العرف القبلي وأثره على الحياة السياسة في اليمن – 1045- 1289هـ / 1635- 1872م
الباحث:
أ / همدان علي حسن المنصوري
الدرجة العلمية:
ماجستير
الجامعة:
جامعة صنعاء
بلد الدراسة:
اليمن
لغة الدراسة:
العربية
تاريخ الإقرار:
2009
نوع الدراسة:
رسالة جامعية
الملخص :
هكذا إتضح دور وتأثير العرف القبلي في تاريخ الدولة القاسمية السياسي منذ أن كانت في فورة قيامها واستطاعت أن تقود الثورة اليمنية لاخراج العثمانيين من البلاد، إلى أن ضعفت تلك الدولة واستطاع هؤلاء العودة ثانية إلى اليمن حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.
وقد مارس العرف دوره ليس في الأوساط القبلية فحسب بل أمتد تأثيره إلى تحديد ورسم مسار العلاقة بين القبيلة والدولة، إلا أن تأثيره جاء متماشياً مع ظروف وطبيعة المرحلة التي – بدون شك – أثرت وتأثرت بهذه الأعراف.
وهنا نستطيع أن نخرج من هذه الدراسة بعدد من النتائج على سبيل الاختصار لا الحصر.
فعلى الصعيد القبلي – القبلي تبين أن إحتكام القبائل لمجموعة من الأعراف قد حافظ على تماسك الكيانات القبلية ووحدتها ونجدتها لبعضها البعض؛ نظراً لتعصب القبائل للأعراف المتوارثة جيل بعد جيل، فقد التزمت القبائل بالقواعد العرفية التي سنتها، والتي تميزت بديمومتها وإجراءاتها التي حددت العلاقات بين القبائل المتعددة، كما حددت علاقة القبائل بالفئات التي تعيش داخل أراضيها أو التي تلجأ إليها. وقد لوحظ على العلاقات القبلية أن تحديد العقوبة والجزاء ووسائل تطبيقها قد أستند إلى القوانين العرفية وأحكامها الأساسية التي اتخذت صوراً متعددة من سيار وضمانة ورفق ورباع وقطاع والتي ساعدت في تحقيق التضامن القبلي.
أما على صعيد العلاقة بين القبيلة والدولة فقد تحددت تلك العلاقة القبلية السائدة، فكان تأثير العرف على الأوضاع السياسية للدولة القاسمية متماشياً مع خصائص وسمات كل مرحلة من مراحل حياتها. حيث كان أئمة الدولة القاسمية منذ نشأتها قد أستغلوا التصرفات الخاطئة من قبل الموظفين والولاه العثمانيين كظلم الأهالي، والجور في جمع الضرائب، واستخدام وسائل التعذيب المختلفة، وذلك لكسب وتأييد القبائل في القيام بالثورة على العثمانيين فقاد الإمام القاسم بن محمد ثورته ضدهم حتى أجبرهم على الاعتراف به وفقاً للصلح الموقع بين الجانبين حينذاك، وانفرد الإمام بحكم بعض المناطق وخاصة في الأقاليم الشمالية مركز قوة الإمام حيث تتمركز التجمعات القبلية في هذه الأقاليم.
وكان ذلك الصلح قد هيأ للإمام المؤيد محمد بن القاسم فرصة إعداد العدة للتصدي للعثمانيين فسعى إلى انتهاز فرصة الانقضاض عليهم، إلا أنه عمل على توطيد علاقته برجال القبائل فمنح زعماءهم الاستقلال الذاتي بحكم مناطقهم، وصرف لهم مقررات شهرية من أجل الحصول على دعمهم له ضد العثمانيين، وبالفعل جاءت الفرصة حين قام العثمانيين بقتل الفقيه حسن العلماني أثناء فترة الصلح بين الجانبين ممادفع القبائل إلى مطالبة الإمام بإعلان الحرب فتمكن بمساعدتهم من الحاق الهزائهم بالعثمانيين واخراجهم من اليمن.
وكان العرف أيضاً عاملاً مساعداً للسلطة في تحقيق أغراضها المركزية خلال هذه المرحلة إذا كان عرف "الرِّباع" من أهم عوامل نجاح حملة الإمام المتوكل إسماعيل في المشرق وما صاحبها من أعراف أمنت بها الأسواق والطرق، ومنح بها "الأمان" وقُضي بها على حركة التمرد، فتحقق الاستقرار وبسط المتوكل سلطته على مختلف مناطق البلاد، بالاعتماد على القوى القبلية التي تكونت منها الفرق العسكرية. كما نجح المتوكل إسماعيل أيضاً في احتواء حركات التمرد في المناطق الشمالية والتي قادها إبراهيم بن محمد المؤيدي، والسيد محمد بن علي الغرباني، وذلك حين مارس الضغط على القبائل التي " أجارتهم" مما دفعها إلى الالتزام وتقديم عرف" الضمانة" و" القطَار" في عدم السماح لأولئك بالتمرد على السلطة. لكن خلفاءه اصطدموا ببعض الدعاة من آل القاسم الذين سعوا إلى الوصول للحكم فدار صراع بينهم وبين الأئمة مما ساعد الزعامات المحلية لرجال القبائل في الاستقلال بإدارة مناطقهم بأنفسهم.
