الصلات اليونانية الرومانية باليمن قبل الإسلام
الباحث: أ/ خالد صالح قاسم صالح الشعيبي
الدرجة العلمية: ماجستير
تاريخ الإقرار: 2004 م
نوع الدراسة: رسالة جامعية
الملخص :
المصادر الكلاسيكية ، هي المؤلفات التي ألفها الكتاب اليونان والرومان ، سواء المؤرخون أو الجغرافيون أو الرحالة وغيرهم ، ممن عُني بأوصاف الجزيرة العربية وأخبارها في العصرين اليوناني والروماني[1] . وتعتبر تلك المصادر من أفضل المصادر المدونة عن اليمن القديم ، رغم ما تحمله في طياتها من مبالغة وما يتخللها من أساطير وخيال في معظم الأحيان .
إن تلك المعارف المتراكمة التي تكونت تدريجياً لدى هؤلاء قد جعلت من جزيرة العرب موضع اهتمام كبير ، عند المؤرخين أو الجغرافيين أو الرحالة أو سواهم ممن عنيوا بتناول أوضاع الجزيرة العربية ، وقدمت لنا بالمقابل صورة عامة عن اليمن القديم .
أولاً : ما كتبه اليونان والرومان عن اليمن القديم :
لقد حظي اليمن القديم – كما أسلفنا – باهتمام كبير من قبل الكتاب الكلاسيكيين اليونان والرومان ، ومن خلال ما تناولوه في مؤلفاتهم عن أحوال اليمن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية منذ القرن الخامس قبل الميلاد .
إن الموقع الاستراتيجي الهام لليمن القديم من حيث كونه يتوسط ثلاث قارات كانت مهداً للحضارات منذ القدم هي آسيا شرقاً وإفريقيا غرباً وأوروبا شمالاً ، ومجاورته لمناطق شهدت منذ القدم حضارات مزدهرة ومتطورة كالهند ، وإيران ووادي الرافدين ، ووادي النيل ، والحضارة الإغريقية في بلاد اليونان ، جعل قدماء اليمنيين يقومون بدور التاجر ، حيث كانوا يتاجرون بما لديهم من سلع كاللبان والمر ، ويقومون أيضاً بدور الوسيط التجاري بين أوروبا وجنوب شرق آسيا وشرق إفريقيا والعكس[2] .
ولعل من أهم الأسباب التي أدت إلى سعي الكتاب الكلاسيكيين الحثيث لجمع معارفهم عن شبه الجزيرة العربية هي ارتباط الجزيرة العربية بطريقين هامين في التجارة الدولية آنذاك ، وهما الطريق البري عبر الجزيرة العربية الذي يمتد من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال والطريق البحري عبر البحر الإريتري (Erythraei)* أي أنهما الطريقان التجاريان اللذان يربطان بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط ببلدان حوض المحيط الهندي (البحر العربي على وجه الخصوص)[3].
إضافة إلى ذلك فإن الاختلاف الحضاري والطبيعي ساعد على خلق تبادل بين تلك الحضارات ، ومما زاد من أهمية اليمن القديم ، وزاد بالمقابل من اهتمامات الكتاب الكلاسيكيين في الحديث عنها أنها كانت مصدراً لأنواع من النباتات الطبيعية ، مثل اللبان والمر وغيرها والتي كانت تمثل بالنسبة لتلك المجتمعات سلعاً مقدسة ، وتعتبر أساسية لا غنى عنها في حياة سكان تلك المجتمعات نظراً لاستخداماتها المتعددة ، سواء في الطقوس والشعائر الدينية أو الاستخدامات الطبية وغيرها . مما زاد من شغفهم في الاطلاع والتعرف على كل المعلومات التي تتصل بهذه النباتات ، فكتبوا الكثير من المؤلفات عن هذه النباتات فوصفوا أشجارها وطريقة استخراجها وتحدثوا عن أسعارها في الأسواق العالمية ، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد ، بل تحدثوا عن مناطق إنتاجها وتحدثوا عن طرقها التجارية البرية والبحرية .
كما تضمنت كتاباتهم معلومات عن التنظيمات الحكومية والاجتماعية وما قدموه أيضاً من معلومات عن التسلسل التاريخي "الكرونولوجيا" من خلال ذكرهم لأسماء العديد من ملوك اليمن القديم[4] . إضافة إلى ما شملته كتاباتهم من معلومات دقيقة عن موقع اليمن القديم وموانئه ، كشفت الأهمية الكبيرة التي يحتلها ، والتي جعلت منها محط أنظار الدول الكبرى في العصر القديم للسيطرة عليه وعلى منتجاته الرئيسة كاللبان والمر واحتكار الطرق التجارية البرية والبحرية ،
--------------------------------------------------------------------------------
[1] عبد الله ، يوسف محمد ، "تقديم" في : بلاد اليمن في المصادر الكلاسيكية (دراسة ومختارات) ، جمع وترجمة ، حميد مطيع العواضي ، عبد اللطيف الأدهم ، كتاب الثقافة ، إصدار وزارة الثقافة والسياحة ، صنعاء ، 2001 ، ص5 .
[2] الجرو ، موجز التاريخ السياسي ، ص5 .
* وهي تسمية عامة تشمل البحار المحيطة بالجزيرة : البحر لأحمر والبحر العربي والخليج ، وكلمة إريتري (Erythraei) يونانية معناها الأحمر ، ومع إن هناك بحراً هو البحر الأحمر ، فالكلمة اليونانية لم يقصد بها ذلك البحر في تلك الأزمنة ، إذ إن البحر الأحمر كان يسمى عند الكثير من الجغرافيين الكلاسيكيين خليج العرب أو الخليج العربي ، فالكلمة اليونانية ارتيري تعني في العهد الذي نتحدث عنه ، القسم الشمالي من المحيط الهندي ، وأجزائه ومتفرعاته ، بما في ذلك ، البحر العربي ، وخليج عمان والخليج العربي ، والبحر الأحمر . ينظر : عبد الله ، تقديم ، ص6 ، كذلك الشيبة ، عبد الله حسن ، محاولات تاريخ كتاب دليل البحر الإرتري ، مجلة دراسات يمنية ، إصدار مركز الدراسات والبحوث اليمني، العدد 43 ، صنعاء ، 1991م ، ص108 . ينظر كذلك: زيادة ، نقولا ، دليل البحر الإرتري وتجارة الجزيرة العربية البحرية ، في: كتاب دراسات في تاريخ الجزيرة العربية ، ج2 ، الجزيرة العربية قبل الإسلام ، مطبعة جامعة الملك سعود ، الرياض ، 1984 ، ص263 .
[3] عبد الله ، تقديم ، ص6 .
[4] الجرو ، موجز التاريخ السياسي ، ص50 .