بنو حاتم الهمدانيون (492/626هـ) دراسة سياسية وحضارية
الباحث: أ/ عباس علوي حسين فرحان
الدرجة العلمية: ماجستير
تاريخ الإقرار: 2005م
نوع الدراسة: رسالة جامعية
المقدمـة
إن الدراسات والبحوث الحديثة التي اهتمت بتاريخ اليمن الإسلامي حتى اللحظة ، مازالت متواضعة ولاشك ، أمام عظمة الموروث الثقافي والحضاري الضخم ، الأمر الذي شدني إلى خوض غمار البحث في أحد مواضيعه المهمة التي يكتنفها الغموض ، والأكثر جدلاً بين أوساط المؤرخين القدماء المحدثين .
وتعد دراستنا أحد الإسهامات التي تميط اللثام عن جزءٍ مهم من تاريخ اليمن الإسلامي ، هي الموسومة بـ " بنو حاتم الهمدانيون : دراسة سياسية وحضارية ( 492 هـ - 626 هـ) ، فمن هم بنو حاتم ؟ وهل كانوا يشكلون كياناً اجتماعياً قبلياً ، أم أنهم يمثلون كياناً سياسياً مستقلاً ذا سيادة ؟ في الواقع أن بني حاتم يمثلون المفهومين معاً ، فهم كيان اجتماعي قبلي من همدان ، أقاموا دولةً من دول اليمن المستقلة ، وعُرفت بالدولة الحاتمية الهمدانية ، أو دولة بنو حاتم الهمدانيون ( 492 هـ - 585هـ ) ، لها نُظمها الحضارية ، وتمتلك إرثاً فكرياً وأدبياً تزخر به مؤلفات المؤرخين ، وقامت في مطلع العقد الأخير من القرن الخامس الهجري ، على أراضٍ كانت في الأصل تقع ضمن أملاك الصليحيين ، ومنها صنعاء حاضرة اليمن عاصمة ملكهم الذي أسسه السلطان حاتم بن الغشم المغلسي الهمداني سنة 492 هـ ، وقد حكمت الدولة الحاتمية ثلاث أسر همدانية من يام الحاشدية وهي : أسرة آل الغشم المغلسي الهمداني ( 492 هـ - 510 هـ ) ثُم آل قبيب بن الربيع الهمداني ( 510 هـ - 533 هـ ) ثُم أسرة آل عمران بن الفضل اليامي ( 533 هـ - 585 هـ ) ، فيما جرى تداول السلطة بين حكامها عن طريق الوراثة تارة ، وعن طريق الشورى ( التعيين ) تارة أخرى . ويعد سلاطين آل عمران بن الفضل أشهرَ مَنْ حكم الدولة الهمدانية على الإطلاق ، إذ أدوا منذُ توليهم مقاليد الحكم دوراً مهماً في تغيير ملامح خريطة اليمن السياسية ، وأعادوا صياغتها من جديد ، وأولهم السلطان حاتم بن أحمد بن عمران ( 533 هـ - 557 هـ ) ، الذي مد نفوذه إلى كثير من مناطق اليمن حتى بلغ معاقل أشراف الزيدية ، وهو توسع غير مسبوق ، ولم تشهده الدولة في عهود سلاطينها السابقين ، فسميت الدولة نسبة إلى اسمه ، وفي عهده ظهر الإمام الزيدي أحمد بن سليمان ، وخاض الطرفان حروباً داميةً امتدت نحو عقد من الزمان ، وكادت تنهكهما معاً ، ويعزى شدة التنافس إلى أنهما قد ظهرا عقب وفاة السيدة بنت أحمد ( 532 هـ ) ، ورغبة كل منهما في التوسع على حساب الآخر في المناطق التي كانت تقع تحت نفوذ الصليحيين ، ثم تولى الحكم السلطان علي بن حاتم بن أحمد خلفا لأبيه ( 557 هـ - 585هـ ) ، فكان نهجه السياسي تجاه الزيدية مغايراً تماماً لنهج أبيه ، ودخلت العلاقات الحاتمية الزيدية طوراً جديداً واتسمت بالود والمؤازرة ، غير أن سياسته السلمية لم تحول بينه وبين مواصلة التوسع ، فمد نفوذه إلى المناطق الشمالية والشمالية الغربية ، حتى انحصر نفوذ الإمام أحمد على صعدة فقط ، فكان هذا أقصى توسع بلغته الدولة الحاتمية الهمدانية عبر تاريخها ، ولم تقتصر