تطور الفكر السياسي في اليمن (1930-1962) دراسة تاريخية
الباحث: أ/ إسماعيل عبده قحطان
الدرجة العلمية: ماجستير
تاريخ الإقرار: 2005م
نوع الدراسة: رسالة جامعية
الملخص:
شهد اليمن في النصف الأول من القرن العشرين الميلادي صراعات سياسية عديدة ، تمثلت في بداية القرن بالصراع العثماني - الانجليزي . ومع نهاية الحرب العالمية الأولى وخروج الأتراك من شمال اليمن ، وقيام حكومة يمنية مستقلة شهدت الساحة اليمنية صراعا يمنيا - انجليزيا . وصراعا يمنيا - سعوديا ، إضافة إلى الصراعات الداخلية .
وقد أخذ الصراع اليمني - الانجليزي ثلاثة أوجه ، الوجه الأول الصراع الحدودي بين المملكة المتوكلية اليمنية في الشمال ، والاستعمار البريطاني في الجنوب. والوجه الثاني المقاومة اليمنية المسلحة في المحميات ضد النفوذ الانجليزي. والوجه الثالث المقاومة المدنية في مدينة عدن حيث أخذ الصراع شكلا مختلفا تماما عما كان يحدث في الحدود بين شطري اليمن أو في المحميات . حيث شهدت مدينة عدن نشوء جماعات سياسية مؤيدة للوجود الانجليزي ، مثل الجمعية العدنية ، ورابطة أبناء الجنوب العربي ، رأت إمكانية التعايش معه ، كونه سيساعد على رقي مدينة عدن ورفع مستواها في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وهذا النوع من التفكير أدى إلى ظهور تيار معارض له ، وقد اعتمد التيار المعارض، الوسائل السلمية ( كتابات في الصحف ، بيانات ، كتيبات ) للتعبير عن رفضه للتعايش مع الاستعمار الانجليزي ، وعزل عدن أو المحميات عن نطاقها الجغرافي اليمني .
ونتيجة لذلك فقد شهدت مدينة عدن قيام تنظيمات سياسية عديدة متصارعة فيما بينها ، كانت الصحف والمنشورات والكتيبات هي الوسائل المستخدمة في هذا الصراع ، مما أدى إلى تكون وعي سياسي لم تشهده اليمن من قبل .
أما في الشمال فقد ولدت الهزائم العسكرية التي منيت بها الحكومة المتوكلية أمام جيرانها السعوديين في الشمال وأمام الانجليز في الجنوب عام 1934م ، تذمرا في أوساط الشباب المستنير الذين أخذوا يوجهون النقد ، للسياسة الداخلية للإمام يحيى حميد الدين على اعتبار أنها تشكل السبب الرئيسي لهذه الهزائم الخارجية . وقد أدى ذلك إلى تكون حركة رافضة لسياسات الإمام ، وأساليب حكمه .
وقد اتخذ نقد السياسة الداخلية للإمام في بداية الأمر شكل التلميح والنصح عبر كتابات كان أهمها ما كتبه المستنيرون في مجلة الحكمة اليمانية . لكن إصرار الحكومة المتوكلية على السير على نفس السياسة الداخلية، دفع بمجموعة من المستنيرين للانتقال من الشمال الى مستعمرة عدن ، حيث بدأت المعارضة العلنية ، ابتداء من عام 1944م . وسعت في البداية لإصلاح الوضع الداخلي للدولة دون المساس بنظام الإمامة . لكن هذا النوع من المعارضة سرعان ما تبدل إلى مطالبة بتغيير نظام الإمامة نفسه واستبداله بالنظام الجمهوري ، خاصة بعد أن فشلت محاولتان انقلابيتان في 1948م ، و1955م ، في تغيير الإمام بإمام أخر ، يمكن أن يقوم بإصلاح الأوضاع الداخلية .
وقد لفت نظري هذا التطور في التفكير السياسي عند حركة المعارضة في الشمال والحركة الوطنية في الجنوب . ولم أجد دراسات أكاديمية متخصصة كرست لتتبع تطور الفكر السياسي في اليمن شماله وجنوبه ، في الفترة الممتدة من عام 1930م ، وحتى قيام النظام الجمهوري في الشمال عام 1962م . فكان هذا دافعا لي للاشتغال بهذا الموضوع . وهذا التحديد للإطار الزمني لهذه الدراسة (1930- 1962م) سيمكن الباحث من تتبع الفكر السياسي في اليمن منذ بداياته الملموسة التي عبرت عنها كتابات من يمكن تسميتهم بالمستنيرين في شمال اليمن وكتابات بعض أبناء الأسر العدنية المتعلمة في الجنوب في عقد الثلاثينات من القرن الماضي ، وحتى عشية ثورة سبتمبر1962م.