لكن ضعف سلطة الدولة في المرحلة الثانية من حياة الدولة القاسمية قد صبغها بصبغة مغايرة إذ شكل العرف عامل ضغط على السلطة من قبل القبائل التي تمردت وتداعت عرفيا لتحقيق مصالحها في الارتزاق والحصول على المال فضاعف من اضطرابات أوضاع البلاد وجعل السلطة أكثر تقبلاً واعترافاً باحتكام القبائل للعرف، وأكثر ميلاً إلى مدارات القبائل ومنحهم امتيازات في مجالات عدة، فقد منحت بعض القبائل الاستقلال الذاتي، ومنحت البعض ا لآخر الاقطاعات الواسعة من الأراضي والمقرارات الشهرية، وتولى زعماء القبائل مناصب قيادية في قمة السلطة.
وبالتالي فإن كل هذا قد انعكس سلباً على الفترة الأخيرة من حكم الدولة القاسمية، والتي سادت فيها الفوضى وفقد الأئمة أي شرعية في الحكم ما لم يكن بموافقة ودعم قبلي فقد رأينا أن الأئمة في المرحلة الأخيرة للدولة القاسمية كانوا يلجأون إلى استخدام الأساليب والوسائل العرفية للوصول إلى الحكم فقام بعضهم "بذبح العقائر" لطلب نصرة القبائل في إيصاله إلى الحكم وطلب آخر نصرة القبائل في الأخذ بثأره عبر وسيلة عرف " النَّكَف"، واستخدام ثالث عرف الاستجارة لتوفير الحماية والنصرة له، وهكذا.
إن الأئمة قد شاطروا القبائل وعملوا ببعض الأعراف القبلية وكانوا يقومون بذلك لأنهم بهذا يحصلون على رضاء وولاء القبائل وتعضيدها لهم في تحقيق أغراضهم وسياستهم المركزية. كما كان استغلال الأئمة لمفهوم العصبية القبلية وقضايا الأخذ بالثأر والانتصار للأعراف القبلية من الأساليب التي تؤدي إلى حصولهم على تأييد ومناصرة القبائل. وكانت القبائل ترى في تلك السياسة دعم وتشجيع بل واعتراف بالعرف القبلي؛ مما يزيد من ترابط وقوة القبائل، ويتيح لهم الفرصة في تعميم الأحكام العرفية بعد أن كانت محصورة في المحيط القبلي وهو ما تحقق فعلاً، إذ أصبح العرف هو الذي يحكم اليمن بشكل مباشر خلال فترة الفوضى وحتى سقوط الدولة القاسمية بيد العثمانيين سنة 1872م.
- وانطلاقاً مما سبق يمكن الخروج بالتصور الآتي:-
عمل الأئمة في أوائل الدولة القاسمية على استغلال العرف في خدمة أغراضهم السياسية فقد رأينا في هذه الدراسة كيف لعب العرف دوره في العلاقة بين القبيلة والدولة إذ أتضح أن العرف في عصر القوة قد تم توظيفه واستغلاله من قبل الأئمة في صراعهم مع العثمانيين حتى تم إخراجهم من اليمن. كما استغل العرف لتحقيق سياسة الأئمة المركزية فحققوا من خلاله الاستقرار السياسي في المجتمع إذ أن استجابة القبائل للدعوة عبر وسائل العرف أكثر من استجابتهم بوسائل أخرى كما هو واضح في فصول الدراسة.
ونعتقد أن لجؤ الأئمة في عصر القوة للعرف لم يكن نتيجة إيمانهم بهذه الأعراف بقدر ما هو إرضاء للقبائل فقط حتى يحصلوا على طاعتها بل ومناصرتها لهم وتحقيق الاستقرار والطمأنينة في المجتمع فهم بذلك كمن عمل على الإبقاء على العصبية القبلية وإثارتها في مواجهة أعداء السلطة. ورأت القبائل من جانبها أن عمل السلطة ببعض الأعراف يدل على اعترافها بوجود القبيلة وأهميتها في مركزة الدولة علاوة على ما تحصل عليه القبائل من مكاسب مادية.
وإذا أمعنا النظر في الفكرة التي تقول:" إذا قويت الدولة ضعفت القبيلة وإذا ضعفت الدولة قويت القبيلة" نجد أن قوة الدولة تؤدي إلى تلاشي الأعراف وأن ضعفها يؤدي إلى ظهور الأعراف وتسلط القبيلة على الدولة فتكون القبيلة بذلك قد سدت الفراغ الموجود ويصبح العرف رافداً أو قانوناً يحاول الناس من خلاله ضبط أوضاعهم وتنظيم شئون حياتهم.
ويصعب الحكم على أن العمل بالأعراف القبلة له تأثير سلبي على السلطة والعكس، لأن الاحتكام للأعراف القبلية في كل مرحلة كان له ظروفه الخاصة به وبالطريقة التي تم توظيفه حيث نجد أن السلطة قد وظفت العرف لخدمة مصالحها وبسط نفوذها فكان عامل استقرار في حين نجد أن القبيلة قد استغلت العرف في ظروف خاصة لتحقيق مصالحها على حساب السلطة فشكل العرف عامل ضغط على السلطة للحصول على مكاسب مادية.