علاقات سلاطين آل عمران بن الفضل على أشراف الزيدية فحسب ، بل كانوا على صلة وثيقة نسباً ورحماً بآل زريع الياميين أصحاب عدن وأعمالها ، وأثبتت تحالفاتهم ضد خصومهم في المنطقة نجاحاً منقطع النظير وهم في أسوأ الحالات وأحلك الظروف ، انطلاقاً من النجاح الذي حققوه ضد الإمام الزيدي أحمد بن سليمان ، ومروراً بنجاحهم ضد ابن مهدي ، غير أن هذا التعاون والمؤازرة لم يُكتب لهما الاستمرار ، وسرعان ما أخفقوا في صد القوات الأيوبية ذات العدد والعدة ، إذ دخلت القوات الأيوبية بقيادة توران شاه سنة 569هـ ، فاكتسحت المناطق الغربية الساحلية ، والمناطق الجنوبية ، ثم توغلت في المناطق الوسطى ، غير أن صنعاء - وقتذاك - لم تسقط ، إلا في عهد طغتكين بن أيوب سنة 585 هـ ، بعد وقعات متفرقة وسنوات من الحصار ، ثم دخل سلاطين آل حاتم مرحلةً جديدةً ( 585 هـ - 626 هـ ) اتسمت بنفوذهم المحلي على بعض المناطق التي حددتها بنود اتفاقاتهم مع الأيوبيين ، في حين اشتد التنافس بين الأيوبيين والإمام الزيدي عبد الله بن حمزة ، وعندها لم يكن سلاطين آل حاتم بمنأى عن هذا الصراع ، فأدّوا دوراً سياسياً مهماً بدأ أثره واضحاً على مسرح الأحداث حتى خروج القوات الأيوبية من اليمن سنة 626 هـ .
ولما كان بنو حاتم الهمدانيون على هذا النحو المؤثر في الحياة السياسية والحضارية التي شهدتها اليمن خلال القرن السادس الهجري ، فقد داهمتني رغبة جامحة في جمع مادة علمية متكاملة خاصة بهذا الموضوع ، ولا سيما أن الباحثين في تاريخ اليمن الإسلامي لم يسبق لهم إفراده بدراسة مستقلة وشاملة الجوانب ، وإن كان فريق منهم قد عرّج - قليلاً - في سياق دراساتهم إلى التعرض - في نطاق محدود - على بعض مفردات تاريخ آل حاتم ، ومع ذلك كان بعض التناول يكتنفه الغموض واللغط والخطأ بسبب سوء محاولات الاجتهاد .
وفي ضوء هذا ، فقد ارتكزت أهداف الرسالة على بيان جوانب مهمة في تاريخ الدولة الحاتمية وإيضاحها ، وهي الأكثر جدلاً بين المشتغلين بدراسة تاريخ اليمن الإسلامي حتى الآن ، ولعل أهمها :
الوقوف على التاريخ الحقيقي لسقوط الدولة الحاتمية ، الأمر الذي مازال حتى الآن يؤرخ تزامناً مع دخول الحملة الأيوبية الأولى إلى اليمن سنة 569 هـ .
إثبات استقلالية نظام الحكم الحاتمي وسيادته من عدمه ، وهذا الأمر محل خلاف بين المؤرخين أيضاً .
تحديد مذهب سلاطين آل حاتم ، وهذا أمرٌ عقائديٌ بحت بالغ الحساسية في التناول ، وتباينت فيه رؤى المؤرخين ، حتى جاءت محاولات الاجتهاد عند نزر قليل منهم وفق الهوى والملة .
وأياً ما كان الأمر ، فأن أهم أهداف الدراسة هو إبراز دور سلاطين آل حاتم الهمدانيين في الحياة السياسية والحضارية في الحقبة الزمنية الممتدة من سنة 492هـ إلى سنة 626 هـ .
وقد اتبعنا منهجاً يتواءم و موضوع الرسالة وهو المنهج الوصفي التحليلي ، وذلك بعرض الأحداث وطرح آراء المؤرخين واجتهاداتهم الفكرية ، ثم إخضاعها للتحليل والاستنتاج بما هو أقرب للصواب ، على أن ذلك جرى تناوله بموضوعية التزاماً منا بمبدأ الحياد ، ومن دون تكلف أو ميل ، وتجنبنا قدر الإمكان تأثير العاطفة في تفسير الحقائق التاريخية بما يقبله العقل والمنطق .