وتكمن أهمية الفترة التاريخية موضع الدراسة في أنها تعد مرحلة تحول خطير في تاريخ اليمن الحديث . فهي المرحلة التي شهدت نهاية الحكم الأمامي في الشمال، ونمت فيها عوامل الثورة على الوجود الاستعماري في الجنوب ، الذي أنهى احتلاله لمستعمرة عدن فيما بعد (عام 1967م) .
لقد شهدت هذه الفترة موضع الدراسة ، بدايات نشوء فكر سياسي تبلور وتمحور حول موضوعات محددة منها ألإمامة ثم الإمامة الدستورية ؛ ثم الجمهورية في الشمال ؛ كما شهد فكرة عدن للعدنيين في الجنوب ، ثم مشروع الجنوب العربي ومقابله الجنوب اليمني وغيرها من الموضوعات والأفكار و المشاريع التي ساهم الجدل حولها في إغناء الحياة الفكرية - السياسية وإنضاجها حتى عشية ثورة 1962م في الشمال التي شكلت منطلقاً لثورة 14أكتوبر 1963م في الجنوب .
وبما أن تطور الفكر السياسي في اليمن خلال الفترة التي جعلنا منها إطارا زمنيا لهذا البحث ، لم يحظ بدراسات عميقة قائمة بذاتها ، واقتصر الحديث عنه في الكتابات والدراسات المختلفة إما على شكل تناولات موجزة وسريعة أو على شكل إشارات عابرة ضمن سياق دراسات تاريخية متعددة الجوانب مثل كتاب حركة المعارضة اليمنية للدكتور أحمد قايد الصايدي ، وكتاب مجلة الحكمة اليمانية للدكتور سيد مصطفى سالم ، وكتاب تطور مسار الحركة الوطنية في اليمن الديمقراطية لعادل رضا ، وكتاب معالم تاريخ اليمن المعاصر 1905-1948 للدكتور عبد العزيز المسعودي. فان دراستنا هذه قد اعتمدت اعتماداً أساسياً على المصادر الأولية المتمثلة بالكتابات الصادرة عن الحركات السياسية في الشمال والجنوب ، المتناثرة في المجلات والصحف والمنشورات والكتيبات والبرامج المعلنة على مدى ثلث قرن تقريباًً، بقصد استخراج الآراء والتصورات والاجتهادات ذات الطابع الفكري السياسي .
لقد ركزت الدراسة التي بين ايدينا على تطور الفكر السياسي خلال الفترة من 1930م - 1962م ، والمؤثرات الفكرية التي أدت إلى هذا التطور . وأثر هذا التطور على الأوضاع الداخلية لليمن . إذ أدى إلى إضعاف سلطة الحكومة المتوكلية في الشمال ثم سقوطها ، وكذلك إضعاف سلطة الاستعمار الانجليزي في الجنوب ، وفي النهاية خروجه منه.
كما ركزت الدراسة على أهم القضايا التي تناولها الفكر السياسي في شمال اليمن ، وأهم القضايا التي تناولها الفكر السياسي في جنوب اليمن ، ثم أهم القضايا التي كانت قاسما مشتركا للفكر السياسي اليمني في عموم اليمن . وبذلك يمكن أن تُعد هذه الدراسة محاولة تناولت الفكر السياسي في اليمن كله (شماله وجنوبه) خلال الثلاثين عاما التي سبقت قيام ثورة 1962م ، دون الاقتصار على دراسة جزء من اليمن دون آخر .
وقد اعترضت الباحث مجموعة من الصعوبات في هذا الموضوع منها قلة المصادر ، وتناثر المعلومات في الوثائق التي لم ينل معظمها حظه من الحفظ ، مما اضطر الباحث للتنقل بين المدن اليمنية الرئيسية للبحث أما عن بعض ما تبقى من هذه الوثائق في مكتباتها العامة ، أو عن الشخصيات المساهمة في تلك الفترة والتي تمتلك بعضا منها.
وقد قسم الباحث دراسته هذه إلى تمهيد ، وأربعة فصول ، وخاتمة .
تناول التمهيد نبذة مختصرة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كل من المملكة المتوكلية ومستعمرة عدن ومحمياتها.
وتناول الفصل الأول: المؤثرات التي ساهمت في تشكل وتطور الفكر السياسي في اليمن ، ومنها مؤثرات داخلية ، كالمؤثرات التراثية ، المتمثلة في الفكر السياسي الإسلامي ، وسياسات المملكة المتوكلية الداخلية والخارجية ، وانقلاب 1948م وتأثيرات فشله ، وانقلاب 1955م وفشله وما أثير من جدل سياسي حوله ، والاستعمار في الجنوب وسياساته ، والمنظمات والأحزاب المحلية ، التي كان لها دور في التأثير على تطور الفكر السياسي والحركة الوطنية . ومؤثرات خارجية ، تمثلت في كتابات المفكرين العرب من ذوي الاتجاهات الإسلامية والاتجاهات العروبية الاستقلالية خلال القرن التاسع عشر وحتى أواخر العهد التركي ، كما تمثلت في القضية الفلسطينية ، وثورة 1952م في مصر وأطروحات الأحزاب القومية والإسلامية والشيوعية ، وتحقق أول محاولة وحدوية عربية (وحدة مصر وسوريا) ثم فشلها .
