موقف أهل المغرب والأندلس من الإسماعيلية قبل تحولها إلى مصر خلال الفترة (270هـ361هـ/883م ـ972م)
الباحث: د/ عبد الرحمن محمد جيلان صغير
الدرجة العلمية: دكتوراه
تاريخ الإقرار: 2005م
نوع الدراسة: رسالة جامعية
المقدمــــة:
يتناول هذا البحث مواقف أهل المغرب والأندلس من الإسماعيلية في جميع جوانبه الفكرية والسياسية والاقتصادية، حيث يتصدى هذا البحث لتوضيح جوانب الصراع الفكري والسياسي والاقتصادي بين سكان المغرب والأندلس من جهة والإسماعيلية وأنصارها من جهة أخرى.
معتمداً على المصادر المبكرة التي ترجع إلى بداية تكوين الإسماعيلية في المغرب على الرغم من أن هذه المصادر حملت في طياتها تناقضات كبيرة بين كتاب الإسماعيلية والسُنّة المناهضة صراحة لها.
فدولة الإسماعيلية تعد أنموذجا واضحا للدولة المذهبية في التاريخ الإسلامي، إذ تتميز بمذهب خاص هو المذهب الإسماعيلي نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، وكانت لشعاراتها المذهبية دور في تكوين دولتها في المغرب، وقد أطلق أهل المغرب على هذه الدولة - الدولة الإسماعيلية- أو (العبيدية) ، نسبة إلى مؤسسها الأول عبيد الله المهدي ، كما أطلق على أتباعها (المشارقة) لقدومهم من الشرق. ولم تعرف هذه الدولة " بالفاطمية " إلا بعد انتقالها إلى مصر وأدركت الإسماعيلية بعد معاناة في المغرب إن هذه المنطقة لا تؤمن لهم أهدافهم وتحقق أحلامهم، فاتجهت أنظارهم إلى مصر ومنها إلى المشرق الإسلامي، لوراثته والقضاء على الخلافة العباسية . وفي سبيل هذا الهدف لجأت الإسماعيلية إلى الدعاية ثم العمل العسكري، وتحقق هذا الحلم – أي السيطرة على مصر- في عهد المعز لدين الله في سُنّة (358هـ/969م) . وبالسيطرة على مصر خضعت الحجاز للإسماعيلية .
وعلى الرغم من أن الدولة الإسماعيلية وهي دولة مذهبية كان هدفها بسط سيادتها على دار الإسلام ، وبخاصة إقامة الدعوة لأئمتها على منابر الحجاز، فإن المصادر التاريخية لم تذكر أن أحداً من أئمتها أدى فريضة الحج ، رغم طول مدة حكمهم للحجاز.
سبب اختيار هذا البحث وأهميته :
لكل عمل باعث ودافع وعامل لاختياري لهذا الموضوع عوامل منها:
أولاً: لقد استثارني عند بحثي الماجستير الذي هو تحقيق الجزء الثاني من كتاب (قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر) للطيب بامخرمة حيث عرض أحداث بلاد المغرب منذ قيام الدولة الإسماعيلية حتى خروجها إلى مصر بما ساقه من ذكر مواجهة أهل المغرب وكذا أهل الأندلس للمذهب الإسماعيلي وحكامه حتى تم رحيلهم إلى مصر، مما شجعني لأن اجعل ذلك موضوعا لرسالة الدكتوراه.
ثانياً: إن تلك المعلومات لم ترو غليلي ولهذا آليت على نفسي البحث المعمق في المصادر والمراجع عن موقف أهل المغرب والأندلس، من الدعوة الإسماعيلية الوافدة عليهم. هل تجاوبوا معها وذابوا فيها ؟ أم تصدوا لها ؟ ما هي المواقف المتخذة ؟ وما هي الوسائل المستخدمة ؟ وما هي العوامل التي أدت إلى نجاح الإسماعيلية في المغرب ؟ وما هي الآثار المترتبة على تلك المواقف على الإسماعيلية ؟ وهل شعرت بأن بقاءها في المغرب محفوف بالمخاطر، أمام وثبات البربر وتقلباتهم، وأمام غارات الأمويين ودسائسهم، وأمام كراهية أهل المغرب لمذهبهم، مما جعل المعز لدين الله ينسبهم إلى الجهل ، ويتمنى أن يمن الله عليه بالرحيل عنهم على أحمد حال .
