الهندسة
كانت لدى قدماء المصريين المقدرة على إنجاز مشروعات هندسية متطورة؛ مثل الأهرام الهائلة والمعابد الضخمة، باستخدام أدوات بدائية. وقاموا بتطوير طرق قطع الأحجار ونقل كتل صخرية ضخمة، ووضعها بدقة في أماكنها المقررة من البناء. ولقد بنيت الأهرام على قاعدة مستوية تماما؛ وضبطت اتجاهاتها مع مواقع النجوم.
وكان البناءون و المهندسون وعمال الإنشاء يستخدمون أجزاء من أجسادهم كنظام قياس للطول. وكانت وحدة القياس الأولية هي "الذراع"؛ وهي المسافة من الكوع إلى قمة الإصبع الأوسط من الكف. ورغم اختلافات الحجم بالنسبة لأجزاء الجسد لمختلف العمال؛ فإن ذلك النظام كان لائقا بالنسبة للمشاريع الصغيرة. ولقد استخدم الذراع الملكي، بطول 5 ,52 سم (6, 20 بوصة) كمعيار، في بناء المعابد والأهرام؛ إذ تطلبت دقة أعظم. واستخدم المهندسون والمساحون وعمال الإنشاء أجهزة وأدوات لرصد النجوم وتوجيه الأبنية وفق الاتجاهات الأصلية الأربعة، ولرسم خطوط دقيقة وتحديد الزوايا القائمة.
وهناك عدة نظريات تتعلق بالكيفية التي تمكن بها قدماء المصريين من تشييد الأهرام على قاعدة مستوية تماما. وحسب علماء المصريات الأوائل أن قدماء المصريين كانوا يقومون أولا بقطع شبكة من خنادق ضحلة (سطحية) في صخرة الأساس؛ ثم غمروها بالمياه، وكانت تزال الزيادات من أسطع الجزر البارزة فوق مستوى الماء؛ لتحقيق استواء الأساس الصخري بالتمام. وأما الاعتقاد الحديث، فيقول بأن قدماء المصريين كانوا يكتفون بضمان الاستواء التام – ما أمكن - لقطاعات موزعة حول حواف قاعدة الهرم.
وكانت كتل الحجار الضخمة تقطع من محاجر تقع قريبا نسبيا من مشاريع البناء. وكانت محاجر الحجر الجيري هي الأكثر شيوعا وانتشارا؛ قريبا من مناطق سقارة والجيزة ودهشور، وكان الجرانيت يجلب من محاجر في أسوان. وكانت كتل الأحجار تخطط بفراغات بينها تسمح للعمال بالوقوف. ولم يعثر للآن على مناشير أو معدات تثقيب، ولكن النقوش الجدارية بالمقابر تعطي بعض الدلائل عن الطرق المستخدمة في قطع وصقل جلاميد (كتل) الحجر الجيري أو الجرانيت. وفيها، يستخدم العمال مناشير من النحاس ومثاقيب ومعاول وأزاميل ومطارق للجرانيت. وكان من السهل على الحجر الصلد إتلاف الأدوات النحاسية، ولكن يعتقد بأن العمال كانوا يتغلبون على ذلك بوضع الرمال في الشقوق بين الحجر والأدوات؛ مما يزيد قدرة الأدوات على القطع، نتيجة حدة بلورات الرمل.
وبعد تقطيع الأحجار، فإنها كانت تنقل عن طريق النيل، فوق بوارج خشبية ضخمة؛ ثم تنقل إلى المواقع فوق زلاجات خشبية يجرها مئات العمال أو الثيران. وكانت الزلاجات تجر فوق ممر أملس صقل بطبقة من طين النيل أو الرمل المبلل؛ مما جعل من اليسير تحريك الكتل الضخمة. واستخدم قدماء المصريين عدة أنواع مختلفة من المدارج (الطرق الصاعدة)، داخلية وخارجية، إلى الأهرام؛ من أجل سحب كتل الأحجار الضخمة إلى مواضعها في البناء. وربما استخدموا، في ذلك، روافع خشبية أو برونزية.
ولرفع المسلات، التي يصل وزن أضخمها إلى نحو 500 طن، فإن قدماء المصريين كانوا يقيمون أولا كوما (ركاما) عاليا من الرديم أو الرمال قريبا من الموقع المختار لإقامة المسلة. ثم تسحب المسلة أفقيا إلى أعلى الركام؛ مع مواجهة قاعدتها للأساس. وكان يقام حول الأساس محتوى حجري مربع يشبه الصندوق؛ يملأ بالرمال. وكانت المسلة تسحب، لكي تستقر على الرمال؛ ثم يبدأ العمال في إزالة الرمال من فتحة سفلية في قاع الصندوق الحجري. وبتفريغ الصندوق تدريجيا من الرمال، تتحرك المسلة ببطء داخله؛ حتى تنتصب