الأعراب في تاريخ اليمن القديم دراسة من خلال النقوش من القرن الأول قبل الميلاد وحتى القرن السادس ميلادي
الباحث:
أ/ علي عبد الرحمن محمد الأشبط
الدرجة العلمية:
ماجستير
تاريخ الإقرار:
2002م
نوع الدراسة:
رسالة جامعية
الملخص:
من الصعوبة بمكان تحديد تسلسل تاريخي لممالك جنوب الجزيرة العربية كسبأ ومعين وحضرموت وقتبان، في ظل غياب كثير من المعطيات الأثرية والنقشية ، إلا أن دراسات الباحثين المختصين ساهمت في إثراء التاريخ اليمني القديم ، واستنتاج تسلسل تاريخي لبعض ممالكها وبصورة خاصة سبأ التي كانت مركز الثقل السياسي والديني. ولا توجد حتى الآن دراسة متخصصة تناولت الأعراب بشكل مستقل وكل ما هنالك تلك الدراسة التي قام بها كريستيان روبان " انتشار العرب البداة في اليمن " ، أضف إلى ذلك بعض الإشارات التي قام بها بعض الدارسين والتي تتناول الموضوع بشكل غير مباشر . تهدف الدراسة إلى إبراز دور الأعراب في تاريخ اليمن القديم ، منذ بداية ظهورهم في القرن الأول قبل الميلاد وحتى نهاية القرن السادس الميلادي ، وإبراز الخلفية التاريخية لهؤلاء القوم ، وهل هم قادمون من الشمال كما ذكر بعض الباحثين . إضافة إلى معرفة أماكن تمركزهم التي ورد ذكرها في النقوش ، في ظل الممالك المسيطرة خلال تلك المراحل ، ودور الأعراب في الأحداث التاريخية ، ومعرفة الأسباب والدوافع التي أدت إلى توغلهم في الممالك اليمنية القديمة. كما هدفت الدراسة إلى محاولة تحديد القبائل التي اتسمت بطابع البداوة الكاملة ، والذين عرفوا بالأعراب في النقوش . وفحص بعض ما جاء من أحداث ووقائع تناولتها كتب المؤرخين العرب والمسلمين ومدى اتفاقها مع ما جاء في النقوش . وتعد قلة المصادر من أهم المشاكل التي صادفت الدراسة ، وعدم اتفاق الباحثين على التسلسل الزمني ( Chronology ) لبعض الفترات التاريخية ، بالإضافة إلى نقص في المعطيات المتاحة للباحثين ، كعدم توفر المصادر الأصلية للنقوش أو صور منها في المكتبات الجامعية ، بالإضافة لنقص تغطية التنقيبات الأثرية لكل مراكز الاستيطان للممالك اليمنية القديمة . أضف إلى ذلك – وهذا هو الأهم – عدم وجود شواهد أثرية أو نقشية تتبعت دراسة هؤلاء القوم بصفة خاصة . كما أن دراسة بعض النقوش المرتبطة بموضوع الدراسة كتبت بلغات مختلفة ( إيطالية وروسية وفرنسية وألمانية ... وغيرها) ، وكانت الترجمة من أهم المعوقات التي صادفت الباحث .
وقد اعتمدت الدراسة على المصادر التالية :
المصادر النقشية : وهي بلا شك تعتبر من المصادر الرئيسية للدراسة ، لأنها الوحيدة التي أعطت إشارات دقيقة ومؤرخة لقبائل ما قبل الإسلام .
كتابات الرواة والإخباريين العرب:
فقد أورد الرواة والنسابة العرب ذكراً للقبائل العربية القديمة وتفرعاتها ، واستكملت هذه الروايات نقص المصادر النقشية الأصلية وذلك في تأريخها لنهاية الدولة الحميرية وبداية الحكم الفارسي على الأقل.
كتابات المؤرخين وعلماء اللغة المعاصرين :
اعتمدت الدراسة على كتابات علماء النقوش العربية الجنوبية ، وتحليلاتهم اللغوية للنقوش التي ورد فيها ذكرٌ للأعراب ، كما اعتمدت على كتابات المؤرخين واستنتاجاتهم لما ورد من أحداث ذكرتها تلك النقوش . وقد استعنا بما وضعه المتخصصون من قوائم للتسلسل الزمني لملوك جنوب الجزيرة ، أهمها ثلاث قوائم مرفقة ضمن ملاحق الدراسة ، وهي تكاد تكون متقاربة إلى حد ما ، من حيث تتابع فترات حكم ملوك جنوب الجزيرة.