وليس معنى هذا أننا لن نتحدث عن المواقف المتخذة من قبل الإسماعيلية ضد مناوئيهم بل لا بد من الإشارة الى ذلك لأنها هي سبب موافق أهل المغرب والأندلس من الإسماعيلية .
ثالثاً: أن مثل دراسة هذا الموضوع في حاجة إلى دراسة تاريخية حضارية لبلاد المغرب والأندلس في حقبة شهدت صراعا مذهبيا وسياسيا شديدين، استخدمت فيه العلوم العقلية والنقلية إلى جانب القوة العسكرية بين الإسماعيلية من جهة والقوى المناوئة لها من جهة أخرى .
رابعاً: إن الدراسات التي قام بها عدد من الدارسين للدولة الإسماعيلية في المغرب وحسب اطلاعي ومراسلاتي للجامعات المصرية وخاصة الإسكندرية والأزهر والقاهرة تبين أن مثل هذا الموضوع وهو دراسة موقف أهل تلك البلاد من الإسماعيلية سواء أكانت مع أو ضد في مرحلة من أهم المراحل للدعوة ثم للدولة الإسماعيلية لم تتناوله دراسة مستقلة .
الدراسات السابقة :
على الرغم من وجود دراسات كثيرة الفائدة عن تاريخ الدولة الإسماعيلية في دورها المغربي الا أن ما استطعت الحصول عليه منها لم أجد دراسة انفردت بدراسة موضوعنا إلا فيما تناولته في أسطر أو صفحات قليلة، ويحسن أن أعرض لبعض هذه الدراسات .
لحسن إبراهيم حسن كتابان: عبيد الله المهدي إمام الشيعة الإسماعيلية ومؤسس الدولة الفاطمية في بلاد المغرب، بالاشتراك مع طه أحمد شرف، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1366هـ-1947م . في هذا الكتاب الذي هو ترجمة تناول فيه المؤلف حياة عبيد الله المهدي مبيناً بداية دعوته ثم نجاحها في المغرب ثم انتقاله من سلمية بالشام إلى المغرب وحكمه لها دون ان يتعرض للصراع مع مناوئيه بشكل يوضح موقف أهل المغرب، وكذا أهل الأندلس لوجود قوة تدعي انتمائها لآل البيت، ودراستنا هنا توضح هذا الجانب بشكل مفصل حيث توضح فيه مواجهة الدعوة من قبل أهل المغرب قبل وبعد وصول المهدي وخلفائه .
تاريخ الدولة الفاطمية في المغرب ومصر وسوريا وبلاد العرب، ط3، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1964م . في هذا الكتاب تناول المؤلف فيما يتعلق بتاريخ الدولة الفاطمية الفترة المغربية بداية دعوتها ثم قيام الدولة وفترات حكمها، وهو استعراض تاريخي لم يتناول فيه مواجهة الدولة مع خصومها إلا فيما يخص ثورة أبي يزيد الخارجي معتمداً في دراسته لها على المصادر التاريخية العامة دون التراجم حيث تحمل كتب التراجم معلومات متفرقة عن دور الفقهاء والعلماء في مواجهة الإسماعيلية ودراستنا التي نخصها بهذا البحث سوف تتناول كل أوجه الصراع، والمواجهة سواء كانت فكرية قامت على الحجة والجدال أو مسلحة ونتائجها على كل أطراف الصراع .
المجذوب : عبد العزيز : الصراع المذهبي في أفريقية إلى قيام الدولة الزيرية، الدار التونسية للنشر، تونس، 1395هـ-1975م . هذا الكتاب يعرض الصراع الفكري الذي كان موجودا في شمال إفريقيا في الحقبة التي حددها المؤلف في كتابه وتناول فيها جميع المذاهب سواء كانت سنية او خارجية او زيدية او شيعية، ولم يحدد فيها آثار الصراع على الوضع السياسي لشمال إفريقيا، ونحن بدورنا في بحثنا سنعرض التأثير الفكري على مجريات الحياة السياسية .