وتم تقسيم الرسالة إلى تمهيد وخمسة فصول ، فخاتمة تضم أهم النتائج والاستنتاجات التي وصلنا إليها خلال مراحل البحث ، وأوجز هذه الأقسام بما يأتي :
تناولنا في تمهيد الرسالة الأوضاع السياسية في بلاد اليمن منذ منتصف القرن الخامس الهجري حتى قيام الدولة الحاتمية الهمدانية ، وهي الفترة التي شهدت قيام الدولة الصليحية ، التي اتخذت الإسماعيلية مذهباً لها ، واستعرضنا المراحل التاريخية التي مرت بها هذه الدولة ؛ فقد أعلن علي بن محمد الصليحي ثورثه في جبل مسار سنة 439 هـ ، وتمكن من هزيمة الجيوش غير المنتظمة المؤلفة من القوى السياسية المستقلة الموجودة على الساحة اليمنية ، ومنهم أشراف الزيدية وزعماء القبائل ، ثم وجه أنظاره صوب تهامة لمواجهة أقوى الخصوم وأشدهم باساً وهو نجاح . وعلى الرغم من شدة الصراع الصليحي - النجاحي على تهامة إلا أنهما قد عجزا عن حسم التنافس بصورة نهائية ، في حين تمكن علي الصليحي من السيطرة على مناطق جنوب اليمن وشماله ، ثم عاد إلى التغلب على تهامة ، وبذلك تمكن الصليحي من توحيد مناطق اليمن تحت سلطته المركزية بعد أن فقدتها البلاد رَدَحاً من الزمن بمساعدة الفاطميين في مصر لولائه المذهبي إياهم ، ثم تولى مقاليد الحكم المكرم أحمد بن علي عقب مقتل أبيه على يد النجاحيين وساعده في ذلك زوجه السيدة بنت أحمد ، وبذلك تسنى لهما الحفاظ على إنجازات علي الصليحي مدة من الزمن ، ثم ما لبث الصليحيون أن انقسموا على أنفسهم إثر وفاة المكرم أحمد ، وبدأ الوهن يدب في مفاصل الدولة على الرغم من محاولات السيدة بنت أحمد المتكررة في ردع الكيانات السياسية والقبلية الانفصالية عن العودة تحت النفوذ الصليحي ، وهو الأمر الذي مهد لنشوء الدولة الحاتمية الهمدانية لتستقل بحكم صنعاء وأعمالها .
وفي الفصل الأول اجتهدنا في الوقوف على أهم العوامل التي مهدت لنشوء الدولة الحاتمية ، وهي من دون شك تمحورت في مظاهر الضعف التي شهدتها الدولة الصليحية بعد انتقال عاصمتها من صنعاء إلى ذي جبلة في عهد المكرم أحمد وزوجه السيدة بنت أحمد ، فضلاً عن رغبة همدان وآل حاتم أنفسهم في إقامة كيان سياسي مستقل عن الصليحيين على صنعاء وأعمالها ، بعد أن تجرعت همدان مرارة الانقسام بين الأمراء الصليحيين ، وهو الأمر الذي ألقى بظلاله على أمراء آل عمران الحاتميين الذين كانوا حينها من القيادات السياسية والدينية للدولة الصليحية ، وبوفاة الأمير سبأ بن أحمد الصليحي والي صنعاء ومخاليفها سنة 492 هـ ، لم يكن هناك من سببٍ يمنعهم من إقامة دولتهم المستقلة على صنعاء .
ولما كان سلاطين آل حاتم ينحدرون من قبيلة همدان ، فقد عرّجنا في هذا الفصل للتعرف على بطونها وأفخاذها ومساكنها ، وكذا دورها الفعال في رفع راية الإسلام وانتشاره ، ثم تناولنا علاقة همدان بآل البيت ومشايعة غالبيتهم لعلي بن أبي طالب t ، وأعقب ذلك الانتقال إلى تناول سيرة سلاطين آل الغشم المغلسي الهمداني التي تعد أول الأسر الهمدانية الثلاث التي حكمت الدولة ، ابتداءً بالسلطان حاتم بن الغشم المغلسي ، ثم أولاده عبد الله ومعن ، فيما كانت فترة حكمهم قد امتدت من سنة 492 هـ إلى سنة 510 هـ ، وخلالها لم تشهد الدولة أي توسع يذكر ، أما علاقاتهم بالقوى السياسية والقبلية فقد كانت محدودة للغاية ، ثم ولت همدان أسرة آل القبيب بن الربيع للقيام بمقاليد الحكم ؛ إذ عينت السلطان هشام بن القبيب ؛ ويساعده أخوه حماس بهذا الأمر . وبوفاة السلطان هشام انفرد أخوه حماس بالسلطة ، وفي عهدهما شهدت الدولة استقراراً سياسياً غير أنه لم يستمر طويلاً ؛ فقد اختلف إخوة السلطان حماس على الحكم إثر وفاته مباشرة وتنازعوا على السلطة حتى تفرق أمرهم ، فاعتزلتهم همدان ، وذهبت للبحث عمّن هو أهلاً للقيادة دونهم ، ولم يكن حظ هذه الأسرة بأفضل من سابقتها فقد امتدت فترة حكمهم من سنة 510 هـ إلى سنة 533 هـ ، لكنهم كانوا دون المستوى والطموح .