لقد قسمت الدراسة إلى مدخل تاريخي وثلاثة فصول وخاتمة وألحقتها بأربعة ملاحق :
التمهيد التاريخي: وهو عبارة عن لمحة تاريخية موجزة استعرضت من خلالها المراحل التي مرت بها الممالك اليمنية القديمة من حيث النشأة والتطور حتى فترات اضمحلالها وتدهورها .
أما الفصل الأول: ( البداوة – الأعراب ) فهو دراسة عامة لمصطلحي البداوة والأعراب ، كمدخل لموضوع الدراسة ، وتتبع نمط حياتهم والأوصاف التي أطلقت عليهم على اعتبار أن ذلك شكل يحدد مفهوم (البداوة) والذي مازال جزءٌ منه ينطبق إلى حدٍ ما على بدو اليوم . فالبداوة هي نمط الحياة في البادية التي يغلب عليها التنقل والترحال، و البادية في المعاجم القديمة والحديثة هي الصحراء والبريّة، كما تم دراسة مسمى ( ع ر ب ) وعلاقته بمفهوم البدو والبادية من خلال أقدم ذكر لهم في الكتابات المسمارية ، والنصوص المصرية ، وما أشار إليه هذا المفهوم عند العبرانيين والفرس ، واليونان والرومان ، وما جاء في النقوش اليمنية القديمة ، و في الجاهلية ، وحتى ظهور الإسلام.
أما الفصل الثاني : الأعراب في تاريخ اليمن القديم ؛ فقد تناولت فيه الدراسة مسمى ( ع ر ب ) ودلالاته في أغلب النقوش اليمنية القديمة ، فوجدنا كثيراً من الدلالات مشتقة من الجذر ( ع ر ب ) تم وضعها في قائمة " لفظ عرب " في الملاحق ، واستعرضنا في هذا الفصل أيضاً بعض تلك الدلالات ، والبدايات الأولى لظهور الأعراب في ممالك جنوب الجزيرة ، من خلال أول ذكر لهم في النقوش اليمنية القديمة التي ترجع إلى القرن الأول قبل الميلاد ، وما تلى ذلك من مواجهات بين الأعراب والسبئيين طوال القرن الأول والقرن الثاني الميلاديين ، وهي الفترة التي شهدت الصراع السبئي الحميري حول اللقب الملكي " ملك سبأ وذي ريدان " واستعان خلاله الجانبان بالجيوش البدوية ، التي استفادت بدورها من ذلك وأغرتهم بمزيد من التغلغل في أراضي الممالك اليمنية في نهاية القرن الثاني.
وفي الفصـل الثالث : الأعراب من القرن الثالث إلى القرن السادس الميلاديين ؛ استعرضت الدراسة ، كيف أن الدولة السبئية تبنت خطة هجومية ضد الأعراب في عهد الملك شعرم أوتر ، وتابع خلفاؤه من بعده نفس تلك السياسة ، التي قادت إلى تفوق الجانب السبئي ، وأصبحت العلاقة مع الكيانات البدوية تنطوي على شيء من الخضوع والتبعية .
وخلال تلك الفترة ظهر دور الأعراب في الصراع القائم بين الكيانات السياسية على الساحة اليمنية ( سبأ – حمير - حضرموت - الأحباش ) الذي انتهى لصالح الجانب الحميري باستلام مقاليد الحكم في مارب أواخر القرن الثالث.
وبمجيء القرن الرابع شهدت العلاقات الحميرية مع البدو الأعراب تطورات جديدة، تمثلت في أنخراط البدو في جيش بدوي خاص ، لتنفيذ الطموحات الحميرية في السيطرة على البلاد. وشكلت بالفعل قوة حقيقية طوال فترة اللقب الملكي " ملوك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت " .
وفي القرن الخامس ، الذي يبدأ بحكم الملك أبي كرب أسعد ، الذي استطاع بذلك الجيش من الأعراب مواصلة سيطرته على أواسط شبه الجزيرة العربية ، ويظهر تطور واضح في وضع الأعراب ، الذين أصبحوا جزءً من اللقب الملكي الطويل "ملوك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم في الطود وتهامة " .
وفي الربع الأول من القرن السادس الميلادي نلاحظ غياب السلطة المركزية في البلاد ، وظهور كيان سياسي جديد قاده الملك يوسف أسأر ( ذو نواس ) ، الذي حمل لقب ملك كل الشعوب ، ورأيناه يخوض حرباً ضد الأحباش بمشاركة الأعراب التابعين له ، وشهدت الفترة دخول الأحباش وتربع الملك أبرهة الحبشي على عرش اليمن،حاملا نفس اللقب الملكي الطويل" ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم في الطود وتهامة ". وينتهي هذا الفصل بتتبع دور الأعراب خلال فترة الحكم الحبشي .