محمد أحمد عبد المولى : القوى السنية في المغرب من الفتح حتى قيام الدولة الفاطمية . رسالة ماجستير، جامعة الأسكندرية، 1977م وقد قام الباحث بعرض قوى السنة في المغرب الإسلامي خلال القرنين (الثاني والثالث الهجريين الثامن والتاسع للميلادي)، وبالتحديد منذ تمام الفتح سنة 90هـ / 708م . حتى قيام الدولة الإسماعيلية في سنة 296هـ/908م مبيناً فيها وضع هذه القوى والتنافس الفكري الذي كان حاصلاً فيما بينها . ونحن بدورنا سوف نتناول أثر الفكر في مجريات الأحداث والصراعات وكيف انه أثر على وضع إقليم المغرب السياسي والعسكري والممتد حتى سنة 361هـ / 972م .
لقبال موسى بن علاوة : دور قبيلة كتامة في تاريخ الدولة الفاطمية رسالة دكتوراه ، جامعة عين شمس 1972م ، وقد تناول فيها الباحث دور قبيلة كتامة على مسرح الأحداث في المغرب ، وعلاقتها بالحركة الإسماعيلية منذ القرن الثالث الهجري حتى رحيلها إلى مصر، ونحن بدورنا سنتناول دورها الإيجابي والسلبي في سير الأحداث في المغرب وأثرها على وضعية الدولة الإسماعيلية والأطوار التي لعبتها سواء مع أو ضد الإسماعيلية خلال إقامته هذه الأخيرة في المغرب .
حورية عبده عبد المجيد سلام : علاقة مصر ببلاد المغرب من الفتح العربي حتى قيام الدولة الفاطمية، رسالة دكتوراه ، جامعة القاهرة 1974م ، تناولت فيها علاقة مصر ببلاد المغرب في الفترة المذكورة مبينة دور مصر في تاريخ المغرب السياسي والاقتصادي والثقافي والتكوين البشري ومدى الروابط بين الطرفين المغربي والمصري وقد ركزت الدراسة على بلاد المغرب أكثر من تركيزها على بلاد الأندلس وتناولت الأندلس بشكل مبسط جداً، ونحن في دراستنا نتناول الفكر وأثره على جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية . وأثار هذا الصراع ونتائجه على المغرب والأندلس والقوى التي شاركت فيها المنهـج المتبـع :
تم الاعتماد على المنهج التاريخي الاستردادي في فصول الدراسة حيث حاول الباحث عرض وجهات النظر في الجوانب الفكرية المختلفة لدى أطراف الصراع في المغرب والأندلس ، جامعاً ما أمكن الوصول إليه من مواقف ووقائع وتحليلها، وهي محاولة لا أدعي لها الكمال فالكمال لله تعالى وحده إلا أنها تحمل في طياتها بعض الجديد في أسلوب العرض، ومنهج البحث اللذين يعتمدان المقارنة والموازنة والتحليل ، ومناقشة الآراء المختلفة مناقشة علمية ، ونقدها ولا مناص من دراسة تحليلية بعض المصادر التي اعتمدتها .
كما ترجم الباحث للشخصيات الواردة في المتن، مبيناً تاريخ وفاتها بالهجري، وما يقابله بالميلادي، وكذا اتبع ذلك مع الأحداث السياسية، وتم كذلك التعريف بالمدن وبعض المصطلحات الواردة في الدراسة .
محتويــات الدراســة:
تحتوي الدراسة على مقدمة وتمهيد وفصول خمسة، وخاتمة .
التمهيــد : الأوضاع السياسية في المغرب والأندلس في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)
وفيه نعطي لمحة عن الأوضاع السياسية في المغرب والأندلس في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) .
الفصل الأول: القوى الفكرية المعاصرة للاسماعيلية في المغرب والأندلس :
يشمل الفصل دراسة لقوى الفكر التي عاصرت الإسماعيلية في طور الدعوة، وطور الدولة، سواء كانت هذه القوى سُنيّة ممثلة في أهل السُنّة (مالكية وحنفية وشافعية وأوزاعية وظاهرية) ، حيث نبين فيه أوجه الاتفاق والاختلاف وسر مواجهة أهل السُنّة للشيعة الإسماعيلية وللخوارج ونتائج هذه المواجهة .
الفصل الثاني: مسوغات نجاح الإسماعيلية في المغرب :
وفيه يتم عرض المسوغات الآتية :
المسوغات الفكرية : توضح الدراسة الخلفية الفكرية للاسماعيلية من حيث الاعتقاد بمبدأ الإمامة والولاية، ودروها في إنجاح دعوة الإسماعيلية في المغرب والأسس التي قامت عليها، ومبدأ النص على الأئمة والعصمة، وموقف القوى المخالفة للاسماعيلية في المغرب من هذه المبادئ .
