دور القبيلة في الحياة السياسية اليمنية خلال فترة حكم المملكة المتوكلية اليمانية 1918- 1962
الباحث:
أ/سعيد حميد القليسي
الدرجة العلمية:
ماجستير
تاريخ الإقرار:
10/5/2003 م
نوع الدراسة:
رسالة جامعية
الملخص:
تعد البنية القبلية من أهم السمات الرئيسية التي تتميز بها البنية الاجتماعية في المجتمع اليمني، حيث ظلت القبيلة عبر التاريخ جزء لا يتجزأ من المفهوم العام للأمة والمجتمع اليمني. ولعبت دوراً سياسياً فاعلاً في الحياة السياسية اليمنية، وتمتعت في كثير من حقب التاريخ اليمني, بنفوذ كبير واستقلالية تامة عن أي سلطة مركزية في اليمن ، بل كانت في كثير من الأحيان هي المهيمنة على الدولة والحكم، وما يعرف : " بدولة القبيلة الغالبة أو القوية ", وفي أحيان أخرى تكون مشاركة في الحكم. المهم أنها لم تكن مهمشة من الدولة المركزية القوية, والتي إن حاولت فرض مبدأ " قبيلة الدولة بدلاً من دولة القبيلة " دخلت القبيلة في صراع محموم معها, لمنعها من فرض سيطرتها عليها أو تهميشها . والحقيقة أن فترة حكم المملكة المتوكلية اليمنية (1918-1962م) كانت من أهم فترات التاريخ اليمني التي خضعت فيه القبيلة للدولة المركزية, وعاشت على هامش الحياة السياسية. وبمجرد انتهاء تلك الفترة, استعادت القبيلة دورها ونفوذها السياسي في العهد الجمهوري, وما زالت تحتفظ بذلك النفوذ حتى يومنا هذا. أن ذلك الخضوع القبلي للدولة دفعنا لأن نختار موضوع القبيلة ودورها السياسي, وعلاقتها بالدولة المتوكلية, لنسلط الضوء عليه,ونجعله موضوعا لرسالتنا بعنوان : ((دور القبيلة في الحياة السياسية اليمنية خلال فترة حكم المملكة المتوكلية اليمانية, من 1918إلى1962م)) لنيل درجة الماجستير, في التاريخ الحديث والمعاصر. هناك أمر هام لفت انتباهنا: هو إن هذه القبيلة لعبت أدواراً هامة -عبر مشائخها-خلال تلك الفترة؛ بل إنها تحملت العبء الأكبر في قيام المملكة المتوكلية, وتثبيت أركانها, وبسط سلطتها على مناطق اليمن كافة، كما عملت على الحفاظ على نظام حكمها, فرأيناها تلعب الدور الحاسم في إفشال محاولتي قلب النظام عام 1948م, وعام 1955م. لقد قامت القبائل والمناطق وزعاماتها بكل ذلك, خدمة للسلطة المتوكلية, في الوقت الذي تقوم به تلك السلطة بالسيطرة عليهم, وتبعدهم إلى خارج الحياة السياسية اليمنية. الأمر الذي زاد من اندفاعنا إلى تناول هذا الموضوع، ومحاولة كشف ذلك التناقض القبلي, المتمثل: في مساندة السلطة المتوكلية رغم ما تقوم به من اضطهاد وتهميش للقبيلة ومشائخ اليمن عامة، رغم أن هذه القبيلة وهؤلاء المشائخ لم يخضعوا لأي سلطة مركزية قبل سلطة المملكة, إلا ما ندرا.
ثمة سبب آخر هام, دفعنا إلى اختيار موضوع دور القبيلة في الحياة السياسية اليمنية خلال فترة حكم المملكة المتوكلية اليمانية: وهو غموض ذلك الدور, وغموض العلاقة بين الزعامات القبلية والمشائخ, والسلطة المتوكلية. وعدم وجود دراسة علمية - حسب علمنا - حتى يومنا هذا, تناولت علاقة القبيلة بالحكم المتوكلي, ودورها في الحياة السياسية طوال فترة ذلك الحكم. وقد دفعنا ذلك إلى محاولة الوقوف على طبيعة تلك العلاقة, والدور السياسي الذي لعبته القبيلة والمشائخ في قيام المملكة. وإضافة إلى ذلك فقد حاولنا تسليط الضوء على هشاشة الدور السياسي للمشائخ في الحياة السياسية, نتيجة لنجاح السلطة المتوكلية في السيطرة شبه التامة عليهم وعلى قبائلهم ومناطقهم, وأثر ذلك في ظهور الدور السياسي المعارض لمشائخ اليمن للنظام المتوكلي.