أما الفصل الثاني فقد كرسناه لدراسة العصر الذهبي لدولة بني حاتم الهمدانية ، إذ تولت الحكم أسرة آل عمران بن الفضل اليامي صاحبة المجد والرئاسة في همدان ، وأول سلاطينها حاتم بن أحمد بن عمران ، الذي سعى منذ أن ولّته همدان أمرها إلى توسيع نفوذه على كثير من المناطق ، وفي عهده ظهر الإمام الزيدي أحمد بن سليمان وكان بدوره يحمل ذات النزعة التوسعية ، فتعارضت مصالحهما ، ودخلا في حروب دامية ، غير أن طبيعة الصراع قد تطّلبت محالفة قوى أخرى ، فتحالف السلطان حاتم بن أحمد مع بني عمومته آل زريع الياميين أصحاب عدن وأعمالها ، فيما جرى التنافس بينهما على قبيلة جنب ، لشدة تأثيرها في ميزان الصراع ، فانقسمت بينهما ، وازدادت الحرب ضراوة بين كر وفر ، حتى حسمها السلطان حاتم بن أحمد لصالحه ، ثم تصالح مع الإمام أحمد وتوقف سفك الدماء بين الطرفين ، غير أن التوتر المصحوب بالحذر لم يهدأ إلا بعد أن تولى الحكمَ السلطانُ عليُ بن حاتم خلفاً لأبيه ، فغير سياسته نحو الإمام ودخلت العلاقات الحاتمية الزيدية مرحلة جديدة يسودها الود والتعاون ، وعلى ذلك تحدثنا عن خروج السلطان علي بن حاتم لمناصرة الإمام أحمد بعد أن وَهَنَ أمرُه وناوأه الأشراف القاسميون على الأمر ، وعندها أصبح السلطان علي بن حاتم زعيم المنطقة الأوحد ، واقتصر حكم الإمام أحمد على صعدة فقط ، وشهدت الدولة الحاتمية الهمدانية أقصى اتساعاً لها منذ قيامها سنة 492 هـ ، كما تمكن السلطان علي من قمع دعاة الإسماعيلية المناهضين لحكمه ، بعد أن أدرك حقيقة نياتهم وأطماعهم بالملك الهمداني ، ثم ختمنا هذا الفصل بالحديث عن انضمام القبائل إلى الحلف الحاتمي الزريعي ، ونجاحهم معاً في إلحاق الهزيمة بابن مهدي سنة 569 هـ .
