيهما العديد من المخطوطات الأخرى سواءً المحققة منها أو المطبوعة فقط أي التي نشرت بدون تحقيق ، أو حتى تلك التي ما تزال بخط اليد . أما الصعوبة الأخرى فهي وجود العديد من الأبحاث والدراسات والمعلومات المتصلة بموضوع البحث مكتوبة باللغات الأجنبية ، خاصة اللغة الإنجليزية مما اضطرني لبذل المزيد من الجهد و الوقت لاكتساب هذه اللغة ، وقد كلفني ذلك عامين ونصف لاكتسابها . وقد عكفت بعدها على الإطلاع وترجمة المراجع التي تيسر لي الحصول عليها ومعرفة ما كتبه المؤرخون الأجانب حول البن اليمني . والاستفادة من ذلك في إثراء الموضوع .
ومن أهم الصعوبات التي واجهتني عدم توفر المراجع والمصادر في اليمن ، خاصة المراجع الأجنبية مما اضطرني للبحث عنها خارج اليمن والاتصال بمؤسسات بحثية دولية وبعض المكتبات الأجنبية في هولندا وفرنسا وألمانيا. ومن الصعوبات التي واجهتني أيضا تداخل المعلومات و تشابك العلاقات التجارية ولاقتصادية بين المناطق المختلفة التي عملت في تجارة البن ، وهذا بدوره أوجد مشكلة كبيرة في تكرار تلك المعلومات، وقد بذلت جهدي في التغلب على هذه التكرارات بالإشارة إلى انه سوف يتم تناول الموضوع بالتفصيل لا حقا ، أو الإشارة إلى انه قد سبق شرح ذلك الموضوع سابقا . إن المدة التي شملتها الدراسة طويلة نسبيا ، إذ أنها تغطي مدة ثلاثة قرون من الزمن ، وقد تم اختيار هذه الفترة لكي تغطي المراحل المختلفة لتطور تجارة البن ، منذ ظهور البن ، وانتشاره، وازدهار تجارته عالميا ، ثم مرحلة كسر احتكار اليمن لزراعته وتجارته ، بسبب نجاح الهولنديون في زراعته في جاوه ، ومن ثم تدهور تجارته في اليمن مطلع القرن التاسع عشر ، وانهيارها بشكل شبه نهائي في القرن العشرين . ومن أجل تسهيل دراسة الموضوع تم تقسيم الرسالة إلى أربعة فصول ، حاولت من خلالها الإلمام بالجوانب المختلفة للموضوع .
فقد جاء الفصل الأول بعنوان ظهور البن اليمني ، وقد حاولت من خلاله تغطية العديد من الجوانب مثل التطور اللغوي لكلمات البن والقهوة ومشتقاتهما ، وبداية ظهور البن في اليمن ، وأصل شجرة البن ، والجدل الذي حدث حول شراب القهوة سواء بين علما الدين أو رجال السياسة ، إلى جانب دراسة العوامل الطبيعية والبشرية التي أثرت في زراعة البن ، كما تم البحث في أصناف البن ومناطق زراعته . وأخيرا تم التطرق إلى علاقة البن بالحياة الفكرية والأدبية إلى جانب تفسير العلاقة بينه وبين القات .
أما الفصل الثاني فهو بعنوان التجارة الداخلية للبن اليمني، ومن خلاله حاولت الإلمام بالجانب المحلي في تجارة البن . وقد شمل هذا الفصل دراسة للأسواق الداخلية ، وموانئ التصدير والطرق ووسائل النقل والسماسر والتجار والأسعار والعملات والموازين والمكاييل . كما تم في هذا الفصل أيضا بحث أهمية البن بالنسبة لدخل الدولة ، حيث تمت دراسة طرق جمع الأموال المفروضة على مزارعي وتجار البن ، وتقدير حجم الأموال التي تدخل إلى خزينة الدولة من زراعته وتجارته ، وطريقة صرف تلك الأموال ، وإلى أي مدى استفادت البلاد من ذلك المصدر المادي ، والانعكاسات الحضارية والعمرانية على اليمن .
وفي الفصل الثالث والمعنون بـ الدور العربي الإسلامي في تجارة البن اليمني حاولت توضيح الدور الذي لعبه البن في اقتصاديات المناطق المجاورة لليمن ، وكيف أن البن تحول في بعض المناطق إلى سلعة هامة ترفد خزائنها بالمال الوفير كما حدث في مصر وغيرها من المناطق. وكيف أن العمل في نقل البن أصبح النشاط الرئيس لسكان بعض المناطق مثل العمانيون . لذلك تم توضيح دور كل منطقة على حدة وذلك من أجل رسم صورة تقريبية لما كانت عليه تجارة البن في المناطق القريبة من اليمن.
أما الفصل الرابع والأخير فقد تناولت فيه دور أوروبا وأمريكا في تجارة البن اليمني , ودخول البن ميدان التنافس التجاري العالمي كأحد أهم السلع التي حاولت الشركات الأوربية الكبرى والمتمثلة في شركات الهند الشرقية المختلفة الحصول عليه ، واحتكار تجارته، وحرمان منافسيها من الاستفادة منه . كما تم التعرض لمحاولات الأوروبيين المتكررة لاستزراع البن خارج اليمن ، ونجاح الهولنديين في ذلك ، وأثر ذلك على الوضع الاقتصادي والسياسي في اليمن .وإلى جانب ذلك قمت بدراسة دور أمريكا في تجارة البن اليمني وتنافسها مع بريطانيا في هذا الميدان ، ثم في الأخير أوضحت أهمية البن كأحد أسباب احتلال بريطانيا لعدن عام 1839م . ولما كانت الطرق التجارية التي نقل البن عبرها إلى مختلف أنحاء العالم هي الشريان الرئيس لهذه التجارة فقد حاولت تتبع تلك الطرق وحركة السفن والقوافل التجارية والعوامل المؤثرة فيها، مدعمة دراستي لها بالخرائط التوضيحية لخطوط الملاحة التي سارت فيها السفن التي تحمل البن ، وموضحة أهم المراكز التجارية له سواء في البلاد العربية أو الهند أو فارس أو الدولة العثمانية . عموما أتمنى أن أكون قد أوفيت الموضوع حقه من البحث والدراسة ، مع إقراري بعدم الكمال ، ولكن حسبي أني حاولت الاجتهاد ما استطعت إلى ذلك سبيلا، ولم اعلم بابا للاجتهاد إلا طرقته . فإذا كان لكل عالم هفوة ، فما بالكم بالطالب ، وأنا لا أعدو أن أكون طالبة مازالت تتلمس بداية طريق العلم ، لذلك فانه لابد أن يكون هناك العديد من الهفوات ولكنها قابلة للمراجعة والتصحيح والتعديل والحذف والإضافة في سبيل إخراج الموضوع بالصورة التي تليق به .
كما أتمنى أن يكون هذا الموضوع فاتحة خير على هذا الجانب المهم من جوانب تاريخ اليمن الحديث والمعاصر آلا وهو الجانب الاقتصادي، والذي ما يزال بحاجة إلى الكثير من الأبحاث والدراسات الأكاديمية.