علماء فى سماء الحضارة الاسلامية (عباس ابن فرناس)

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

عباس بن فرناس

هو أبو القاسم عباس بن فرناس بن ورداس التاكنى واصلة من كوره تاكرنا (رندة ) بجنوبي الاندلس في شرقي المثلث الأسبانى وينتمى أسرة من البربر إلى ذلك الجنس النابه الذى أعتنق الإسلام والعروبة في عصر مبكر نشا ابن فرناس بقرطبة في أواخر القرن الثانى من الهجرى (أواخر القرن الثامن الميلادى )ودرس بها وبرع منذ شبابه في الفلسفة والكيمياء والطبيعة والفلك وبرع في نفس الوقت في الشعر والادب والموسيقى وظهر منذ أيام الحكم بن هشام امير الاندلس المتوفى سنة 206 هـ 822 م وعاصر من بعده ولده عبد الرحمن بن الحكم ثم حفيده محمد بن بن عبد الرحمن وحظى لدى هؤلاء الأمراء الثلاثة واتحفهم بما الحه ادهشهم بمخترعاته وتوفى في أواخر أيام الامير محمد وقد أربي الثمانين .
ـ ابن فرناس العالم :
تعلم الحكمة والأدب والشعر وإنتظم بين أعلام العلماء والشعراء الذين يضمهم بلاط الحكم بن هشام بيد أنه ما لبث ان برع في ميدان آخر هو ميدان العلوم البحتة وهو الميدان الحقيقى الذى تفتحت فيه مواهبه المدهشة ذلك أنه أنكب على معالجة البحوث الطبيعية والكيميائية والفلكية ولم يقتصر في معالجتها مثل كثير من أسلافه على النواحى النظرية والتجريبية لكنه اندفع إلى ميدانها العملى وأنتهت تجاربه في ميدان الكيمياء الصناعية إلى إختراع أشياء عظيمة . ( )