وخصصنا الفصل الثالث لبيان أسباب الحملات الأيوبية وآثارها على آل حاتم وعلى بلاد اليمن عامة ، وأولها حملة توران شاه بن أيوب سنة 569 هـ ، فقد تم لـه الاستيلاء على بلاد ابن مهدي ثم بلاد آل زريع ، ثم توغل إلى المنطقة الوسطى فسيطر عليها ، غير أن صنعاء ومناطق أشراف الزيدية لم تتعرض لأذى القوات الأيوبية إلا في عهد طغتكين بن أيوب . وعلى الرغم من سياسة المهادنة والمصالحات التي اتبعها السلطان علي بن حاتم وأخوه بشر بن حاتم مع الأيوبيين إلا أنها لم تشفع لهما في مواجهة مصيرهما المحتوم وهو اللحاق بركاب ابن مهدي وآل زريع والزعامات القبلية المهزومة ، فسقطت صنعاء علي يد طغتكين سنة 585هـ ، ثم أعقبها سقوط الحصون والمعاقل الحاتمية الواحد تلو الآخر بعد وقعات متفرقة وسنوات من المقاومة والمنعة ، حتى تكللت بالمصالحة بين الطرفين ، فدخل بموجبها بنو حاتم مرحلة جديدة وسميناها مرحلة النفوذ المحلي واستمرت حتى سنة 626هـ ، وهي الفترة التي شهدت ازدياد حدة الصراع السياسي والعسكري بين الأيوبيين والإمام عبد الله بن حمزة ، وعندها لم يجد سلاطين آل حاتم بداً من الدخول في معترك الصراع القائم ، فهو أمر فرضته ظروف الصراع ، وأملته عليهم المصالح الشخصية ، فكانوا أهم القوى السياسية التي أدت دوراً مهماً ، وبدأ تأثيرهم واضحاً في الإخلال بموازين القوى ، إذ لم يتبعوا سياسة ثابتة تحدد علاقاتهم بطرفي الصراع ، فتارة مع الإمام عبد الله ضد الأيوبيين ، وتارة أخرى مع الأيوبيين ضد الإمام ، الأمر الذي تعذر علينا أفراد علاقات آل حاتم مع كل طرف على حده ، نظراً إلى انعكاس تأثيرها في الطرف الآخر سلباً أو إيجاباً ، لذلك تحدثنا عن علاقات آل حاتم مع الطرفين في آن واحد ، تجنباً لتكرار إيراد الأحداث .
وأفردنا الفصل الرابع لبيان المظاهر الحضارية في الدولة الحاتمية الهمدانية ، ويعد هذا الفصل - في تقديري - أهمَّ فصول الرسالة ، فقد تناولنا فيه نظام الحكم السياسي في الدولة ، وكيفية تداول السلطة بين سلاطين الأسر الهمدانية الثلاث ، ودور قضاة همدان وأعيانها في هذا الأمر ، كما أوردنا آراء المؤرخين المتباينة في قضية استقلالية نظام الحكم في الدولة الحاتمية وسيادتها السياسية ، وحللنا مجمل الآراء والاتجاهات الفكرية بغية إيضاح الحقيقة ، استناداً إلى الدلائل الملموسة من الواقع ، كما تناولنا النظم الحضارية الأخرى مثل النظم الإدارية ، والمالية ، والحربية ، وختمنا هذا الفصل بدراسة المذهب الديني الذي اعتنقه سلاطين آل حاتم ، وأوردنا كذلك آراء المؤرخين في هذا الأمر ، إذ انقسمت اتجاهاتهم الفكرية إلى قسمين : فمنهم المؤمن بسمعلة سلاطين آل حاتم ، ومنهم من نفى عنهم ذلك ،غير أننا أخضعنا هذه الآراء كافة للتحليل ثم الاستنباط والاستنتاج ، والاستعانة بالدلائل والقرائن الملموسة بموضوعية ، نظراً إلى حساسية هذه الأمور .
ويعد الفصل الخامس آخر فصول الرسالة ، ويشمل الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في عهد بني حاتم ، وفي الواقع ، فإننا واجهنا صعوبة في الحصول على المعلومات الكافية لإيضاح الصورة كاملة في الجانب الاجتماعي والاقتصادي في عهد سلاطين آل حاتم ، ويعزى ذلك إلى غياب المصادر المكتوبة بخاصة واليمنية منها والمختصة في دراسة هذين الجانبين ليس في هذه الحقبة التاريخية فحسب ، بل في تاريخ اليمن الإسلامي بصورة عامة ، لكننا مع ذلك حاولنا تقريب الصورة قدر الإمكان ، بالاستعانة بالمعلومات الشحيحة والمتفرقة التي حوتها بعض المصنفات الجغرافية والتاريخية ، وختمنا هذا الفصل بالحديث عن النشاط الثقافي ، والإبداع الأدبي والفكري في عهد بني حاتم ، ولما كان الشعر مرآة الحياة الأدبية ، فقد طغى - عن غير قصد منا - على فنون الأدب ونواحي الفكر المختلفة ، فيما بدا واضحاً الدور الفعال الذي قام به سلاطين آل حاتم في الحياة الثقافية والفكرية ، ولا عجب في ذلك ، فهم رموز الأدب والعلم والفقه والفلك في عصرهم ، كما وفروا المناخ الملائم لقيام حركة ثقافية وفكرية راقية ، باحتضانهم لطاقات الفكر من دعاة الإسماعيلية وغيرهم ؛ فنشطت حركة التأليف وارتقى مستوى الإبداع .