المسوغات السياسية : يبين فيها دور البعد الجغرافي في نجاح دعوة الإسماعيلية، والطبيعة البشرية الموجودة في شمال افريقية، والوسائل التي استخدمتها الإسماعيلية لإقناع جمهور السُنّة، سواء كانت إغراءات مادية أو معنوية، وكذا أتباع سياسة القهر ضد المخالفين، وبث الشائعات لإضعاف خصومها
لتقبل دعوتها.
المسوغات التنظيمية والإدارية : وتنضح منها دقة تنظيم الإسماعيلية وتفانيها في جهازها الدعوي، واهتمامها بالتنظيمات الإدارية وصيغتها بالصيغة المذهبية الإسماعيلية، وكذا الاهتمام بالتنظيم المالي والعسكري .
الفصل الثالث : المواقف الفكرية من الإسماعيلية:
ويقسم هذا الفصل إلى محورين :
المحور الأول: ويتناول محور المواقف الفكرية المعاصرة للاسماعيلية والوسائل المتبعة في ذلك، ومدى تغلغل الإسماعيلية في المجتمع الأندلسي، حيث نجحت في كسب بعض المؤيدين في أوساط الشعراء والعلماء والأمراء .
المحور الثاني: ويتناول محور المواقف الفكرية المعادية للاسماعيلية ووسائلها من الدعاية لمذهب السُنّة وخاصة مذهب مالك عن المغرب، وتشجيع العلماء من المالكية، وإنكار نسب حكام الإسماعيلية ولمز هذه الدولة .
الفصل الرابع: المواقف السياسية والعسكرية:
ويتناول هذا الفصل المواقف العسكرية لقبائل البربر بمختلف توجهاتها، وكذا لقوى الخوارج والسُنّة، والأسباب التي جمعت بينها لمواجهة الإسماعيلية، وتدخل الدولة الأموية في الصراع، والوسائل التي اتبعتها هذه الأخيرة لإضعاف خصومها المشارقة، والتحالفات التي دخلت فيها مع قبائل البربر ونتائج هذا الصراع على المغرب، بل وعلى البحرية الإسلامية في هذه الحقبة قيد الدراسة .
الفصل الخامس: آثار مواقف أهل المغرب والأندلس في تحول الإسماعيلية من المغرب إلى مصر .
ويتناول هذا الفصل توضيح آثار تلك المواقف للسُنّة على الإسماعيلية في النواحي الفكرية، حيث رفض فكرها ، ومن النواحي الاقتصادية نبين وسائل أهل المغرب والأندلس في تطبيق نظام المقاطعة الشاملة مع خصومهم المشارقة ومدى تأثيره على وضعها الاقتصادي، وكذا مشاركة الخوارج في هذا الجانب بقطع طرق التجارة والاكتفاء بالتعامل مع بلاد السودان وأما النواحي السياسية والإدارية والعسكرية ، فيوضح فيه رفض المالكية لتولي مناصب الإسماعيلية، وإن تولي بعض رجالها فبشروط قاسية، كما يبين هذا الفصل دور الدولة الأموية في تشديد الحصار العسكري على الإسماعيلية بما قامت به من الاستيلاء على المنافذ وتقوية أسطولها البحري، ثم يوضح هذا الفصل مدى تأثير كل ما سبق على الإسماعيلية في تحويلها إلى مصر وكذا وسائل الإسماعيلية للسيطرة على مصر .
الخاتمـــة:
وتوضح فيها نتائج البحث:
وفي النهاية…
أتقدم بالشكر والعرفان إلى أستاذي الفاضل الأستاذ الدكتور/ عبد الرحمن عبد الواحد الشجاع، على توجيهاته وملاحظاته التي أفادت في إخراج هذا البحث .
وعسى أن أكون بهذه الدراسة قد أسهمت بشئ مفيد في حقل التاريخ الإسلامي، وان كان التوفيق قد حالفني فهو فضل من الله وحده وإن كان التوفيق قد جانبني فاسأل الله أن يجبر عجزي وقصوري وما توفيقي الا بالله فهو حسبي ونعم الوكيل.