ـ عباس ابن فرناس مخترعاً :
أما الأخبار المتصلة بتوليداته وإختراعاته وكشوفاته في ميادين العلوم التجريبية فلدينا نقف عنها لا نغنينا عن تفصيلات نطمح إلى الحصول عليها في المستقبل وهذه النشاطات العلمية كانت تقوم في الغالب على استنباط الحكمة الرياضية وأصولها الأربعة التى تتجسد في علم العدد وعلم الهندسة وعلم الهيئة وعلم الموسيقى وقد إنتهت تجاربه على إختراع عددا من الآلات الرياضية والفلكية والتى كانت تتميز بالدقة والإبتكار ومنها الآله المرسومة " ذات الحلق " لرصد الكواكب السيارة والنجوم والقمر في الليل أو الشمس في النهار . ( )
وقد رفعها ابن فرناس إلى الأمير عبد الرحمن بن الحكم (206 – 378 هـ ) مرفقة بهذه الأبيات التى تعرب عن وظيفتها وفائدتها
قد تم ما حملتنى من الة اعيا الفلاسفة الجهابذ دونى
لو كان بطليموس الهم صنعة لم يشتعل بجداول القانون
فإذا راته الشمس في آفاقها بعثت إليه بنورها الموزون
ومنازل القمر التى حجبت معا دون العيون بكل طالع حين
يبدون فيها بالنهار كما بدات بالليل في ظلمتهن الجول ( )
والآله " ذات الحلق " تتكون من حلقات عدة ربما تصل إلى الست أو السبع ويبلغ قطر الواحد منها حوالى ثلاثة أمتار ونصف المتر متداخلة وفى وسطها كرة معلقة تمثل حركة الكواكب السيارة ويتبين من عملها ان سطوع أشعة الشمس أو القمر يجعل الحلق الذى ركب فيها يتخذ اوضاعا معينة تنعكس على الكرة التى بداخلها في الليل حيث يمكن رصد النجوم والكواكب في مواضعها وفى النهار مراقبة الشمس وقياس الظل ( )
اما الآلة الثانية التى ابتكرها ابن فرناس فهى اله لقياس الزمن سماها ابن فرناس بالميقاتة " ورفعها إلى الأمير محمد بن عبد الرحمن (238 – 273 هـ ) وقد نقش فيها الأبيات الآتية :
إى أننى للدين خير اداة إذا غاب عنكم وقت كل صلاة
ولم تر شمس بالنهار ولم تنر كواكب ليل حالك الظلمات
بيمن إمام المسلمين محمدا تجلت عن الأوقات كل صلاة ( )
ولقد ذكر هذه الاله ابن حيان القرطبي في كتابه المقتبس فقال " وعمل ابن فرناس الاله المسماة الميقاتة " كما ذكر إبن سعيد المغربي بقوله " وعمل الميقاتة لمعرفة الأوقات ورفعها للأمير محمد " ( )
ومن المحتمل جدا ان تكون الميقاته هى ساعة الشمس " ذات الشكل الدائرى الذى يتوسطه محور ظاهر وتستطيع ان تحدد موضع شمس في كل حين وكذلك تحديد الوقت وصنع التقاويم الزمنية وتسمى احيانا " ساعة الرحلة ( ) وقد أصبحت هذه الاله أساسا لإختراع ساعات الماء وساعات الزئبق " وساعات الشمع المشتعل أو التى تعلم بواسطة الأثقال المختلفة أو " الساعات الشمس الدقاقة ، والساعات المائية القاذفة للكرات في قدح معدني وتدور حول محور تظهر فيه النجوم وروسمات من عالم الحيوان أو " ساعات ذات فتحات منسقة الوحدة تلو الأخرى في شكل نصف دائرى وما تلبث أن تبرق كلما جاوزت الساعة الثانية عشرة ليلا في حين يمر فوقها هلال وضاء " ( )
ـ عباس بن فرناس واختراع القلم الحبر
أما الأثر الذى تركه عباس بن فرناس في عمل الكتاب والنساخ والنقلة باختراعه آلة اسطوانية الشكل تستخدم للكتابة والخط وتغذي بالحبر فكان واضحا حيث سهل ممهتم في الكتابة والنشخ ووفر عليهم مؤونة حمل الأقلام والمحابر أينما وجدوا او ساروا ( )
ـ عباس بن فرناس ومحاولة الطيران
على أن أشهر ما إقترن باسم ابن فرناس هى محاولة إختراع آله يستطيع الإنسنا ان يطير بها في الجو وقد انتهى بالفعل إلى القيام بتجربته الخطيرة على مشهد من أهل قرطبة فكسا نفسه الريش ومد لنفسه جنانين على وزن وتقدير قدره ثم صعد ربوة عالية بناحية الرصافه واندفع منها في الهواء طائرا فحلق فيه حتى وقع في مكان على مسافة بعيدة .
واشتهر ابن فرناس بهذه التجربة المدهشة التى ملات مشاهديه من اهل قرطبة رعبا وغعجابا وطار ذكره في كل مكان حتى قال فيه مؤمن بن سعيد أكبر شعراء عصره :ـ
يضم على العنقاء في طيرانها إذا ماكسي جثمانه ريش قشعم ( )
ولقد وصف بعض المؤرخين المعاصرين محاولة ابن فرناس في الطيران فهذا هو ابن سعيد المغربي يقول " إنه احتال في تطيير جثمانه فكسا نفسه الريش على سرق الحرير فتهيأ له أن استطار في الجو واستقل في الهواء محلقا فيه حتى وقع على مسافة بعيدة
اما المغربي فى نفح الطبيب فيقول عن هذه المحاولة " أنه حاول الطيران فكسا نفسه بقوادم النسر وصنع لنفسه جناحين على هيئة اجنحة الطيور وربطها في جسمه بشرائط دقيقة من الحرير المتين ( )
وذكر المؤرخون الكثير عن هذه المحاولة فبعضهم قال " إن أشهرما إقترن باسم عباس بن فرناس هو محاولة إختراع أله يستطيع الإنسان أن يطير بها في الجو"
وذكر د احمد هيكل " ان عباس بن فرناس من اوائل من حاولو الطيران في التاريخ الإنسانى عموما . ( )
غير ان الدكتور حسين مؤنس يميل إلى الإعتقاد أن هذه المحاولة جرت في مدينة بالنسية وليس الرصافة حيث قفز بالرداء الريش والجناحين الكبيرين الذى صنعه لنفسه من على تل في هذه المدينة يسمى " منت انوط " وطار بضعة امتار ثم أختل توازنه حيث ظلت هذه المحاولة عالقة بأذهان اهل بالنسبة زمنا طويلات وعاشت حتى بعد أيام المسلمين بل أن شخصية عباس بن فرناس لا تزال الى يومنا هذا رمزا للفن والإبتكار في نواحى بالنسية " ( )