لم يكن الأمر سهلاً أمامي, عندما بدأت البحث عن المادة العلمية لموضوع رسالتي، إذ واجهتني كثير من الصعوبات تمثلت في: قلة المراجع والمصادر، بالإضافة إلى قلة المعلومات عن الدور السياسي للقبيلة, والأسباب التي مكنت السلطة المتوكلية من فرض سيطرتها على القبائل والمشائخ، حيث كانت معظم المراجع والمصادر تشير: إلى أهمية القبائل والمشائخ, وعلاقتهم بالسلطة, في إطار حديثها, إما عن تاريخ الفترة عامة, أو في إطار موضوع فرعي لفترة حكم المملكة المتوكلية. كذلك واجهت تناقضاً وغموضاً في كثير من المعلومات التي جمعتها، مما جعلني أضاعف جهدي بغية الوصول -قدر الإمكان- للحقيقة التاريخية، بعد أن تعذر عليّ الحصول على معلومات من المعاصرين والمشاركين في أحداث فترة الموضوع, بسبب رفض الكثير منهم -بحجة الانشغال- تزويدي بالوثائق والمعلومات اللازمة. ونظرا لأن فترة هذا البحث معاصرة, فقد أثر ذلك في عدم حصولي على بعض المعلومات التي أريدها,والمتعلقة بالبحث, لسببين هما: وجود بعض الشخصيات التي عاصرت الفترة وما زالت على قيد الحياة، ويتمتع بعضهم بمكانة كبيرة في الدولة. ووجود الكثير من الوثائق في أيدي بعض المواطنين. ومع ذلك كله فقد رسم لي الأستاذ الدكتور سيد مصطفى سالم, كثير من الخطوط العريضة لموضوع البحث, مما سهل عليّ –إلى حد كبير- المهمة في تفسير الكثير من جوانب الغموض, كما دلني على المركز الوطني للوثائق, ورئيسه القاضي علي أبو الرجال, الذي وجدت عنده بعض الوثائق وكثير من الصحف التي صدرت في فترة الحكم الملكي،المتعلقة بموضوعي هذا. كذلك أفادتني كثيراً, الوثائق التي حصلت عليها من بعض الأشخاص المعاصرين لأحداث موضوع البحث, والوثائق التي ضمنها الشيخ سنان أبو لحوم, في ملحق كتابه (اليمن، حقائق ووثائق، 1943-1962م) دون تناول محتواها أو تحليلها، وإنما ترك ذلك للباحثين – أمثالي- كما يقول مؤلف الكتاب.
شكلت الوثائق الأجنبية أيضاً رافداً هاماً -بعد تحليلها والتأكد من صحتها- لموضوع البحث, حيث سدت بعض النقص في المعلومات، وهذه الوثائق وضحت كثيراً من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لليمن, خلال فترة الحكم المتوكلي. وهي عبارة: عن تقارير ومذكرات, كتبها دبلوماسيون أجانب إلى وزارتهم الخارجية، وقد أخرج كل من: "Abrahim Alrashid" و"Ingrams" كثيراً من هذه الوثائق من بعض الأرشيفات السرية الغربية, ونشراها في عدة أجزاء. واستكمالاً للفائدة العلمية, أجرينا اتصالات شخصية مع بعض الأشخاص -الذين رغبوا في التعاون معي- الذين عاصروا فترة أحداث البحث.
وبالنسبة لهيكل البحث, فقد قسمت الموضوع إلى تمهيد, وخمسة فصول. وقدمت في التمهيد عرضاً عاماً للقبيلة اليمنية ودورها السياسي في فترة الأئمة والحكم العثماني لليمن، وضحت من خلاله, مفهوم القبيلة اليمنية وأهميتها ومميزاتها, وأهم القبائل اليمنية وبعض الجوانب المتعلقة بها, حتى يسهل فهم الصورة عن القبائل والمناطق وزعاماتها, في فصول الدراسة الحالية.
كما أعطيت لمحة تاريخية عن الدور السياسي للقبيلة قبل تولي الإمام يحيى الإمامة, لتتضح الصورة أيضاً عندما نتعرف على انهيار ذلك الدور, عند قيام المملكة المتوكلية عام 1918م.
أما الباب الأول من الدراسة فقد تناولت فيه: علاقة القبيلة بالإمام يحيى قبل قيام المملكة, وحاولت إبراز دور القبيلة في تنصيب الإمام يحيى إماماً, ثم تدعيم موقفه أمام العثمانيين، والدور العسكري الذي قامت به القبيلة في الحرب ضدهم, والذي أدى إلى حصوله على اعتراف العثمانيين بنفوذه الديني في اليمن, وتقاسم الحكم معه ثم تسلمه الحكم في اليمن بعد خروجهم عام 1918م.