أما الفصل الثاني: فقد تطرق إلى أهم القضايا التي تناولها الفكر السياسي اليمني في شمال اليمن ، وهي فكرة الإمامة التي حُكم اليمن بواسطتها لفترة تزيد عن ألف عام ، وفكرة الإمامة الدستورية التي طرحتها حركة الأحرار اليمنيين ، كبديل للحكم الامامي المطلق ، وفكرة الجمهورية التي تبناها الأحرار اليمنيين بديلا عن فكرة الإمامة الدستورية بعد فشلهم في انقلابي 1948م ، و1955م .
وتناول الفصل الثالث: أهم قضايا الفكر السياسي في جنوب اليمن ، وهي : فكرة الحكم الذاتي لمستعمرة عدن . وفكرة الجنوب العربي ، التي دعت إلى قيام حكم يضم عدن والمحميات دون الاعتراف بكونها يمنية . وفكرة الجنوب اليمني التي كانت فكرة مضادة للفكرتين السابقتين الداعيتين إلى فصل عدن عن بقية أجزاء اليمن تحت شعار (عدن للعدنيين) ، وفصل عدن ومحمياتها عن شمال اليمن تحت اسم (الجنوب العربي) .
أما الفصل الرابع والأخير: فقد تناول أهم قضايا الفكر السياسي اليمني في عموم اليمن ومنها الوحدة الاسلامية والوحدة العربية والوحدة اليمنية ، والقضية الفلسطينية والاستعمار .
أما الخاتمة : فقد تضمنت خلاصة عامة للبحث وأهم النتائج التي توصل إليها الباحث .
ختاماً لا يسعني هنا إلا أن أتقدم بوافر الشكر والتقدير لأستاذي الفاضل الأستاذ الدكتور/ أحمد قايد الصايدي ، الذي ما برح يتعهدني بالعناية والرعاية والتوجيه طوال فترة إعداد البحث ، وهو كرم منه مهما تحدثت عنه فلن توفيه كلمات الشكر والعرفان حقه ، إذ لم يكن مجرد قدوة علمية لي فحسب ، بل كان أباً حنوناً حباني بعطفه وتشجيعه وملاحظاته القيمة . فله أرفع شكري وامتناني، عرفاناً مني بالجميل ، وأنه لشرف لي أن أكون واحداً من تلاميذه ، فجزاه الله عني خير الجزاء.
وأتقدم بالشكر الجزيل لوالدي وأستاذي القدير الأستاذ الدكتور/ محمود الشعبي رئيس قسم التاريخ ، وأستاذي الدكتور محمد عبد العزيز يسر عميد الكلية وجميع موظفي الكلية والدراسات العليا في جامعة صنعاء.
كما أعبر عن امتناني لكل من قدم لي المساعدة في الحصول على الوثائق والمصادر المتعلقة بتلك الفترة وأخص بالشكر مركز ادريس حنبلة في مدينة عدن ، ومجلس إدارته وعلى رأسه الأخ علي عبده سالم ، الذي قدم لي يد العون وأمدني بالكثير من الوثائق الخاصة بالتنظيمات السياسية لتلك الفترة .
والاخوة موظفي المكتبة الوطنية في مدينة عدن ( مكتبة باذيب ) ، الذين كانوا مثالا للموظفين المتعاونين مع الباحثين فأتاحوا لي فرصة نقل وتصوير كل ما احتجت اليه .
واقدم شكري الجزيل لمركز الدراسات والبحوث بمدينة عدن ولموظفيه ، وللدكتور مرشد شمسان الذي تكرم فزودني بالعديد من الوثائق المفيدة .
والشكر موصول أيضا لموظفي مكتبة المتحف الحربي بصنعاء ، وموظفي المكتبة المركزية بصنعاء وموظفي مكتبة كلية الآداب على ما قدموه لي من مساعدة في الحصول على ما توفر لديهم من مصادر ومراجع .
ولا يفوتني هنا أن أشكر كل من ساهم أو قدم لي يد العون والمساعدة من الأقارب والأصدقاء والزملاء .
وأخيراً فإني اجتهدت قدر طاقتي لإخراج هذه الدراسة على هذه الصورة المتواضعة ، فإن كان قد حالفني التوفيق وحققت من ذلك فائدة ، فلله وحده الحمد على ذلك ، وإلا فأرجو ألا أحرم أجر المجتهد ، والكمال لله وحده.
والله أسال التوفيق والسداد