ـ عباس بن فرناس الكيميائي
كما برع عباس بن فرناس في ابتكار بعض المخترعات الفلكية وكذلك محاولة إختراع أله للطيران فانه كان كيميائيا بارعا حاول تحويل بعض المعادن كالنحاس والرصاص الى الذهب والفضة وكان يوجد في بيته مختبرا كيميائيا مزود بالآلات والأدوات لهذا الغرض كما استعمل النار لاحداث درجات الحرارة لغرض تسخين العناصر والمواد الكيماوية والمعادن التى كان يستخدمها لهذا الغرض لاغراضه في التجارب او لتبخيرها أو لصهرها او لإذابتها ( ) .
وإستطاع ابن فرناس من خلال تجاربه الكيميائية الصناعية إلى إختراع صنع الزجاج من الرمال فكان لظفره بهذا الإكتشاف دوى عظيم وكانت له فيما بعد نتائج باهرة وطارت شهرته في سائر انحاء الأندلس ويقال أيضا أنه استطاع صناعة نوع من الزجاج الطبيعي الشفاف من طحين بعض الاحجار فقد ذكر ابن سعيد المغربي عنه " أنه اول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة" ( )
وبذلك نرى أن عباس بن فرناس كان موسوعيا فقد تبحر في الفلسفة حتى وصف بـ " حكيم الأندلس " كما نبغ في الكشوف والإختراعات في ميادين العلوم التجريبية فأخترع الآلات الدقيقة وارتاد علم الفلك نظريا وعلميا فثبت من بعض المعلومات فيه وحقق حلم الإنسان في الطيران فبدأ يضع خطواته الاولى في بعض تجارب الإنزلاق الجوى أول مرة فى تاريخ البشرية كما عبر عن جهوده في علم الكيمياء فاهتدى إلى صناعة الزجاج وطرق المعادن وإجراء التجارب الكيماوية .
كما تعددت موهبته في ميدان العمارة والنحت والموسيقى والإلحان والعزف وكان شاعراً عظيما ( )

بقلم رمضان رشدان

المراجع والمصادر
1- أندلسيات – د / محمد عبد الله عنان ـ كتاب العربي رقم 20: ص 24
2- عباس بن فرناس من رواد الفكر العربي في الاندلس ـ سوادى عيد محمد ـ مجلة عالم الفكر : ص 155
3- أندلسيات المرجع السابق : ص 25
4- عباس بن فرناس من رواد الفكر العربي في الاندلس : ص 155
5- أندلسيات ـ عبد الله عنان : ص 25
6- عباس بن فرناس من رواد الفكر العربي في الاندلس :ص 155
7- شمس العرب تستطع على الغرب ـ هونكة : ص : 141 ، ص 142
8- معالم تاريخ المغرب والاندلس ـ د / حسين مؤنس : ص 291
9- أندلسيات ـ د/ محمد عبد الله عنان : ص 26
10- عباس بن فرناس من رواد الفكر العربي في الأندلس : ص 159
11- عباس بن فرناس من رواد الفكر العربي في الأندلس : ص 160
12- عباس بن فرناس من رواد الفكر العربي في الأندلس : ص 291
13- عباس بن فرناس من رواد الفكر العربي في الأندلس : ص 162
14- اندلسيات ـ محمد عبد الله عنان : ص 24
15- عباسين فرناس من رواد الفكر العربي في الاندلس : ص 162
16- المرجع السابق : ص 170

بقلم رمضان رشدان

» علماء فى سماء الحضارة الاسلامية ( الخازن )
» علم الميكانيكا ( الحيل ) فى الحضارة الاسلامية
» الكتاب ودوره فى الحياة العلمية والاجتماعية في الحضارة الاسلامية