والفصل الثاني خصصته: لدور القبيلة في دعم المملكة المتوكلية وتثبيت أركانها، وفيه: أبرزت دور القبائل في ضم المناطق التي كانت تحت النفوذ العثماني، والتخلص من محمد الإدريسي, المنافس الأبرز للإمام في حكم اليمن.
وقد هدفت من خلال ذلك الى توضيح جانب هام تفتقر إليه معظم الدراسات السابقة: هو الكيفية التي تمكن بها الإمام يحيى من ضم المناطق التي كانت خاضعة للنفوذ العثماني في المناطق الوسطى والجنوبية وبعض المناطق الغربية والشرقية, ونفوذ الإدريسي في بعض المناطق الغربية, كما هدفت إلى توضيح خطوات ومراحل وأحداث عملية الضم تلك. كذلك حاولت إبراز حالة التناقض, المتمثلة: في استعانة السلطة ببعض القبائل لضرب القبائل القوية المعارضة، وفرض سلطة المملكة على مناطق وقبائل اليمن عامة.
أما الفصل الثالث فقد تناولت فيه: النخبة السياسية الحاكمة في فترة حكم المملكة المتوكلية ، وحرصت على إبراز مدى تهميشهم من قبل السلطة, وخاصة في عهد الإمام يحيى الذي استبعد مشائخ القبائل والمناطق نهائيا من المناصب السياسية, بينما أشرك بعض مشائخ المناطق في المناصب الإدارية الدنيا.
أيضا وضحت المناصب المكونة للنخبة وهيكل السلطة المتوكلية, بغرض إلقاء الضوء على الحكومة المتوكلية وأعمالها, في عهد الإمامين يحيى وأحمد, وإبراز مدى احتكار السادة وبعض القضاة للسلطة والنفوذ على حساب المشائخ وغيرهم من الفئات الاجتماعية الأخرى.
وبالنسبة للفصل الرابع فقد تناولت فيه: أساليب السيطرة المتوكلية على القبائل والمشائخ، وفيه وضَحت كيف نجحتْ السلطة المتوكلية في السيطرة على القبائل والمشائخ وإضعافهم, وفرض السلطة المركزية على قبائل ومناطق اليمن كافة.
وقد بيَنت كل أسلوب من أساليب السيطرة بشكل منفرد، وحاولت تحليل كل منها, مفندا آراء بعض الدراسات السابقة, حول بعض تلك الأساليب, وخاصة نظام الرهائن. وتناولت أيضا الآثار السلبية لبعض الأساليب, وخاصة الآثار التي أسهمت في انتهاء الحكم المتوكلي في اليمن.
أما الفصل الخامس والأخير فقد تناولت فيه: المشائخ ونشاطهم السياسي المعارض للحكم المتوكلي, على أساس انهم: هم المعبرون عن آراء قبائلهم ومناطقهم. وقد حرصت بأن أوضح في هذا الفصل: نشاط المشائخ المعارضين لحكم الإمام يحيى, واقتصار ذلك النشاط على مشائخ المناطق الواعين سياسيا, ودور المشائخ عامة في حركة 1948م, وانقلاب 1955م سلباً وإيجاباً.
كما أوضحت في هذا الفصل بدء انخراط بعض مشائخ القبائل في العمل السياسي المعارض في عهد الإمام أحمد, وكيف شكلوا مع مشائخ المناطق قوة معارضة, دخلت في تحالف مع قوى المعارضة الأخرى, كالقضاة والعسكريين والتجار وغيرهم. وناقشت بالتحليل أهداف ذلك التحالف, وتحالف قواه مع الأمير البدر.
وتناولت محاولة ذلك التحالف لتغيير نظام حكم الإمام أحمد في أواخر عهده, ونتائج تلك المحاولة. بينت أيضا نشاط أولئك المشائخ السياسيين المعارضين, وحلفائهم, وتفكك عرى ذلك التحالف في نهاية حكم المملكة المتوكلية, ودخول قواه –وآخرها قوة المشائخ الذين ظلوا على تحالفهم مع البدر حتى تنكر لهم عندما تولى الحكم بعد أبيه- في تحالف جديد, بقيادة تنظيم الضباط الأحرار, الذي قاد ثورة 26 سبتمبر عام 1962م التي أنهت الحكم الملكي وأقامت النظام الجمهوري في اليمن.
وتجدر الإشارة إلى أنني لم أكتف بطريقة السرد التاريخي في تناول أحداث الموضوع فحسب؛ بل اعتمدت على أسلوب التحليل والمقارنة والاستنتاج لكل مجريات الأحداث والمعلومات التي جمعتها من المراجع والوثائق.